أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ ، قَالَتْ : فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا ، فَخَرَجَ سَهْمِي ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي ، وَأُنْزَلُ فِيهِ مَسِيرَنَا ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ ، وَقَفَلَ ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ بِالرَّحِيلِ لَيْلَةً ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا فِي الرَّحِيلِ ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي ، رَجَعْتُ فَلَمَسْتُ صَدْرِي ، فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ قَدْ وَقَعَ فَرَجَعْتُ ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي ، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَمَلُوا هَوْدَجِي وَرَحَلُوهُ عَلَى الْبَعِيرِ الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ ، فَرَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ ، فَلَمَّا بَعَثُوا وَسَارَ الْجَيْشُ ، وَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ ، وَلَيْسَ بِهَا دَاعِي وَلَا مُجِيبٌ ، فَأَقَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ عَرَّسَ فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي ، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي ، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِ اسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي ، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي ، وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي بِكَلِمَةٍ ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا ، فَرَكِبْتُهُ ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، فَهَلَكَ فِي شَأْنِي مَنْ هَلَكَ ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُهَا شَهْرًا ، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيبُنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنِّي لَا أَرَى مِنْهُ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَاهُ مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي ، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ : " كَيْفَ تِيكُمْ ؟ " ، فَيُرِيبُنِي ذَلِكَ ، وَلَا أَشْعُرُ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ مِنْ مَرَضِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قَبْلَ الْمَنَاصِعِ ، وَهِيَ مُتَبَرَّزُنَا ، وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ ، وَذَلِكَ أَنَّا نَكْرَهُ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا ، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ قُرْبَ بُيُوتِنَا ، فَانْطَلَقْتُ وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ ، فَأَقْبَلْنَا حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا لِنَأَتِيَ الْبَيْتَ ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا ، فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَحٌ ، فَقُلْتُ لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْتِ ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ فَقَالَتْ : أَيْ هَنْتَاهُ ، أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : وَمَا قَالَ ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي ، وَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : " كَيْفَ تِيكُمْ ؟ " ، فَقُلْتُ : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ ؟ ، وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا ، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ ، فَقُلْتُ لِأُمِّي : يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ ؟ ، قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّةَ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا ، وَلَهَا ضَرَائِرُ ، إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَوَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِذَلِكَ ؟ قَالَتْ : فَمَكَثْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ أُصْبِحُ وَأَبْكِي ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَشِيرَهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ ، وَذَلِكَ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ ، فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَمَا لَهُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوِدِّ ، فَقَالَ : هُمْ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا ، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ : لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ ، قَالَتْ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ ، فَقَالَ : " أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنَ عَائِشَةَ شَيْئًا يُرِيبُكِ ؟ " ، قَالَتْ بَرِيرَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِضُهُ عَلَيْهَا ، أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَيَدْخُلُ الدَّاجِنُ فَيَأْكُلُهُ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي ؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي " ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا تَقْتُلُهُ ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا ، وَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقُ كَبِدِي ، فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي ، إِذِ اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَأَذِنْتُ لَهَا ، فَجَلَسَتْ مَعِي ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى حَالِنَا ذَلِكَ ، إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ ، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ قَبْلَ يَوْمِي ذَلِكَ مُذْ كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا كَانَ ، وَلَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ ، قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي يَا عَائِشَةُ عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِالذَّنْبِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ " ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أَحِسُّ مِنْهُ بِقَطْرَةٍ ، فَقُلْتُ لِأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ لِأُمِّي : أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ لَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ : إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِذَاكَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي بَرِيئَةٌ لَمْ تُصَدِّقُونِي ، وَإِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونِي ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَجِدُ مَثَلِي وَمَثَلَكُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : {{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }} ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُنَزِّلُ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى ، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى ، وَلَكِنْ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ ، وَلَا خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ أَحَدٌ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا ، أَنْ قَالَ : " يَا عَائِشَةُ ، أَمَا وَاللَّهِ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ " ، فَقَالَتْ لِي أُمِّي : قُومِي إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ الَّذِي هُوَ أَنْزَلَ بَرَاءَتِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {{ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ }} ، الْعَشْرُ الْآيَاتُ ، قَالَتْ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي بَرَاءَتِي ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَنْفِقُ عَلَيْهِ أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ }} ، إِلَى قَوْلِهِ : {{ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }} ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي ، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ بِالنَّفَقَةِ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا ، قَالَتْ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي مَا عَلِمْتِ وَمَا رَأَيْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا ، قَالَتْ : وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ ، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنَ الْحَدِيثِ ، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَسَدُّ اقْتِصَاصًا ، وَقَدْ وَعَيْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ ، وَبَعْضُهُمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا ، ذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعَهُ ، قَالَتْ : فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا ، فَخَرَجَ سَهْمِي ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي ، وَأُنْزَلُ فِيهِ مَسِيرَنَا ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ ، وَقَفَلَ ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ بِالرَّحِيلِ لَيْلَةً ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا فِي الرَّحِيلِ ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي ، رَجَعْتُ فَلَمَسْتُ صَدْرِي ، فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ قَدْ وَقَعَ فَرَجَعْتُ ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي ، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَحَمَلُوا هَوْدَجِي وَرَحَلُوهُ عَلَى الْبَعِيرِ الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ ، فَرَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ ، فَلَمَّا بَعَثُوا وَسَارَ الْجَيْشُ ، وَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ ، وَلَيْسَ بِهَا دَاعِي وَلَا مُجِيبٌ ، فَأَقَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ عَرَّسَ فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي ، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي ، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِ اسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي ، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي ، وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي بِكَلِمَةٍ ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا ، فَرَكِبْتُهُ ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، فَهَلَكَ فِي شَأْنِي مَنْ هَلَكَ ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُهَا شَهْرًا ، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيبُنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، لِأَنِّي لَا أَرَى مِنْهُ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَاهُ مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي ، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَيَقُولُ : كَيْفَ تِيكُمْ ؟ ، فَيُرِيبُنِي ذَلِكَ ، وَلَا أَشْعُرُ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ مِنْ مَرَضِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قَبْلَ الْمَنَاصِعِ ، وَهِيَ مُتَبَرَّزُنَا ، وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ ، وَذَلِكَ أَنَّا نَكْرَهُ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا ، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ قُرْبَ بُيُوتِنَا ، فَانْطَلَقْتُ وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ ، فَأَقْبَلْنَا حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا لِنَأَتِيَ الْبَيْتَ ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا ، فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَحٌ ، فَقُلْتُ لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْتِ ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ فَقَالَتْ : أَيْ هَنْتَاهُ ، أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : وَمَا قَالَ ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي ، وَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ تِيكُمْ ؟ ، فَقُلْتُ : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ ؟ ، وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا ، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ ، فَقُلْتُ لِأُمِّي : يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ ؟ ، قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّةَ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا ، وَلَهَا ضَرَائِرُ ، إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَوَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِذَلِكَ ؟ قَالَتْ : فَمَكَثْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ أُصْبِحُ وَأَبْكِي ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَشِيرَهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ ، وَذَلِكَ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ ، فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَمَا لَهُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوِدِّ ، فَقَالَ : هُمْ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا ، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ : لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ ، قَالَتْ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَرِيرَةَ ، فَقَالَ : أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنَ عَائِشَةَ شَيْئًا يُرِيبُكِ ؟ ، قَالَتْ بَرِيرَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِضُهُ عَلَيْهَا ، أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَيَدْخُلُ الدَّاجِنُ فَيَأْكُلُهُ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي ؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا تَقْتُلُهُ ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا ، وَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقُ كَبِدِي ، فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي ، إِذِ اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَأَذِنْتُ لَهَا ، فَجَلَسَتْ مَعِي ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى حَالِنَا ذَلِكَ ، إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ ، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ قَبْلَ يَوْمِي ذَلِكَ مُذْ كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا كَانَ ، وَلَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ ، قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي يَا عَائِشَةُ عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِالذَّنْبِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَقَالَتَهُ ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أَحِسُّ مِنْهُ بِقَطْرَةٍ ، فَقُلْتُ لِأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقُلْتُ لِأُمِّي : أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ لَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ : إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِذَاكَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي بَرِيئَةٌ لَمْ تُصَدِّقُونِي ، وَإِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونِي ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَجِدُ مَثَلِي وَمَثَلَكُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : {{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }} ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُنَزِّلُ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى ، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى ، وَلَكِنْ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَجْلِسَهُ ، وَلَا خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ أَحَدٌ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، كَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا ، أَنْ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، أَمَا وَاللَّهِ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ ، فَقَالَتْ لِي أُمِّي : قُومِي إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ الَّذِي هُوَ أَنْزَلَ بَرَاءَتِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {{ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ }} ، الْعَشْرُ الْآيَاتُ ، قَالَتْ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي بَرَاءَتِي ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَنْفِقُ عَلَيْهِ أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ }} ، إِلَى قَوْلِهِ : {{ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }} ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي ، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ بِالنَّفَقَةِ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا ، قَالَتْ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي مَا عَلِمْتِ وَمَا رَأَيْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا ، قَالَتْ : وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ