عُمَرَ فَضَرَبَهَا دُونَ الْحَدِّ وَجَعَلَ لَهَا الصَّدَاقَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ , قَالَ : ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ , قَالَ : ثنا هِشَامُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , أَنَّ رَجُلًا , تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا , فَرُفِعَ إِلَى عُمَرَ فَضَرَبَهَا دُونَ الْحَدِّ وَجَعَلَ لَهَا الصَّدَاقَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا . قَالَ : وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا جَعَلْتُهُمَا مَعَ الْخُطَّابِ . أَفَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ ضَرَبَ الْمَرْأَةَ وَالزَّوْجَ الْمُتَزَوِّجَ فِي الْعِدَّةِ بِالْمِخْفَقَةِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَضْرِبَهُمَا وَهُمَا جَاهِلَانِ بِتَحْرِيمِ مَا فَعَلَا لِأَنَّهُ كَانَ أَعْرَفَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْ يُعَاقِبَ مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ . فَلَمَّا ضَرَبَهُمَا دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ كَانَتْ قَامَتْ عَلَيْهِمَا بِالتَّحْرِيمِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَا ثُمَّ هُوَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ وَقَدْ حَضَرَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَتَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ فِيهِ . فَهَذَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ إِذَا كَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ , وَجَبَ لَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالدُّخُولِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ وَفِي الْعِدَّةِ مِنْهُ وَفِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَمَا كَانَ يُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ فِيهِ حَدٌّ لِأَنَّ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ هُوَ الزِّنَا , وَالزِّنَا لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ نَسَبٍ وَلَا مَهْرٍ وَلَا عِدَّةٍ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ وَطْءِ ذَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ عَلَى النِّكَاحِ الَّذِي وَصَفْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا فَهُوَ أَغْلَظُ مِنَ الزِّنَا فَأَحْرَى أَنْ يَجِبَ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الزِّنَا . قِيلَ لَهُ : قَدْ أَخْرَجْتَهُ بِقَوْلِكَ هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا وَزَعَمْتُ أَنَّهُ أَغْلَظُ مِنَ الزِّنَا وَلَيْسَ مَا كَانَ مِثْلَ الزِّنَا أَوْ مَا كَانَ أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ يَجِبُ فِي انْتِهَاكِهَا مِنَ الْعُقُوبَاتِ مَا يَجِبُ فِي الزِّنَا لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ . أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ كَمَا حَرَّمَ الْخَمْرَ , وَقَدْ جَعَلَ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ حَدًّا لَمْ يُجْعَلْ مِثْلُهُ عَلَى أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ , وَلَا عَلَى أَكْلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُ مَا أَتَى بِهِ كَتَحْرِيمِ مَا أَتَى ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ جَلْدَ ثَمَانِينَ وَسُقُوطَ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَإِلْزَامَ اسْمِ الْفِسْقِ . وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِيمَنْ رَمَى رَجُلًا بِالْكُفْرِ , وَالْكُفْرُ فِي نَفْسِهِ أَعْظَمُ وَأَغْلَظُ مِنَ الْقَذْفِ . فَكَانَتِ الْعُقُوبَاتُ قَدْ جُعِلَتْ فِي أَشْيَاءَ خَاصَّةٍ , وَلَمْ يُجْعَلْ فِي أَمْثَالِهَا وَلَا فِي أَشْيَاءَ هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا وَأَغْلَظُ . فَكَذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْحَدِّ فِي الزِّنَا لَا يَجِبُ بِهِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِيمَا هُوَ أَغْلَظُ مِنَ الزِّنَا . فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ النَّظَرُ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى