عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، قَالَ : أَمَّنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ ، وَطَرَحُوهُ فِي الْحَرَّةِ ، فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهَ ، أَوْ قَالَ : أَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ ، وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ ، فَنَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مَا شَأْنُكَ ؟ " قَالَ : فِيمَا أُخِذْتُ ؟ ، وَفِيمَا أُخِذَتْ سَابِقَةُ الْحَاجِّ ؟ فَقَالَ : " أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ " ، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَرَكَهُ وَمَضَى ، فَنَادَاهُ ، يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ ، فَرَحِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : " مَا شَأْنُكَ ؟ " قَالَ : إِنِّي مُسْلِمٌ ، قَالَ : " لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ " ، فَتَرَكَهُ وَمَضَى ، فَنَادَاهُ : يَا مُحَمَّدُ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي ، قَالَ : وَأَحْسَبُهُ قَالَ : وَإِنِّي عَطْشَانُ فَاسْقِنِي ، قَالَ : " هَذِهِ حَاجَتُكَ " ، قَالَ : فَنَادَاهُ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ ، وَأَخَذَ نَاقَتَهُ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، قَالَ : أَمَّنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ ، وَطَرَحُوهُ فِي الْحَرَّةِ ، فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهَ ، أَوْ قَالَ : أَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ ، وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ ، فَنَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : فِيمَا أُخِذْتُ ؟ ، وَفِيمَا أُخِذَتْ سَابِقَةُ الْحَاجِّ ؟ فَقَالَ : أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ ، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَتَرَكَهُ وَمَضَى ، فَنَادَاهُ ، يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ ، فَرَحِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : إِنِّي مُسْلِمٌ ، قَالَ : لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ ، فَتَرَكَهُ وَمَضَى ، فَنَادَاهُ : يَا مُحَمَّدُ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي ، قَالَ : وَأَحْسَبُهُ قَالَ : وَإِنِّي عَطْشَانُ فَاسْقِنِي ، قَالَ : هَذِهِ حَاجَتُكَ ، قَالَ : فَنَادَاهُ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ ، وَأَخَذَ نَاقَتَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدْ تَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ : إِنِّي مُسْلِمٌ ، قَالَ : لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ نَفْسَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ ، قَالَ قَائِلٌ ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : إِنِّي مُسْلِمٌ لِلْخَوْفِ ، يُرِيدُ مُسْتَسْلِمًا لَا مُسْلِمًا لِلَّهِ فَقَالَ : لَوْ قُلْتَهَا لَا عَلَى الْخَوْفِ الَّذِي اضْطَرَّكَ إِلَى مَا قُلْتَ ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ ، فَهَذَا صِدْقٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ إِذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ ، كَانَ إِسْلَامُهُ اخْتِيَارَ اللَّهِ وَرَغْبَةً فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ ، فَأَعْلَمَهُ لَوْ سَبَقَ هَذَا الْقَوْلُ الْإِكْرَاهَ كَانَ إِيمَانًا ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ سَابِقًا حَتَّى كَانَ الْإِكْرَاهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ ، بَلْ كَانَ عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ بِذَلِكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِقَوْلِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ذَلِكَ الَّذِي طَلَبْتَ ، فَأَبَانَ لَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا فِي ضَمِيرِهِ ، لَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ يَكُونُ اللَّهُ أَعْلَمَهُ أَنَّ إِسْلَامَهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ ، فَكَانَ عَلَى كُفْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ ؛ وَلِذَلِكَ فَدَى بِهِ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ أَلَّا يُفْدِيَ مُسْلِمًا بِمُسْلِمٍ ، وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُمَكِّنْ مِنْهُ الْكُفَّارَ . وَقَالَ آخَرُ : فِي قَوْلِهِ : لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ لَوْ قُلْتَ : إِنِّي مُسْلِمٌ قَبْلَ أَنْ تُؤْسَرَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ أَيْ دُنْيَا وَآخِرَةً ، فَلَمْ تُؤْسَرْ فِي الدُّنْيَا فَتُوثَقْ ، وَلَمْ تُعَذَّبْ فِي الْآخِرَةِ إِذَا أَسْلَمْتَ طَوْعًا لَا كَرْهًا ، وَأَمَّا إِذَا قُلْتَ : إِنِّي مُسْلِمٌ بَعْدَ الْأَمْرِ فَلَمْ تُفْلِحْ كُلَّ الْفَلَاحِ أَيْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُخْرِجُكَ مِنَ الرِّقِّ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ إِذْ أُسِرْتَ وَأَنْتَ كَافِرٌ لَا مُسْلِمٌ ، إِذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْأَسِيرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِسَارِ ، لَا يَصِيرُ حُرًّا بِإِسْلَامِهِ ، إِلَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِلْكٌ ، فَأَمَّا فِدَاءُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْعُقَيْلِيَّ بِالرَّجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَا فِي يَدَيِ ثَقِيفٍ أَسِيرَيْنِ ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَطْلَقَهُ مِنَ الْأَسْرِ ؛ لِتُطْلِقَ ثَقِيفٌ عَنِ الْأَسِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَهُ فِي أَيْدِيهِمْ ، فَيَرْجِعَ الثَّقَفِيُّ إِلَيْهِمْ حُرًّا مُسْلِمًا مُطْلَقًا مِنَ الْأَسْرِ وَالْوَثَاقِ ، خَارِجًا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ ، لَا أَنَّ ثَقِيفًا يَمْلِكُونَهُ مِلْكَ رِقٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُرَدَّ مُسْلِمٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَيُسْتَعْبَدُوا فِي دَارِ الشِّرْكِ ، وَلَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعُقَيْلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ : إِنِّي مُسْلِمٌ حُكْمَ الْمُشْرِكِينَ ، إِذْ كَانَ أَحْكَامُ الدُّنْيَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الظَّاهِرِ لَا حُكْمَ الْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ الَّذِي يَتَوَلَّى اللَّهُ عِلْمَهُ ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ عِبَادَهُ ، أَلَا تَسْمَعُ خَبَرَ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ ، وَاسْتِئْذَانِهِ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي قَتْلِ الرَّاجِلِ ، بَعْدَ قَوْلِهِ : أَسْلَمْتُ لِلَّهِ ، وَتَعْلِيقَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ، وَقَوْلَهُ : لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلِتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ : فِي قَوْلِهِ : أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مُشْرِكٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمَالِ بِشِرْكِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ مُبَاحٌ ، فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا ، لَمْ يُنْكِرْ أَنْ يَقُولَ : أُخِذْتَ أَيْ : حُبِسَتْ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ ، وَلَمَّا كَانَ حَبْسُهُ هَذَا حَلَالًا بِغَيْرِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ ، وَإِرْسَالُهُ مُبَاحًا ، جَازَ أَنْ يُحْبَسَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ ، لَاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ قَوْلَهُ أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُوَادَعَةٌ أَوْ صُلْحٌ ، فَنَقَضَتْ ثَقِيفٌ الْمُوَادَعَةَ أَوِ الصُّلْحَ بِأَسْرِهِمُ الرَّجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَبَاحَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَسْرَ الْعُقَيْلِيّ بِنَقْضِ ثَقِيفٍ الْمُوَادَعَةَ أَوِ الصُّلْحَ ، وَتَرَكَ بَنُو عَقِيلٍ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ وَمَنَعَهُمْ مِنْ فِعْلِهِمُ الَّذِي كَانَ نَقَضَ الصُّلْحَ أَوِ الْمُوَادَعَةَ