• 292
  • عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ ، أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ ، وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ ، نَظَرَ ، فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ : " آلْبِرَّ تُرِدْنَ ؟ " فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ ، وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ

    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ ، أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ ، وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْفَجْرَ ، نَظَرَ ، فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ : آلْبِرَّ تُرِدْنَ ؟ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ ، وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ وحَدَّثَنَاه ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، ح وحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، ح وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، وَابْنِ إِسْحَاقَ ، ذِكْرُ عَائِشَةَ ، وَحَفْصَةَ ، وَزَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ ، أَنَّهُنَّ ضَرَبْنَ الْأَخْبِيَةَ لِلِاعْتِكَافِ

    بخبائه: الخباء : الخيمة
    فضرب: ضرب على آذانهم : ناموا
    بخبائها: الخباء : الخيمة
    الأخبية: الأخبية : مفردها خباء وهي الخيمة
    آلبر: البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
    فقوض: قوض : هدم
    آلْبِرَّ تُرِدْنَ ؟ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ ، وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ
    حديث رقم: 1950 في صحيح البخاري كتاب الاعتكاف باب الأخبية في المسجد
    حديث رقم: 1949 في صحيح البخاري كتاب الاعتكاف باب اعتكاف النساء
    حديث رقم: 1957 في صحيح البخاري كتاب الاعتكاف باب الاعتكاف في شوال
    حديث رقم: 1961 في صحيح البخاري كتاب الاعتكاف باب من أراد أن يعتكف، ثم بدا له أن يخرج
    حديث رقم: 2149 في سنن أبي داوود كِتَاب الصَّوْمِ بَابُ الِاعْتِكَافِ
    حديث رقم: 778 في جامع الترمذي أبواب الصوم باب ما جاء في الاعتكاف
    حديث رقم: 707 في السنن الصغرى للنسائي كتاب المساجد ضرب الخباء في المساجد
    حديث رقم: 1766 في سنن ابن ماجة كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَبْتَدِئُ الِاعْتِكَافَ ، وَقَضَاءِ الِاعْتِكَافِ
    حديث رقم: 701 في موطأ مالك كِتَابُ الِاعْتِكَافِ بَابُ قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ
    حديث رقم: 2030 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الصِّيَامِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الِاعْتِكَافِ
    حديث رقم: 2036 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الصِّيَامِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الِاعْتِكَافِ
    حديث رقم: 24024 في مسند أحمد ابن حنبل حَدِيثُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
    حديث رقم: 25362 في مسند أحمد ابن حنبل حَدِيثُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
    حديث رقم: 3736 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ الِاعْتِكَافِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ
    حديث رقم: 3737 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ الِاعْتِكَافِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ
    حديث رقم: 774 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْمَسَاجِدِ ضَرْبُ الْخِبَاءِ فِي الْمَسْجِدِ
    حديث رقم: 3238 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الصِّيَامِ كِتَابُ الِاعْتِكَافِ
    حديث رقم: 3240 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الصِّيَامِ كِتَابُ الِاعْتِكَافِ
    حديث رقم: 9490 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الصِّيَامِ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ مِنَ السَّاعَاتِ أَنْ يَدْخُلَ
    حديث رقم: 7774 في مصنّف عبد الرزاق كِتَابُ الِاعْتِكَافِ بَابٌ : هَلْ يُقْضَى الِاعْتِكَافُ ؟
    حديث رقم: 8058 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ تَأْكِيدِ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَوَازِهِ فِي
    حديث رقم: 8087 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ الْمَرْأَةِ تَعْتَكِفُ بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِهِ إِذَا
    حديث رقم: 396 في المنتقى لابن جارود كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ الصِّيَامِ
    حديث رقم: 191 في مسند الحميدي مسند الحميدي أَحَادِيثُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
    حديث رقم: 4390 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ عَائِشَةَ
    حديث رقم: 4787 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ عَائِشَةَ
    حديث رقم: 2465 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الصِّيَامِ بَابُ بَيَانِ السَّاعَةِ وَالْوَقْتِ الَّتِي كَانَ يَعْتَكِفُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
    حديث رقم: 2466 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الصِّيَامِ بَابُ بَيَانِ السَّاعَةِ وَالْوَقْتِ الَّتِي كَانَ يَعْتَكِفُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
    حديث رقم: 2467 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الصِّيَامِ بَابُ بَيَانِ الْإِبَاحَةِ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالدَّلِيلِ عَلَى
    حديث رقم: 2468 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الصِّيَامِ بَابُ بَيَانِ الْإِبَاحَةِ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالدَّلِيلِ عَلَى
    حديث رقم: 4100 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
    حديث رقم: 4099 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

    باب مَتَى يَدْخُلُ مَنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي مُعْتَكَفِهِ
    [ رقم الحديث عند آل سلمان:2093 ... ورقمه عند عبد الباقي:1173]
    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ وَحَدَّثَنَاه ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَقَ كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ إِسْحَقَ ذِكْرُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّهُنَّ ضَرَبْنَ الْأَخْبِيَةَ لِلِاعْتِكَافِ


    قَوْلُهُ : ( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ : يَبْدَأُ بِالِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ : يَدْخُلُ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوِ اعْتِكَافَ عَشْرٍ ، وَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ ، وَانْقَطَعَ فِيهِ ، وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ الصُّبْحَ ، لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ ، بَلْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْمَغْرِبِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَرَدَ .

    قَوْلُهُ : ( وَأَنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ ) قَالُوا : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْمُعْتَكِفِ لِنَفْسِهِ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ يَنْفَرِدُ فِيهِ مُدَّةَ اعْتِكَافِهِ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ ، وَإِذَا اتَّخَذُوهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ ؛ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى غَيْرِهِ ؛ وَلِيَكُونَ أَخْلَى لَهُ وَأَكْمَلَ فِي انْفِرَادِهِ .

    قَوْلُهُ : ( نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ : آلْبِرَّ تُرِدْنَ ؟ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ ) ( قُوِّضَ ) بِالْقَافِ الْمَضْمُومَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ : أُزِيلَ ، وَقَوْلُهُ : ( آلْبِرَّ ) أَيِ : الطَّاعَةَ ، قَالَ الْقَاضِي : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ إِنْكَارًا لِفِعْلِهِنَّ ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِبَعْضِهِنَّ فِي ذَلِكَ ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، قَالَ : وَسَبَبُ إِنْكَارِهِ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ مُخْلِصَاتٍ فِي الِاعْتِكَافِ ، بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْبَ مِنْهُ ؛ لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ ، أَوْ لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ ، فَكَرِهَ مُلَازَمَتَهُنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ وَيَحْضُرُهُ الْأَعْرَابُ وَالْمُنَافِقُونَ ، وَهُنَّ مُحْتَاجَاتٌ إِلَى الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ لِمَا يَعْرِضْ لَهُنَّ ، فَيَبْتَذِلْنَ بِذَلِكَ ، أَوْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُنَّ عِنْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ بِحُضُورِهِ مَعَ أَزْوَاجِهِ ، وَذَهَبَ الْمُهِمُّ مِنْ مَقْصُودِ الِاعْتِكَافِ ، وَهُوَ التَّخَلِّي عَنِ الْأَزْوَاجِ وَمُتَعَلِّقَاتِ الدُّنْيَا وَشِبْهِ ذَلِكَ ؛ أَوْ لِأَنَّهُنَّ ضَيَّقْنَ الْمَسْجِدَ بِأَبْنِيَتِهِنَّ .

    وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَذِنَ لَهُنَّ ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَارِضٍ ، وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنَ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً ، فَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَهَلْ لَهُ مَنْعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ؟ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ لَهُ مَنْعُ زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكِهِ وَإِخْرَاجُهُمَا مِنَ اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ ، وَمَنَعَهُمَا مَالِكٌ ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ إِخْرَاجَ الْمَمْلُوكِ دُونَ الزَّوْجَةِ .



    عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده.
    المعنى العام:
    لا رهبانية في الإسلام، ولم يشرع الله للمسلمين أن ينقطعوا للعبادة ويتركوا مصالحهم الدنيوية، والسعي على الرزق، ودستوره الخالد {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} [القصص: 77]. ودستوره الخالد {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} [الجمعة: 9، 10]. ولقد حاول ثلاثة من الصحابة أن يتبتلوا وينقطعوا للعبادة، فعزم أحدهم أن يصوم الدهر كله، وعزم الآخر أن يقوم الليل كله، وعزم الثالث أن يعتزل الزواج والنساء ليتفرغ للعبادة، فلما علم صلى الله عليه وسلم بذلك غضب أشد الغضب، وعنفهم أشد التعنيف، وقال: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. فالرهبانية الممنوعة، والتبتلات غير المشروعة هي الانقطاع للعبادة فترة من الزمان تؤثر على سير الحياة الدنيوية، شهراً مثلاً أو شهوراً، أما الانقطاع للعبادة ليلة أو ليالي لا تخل بمطالب الحياة والتمتع بالدنيا فليس ممنوعاً، بل هو مستحب في مواسم خاصة، يفيض الله تعالى فيها على الطائعين من سابغ فضله وواسع رحمته ما لا يفيضه في غيرها. ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شمر عن ساعد الاجتهاد في العبادة، وقام الليل، ودعا نساءه لذلك، واستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، ينقطع المريد فيها في المسجد ولا يخرج منه إلا لقضاء الحاجة، أو تحصيل الأمر الضروري من مأكل ومشرب ونحوهما، ثم يعود فور انتهاء مطلبه، ليشتغل بذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، ولا بأس أن يتخذ لنفسه مكاناً في آخر المسجد إذا لم يضيق على الناس أو يؤذيهم. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، يضرب خباء، يصلي، ثم يدخله، ليختلي بنفسه، ويتفرغ لمناجاة ربه. ورغبة في تقرب عائشة -رضي الله عنها- لرسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنته أن تعتكف مثله وبجواره، فأذن لها، فأقامت خباء لها بجوار خبائه، ووسطتها صديقتها حفصة لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأذن لها في إقامة خباء لها، فاستجاب، ورأت زينب بنت جحش خباءين بجوار خباء الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة وحفصة، فأقامت لها خباء ولم تستأذن، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وأراد العودة إلى خبائه رأى أربعة أخبية، فغضب، وقال: لم يعد البر والطاعة هدفاً. انزعوا هذه الأخبية، وأمر بخبائه فنزع، ولم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ذاك العام، واعتكف بدلاً منها في عامها العشر الأول من شوال، ثم عاد بعد ذاك العام إلى الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، واعتكف أصحابه من بعده، واعتكف أزواجه من بعده صلى الله عليه وسلم ورضي عن أصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين. المباحث العربية (كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان) الاعتكاف في اللغة الحبس والمكث واللزوم، يقال عكف على كذا يعكف ويعكف بضم الكاف وكسرها. أي أقام عليه والتزمه وحبس نفسه عليه، سواء أكان طاعة أو معصية ومنه قوله تعالى: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} [الأعراف: 138]. وفي الشرع المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة، ويسمى جواراً كما سبق في أحاديث ليلة القدر، والتعبير بلفظ كان يعتكف يدل على التكرار والشأن والعادة، أخذاً من الجمع بين الفعل الماضي والمضارع كان يعتكف والمقصود ما كان عليه صلى الله عليه وسلم في آخر أحواله، فقد مر أنه اعتكف في العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم استقر على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان. (وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد) القائل وقد أراني نافع، والمعروف أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان شديد الحرص على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم لدرجة أنه كان يتحرى المكان الذي أناخ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في سفره لينيخ ناقته فيه، وهذا سر إعلام نافع بمكان اعتكافه صلى الله عليه وسلم، وحدد نافع هذا المكان في رواية ابن ماجه قال نافع: إن ابن عمر كان إذا اعتكف طرح له فراشه وراء أسطوانة التوبة. (ثم اعتكف أزواجه من بعده) ظاهره أن الأزواج اعتكفن في مسجده من بعد وفاته، وليس كذلك بل المراد أنهن اعتكفن في بيوتهن بعد وفاته، فالمقصود به أن الاعتكاف لم ينسخ، ومشروعيته مستمرة. (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه، وإنه أمر بخبائه فضرب) الترتيب الواقعي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف أمر بخبائه فضرب وأقيم بالمسجد قبل الفجر، وكان يبدأ اعتكافه عقب صلاة الفجر، يصلي، ثم يدخل خباءه، وقد سبق في باب ليلة القدر أن باب خبائه كان من حصير. (أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان) أي فأمر بقبته فأقيمت، ثم صلى الفجر فدخلها، فلما صلى الفجر الثاني وأراد أن يدخل قبته رأى قباباً بجواز قبته وحولها. (فأمرت زينب بخبائها فضرب) من مجموع الروايات يفهم أن عائشة -رضي الله عنها- استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب لها قبة في المسجد بجوار قبته، فأذن لها فضربت، فطلبت حفصة من عائشة أن تستأذن لها بضرب قبه فأذن لها فضربت، فلما رأت زينب بنت جحش ذلك -وكانت غيوراً- أمرت بقبة لها فضربت. ففي البخاري فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر وفي رواية أخرى له فاستأذنته عائشة أن تعتكف، فأذن لها، فضربت فيه قبة، فسمعت بها حفصة فضربت قبة، وسمعت زينب بها، فضربت قبة أخرى، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغداة أبصر أربع قباب، فقال...إلخ أي ثلاث قباب لأزواجه وقبته صلى الله عليه وسلم، وفي رواية فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها، ففعلت وعند النسائي ثم استأذنته حفصة أي عن طريق عائشة فأذن لها وفي رواية فلما رأته زينب ضربت معهن، وكانت امرأة غيوراً قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف في شيء من الطرق أن زينب استأذنت، وكأن هذا هو أحد ما بعث على إنكاره صلى الله عليه وسلم اهـ فالمذكور في روايتنا ضرب زينب وهو مرحلة من المراحل. (وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائه فضرب) مع أن الواو لا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً لكن الترتيب الذكري يوهم أن غير زينب من الأزواج أمرن بضرب خبائهن بعدها، وليس مراداً بل العكس هو الصحيح كما يوهم تعميم الأزواج وليس كذلك، كما سبق. (آلبر تردن)؟ بهمزة الاستفهام، ممدودة وبغير مد، والبر منصوب مفعول به مقدم، والخطاب للأزواج وإن كن غير حاضرات، وفي رواية للبخاري آلبر ترون بهن بضم تاء ترون وفتح الراء، أي تظنون، والخطاب للحاضرين من الرجال، أي أتظنون بفعلهن هذا براً وطاعة؟ والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، وفي رواية آلبر تقولون يردن بهذا؟ وفي رواية ما حملهن على هذا؟ آلبر؟ انزعوها فلا أراها، فنزعت. (فأمر بخبائه فقوض) بالقاف المضمومة والضاد، أي أزيل. (وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال) فترك الأفضل من أجل المصلحة. (إذا دخل العشر) أل في العشر للعهد، والمراد العشر الأواخر من رمضان. (أحيا الليل) أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها، والأصل أحيا نفسه باليقظة في الليل. (وأيقظ أهله) أي طلب من أزواجه اليقظة وقلة النوم للاجتهاد في العبادة اجتهاداً فوق العادة. (وجد) بتشديد الدال، أي اجتهد في العبادة. (وشد المئزر) بكسر الميم هو الإزار، وشد المئزر كناية عن اعتزال النساء، وقيل كناية عن الجد والاجتهاد كالتشمير، ويحتمل إرادة المعنيين معاً. فقه الحديث قال النووي في المجموع: الاعتكاف سنة بالإجماع ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع، ويستحب الإكثار منه، ويتأكد استحبابه في العشر الأواخر من شهر رمضان، للأحاديث الواردة فيه وفي ليلة القدر لرجائها. قال الحافظ ابن حجر: وأما قول ابن نافع عن مالك: فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم للأثر، فوقع في نفسي أنه كالوصال، وأراهم تركوه لشدته، ولم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر بن عبد الرحمن. اهـ قال الحافظ: وكأنه أراد صفة مخصوصة، وإلا فقد حكيناه عن غير واحد من الصحابة، ومن كلام مالك أخذ بعض أصحابه أن الاعتكاف جائز، وأنكر ذلك عليهم ابن العربي، وقال إنه سنة مؤكدة، وقال ابن بطال: في مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على تأكيده، وقال أبو داود عن أحمد: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً في أنه مسنون. وقال النووي في شرح مسلم: ومذهب الشافعي وأصحابه وموافقيه أن الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف، بل يصح اعتكاف المفطر، ويصح اعتكاف ساعة واحدة، ولحظة واحدة، وضابطه عند أصحابنا مكث يزيد على طمأنينة الركوع أدنى زيادة. فينبغي لكل جالس في المسجد لانتظار صلاة أو لشغل آخر -من أمور الدنيا- أن ينوي الاعتكاف، فيحسب له، ويثاب عليه، ما لم يخرج من المسجد، فإذا خرج ثم دخل جدد نية أخرى، وليس للاعتكاف ذكر مخصوص، ولا فعل آخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف، ولو تكلم بكلام دنيا، أو عمل صنعة من خياطة أو غيرها لم يبطل اعتكافه، وقال مالك وأبو حنيفة والأكثرون: يشترط في الاعتكاف الصوم، فلا يصح اعتكاف مفطر، واحتجوا بهذه الأحاديث، واحتج الشافعي باعتكافه صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من شوال، رواه البخاري ومسلم -وفيها يوم العيد، ولا صوم فيه، وبحديث عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية؟ فقال: أوف بنذرك رواه البخاري ومسلم، والليل ليس محلاً للصوم، فدل على أنه ليس بشرط لصحة الاعتكاف. اهـ قال الحافظ ابن حجر: ومن شرط الصيام قال: أقله يوم، ومنهم من قال: يصح مع شرط الصيام في دون اليوم، وعن مالك يشترط عشرة أيام، وعنه يوم أو يومان. قال الحافظ: واتفقوا على فساده بالجماع، حتى قال بعضهم، من جامع فيه لزمته الكفارة. اهـ قال النووي: وأجمعوا على أنه لا حد لأكثره. اهـ قال الحافظ: ولا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، وفسروها بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، وقد روى أبو داود عن عائشة قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة، إلا لما لا بد منه قال الشافعي: إن شرط شيئاً من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله، وهو رواية عن أحمد. اهـ قال النووي في المجموع: ولا يصح اعتكاف الحائض والنفساء والجنب، فإذا حاضت وهي معتكفة لزمها الخروج من المسجد، وإذا خرجت سكنت في بيتها، كما كانت قبل الاعتكاف حتى ينقطع حيضها، ثم تعود إلى اعتكافها. ويجوز خروج المعتكف تطوعاً لعيادة مريض، ويجوز للمعتكف أن يلبس ما يلبسه في غير الاعتكاف، ويجوز أن يتطيب، قال أحمد: يستحب أن لا يلبس رفيع الثياب، ولا يتطيب، وله أن يبيع ويشتري، ويكره أن يكثر من ذلك، وقيل يكره البيع والشراء وعمل الصنائع مطلقاً في المسجد. ويجوز للمعتكف وغيره أن يأكل في المسجد ويشرب على أن يحافظ على نظافة المسجد، وللمعتكف النوم والاضطجاع والاستلقاء ومد رجليه ونحو ذلك في المسجد ما لم يؤذ غيره، لأنه يجوز ذلك لغير المعتكف فله أولى: كما يجوز له التحدث بالحديث المباح. وإذا خرج من المسجد لعذر جاز ولا يقطع التتابع، وعليه المبادرة بالرجوع إلى المسجد عند فراغه فإذا زال العذر وتمكن من العود فلم يعد بطل اعتكافه، لأنه ترك الاعتكاف من غير عذر، فأشبه من خرج من غير عذر. أما ما يستحب للمعتكف من الطاعات فقد قال الشافعي وأصحابه: يستحب أن يقرأ القرآن، ويقرئه غيره، وأن يتعلم العلم، ويعلمه غيره، وذلك أفضل من صلاة النفل، لأن الاشتغال بالعلم فرض كفاية، فهو أفضل من النفل، ولأنه مصحح للصلاة وغيرها من العبادات، ولأن نفعه متعد إلى الناس، وقد تظاهرت الأحاديث بتفضيل الاشتغال بالعلم على الاشتغال بصلاة النافلة. وعن مالك وأحمد: يستحب له الاشتغال بالصلاة والذكر والقراءة مع نفسه، قالا: ويستحب أن لا يقرئ القرآن ولا يشتغل بكتابة الحديث ولا بمجالسة العلماء، كما لا يشرع ذلك في الصلاة والطواف. قال النووي: واحتج أصحابنا بأن أمر القرآن وتعليم العلم والاشتغال به طاعة، فاستحب للمعتكف كالصلاة والتسبيح، ويخالف الصلاة، فإنه شرع فيها أذكار مخصوصة، وأما الطواف فقال أصحابنا: لا يكره إقراء القرآن وتعلم العلم فيه. ويؤخذ من الأحاديث:

    1- استدل بالأحاديث المذكورة ومن قول عائشة في الرواية الرابعة حتى توفاه الله على أن الاعتكاف لم ينسخ، وقد سبق توضيح حكمه في أول فقه الحديث.

    2- ومن قولها في الرواية الرابعة ثم اعتكف أزواجه من بعده أنه ليس من الخصائص.

    3- قال النووي: وفي هذه الأحاديث أن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة لا سيما النساء، لأن حاجتهن إليه في البيوت أكثر. وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود والجمهور سواء الرجل والمرأة، وقال أبو حنيفة: يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو الموضع المهيأ من بيتها لصلاتها. قال: ولا يجوز للرجل في مسجد بيته، وفي القديم قول للشافعي كذلك، وهو ضعيف عند أصحابه، وجوزه بعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي للمرأة والرجل في مسجد بيتهما. ثم اختلف المشترطون للمسجد، فقال مالك والشافعي وجمهورهم: يصح الاعتكاف في كل مسجد، وقال أحمد: يختص بمسجد تقام الجماعة الراتبة فيه، وقال أبو حنيفة: يختص بمسجد تصلي فيه الصلوات كلها، وقال الزهري وآخرون: يختص بالجامع الذي تقام فيه الجمعة، ونقلوا عن حذيفة بن اليمان الصحابي اختصاصه بالمساجد الثلاثة. المسجد الحرام، ومسجد المدينة والمسجد الأقصى. اهـ وقال الحافظ: وخصه عطاء بمسجد مكة والمدينة، وخصه ابن المسيب بمسجد المدينة. واستدل على شرط المسجد في الاعتكاف بقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187]. قال الحافظ ابن حجر: ووجه الدلالة أنه لو صح في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة به لأن الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا فيها. واستدل على شرط المسجد للنساء بأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت، فلو لم يكن المسجد شرطاً ما وقع ما ذكر من الإذن والمنع، ولاكتفى لهن بالاعتكاف في مساجد بيوتهن.
    4- واستدل بعضهم بقوله في الرواية الخامسة آلبر تردن على أنه ليس لهن الاعتكاف في المسجد، إذ مفهومه أنه ليس ببر لهن، أي ففعله غير بر، أي غير طاعة، وارتكاب غير الطاعة يلزمه عدم الجواز، ورد بأنه صلى الله عليه وسلم كان قد أذن لهن، وإنما نفى البر عنهن لعارض.
    5- واستدل بقولها في الرواية الخامسة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه على أن أول الوقت الذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح، وهو قول الأوزاعي والليث والثوري، وقال الأئمة الأربعة: يدخل قبيل غروب الشمس، وأولوا الحديث على أنه دخل في الاعتكاف من أول الليل، وتخلى بنفسه في المكان الذي أعده لنفسه بعد صلاة الصبح.
    6- ومن قولها فأمر بخبائه فقوض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال أخذ بعضهم جواز قطع اعتكاف التطوع، وجواز الخروج من العبادة بعد الدخول فيها، وأجيب باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل المعتكف، ولا شرع في الاعتكاف، وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور، فتركه. قال الحافظ ابن حجر: وهذا الجواب يلزمه أن يكون أول وقت الاعتكاف بعد صلاة الصبح.
    7- ويؤخذ من هذا أيضاً ترك الأفضل إذا كان للمصلحة.
    8- ويؤخذ منه قضاء النفل، لكن قال الحافظ ابن حجر: وأما قضاؤه صلى الله عليه وسلم للاعتكاف فعلى طريق الاستحباب. لأنه كان إذا عمل عملاً أثبته، ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال. اهـ فقضاء التطوع بعد قطعه مستحب غير واجب عند الجمهور، وقال قوم بوجوب قضاء التطوع إذا قطع. فقال مالك في الموطأ: المتطوع في الاعتكاف والذي عليه الاعتكاف أمرهما سواء فيما يحل لهما ويحرم عليهما، وعلله ابن عبد البر بقوله: لأن الاعتكاف وإن لم يكن واجباً إلا على من نذره فإنه يجب بالدخول فيه، كالصلاة النافلة والحج والعمرة.
    9- ويؤخذ منه أيضاً جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعاً من المسجد، ينفرد فيه مدة اعتكافه، ما لم يضيق على الناس، قال النووي: وإذا اتخذه يكون في آخر المسجد ورحابه، لئلا يضيق على غيره، وليكون أخلى له، وأكمل في انفراده. اهـ 10- ويؤخذ منه أن للرجل منع زوجته من الاعتكاف، قال ابن المنذر وغيره: وإنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها؛ وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها، وعن أهل الرأي: إذا أذن لها الزوج، ثم منعها أثم بذلك وامتنعت، وعن مالك، ليس له ذلك. وهذا الحديث حجة عليهم. 1

    1- وفيه أن من خشي على عمله الرياء منع، وهذا مبني على أحد الاحتمالات التي قالها القاضي عياض في توجيهه لسبب إنكاره صلى الله عليه وسلم حيث قال: وسبب إنكاره أنه خاف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف، بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه، أو لغيرته عليهن، فكره ملازمتهن المسجد مع أنه يجمع الناس، ويحضره الأعراب والمنافقون، وهن محتاجات إلى الخروج والدخول، لما يعرض لهن، فيبتذلن بذلك أو لأنه صلى الله عليه وسلم رآهن عنده في المسجد وهو في المسجد، فصار كأنه في منزله بحضوره مع أزواجه وذهب المهم من مقصود الاعتكاف، وهو التخلي عن الأزواج ومتعلقات الدنيا وشبه ذلك، أو لأنهن ضيقن المسجد بأبنيتهن. اهـ وفيما عدا التوجيه الأول بعيد، لإذنه صلى الله عليه وسلم لبعضهن. 1

    2- وفيه أن المرأة إذا اعتكفت في المسجد استحب لها أن تجعل لها ما يسترها. 1

    3- وفي الأحاديث استحباب زيادة العبادة في العشر الأواخر من رمضان. 1
    4- واستحباب إحياء لياليه بالعبادات. لقوله في الرواية السادسة أحيا الليل قال النووي: وأما قول أصحابنا: يكره قيام الليل كله فمعناه الدوام عليه، ولم يقولوا بكراهة ليلة وليلتين والعشر، ولهذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتي العيدين وغير ذلك. والله أعلم

    لا توجد بيانات