• 437
  • سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا ، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ "

     
    حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا ، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ *
     

    لا توجد بيانات
    إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ،
    حديث رقم: 54 في صحيح البخاري كتاب الإيمان باب: ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى
    حديث رقم: 2419 في صحيح البخاري كتاب العتق باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، ولا عتاقة إلا لوجه الله
    حديث رقم: 3719 في صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة
    حديث رقم: 4800 في صحيح البخاري كتاب النكاح باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى
    حديث رقم: 6339 في صحيح البخاري كتاب الأيمان والنذور باب النية في الأيمان
    حديث رقم: 6587 في صحيح البخاري كتاب الحيل باب في ترك الحيل، وأن لكل امرئ ما نوى في الأيمان وغيرها
    حديث رقم: 3621 في صحيح مسلم كِتَابُ الْإِمَارَةِ بَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ
    حديث رقم: 1920 في سنن أبي داوود كِتَاب الطَّلَاقِ أَبْوَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الطَّلَاقِ
    حديث رقم: 1645 في جامع الترمذي أبواب فضائل الجهاد باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا
    حديث رقم: 3774 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الأيمان والنذور النية في اليمين
    حديث رقم: 74 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الطهارة باب النية في الوضوء
    حديث رقم: 3419 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الطلاق باب: الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه
    حديث رقم: 4224 في سنن ابن ماجة كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ النِّيَّةِ
    حديث رقم: 144 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الْوُضُوءِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ
    حديث رقم: 230 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الْوُضُوءِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ
    حديث رقم: 143 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الْوُضُوءِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ
    حديث رقم: 442 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ إِحْدَاثِ النِّيَّةِ عِنْدَ دُخُولِ كُلِّ صَلَاةٍ يُرِيدُهَا الْمَرْءُ فَيَنْوِيهَا بِعَيْنِهَا
    حديث رقم: 1827 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الصِّيَامِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْأَهِلَّةِ وَوَقْتُ ابْتِدَاءِ صَوْمِ شَهْرَ رَمَضَانَ
    حديث رقم: 168 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ أَوَّلُ مُسْنَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 300 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ أَوَّلُ مُسْنَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 390 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ بَابُ الْإِخْلَاصِ وَأَعْمَالِ السِّرِّ
    حديث رقم: 4958 في صحيح ابن حبان كِتَابُ السِّيَرِ بَابُ الْهِجْرَةِ
    حديث رقم: 389 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ بَابُ الْإِخْلَاصِ وَأَعْمَالِ السِّرِّ
    حديث رقم: 4601 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ النِّيَّةُ فِي الْيَمِينِ
    حديث رقم: 11378 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الرَّقَائِقِ بابُ الرَّقَائِقِ
    حديث رقم: 76 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الطَّهَارَةِ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ
    حديث رقم: 5467 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الطَّلَاقِ الطَّلَاقُ إِذَا قُصِدَ بِهِ لِمَا يَحْتَمِلُهُ مَعْنَاهُ
    حديث رقم: 7178 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْمِيمِ بَابُ الْمِيمِ مَنِ اسْمُهُ : مُحَمَّدٌ
    حديث رقم: 39 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْأَلِفِ مَنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ
    حديث رقم: 170 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الطَّهَارَة جُمَّاعُ أَبْوَابِ السِّوَاكِ
    حديث رقم: 169 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الطَّهَارَة جُمَّاعُ أَبْوَابِ السِّوَاكِ
    حديث رقم: 968 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الطَّهَارَة جُمَّاعُ أَبْوَابِ التَّيَمُّمِ
    حديث رقم: 1318 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الطَّهَارَة جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
    حديث رقم: 2089 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 6947 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ النِّيَّةِ فِي إِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ
    حديث رقم: 7632 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا يُجْزِئُ
    حديث رقم: 8458 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْحَجِّ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ
    حديث رقم: 12081 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ تَفْرِيقِ الْقَسْمِ
    حديث رقم: 14021 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا يَقَعُ إِلَّا
    حديث رقم: 61 في المنتقى لابن جارود كِتَابُ الطَّهَارَةِ فِي النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ
    حديث رقم: 109 في سنن الدارقطني كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ النِّيَّةِ
    حديث رقم: 1 في السنن الصغير للبيهقي مُقدَّمَة
    حديث رقم: 30 في مسند الحميدي مسند الحميدي أَحَادِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
    حديث رقم: 36 في مسند الطيالسي أَحَادِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْأَفْرَادُ عَنْ عُمَرَ
    حديث رقم: 3002 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ
    حديث رقم: 359 في مسند أبي حنيفة برواية أبي نعيم بَابُ الْيَاءِ رِوَايَتُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَبِي سَعِيدٍ ، رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 344 في الزهد لوكيع بن الجراح الزهد لوكيع بن الجراح بَابُ النِّيَّةِ
    حديث رقم: 3 في الأربعون حديثاً للآجري الأربعون حديثاً للآجري
    حديث رقم: 188 في الزهد و الرقائق لابن المبارك ما رواه المروزي بَابُ الْإِخْلَاصِ وَالنِّيَّةِ
    حديث رقم: 863 في الزهد لهناد بن السري الزهد لهناد بن السري بَابُ الرِّيَاءِ
    حديث رقم: 26 في الأمالي و القراءة الأمالي و القراءة
    حديث رقم: 199 في الزهد لابن أبي عاصم الزهد لابن أبي عاصم مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    حديث رقم: 12 في الأربعون للنسوي بَابُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّةِ
    حديث رقم: 5995 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الْجِهَادِ بَابُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ ، أَوْ لِدُنْيَا
    حديث رقم: 5996 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الْجِهَادِ بَابُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ ، أَوْ لِدُنْيَا
    حديث رقم: 638 في معجم ابن الأعرابي بَابُ المُحمدين بَابُ المُحمدين
    حديث رقم: 1936 في معجم ابن الأعرابي بَابُ الْعَيْنِ حَدِيثُ التَّرْقُفِيِّ
    حديث رقم: 1878 في أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني بَابُ الْعَيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلَّوَيْهِ قَدِمَ أَصْبَهَانَ ، وَلِيَ الْقَضَاءَ بِقَزْوِينَ *
    حديث رقم: 2536 في أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني بَابُ الْمِيمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو الْحَسَنِ قَدِمَ مَعَ الْمُوَفَّقِ ، وَكَانَ يَخْطُبُ فِي الْجَامِعِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ ، حَدَّثَ عَنِ الْمُعَافَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ
    حديث رقم: 16 في شعار أصحاب الحديث لأبي أحمد الحاكم شعار أصحاب الحديث لأبي أحمد الحاكم بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ يَنْوِيهَا الْمَرْءُ
    حديث رقم: 1 في معجم ابن المقرئ المحمدين المحمدين
    حديث رقم: 1139 في معجم ابن المقرئ بَابُ الْعَيْنِ مَنِ اسْمُهُ عَلِيُّ
    حديث رقم: 1265 في معجم ابن المقرئ بَابُ الْجِيمِ بَابُ الْجِيمِ
    حديث رقم: 11425 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ
    حديث رقم: 196 في معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الأسمَاء مَعْرِفَةُ مَا أَسْنَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى مِنَ الْمُتُونِ سِوَى الطُّرُقِ مِائَتَيْ حَدِيثٍ وَنَيِّفًا ، فَمِنْ مَشَاهِيرِهِ وَغَرَائِبِهِ
    حديث رقم: 98 في الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ ضَعَّفُوهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَوِّيهِ
    حديث رقم: 166 في الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي أَبُو عَمْرٍو الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ الضَّبِّيُّ كُوفِيُّ قَدِمَ هَمَذَانَ ، وَحَدَّثَ بِهَا ، وَأَعْقَبَ ، رَوَى عَنِ الْقُدَمَاءِ : يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، وَالْأَعْمَشِ ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، رَوَى عَنْهُ أَصْرَمُ بْنُ حَوْشَبٍ الْهَمَذَانِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَسَدِيُّ ، وَأَقْرَانُهُمَا ، وَلَهُ أَحَادِيثُ يَتَفَرَّدُ بِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ : إِنَّ مَحَلَّهُ الصِّدْقُ ، وَيَرْوِي عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، وَغَيْرِهِ مِنَ الضُّعَفَاءِ ، وَوَرَدَ هَمَذَانَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَيُقَالُ سَنَةَ ثَمَانٍ
    حديث رقم: 34 في الأربعون الصغرى للبيهقي الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ
    حديث رقم: 13 في الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع بَابُ النِّيَّةِ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ
    حديث رقم: 332 في الأوسط لابن المنذر كِتَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ ذِكْرُ إِيجَابِ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَاتِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ
    حديث رقم: 1206 في الأوسط لابن المنذر كِتَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ ذِكْرُ إِحْدَاثِ النِّيَّةِ عِنْدَ دُخُولِ كُلِّ صَلَاةٍ يُرِيدُهَا الْمَرْءُ فَرِيضَةً كَانَتْ
    حديث رقم: 4467 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

    [1] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عِيسَى مَنْسُوبٌ إِلَى حُمَيْدِ بْنِ أُسَامَةَ بَطْنٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ رَهْطِ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي أَسَدٍ وَيَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُصَيٍّ وَهُوَ إِمَامٌ كَبِيرٌ مُصَنِّفٌ رَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي الطَّلَبِ عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَطَبَقَتِهِ وَأَخَذَ عَنْهُ الْفِقْهَ وَرَحَلَ مَعَهُ إِلَى مِصْرَ وَرَجَعَ بَعْدَ وَفَاتِهِ إِلَى مَكَّةَ إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ امْتَثَلَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِّمُوا قُرَيْشًا فَافْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ لِكَوْنِهِ أَفْقَهَ قُرَشِيٍّ أَخَذَ عَنْهُ وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ أُخْرَى لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ كَشَيْخِهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ فِي أَوَّلِ تَرْجَمَةِ بَدْءِ الْوَحْيِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ بِمَكَّةَ وَمِنْ ثَمَّ ثَنَّى بِالرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ شَيْخُ أَهْلِ الْمَدِينَةَ وَهِيَ تَالِيَةٌ لِمَكَّةَ فِي نُزُولِ الْوَحْيِ وَفِي جَمِيع الْفضل وَمَالك وبن عُيَيْنَةَ قَرِينَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْلَاهُمَا لَذَهَبَ الْعِلْمُ من الْحجاز قَوْله حَدثنَا سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْهِلَالِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ وَمَوْلِدُهُ الْكُوفَةُ وَقَدْ شَارَكَ مَالِكًا فِي كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِهِ وَعَاشَ بَعْدَهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ اسْمُ جَدِّهِ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَيَحْيَى مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ التَّيْمِيُّ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ وَشَيْخُ مُحَمَّدٍ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ مِنْ كِبَارِهِمْ فَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ وَفِي الْمَعْرِفَةِ لِابْنِ مَنْدَهْ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ عَلْقَمَةَ صَحَابِيٌّ فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ فِيهِ تابعيان وصحابيان يَكُونُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَكْثَرُ الصِّيَغِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْمُحَدِّثُونَ وَهِيَ التَّحْدِيثُ وَالْإِخْبَارُ وَالسَّمَاعُ وَالْعَنْعَنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي إِدْخَالِهِ حَدِيثَ الْأَعْمَالِ هَذَا فِي تَرْجَمَةِ بَدْءِ الْوَحْيِ وَأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ أَصْلًا بِحَيْثُ إِنَّ الْخَطَّابِيَّ فِي شَرْحِهِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ أَخْرَجَاهُ قَبْلَ التَّرْجَمَةِ لِاعْتِقَادِهِمَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَوْرَدَهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ فَقَطْ وَاسْتَصْوَبَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ صَنِيعَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي ذَلِك وَقَالَ بن رَشِيدٍ لَمْ يَقْصِدِ الْبُخَارِيُّ بِإِيرَادِهِ سِوَى بَيَانِ حُسْنِ نِيَّتِهِ فِيهِ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ وَقَدْ تُكُلِّفَتْ مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ فَقَالَ كُلٌّ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ انْتَهَى وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَهُ مَقَامَ الْخُطْبَةِ لِلْكِتَابِ لِأَنَّ فِي سِيَاقِهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ فَإِذَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ فِي خُطْبَةِ الْمِنْبَر صلح أَن يكون فِي خطْبَة الْكتاب وَحَكَى الْمُهَلَّبُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِهِ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا فَنَاسَبَ إِيرَادَهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ كَانَتْ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهَا لِأَنَّ بِالْهِجْرَةِ افْتُتِحَ الْإِذْنُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَيَعْقُبُهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَالْفَتْحُ انْتَهَى وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِهِ أَوَّلَ مَا هَاجَرَ مَنْقُولًا وَقَدْ وَقَعَ فِي بَابِ تَرْكِ الْحِيَلِ بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ الْحَدِيثَ فَفِي هَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ أَمَّا كَوْنُهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ قُدُومِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ قَائِلَهُ اسْتَنَدَ إِلَى مَا رُوِيَ فِي قصَّة مهَاجر أم قيس قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضِيلَةَ الْهِجْرَةِ وَإِنَّمَا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تُسَمَّى أُمَّ قَيْسٍ فَلِهَذَا خُصَّ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ دُونَ سَائِرِ مَا يُنْوَى بِهِ انْتَهَى وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ يَسْتَلْزِمِ الْبَدَاءَةَ بِذِكْرِهِ أَوَّلَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَقِصَّةُ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ رَوَاهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن مَسْعُودٍ قَالَ مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئًا فَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَدِيثَ الْأَعْمَالِ سِيقَ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ مَا يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فَلَوْ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ إِقَامَتَهُ مَقَامَ الْخُطْبَةِ فَقَط إِذْ الِابْتِدَاءَ بِهِ تَيَمُّنًا وَتَرْغِيبًا فِي الْإِخْلَاصِ لَكَانَ سِيَاقه قَبْلَ التَّرْجَمَةِ كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ بن بَطَّالٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ التَّبْوِيبُ يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ مَعًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخلصين لَهُ الدّينوَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ماوصى بِهِ نوحًا قَالَ وَصَّاهُمْ بِالْإِخْلَاصِ فِي عِبَادَتِهِ وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيِّ قَالَ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ بَدْءَ الْوَحْيِ كَانَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَرَ مُحَمَّدًا عَلَى التَّوْحِيدِ وَبَغَّضَ إِلَيْهِ الْأَوْثَانَ وَوَهَبَ لَهُ أَوَّلَ أَسْبَابِ النُّبُوَّةِ وَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخْلَصَ إِلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ يَتَعَبَّدُ بِغَارِ حِرَاءَ فَقَبِلَ اللَّهُ عَمَلَهُ وَأَتَمَّ لَهُ النِّعْمَةَ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ مَا مُحَصِّلُهُ قَصَدَ الْبُخَارِيُّ الْإِخْبَارَ عَنْ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ مَنْشَئِهِ وَأَنَّ اللَّهَ بَغَّضَ إِلَيْهِ الْأَوْثَانَ وَحَبَّبَ إِلَيْهِ خِلَالَ الْخَيْرِ وَلُزُومَ الْوِحْدَةِ فِرَارًا مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ فَلَمَّا لَزِمَ ذَلِكَ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَوَهَبَ لَهُ النُّبُوَّةَ كَمَا يُقَالُ الْفَوَاتِحُ عُنْوَانُ الْخَوَاتِمِ وَلَخَّصَهُ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي أَوَّلِ التَّرَاجِمِ كَانَ مُقَدِّمَةُ النُّبُوَّةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهِجْرَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْخَلْوَةِ فِي غَارِ حِرَاءَ فَنَاسَبَ الِافْتِتَاحَ بِحَدِيثِ الْهِجْرَةِ وَمِنَ الْمُنَاسَبَاتِ الْبَدِيعَةِ الْوَجِيزَةِ مَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَنَّ الْكِتَابَ لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لِجَمْعِ وَحْيِ السُّنَّةِ صَدَّرَهُ بِبَدْءِ الْوَحْيِ وَلَمَّا كَانَ الْوَحْيُ لِبَيَانِ الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ صَدَّرَهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَالِ وَمَعَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ لَا يَلِيقُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّرْجَمَةِ أَصْلًا وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ فِي أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَجْمَعَ وَأَغْنَى وَأَكْثَرَ فَائِدَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَاتَّفَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَحَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ رُبُعُهُ وَاخْتلفُوا فِي تعْيين الْبَاقِي وَقَالَ بن مَهْدِيٍّ أَيْضًا يَدْخُلُ فِي ثَلَاثِينَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْعَدَدِ الْمُبَالَغَةَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ رَأْسَ كُلِّ بَابٍ وَوَجَّهَ الْبَيْهَقِيُّ كَوْنَهُ ثُلُثَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ يَقَعُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ فَالنِّيَّةُ أَحَدُ أَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَأَرْجَحُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَغَيْرُهَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا كَانَتْ خَيْرَ الْأَمْرَيْنِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ على أَنه أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثلث الْعلم أَنه أحد الْقَوَاعِد الثَّلَاث الَّتِي تُرَدُّ إِلَيْهَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ عِنْدَهُ وَهِيَ هَذَا وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ والحلال بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ الْحَدِيثَ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ إِلَّا الْمُوَطَّأَ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مُغْتَرًّا بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ قَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِ النَّاسِ مَرْدُودًا لِكَوْنِهِ فَرْدًا لِأَنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ وَلَا عَنْ عَلْقَمَةَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَلَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا اشْتُهِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَتَفَرَّدَ بِهِ مَنْ فَوْقَهُ وَبِذَلِكَ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وبن السَّكَنِ وَحَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ وَأَطْلَقَ الْخَطَّابِيُّ نَفْيَ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنْ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ مَعْلُولَةٍ ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ وَغَيْرُهُمَا ثَانِيهُمَا السِّيَاقُ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ صَحَّتْ فِي مُطْلَقِ النِّيَّةِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ يبعثون على نياتهم وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَحَدِيثِ بن مَسْعُودٍ رُبَّ قَتِيلٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَحَدِيثِ عُبَادَةَ مَنْ غَزَا وَهُوَ لَا يَنْوِي إِلَّا عِقَالًا فَلَهُ مَا نَوَى أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَسَّرُ حَصْرُهُ وَعُرِفَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ غَلَطُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ مُتَوَاتِرٌ إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ فَيُحْتَمَلُ نَعَمْ قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ النَّقَّاشُ الْحَافِظُ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ نَفْسًا وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُم أَبُو الْقَاسِم بن مَنْدَه فجاوز الثلثمائة وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ مُذَاكَرَةً عَنِ الْحَافِظِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ الْهَرَوِيِّ قَالَ كَتَبْتُهُ مِنْ حَدِيثِ سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ يَحْيَى قُلْتُ وَأَنَا أَسْتَبْعِدُ صِحَّةَ هَذَا فَقَدْ تَتَبَّعْتُ طُرُقَهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَالْأَجْزَاءِ الْمَنْثُورَةِ مُنْذُ طَلَبْتُ الْحَدِيثَ إِلَى وَقْتِي هَذَا فَمَا قَدَرْتُ عَلَى تَكْمِيلِ الْمِائَةِ وَقَدْتَتَبَّعْتُ طُرُقَ غَيْرِهِ فَزَادَتْ عَلَى مَا نُقِلَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ كَمَا سَيَأْتِي مِثَالٌ لِذَلِكَ فِي الْكَلَام على حَدِيث بن عُمَرَ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ مِنْبَرِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى فِي تَرْكِ الْحِيَلِ سَمِعْتُ عُمَرَ يَخْطُبُ قَوْلُهُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ كَذَا أُورِدَ هُنَا وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ أَيْ كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّتِهِ وَقَالَ الخوبي كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَتَنَوَّعُ كَمَا تَتَنَوَّعُ الْأَعْمَالُ كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَوْ تَحْصِيلَ مَوْعُودِهِ أَوْ الِاتِّقَاءَ لِوَعِيدِهِ وَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِإِفْرَادِ النِّيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فَنَاسَبَ إِفْرَادَهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فَنَاسَبَ جَمْعَهَا وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَرْجِعُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَوَقع فِي صَحِيح بن حِبَّانَ بِلَفْظِ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ بِحَذْفِ إِنَّمَا وَجَمْعِ الْأَعْمَالِ وَالنِّيَّاتِ وَهِيَ مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الشهَاب للقضاعي وَوَصَلَهُ فِي مُسْنَدِهِ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِرِوَايَة بن حِبَّانَ بَلْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَكَذَا فِي الْعِتْقِ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَفِي الْهِجْرَةِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ بِإِفْرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالنِّيَّةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي بَعْضِ اللُّغَاتِ بِتَخْفِيفِهَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَوْلُهُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ هَذَا التَّرْكِيبُ يُفِيدُ الْحَصْرَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ إِفَادَتِهِ فَقِيلَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ جَمْعٌ مُحَلًّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مُفِيدٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْقَصْرِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّةٍ فَلَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ وَقِيلَ لِأَنَّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ وَهَلْ إِفَادَتُهَا لَهُ بِالْمَنْطُوقِ أَوْ بِالْمَفْهُومِ أَوْ تُفِيدُ الْحَصْرَ بِالْوَضْعِ أَوِ الْعُرْفِ أَوْ تُفِيدُهُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْ بِالْمَجَازِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَأَتْبَاعِهِ أَنَّهَا تُفِيدُهُ بِالْمَنْطُوقِ وَضْعًا حَقِيقِيًّا بَلْ نَقَلَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأُصُولِ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ إِلَّا الْيَسِيرَ كَالْآمِدِيِّ وَعَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَصْرِ لَمَا حَسُنَ إِنَّمَا قَامَ زَيْدٌ فِي جَوَابِ هَلْ قَامَ عَمْرٌو أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنَّهُ يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ وَهِيَ لِلْحَصْرِ اتِّفَاقًا وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ لِلْحَصْرِ لَاسْتَوَى إِنَّمَا قَامَ زَيْدٌ مَعَ مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ وَلَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْقُوَّةِ نَفْيُ الْحَصْرِ فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ أَقْوَى مِنَ الْآخَرِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ كَسَوْفَ وَالسِّينِ وَقَدْ وَقَعَ اسْتِعْمَالُ إِنَّمَا مَوْضِعَ اسْتِعْمَالِ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا تُجْزونَ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ وَكَقَوْلِهِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَقَوله انما على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين وَقَوله مَا على الرَّسُول الا الْبَلَاغ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ قَوْلُ الْأَعْشَى وَلَسْتُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ يَعْنِي مَا ثَبُتَتِ الْعِزَّةُ إِلَّا لِمَنْ كَانَ أَكْثَرَ حَصًى وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ بَسِيطَةٌ أَوْ مُرَكَّبَةٌ فَرَجَّحُوا الْأَوَّلَ وَقَدْ يُرَجَّحُ الثَّانِي وَيُجَابُ عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ من قَوْلهم إِن إِن للإثبات وَمَا لِلنَّفْيِ فَيَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الْمُتَضَادَّيْنِ عَلَى صَدَدٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يُقَالَ مَثَلًا أَصْلُهُمَا كَانَ لِلْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ لَكِنَّهُمَا بَعْدَ التَّرْكِيبِ لَمْ يَبْقَيَا عَلَى أَصْلِهِمَا بَلْ أَفَادَا شَيْئًا آخَرَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِفَادَةُ هَذَا السِّيَاقِ لِلْحَصْرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ تَأْكِيدًا بَعْدَ تَأْكِيدٍ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إِنَّمَا وَمن الْجمع فمتعقب بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إِيهَامِ الْعَكْسِ لِأَنَّ قَائِلَهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْحَصْرَ فِيهِ تَأْكِيدٌ عَلَى تَأْكِيدٍ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ كَذَلِكَ يُفِيد الْحصْر وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ اسْتُدِلَّ عَلَى إِفَادَةِ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ بِأَن بن عَبَّاسٍ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ بِحَدِيثِ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَعَارَضَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْحُكْمِ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ فِي فَهْمِهِ فَكَانَ كَالِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهَا تُفِيدُ الْحَصْرَ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا تَرَكُوا الْمُعَارَضَةَ بِذَلِكَ تَنَزُّلًا وَأَمَّا مَنْ قَالَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اعْتِمَادُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ فِي رَدِّ إِفَادَةِ الْحَصْرِ بَلْ يُقَوِّيهِ وَيُشْعِرُ بِأَنَّ مُفَادَ الصِّيغَتَيْنِ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ وَإِلَّا لَمَا اسْتَعْمَلُوا هَذِهِ مَوْضِعَ هَذِهِ وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا حَدِيثُ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَمْ يُعَارِضُهُمُ الْجُمْهُورُ فِي فَهْمِ الْحَصْرِ مِنْهُ وَإِنَّمَا عَارَضَهُمْ فِي الْحُكْمِ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى كَحَدِيثِ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَقَالَ بن عَطِيَّةَ إِنَّمَا لَفْظُ لَا يُفَارِقُهُ الْمُبَالَغَةُ وَالتَّأْكِيدُ حَيْثُ وَقَعَ وَيَصْلُحُ مَعَ ذَلِكَ لِلْحَصْرِ إِنْ دَخَلَ فِي قِصَّةٍ سَاعَدَتْ عَلَيْهِ فَجُعِلَ وُرُودُهُ لِلْحَصْرِ مَجَازًا يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ أَصْلَ وُرُودِهَا لِلْحَصْرِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ كَقَوْلِه تَعَالَى إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِد فَإِنَّهُ سِيقَ بِاعْتِبَارِ مُنْكِرِي الْوَحْدَانِيَّةِ وَإِلَّا فَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ صِفَاتٌ أُخْرَى كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا أَنْت مُنْذر فَإِنَّهُ سِيقَ بِاعْتِبَارِ مُنْكِرِي الرِّسَالَةِ وَإِلَّا فَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِفَاتٌ أُخْرَى كَالْبِشَارَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ وَهِيَ فِيمَا يُقَالُ السَّبَبُ فِي قَوْلِ مَنْ مَنَعَ إِفَادَتَهَا لِلْحَصْرِ مُطْلَقًا تَكْمِيلٌ الْأَعْمَالُ تَقْتَضِي عَامِلَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ الْأَعْمَالُ الصَّادِرَةُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ وَعَلَى هَذَا هَلْ تَخْرُجُ أَعْمَالُ الْكُفَّارِ الظَّاهِرُ الْإِخْرَاجُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْمَالِ أَعْمَالُ الْعِبَادَةِ وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِهَا مُعَاقَبًا عَلَى تَرْكِهَا وَلَا يَرِدُ الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ لِأَنَّهُمَا بِدَلِيلٍ آخَرَ قَوْلُهُ بِالنِّيَّاتِ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مُقَوِّمَةٌ لِلْعَمَلِ فَكَأَنَّهَا سَبَبٌ فِي إِيجَادِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ مِنْ نَفْسِ الْعَمَلِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَتَخَلَّفَ عَنْ أَوَّلِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ النِّيَّةُ الْقَصْدُ وَهِيَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَزِيمَةَ الْقَلْبِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الْقَصْدِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ هِيَ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ وَالْمُرَجَّحُ أَنَّ إِيجَادَهَا ذِكْرًا فِي أَوَّلِ الْعَمَلِ رُكْنٌ وَاسْتِصْحَابَهَا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ شَرْعًا شَرْطٌ وَلَا بُدَّ مِنْ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فَقِيلَ تُعْتَبَرُ وَقِيلَ تُكَمَّلُ وَقِيلَ تَصِحُّ وَقِيلَ تَحْصُلُ وَقِيلَ تَسْتَقِرُّ قَالَ الطِّيبِيُّ كَلَامُ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ فَكَأَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ النِّيَّةُ عِبَارَةٌ عَنِ انْبِعَاثِ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ حَالًا أَوْ مَآلًا وَالشَّرْعُ خَصَّصَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْلِ لِابْتِغَاءِ رِضَاءِ اللَّهِ وَامْتِثَالِ حُكْمِهِ وَالنِّيَّةُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِيَحْسُنَ تَطْبِيقُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَتَقْسِيمُهُ أَحْوَالَ الْمُهَاجِرِ فَإِنَّهُ تَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ وَالْحَدِيثُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الذَّوَاتَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ إِذِ التَّقْدِيرُ لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ ذَاتِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بَلِ الْمُرَادُ نَفْيُ أَحْكَامِهَا كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِنَفْيِ الشَّيْءِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ عَلَى نَفْيِ الذَّاتِ بِالتَّصْرِيحِ وَعَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ بِالتَّبَعِ فَلَمَّا مَنَعَ الدَّلِيلُ نَفْيَ الذَّاتِ بَقِيَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ مُسْتَمِرَّةً وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَحْسَنُ تَقْدِيرُ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْمَالَ تَتْبَعُ النِّيَّةَ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا يُقَدَّرُ الْمَحْذُوفُ كَوْنًا مُطْلَقًا مِنِ اسْمِ فَاعِلٍ أَوْ فِعْلٍ ثُمَّ لَفْظُ الْعَمَلِ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْجَوَارِحِ حَتَّى اللِّسَانِ فَتَدْخُلُ الْأَقْوَال قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَأَخْرَجَ بَعْضُهُمُ الْأَقْوَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي أَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُهَا وَأَمَّا التُّرُوكُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ كَفٍّ لَكِن لايطلق عَلَيْهَا لَفْظُ الْعَمَلِ وَقَدْ تُعُقِّبَ عَلَى مَنْ يُسَمِّي الْقَوْلَ عَمَلًا لِكَوْنِهِ عَمَلَ اللِّسَانِ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا فَقَالَ قَوْلًا لَا يَحْنَثَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَرْجِعَ الْيَمِينِ إِلَى الْعُرْفِ وَالْقَوْلُ لَا يُسَمَّى عَمَلًا فِي الْعُرْفِ وَلِهَذَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَلِ حَقِيقَةً وَيَدْخُلُ مَجَازًا وَكَذَا الْفِعْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ بعد قَوْله زخرف القَوْل وَأَمَّا عَمَلُ الْقَلْبِ كَالنِّيَّةِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْحَدِيثُ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسَلْسُلَ وَالْمَعْرِفَةَ وَفِي تَنَاوُلِهَا نَظَرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَصْدُ الْمَنَوِيِّ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْمَرْءُ مَا يَعْرِفُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ مُطْلَقَ الشُّعُورِ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ النَّظَرَ فِي الدَّلِيلِ فَلَا لِأَنَّ كُلَّ ذِي عَقْلٍ يَشْعُرُ مَثَلًا بِأَنَّ لَهُ مَنْ يُدَبِّرُهُ فَإِذَا أَخَذَ فِي النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ عَلَيْهِ لِيَتَحَقَّقَهُ لَمْتكن النِّيَّة حِينَئِذٍ محالا وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا النِّيَّةَ قَدَّرُوا صِحَّةَ الْأَعْمَالِ وَالَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا قَدَّرُوا كَمَالَ الْأَعْمَالِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنَ الْكَمَالِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا أَوْلَى وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إِيهَامٌ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ لَا يَرَى بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَلَيْسَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي الْوَسَائِلِ وَأَمَّا الْمَقَاصِدُ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لَهَا وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي اشْتِرَاطِهَا لِلْوُضُوءِ وَخَالَفَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي التَّيَمُّمِ أَيْضًا نَعَمْ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ فِي اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعَمَلِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَبْسُوطَاتِ الْفِقْهِ تَكْمِيلٌ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي النِّيَّاتِ مُعَاقِبَةٌ لِلضَّمِيرِ وَالتَّقْدِيرُ الْأَعْمَالُ بِنِيَّاتِهَا وَعَلَى هَذَا فَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْعَمَلِ مِنْ كَوْنِهِ مَثَلًا صَلَاةً أَوْ غَيْرَهَا وَمِنْ كَوْنِهَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا مَقْصُورَةً أَوْ غَيْرَ مَقْصُورَةٍ وَهَلْ يُحْتَاجُ فِي مِثْلِ هَذَا إِلَى تَعْيِينِ الْعَدَدِ فِيهِ بَحْثٌ وَالرَّاجِحُ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْيِين الْعِبَادَة الَّتِي لاتنفك عَنِ الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ كَالْمُسَافِرِ مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ إِلَّا بِنِيَّةِ الْقَصْرِ لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْقَصْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ تُفِيدُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ وَيُصَاحِبُهَا فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يحصل لَهُ الا مَا نَوَاه وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ أَوْ حَالَ دُونَ عَمَلِهِ لَهُ مَا يُعْذَرُ شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَلِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْوِهِ أَيْ لَا خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مَخْصُوصًا لَكِنْ كَانَتْ هُنَاكَ نِيَّةٌ عَامَّةٌ تَشْمَلُهُ فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَنْظَارُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا لَا يُحْصَى وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ لِمُدْرَكٍ آخَرَ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى الْفَرْضَ أَوِ الرَّاتِبَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّحِيَّةِ شَغْلُ الْبُقْعَةِ وَقَدْ حَصَلَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَنِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى التَّعَبُّدِ لَا إِلَى مَحْضِ التَّنْظِيفِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الْفَائِتَةَ فَقَطْ حَتَّى يُعَيِّنَهَا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إِذَا لَمْ تَنْحَصِر الْفَائِتَة وَقَالَ بن السَّمْعَانِيِّ فِي أَمَالِيهِ أَفَادَتْ أَنَّ الْأَعْمَالَ الْخَارِجَةَ عَنِ الْعِبَادَةِ لَا تُفِيدُ الثَّوَابَ إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا فَاعِلُهَا الْقُرْبَةَ كَالْأَكْلِ إِذَا نَوَى بِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَفَادَتْ أَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُ فِي النِّيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَرِدُ مِثْلُ نِيَّةِ الْوَلِيِّ عَنِ الصَّبِيِّ وَنَظَائِرِهِ فَإِنَّهَا عَلَى خِلَافِ الأَصْل وَقَالَ بن عَبْدِ السَّلَامِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى لِبَيَانِ مَا يُعْتَبَرُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالثَّانِيَةُ لِبَيَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَأَفَادَ أَنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ بِنَفْسِهَا وَأَمَّا مَا يَتَمَيَّزُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ بِصُورَتِهِ إِلَى مَا وُضِعَ لَهُ كَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَالتِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى أَصْلِ الْوَضْعِ أَمَّا مَا حَدَثَ فِيهِ عُرْفٌ كَالتَّسْبِيحِ لِلتَّعَجُّبِ فَلَا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ قُصِدَ بِالذِّكْرِ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ أَكْثَرَ ثَوَابًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْغَزَّالِيُّ حَرَكَةُ اللِّسَانِ بِالذِّكْرِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْهُ تُحَصِّلُ الثَّوَابَ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ حَرَكَةِ اللِّسَانِ بِالْغِيبَةِ بَلْ هُوَ خَيْرٌ مِنَ السُّكُوتِ مُطْلَقًا أَيِ الْمُجَرَّدِ عَنِ التَّفَكُّرِ قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَمَلِ الْقَلْبِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِمْ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيُؤْجَرُ أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ وَأَوْرَدَ عَلَى إِطْلَاقِ الْغَزَّالِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْءَ يُثَابُ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِ الْحَرَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ وَخُصَّ مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ مَا يُقْصَدُ حُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَنْ مَاتَ زَوْجُهَا فَلَمْ يَبْلُغْهَا الْخَبَرُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْتَجِ الْمَتْرُوكُ إِلَى نِيَّةٍ وَنَازَعَ الْكِرْمَانِيُّ فِي إِطْلَاقِ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ كَوْنَ الْمَتْرُوكِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ بِأَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ وَبِأَنَّ الْتُّرُوكَ إِذَا أُرِيدَ بِهَا تَحْصِيلُ الثَّوَابِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْقَصْدِ التَّرْكِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ التَّرْكُ فِعْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَمِنْ حَقِّ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى الْمَانِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ الثَّانِي فَلَا يُطَابِقُ الْمَوْرِدَ لِأَنَّ الْمَبْحُوثَ فِيهِ هَلْ تَلْزَمُ النِّيَّةُ فِي التُّرُوكِ بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِقَابُ بِتَرْكِهَا وَالَّذِي أَوْرَدَهُ هَلْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ بِدُونِهَا وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ ظَاهِرٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّرْكَ الْمُجَرَّدَ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ بِالْكَفِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ النَّفْسِ فَمَنْ لَمْ تَخْطُرِ الْمَعْصِيَةُ بِبَالِهِ أَصْلًا لَيْسَ كَمَنْ خَطَرَتْ فَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْهَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَرَجَعَ الْحَالُ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ هُوَ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ وُجُوهِهِ لَا التَّرْكُ الْمُجَرَّدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ إِذَا قُلْنَا إِنَّ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ يُفِيدُ الْقَصْرَ فَفِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى نَوْعَانِ مِنَ الْحَصْرِ قَصْرُ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ إِذِ الْمُرَادُ إِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَاهُ وَالتَّقْدِيمُ الْمَذْكُورُ قَوْلُهُ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا عَنِ الْبُخَارِيِّ بِحَذْفِ أَحَدِ وَجْهَيِ التَّقْسِيمِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَخْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي رِوَايَتِنَا وَجَمِيعِ نُسَخِ أَصْحَابِنَا مَخْرُومًا قَدْ ذَهَبَ شَطْرُهُ وَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا الْإِغْفَالُ وَمِنْ جِهَةِ مَنْ عَرَضَ مِنْ رُوَاتِهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ مُسْتَوْفًى وَقَدْ رَوَاهُ لَنَا الْأَثْبَاتُ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ تَامًّا وَنَقَلَ بن التِّينِ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ مُخْتَصَرًا وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَخْرُومًا أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ أَنَّ فِي السَّنَدِ انْقِطَاعًا فَقَالَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَلْقَ الْحُمَيْدِيَّ وَهُوَ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْ إِطْلَاقِهِ مَعَ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَتَكْرَارُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَجَزَمَ كُلُّ مَنْ تَرْجَمَهُ بِأَنَّ الْحُمَيْدِيَّ مِنْ شُيُوخِهِ فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي مَشْيَخَتِهِ لَا عُذْرَ لِلْبُخَارِيِّ فِي إِسْقَاطِهِ لِأَنَّ الْحُمَيْدِيَّ شَيْخُهُ فِيهِ قَدْ رَوَاهُ فِي مُسْنَدِهِ عَلَى التَّمَامِ قَالَ وَذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّهُ لَعَلَّهُ اسْتَمْلَاهُ مِنْ حِفْظِ الْحُمَيْدِيِّ فَحَدَّثَهُ هَكَذَا فَحَدَّثَ عَنْهُ كَمَا سَمِعَ أَوْ حَدَّثَهُ بِهِ تَامًّا فَسَقَطَ مِنْ حِفْظِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا عِنْدَ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى أَحْوَالِ الْقَوْمِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ الْإِسْقَاطُ فِيهِ مِنَ الْبُخَارِيِّ فَوُجُودُهُ فِي رِوَايَةِ شَيْخِهِ وَشَيْخِ شَيْخِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ مُوسَى وَأَبِي إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ تَامًّا وَهُوَ فِي مُصَنَّفِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ وَمُسْتَخْرَجَيْ أبي نعيم وَصَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ فَإِنْ كَانَ الْإِسْقَاطُ مِنْ غَيْرِ الْبُخَارِيِّ فَقَدْ يُقَالُ لِمَ اخْتَارَ الِابْتِدَاءَ بِهَذَا السِّيَاقِ النَّاقِصِ وَالْجَوَابُ قَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ اخْتَارَ الْحُمَيْدِيَّ لِكَوْنِهِ أَجَلَّ مَشَايِخِهِ الْمَكِّيِّينَ إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِسْقَاطُ مِنْهُ فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْحَافِظُ فِي أَجْوِبَةٍ لَهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ إِنَّ أَحْسَنَ مَا يُجَابُ بِهِ هُنَا أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَ لِكِتَابِهِ صَدْرًا يَسْتَفْتِحُ بِهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنِ اسْتِفْتَاحِ كُتُبِهِمْ بِالْخُطَبِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَعَانِي مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ التَّأْلِيفِ فَكَأَنَّهُ ابْتَدَأَ كِتَابَهُ بِنِيَّةٍ رَدَّ عِلْمَهَا إِلَى اللَّهِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الدُّنْيَا أَوْ عَرَضَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهَا فَسَيَجْزِيهِ بِنِيَّتِهِ وَنَكَبَ عَنْ أَحَدِ وَجْهَيِ التَّقْسِيمِ مُجَانَبَةً لِلتَّزْكِيَةِ الَّتِي لَا يُنَاسِبُ ذِكْرُهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَحْذُوفَةَ تُشْعِرُ بِالْقُرْبَةِ الْمَحْضَةِ وَالْجُمْلَةَ الْمُبْقَاةَ تَحْتَمِلُ التَّرَدُّدَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا قَصده يحصل الْقرْبَة أَولا فَلَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ كَالْمُخْبِرِ عَنْ حَالِ نَفْسِهِ فِي تَصْنِيفِهِ هَذَا بِعِبَارَةِ هَذَا الْحَدِيثِ حَذَفَ الْجُمْلَةَ الْمُشْعِرَةَ بِالْقُرْبَةِ الْمَحْضَةِ فِرَارًا مِنَ التَّزْكِيَةِ وَبَقِي الْجُمْلَةُ الْمُتَرَدِّدَةُ الْمُحْتَمِلَةُ تَفْوِيضًا لِلْأَمْرِ إِلَى رَبِّهِ الْمُطَّلِعِ عَلَى سَرِيرَتِهِ الْمُجَازِي لَهُ بِمُقْتَضَى نِيَّتِهِ وَلَمَّا كَانَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يُضَمِّنُوا الْخُطَبَ اصْطِلَاحَهُمْ فِي مَذَاهِبِهِمْ وَاخْتِيَارَاتِهِمْ وَكَانَ مِنْ رَأْيِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ اخْتِصَارِ الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَالتَّدْقِيقُ فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَإِيثَارُ الْأَغْمَضِ عَلَى الْأَجْلَى وَتَرْجِيحُ الْإِسْنَادِ الْوَارِدِ بِالصِّيَغِ الْمُصَرِّحَةِ بِالسَّمَاعِ عَلَى غَيْرِهِ اسْتَعْمَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِعِبَارَةِ هَذَا الْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ تَأَخُّرُ قَوْلِهِ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَنْ قَوْلِهِ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْتَكُونَ رِوَايَةُ الْحُمَيْدِيِّ وَقَعَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَذَلِكَ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الْمَحْذُوفَةُ هِيَ الْأَخِيرَةَ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فَهُوَ مُصَيَّرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى جَوَازِ الِاخْتِصَارِ فِي الْحَدِيثِ وَلَوْ مِنْ أَثْنَائِهِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْ كَانَ الْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ تَامًّا لِمَ خَرَمَهُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ مَعَ أَنَّ الْخَرْمَ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ قُلْتُ لَا جَزْمَ بِالْخَرْمِ لِأَنَّ الْمَقَامَاتِ مُخْتَلِفَةٌ فَلَعَلَّهُ فِي مَقَامِ بَيَانِ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالنِّيَّةِ وَاعْتِقَادِ الْقَلْبِ سَمِعَ الْحَدِيثَ تَامًّا وَفِي مَقَامِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْأَعْمَالِ إِنَّمَا يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ سَمِعَ ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي رُوِيَ ثُمَّ الْخَرْمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ لَا مِنْهُ ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنْهُ فَخَرْمُهُ ثَمَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَتِمُّ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَإِنْ قُلْتَ فَكَانَ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدِ الْخَرْمِ الشِّقَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ قُلْتُ لَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ الْكَثِيرُ بَيْنَ النَّاسِ انْتَهَى وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِ مَنْ قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى هَذَا الحَدِيث وَلَا سِيمَا كَلَام بن الْعَرَبِيِّ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنَّ إِيرَادَ الْحَدِيثِ تَامًّا تَارَةً وَغَيْرَ تَامٍّ تَارَةً إِنَّمَا هُوَ من اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فَكُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ رَوَى مَا سَمِعَهُ فَلَا خَرْمَ مِنْ أَحَدٍ وَلَكِنَّ الْبُخَارِيَّ يَذْكُرُهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُنَاسِبُ كُلًّا مِنْهَا بِحَسَبِ الْبَابِ الَّذِي يَضَعُهُ تَرْجَمَةً لَهُ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ مِنِ ابْتِدَائِهِ إِلَى انْتِهَائِهِ فَسَاقَهُ فِي مَوْضِعٍ تَامًّا وَفِي مَوْضِعٍ مُقْتَصِرًا عَلَى بَعْضِهِ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْجَامِعِ الصَّحِيحِ فَلَا يَرْتَابُ مَنْ يَكُونُ الْحَدِيثُ صِنَاعَتَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِهِ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ صَنِيعِهِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ فِي موضِعين عَلَى وَجْهَيْنِ بَلْ إِنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَدٍ عَلَى شَرْطِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي بِالسَّنَدِ الثَّانِي وَهَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِهِ يُعَلِّقُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ تَارَةً بِالْجَزْمِ إِنْ كَانَ صَحِيحًا وَتَارَةً بِغَيْرِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَنَدٌ وَاحِدٌ يَتَصَرَّفُ فِي مَتْنِهِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِهِ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ وَلَا يُوجَدُ فِيهِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مَذْكُورٌ بِتَمَامِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إِلَّا نَادِرًا فَقَدْ عَنِيَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ بِتَتَبُّعِ ذَلِكَ فَحَصَّلَ مِنْهُ نَحْوَ عِشْرِينَ مَوْضِعًا قَوْلُهُ هِجْرَتُهُ الْهِجْرَةُ التَّرْكُ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الشَّيْءِ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ وَفِي الشَّرْعِ تَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الِانْتِقَالُ مِنْ دَارِ الْخَوْفِ إِلَى دَارِ الْأَمْنِ كَمَا فِي هِجْرَتَيِ الْحَبَشَةِ وَابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ الثَّانِي الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِيمَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ إِلَيْهِ مَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ إِذْ ذَاكَ تَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ فَانْقَطع الِاخْتِصَاصِ وَبَقِيَ عُمُومُ الِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَاقِيًا فَإِنْ قِيلَ الْأَصْلُ تَغَايُرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا يُقَالُ مَثَلًا مَنْ أَطَاعَ أَطَاعَ وَإِنَّمَا يُقَالُ مَثَلًا مَنْ أَطَاعَ نَجَا وَقَدْ وَقَعَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُتَّحِدَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّغَايُرَ يَقَعُ تَارَةً بِاللَّفْظِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً بِالْمَعْنَى وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنَ السِّيَاقِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالحا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى الله متابا وَهُوَ مُؤَوَّلٌ عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْهُودِ الْمُسْتَقِرِّ فِي النَّفس كَقَوْلِهِم أَنْت أَنْت أَيِ الصَّدِيقُ الْخَالِصُ وَقَوْلُهُمْ هُمْ هُمْ أَيِ الَّذِينَ لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهُمْ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي أَوْ هُوَ مُؤَوَّلٌ عَلَى إِقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ لِاشْتِهَارِ السَّبَبِ وَقَالَ بن مَالِكٍ قَدْ يُقْصَدُ بِالْخَبَرِ الْفَرْدِ بَيَانُ الشُّهْرَةِ وَعَدَمِ التَّغَيُّرِ فَيَتَّحِدُ بِالْمُبْتَدَأِ لَفْظًا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ خَلِيلِي خَلِيلِي دُونَ رَيْبٍ وَرُبَّمَا أَلَانَ امْرُؤٌ قَوْلًا فَظُنَّ خَلِيلًا وَقَدْ يُفْعَلُ مِثْلُ هَذَا بِجَوَابِ الشَّرْطِ كَقَوْلِكَ مَنْ قَصَدَنِي فَقَدْ قَصَدَنِي أَيْ فَقَدْ قَصَدَ مَنْ عُرِفَ بِإِنْجَاحِ قَاصِدِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ إِذَا اتَّحَدَ لَفْظُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ عُلِمَ مِنْهُمَا الْمُبَالَغَةُ إِمَّا فِي التَّعْظِيمِ وَإِمَّا فِي التَّحْقِيرِ قَوْلُهُ إِلَى دُنْيَا بِضَم الدَّال وَحكى بن قُتَيْبَةَ كَسْرَهَا وَهِيَ فُعْلَى مِنَ الدُّنُوِّ أَيِ الْقُرْبِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَبْقِهَا لِلْأُخْرَى وَقِيلَ سُمِّيَتْ دُنْيَا لِدُنُوِّهَا إِلَى الزَّوَالِ وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَتِهَا فَقِيلَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْهَوَاءِ وَالْجَوِّ وَقيل كل الْمَخْلُوقَات من الْجَوَاهِر والاعراض وَالْأول أَوْلَى لَكِنْ يُزَادُ فِيهِ مِمَّا قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا مَجَازًا ثُمَّ إِنَّ لَفْظَهَامَقْصُور غير منون وَحكى تنوينها وَعَزاهُ بن دِحْيَةَ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي الْهَيْثَمِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَضَعَّفَهَا وَحكى عَن بن مغور أَن أَبَا ذَر الْهَرَوِيِّ فِي آخِرِ أَمْرِهِ كَانَ يَحْذِفُ كَثِيرًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْهَيْثَمِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قُلْتُ وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْهَيْثَمِ مَوَاضِعَ كَثِيرَةً أَصْوَبَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعِهِ وَقَالَ التَّيْمِيُّ فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ دُنْيَا هُوَ تَأْنِيثُ الْأَدْنَى لَيْسَ بِمَصْرُوفٍ لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفِيَّةِ وَلُزُومِ حَرْفِ التَّأْنِيثِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لُزُومَ التَّأْنِيثِ لِلْأَلِفِ الْمَقْصُورَةِ كَافٍ فِي عدم الصّرْف وَأما الوصفيه فَقَالَ بن مَالِكٍ اسْتِعْمَالُ دُنْيَا مُنَكَّرًا فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّهَا أفعل التَّفْضِيلِ فَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ بِاللَّامِ كَالْكُبْرَى وَالْحُسْنَى قَالَ إِلَّا أَنَّهَا خُلِعَتْ عَنْهَا الوصفية وأجريت مَجْرَى مَا لَمْ يَكُنْ وَصْفًا قَطُّ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَإِنْ دَعَوْتِ إِلَى جُلَّى وَمَكْرُمَةٍ يَوْمًا سَرَاةَ كِرَامِ النَّاسِ فَادْعِينَا وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَوْلُهُ إِلَى يَتَعَلَّقُ بِالْهِجْرَةِ إِنْ كَانَ لَفْظُ كَانَتْ تَامَّةً أَوْ هُوَ خَبَرٌ لِكَانَتْ إِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً ثُمَّ أَوْرَدَ مَا مُحَصَّلُهُ أَنَّ لَفْظَ كَانَ إِنْ كَانَ لِلْأَمْرِ الْمَاضِي فَلَا يُعْلَمُ مَا الْحُكْمُ بَعْدَ صُدُورِ هَذَا الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ كَانَ الْوُجُودُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِزَمَانٍ أَوْ يُقَاسُ الْمُسْتَقْبَلُ عَلَى الْمَاضِي أَوْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حُكْمَ الْمُكَلَّفِينَ سَوَاءٌ قَوْلُهُ يُصِيبُهَا أَيْ يُحَصِّلُهَا لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا كَإِصَابَةِ الْغَرَضِ بِالسَّهْمِ بِجَامِعِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ قَوْلُهُ أَوِ امْرَأَةٍ قِيلَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهَا مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ لَفْظَ دُنْيَا نَكِرَةٌ وَهِيَ لَا تَعُمُّ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا يَلْزَمُ دُخُولُ الْمَرْأَةِ فِيهَا وَتُعُقِّبَ بِكَوْنِهَا فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ وَنُكْتَةُ الِاهْتِمَامِ الزِّيَادَةُ فِي التَّحْذِيرِ لِأَنَّ الِافْتِتَانَ بِهَا أَشَدُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَمَّنْ حَكَى أَنَّ سَبَبَ هَذَا الْحَدِيثِ قِصَّةُ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ وَلَمْ نَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَنقل بن دِحْيَةَ أَنَّ اسْمَهَا قَيْلَةُ بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّة ساكنه وَحكى بن بطال عَن بن سِرَاجٍ أَنَّ السَّبَبَ فِي تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ بِالذِّكْرِ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا لَا يُزَوِّجُونَ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ وَيُرَاعُونَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَوَّى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مُنَاكَحَتِهِمْ فَهَاجَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَتَزَوَّجَ بِهَا مَنْ كَانَ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى وَيَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ ثَابِتٍ أَنَّ هَذَا الْمُهَاجِرَ كَانَ مَوْلًى وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ عَرَبِيَّةً وَلَيْسَ مَا نَفَاهُ عَنِ الْعَرَبِ عَلَى إِطْلَاقِهِ بَلْ قَدْ زَوَّجَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ جَمَاعَةً مِنْ مَوَالِيهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَإِطْلَاقُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَبْطَلَ الْكَفَاءَةَ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ قَوْلُهُ فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ بِالضَّمِيرِ لِيَتَنَاوَلَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا أَبْرَزَ الضَّمِيرَ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ الْمَحْذُوفَةُ لِقَصْدِ الِالْتِذَاذِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعِظَمِ شَأْنِهِمَا بِخِلَافِ الدُّنْيَا وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِالْحَثِّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ مُتَعَلِّقًا بِالْهِجْرَةِ فَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ قَبِيحَةٌ أَوْ غَيْرُ صَحِيحَةٍ مَثَلًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ فَهِجْرَتُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ مَنْ كَانَتْ انْتَهَى وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنَّ تِلْكَ الْهِجْرَةَ مَذْمُومَةٌ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ أَوِ الْقُصُورَ عَنِ الْهِجْرَةِ الْخَالِصَةِ كَمَنْ نَوَى بِهِجْرَتِهِ مُفَارَقَةَ دَارِ الْكُفْرِ وَتَزَوُّجَ الْمَرْأَةِ مَعًا فَلَا تَكُونُ قَبِيحَةً وَلَا غَيْرَ صَحِيحَةٍ بَلْ هِيَ نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ خَالِصَةً وَإِنَّمَا أَشْعَرَ السِّيَاقُ بِذَمِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ طَلَبَ الْمَرْأَةَ بِصُورَةِ الْهِجْرَةِ الْخَالِصَةِ فَأَمَّا مَنْ طَلَبَهَا مَضْمُومَةً إِلَى الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى قَصْدِ الْهِجْرَةِ لَكِنْ دُونَ ثَوَابِ مَنْ أَخْلَصَ وَكَذَا مَنْ طَلَبَ التَّزْوِيجَ فَقَطْ لَا عَلَى صُورَةِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الْمُبَاحِ الَّذِي قَدْ يُثَابُ فَاعِلُهُ إِذَا قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ كَالْإِعْفَافِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ أَبِي طَلْحَةَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنْ أَسْلَمْتَ تَزَوَّجْتُكَ فَأَسْلَمَ فَتَزَوَّجَتْهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَغِبَ فِي الْإِسْلَامِ وَدَخَلَهُ مِنْ وَجْهِهِ وَضَمَّ إِلَى ذَلِكَ إِرَادَةَ التَّزْوِيجِ الْمُبَاحِ فَصَارَ كَمَنْ نَوَى بِصَوْمِهِ الْعِبَادَةَ وَالْحِمْيَةَمِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ مَعْنَى سُبُحَاتُ وَجْهِهِ نُورُهُ وَجَلَالُهُ وَبَهَاؤُهُ وَأَمَّا الْحِجَابُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَالسَّتْرُ وَحَقِيقَةُ الْحِجَابِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْأَجْسَامِ المحدودة والله تعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِ وَالْحَدِّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَانِعُ نُورًا أَوْ نَارًا لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ مِنَ الْإِدْرَاكِ فِي الْعَادَةِ لِشُعَاعِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالْمُرَادُ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ بَصَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَلَفْظَةُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ لَوْ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ الْحِجَابُ الْمُسَمَّى نُورًا أَوْ نَارًا وَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ لَأَحْرَقَ جَلَالُ ذَاتِهِ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بَصْرِيٌّ كُوفِيٌّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ وَاسْمُ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَارِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قَيْسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَلَكِنْ طَالَ الْعَهْدُ بِهِمْ فَأَرَدْتُ تَجْدِيدَهُ لِمَنْ لَا يَحْفَظْهُمْ وأما أبو عبيدة فهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ كَمَا ذَكَرْتُهُ والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَعَمْرٌو وَأَبُو عُبَيْدَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا فَهُوَ مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَبِيبَكْرٍ فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ شَيْخِهِمَا أَبِي مُعَاوِيَةَ بَيَّنَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَحَصَلَ فِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ حَدَّثَنَا لِلِاتِّصَالِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي عَنْ خِلَافٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَيْضًا لِلِاتِّصَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا مُدَلِّسًا فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ كَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى عَنْ كَانَ مُفَوِّتًا لِقُوَّةِ حَدَّثَنَا وَرَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَدَّثَنَا كَانَ زَائِدًا فِي رِوَايَةِ أَحَدِهِمَا رَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُجْتَنَبُ وَاللَّهُ أعلم بالصواب

    (باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى)
    اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَحَدُهُمَا وُقُوعُهَا وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَمِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ مَعْنَى سُبُحَاتُ وَجْهِهِ نُورُهُ وَجَلَالُهُ وَبَهَاؤُهُ وَأَمَّا الْحِجَابُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَالسَّتْرُ وَحَقِيقَةُ الْحِجَابِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْأَجْسَامِ المحدودة والله تعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِ وَالْحَدِّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَانِعُ نُورًا أَوْ نَارًا لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ مِنَ الْإِدْرَاكِ فِي الْعَادَةِ لِشُعَاعِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالْمُرَادُ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ بَصَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَلَفْظَةُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ لَوْ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ الْحِجَابُ الْمُسَمَّى نُورًا أَوْ نَارًا وَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ لَأَحْرَقَ جَلَالُ ذَاتِهِ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بَصْرِيٌّ كُوفِيٌّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ وَاسْمُ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَارِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قَيْسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَلَكِنْ طَالَ الْعَهْدُ بِهِمْ فَأَرَدْتُ تَجْدِيدَهُ لِمَنْ لَا يَحْفَظْهُمْ وأما أبو عبيدة فهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ كَمَا ذَكَرْتُهُ والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَعَمْرٌو وَأَبُو عُبَيْدَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا فَهُوَ مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَبِيبَكْرٍ فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ شَيْخِهِمَا أَبِي مُعَاوِيَةَ بَيَّنَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَحَصَلَ فِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ حَدَّثَنَا لِلِاتِّصَالِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي عَنْ خِلَافٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَيْضًا لِلِاتِّصَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا مُدَلِّسًا فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ كَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى عَنْ كَانَ مُفَوِّتًا لِقُوَّةِ حَدَّثَنَا وَرَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَدَّثَنَا كَانَ زَائِدًا فِي رِوَايَةِ أَحَدِهِمَا رَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُجْتَنَبُ وَاللَّهُ أعلم بالصواب

    (باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى)
    اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَحَدُهُمَا وُقُوعُهَا وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَمِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ مَعْنَى سُبُحَاتُ وَجْهِهِ نُورُهُ وَجَلَالُهُ وَبَهَاؤُهُ وَأَمَّا الْحِجَابُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَالسَّتْرُ وَحَقِيقَةُ الْحِجَابِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْأَجْسَامِ المحدودة والله تعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِ وَالْحَدِّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَانِعُ نُورًا أَوْ نَارًا لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ مِنَ الْإِدْرَاكِ فِي الْعَادَةِ لِشُعَاعِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالْمُرَادُ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ بَصَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَلَفْظَةُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ لَوْ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ الْحِجَابُ الْمُسَمَّى نُورًا أَوْ نَارًا وَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ لَأَحْرَقَ جَلَالُ ذَاتِهِ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بَصْرِيٌّ كُوفِيٌّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ وَاسْمُ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَارِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قَيْسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَلَكِنْ طَالَ الْعَهْدُ بِهِمْ فَأَرَدْتُ تَجْدِيدَهُ لِمَنْ لَا يَحْفَظْهُمْ وأما أبو عبيدة فهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ كَمَا ذَكَرْتُهُ والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَعَمْرٌو وَأَبُو عُبَيْدَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا فَهُوَ مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَبِيبَكْرٍ فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ شَيْخِهِمَا أَبِي مُعَاوِيَةَ بَيَّنَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَحَصَلَ فِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ حَدَّثَنَا لِلِاتِّصَالِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي عَنْ خِلَافٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَيْضًا لِلِاتِّصَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا مُدَلِّسًا فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ كَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى عَنْ كَانَ مُفَوِّتًا لِقُوَّةِ حَدَّثَنَا وَرَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَدَّثَنَا كَانَ زَائِدًا فِي رِوَايَةِ أَحَدِهِمَا رَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُجْتَنَبُ وَاللَّهُ أعلم بالصواب

    (باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى)
    اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَحَدُهُمَا وُقُوعُهَا وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَأَوْ بِطَوَافِهِ الْعِبَادَةَ وَمُلَازَمَةَ الْغَرِيمِ وَاخْتَارَ الْغَزَّالِيُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّوَابِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْأَغْلَبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْرٌ أَوِ الدِّينِيُّ أُجِرَ بِقَدْرِهِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فَتَرَدَّدَ الْقَصْدُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَلَا أَجْرَ وَأَمَّا إِذَا نوى الْعِبَادَة وخالطها شَيْء مِمَّا يُغَايِرُ الْإِخْلَاصَ فَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالِابْتِدَاءِ فَإِنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ لِلَّهِ خَالِصًا لَمْ يَضُرَّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ من إعجاب وَغَيره وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَمَلِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ يَكُونُ مُنْتَفِيًا إِذَا خَلَا عَنِ النِّيَّةِ وَلَا يَصِحُّ نِيَّةُ فعل الشَّيْء إِلَّا بعد معرفَة حكمه وَعَلَى أَنَّ الْغَافِلَ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِالْمَقْصُودِ وَالْغَافِلُ غَيْرُ قَاصِدٍ وَعَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ أَنْ لَا يُحْسَبَ لَهُ إِلَّا مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ لَكِنْ تَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِانْعِطَافِهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا أَيْ أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ أَوِ الْوَقْتَ وَذَلِكَ بِالِانْعِطَافِ الَّذِي اقْتَضَاهُ فَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ الثِّقَةَ إِذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ جَمَاعَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ غَفْلَتُهُمْ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي صِدْقِهِ خِلَافًا لِمَنْ أُعِلَّ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَلْقَمَةَ ذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ عَنْهُ غَيْرِ عَلْقَمَةَ وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِعَمَلٍ لاتشترط النِّيَّةُ فِيهِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ فَإِنَّ الرَّاجِحَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَخَالَفَهُمْ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الْجَمْعُ لَيْسَ بِعَمَلٍ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ الصَّلَاةُ وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمَعَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَلَمْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ مَعَهُ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَأَعْلَمَهُمْ بِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَى سَبَبٍ وَيَجْمَعُ مُتَعَدِّدَهُ جِنْسٌ أَنَّ نِيَّةَ الْجِنْسِ تَكْفِي كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ كَوْنَهَا عَنْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِنِيَّاتِهَا وَالْعَمَلُ هُنَا الْقِيَامُ بِالَّذِي يَخْرَجُ عَنِ الْكَفَّارَةِ اللَّازِمَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْوِجٍ إِلَى تَعْيِينِ سَبَبٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَشَكَّ فِي سَبَبِهَا أَجْزَأَهُ إِخْرَاجُهَا بِغَيْرِ تَعْيِينٍ وَفِيهِ زِيَادَةُ النَّصِّ عَلَى السَّبَبِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ فِي قِصَّةِ المُهَاجر لتزويج الْمَرْأَة فَذكر الدُّنْيَا مَعَ الْقِصَّةِ زِيَادَةٌ فِي التَّحْذِيرِ وَالتَّنْفِيرِ وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِيهِ إِطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا فَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ كَثِيرٍ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ فَدَخَلَ فِيهِ الْعِبَادَاتُ وَالْأَحْكَامُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

    [1] حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». [الحديث أطرافه في: 54، 2529، 3898، 5070، 6689، 6953] (حدّثنا الحميدي) بضم المهملة وفتح الميم نسبة إلى جده الأعلى حميد، أو إلى الحميدات قبيلة، أو لحميد بطن من أسد بن عبد العزى وهو من أصحاب إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أخذ عنه ورحل معه إلى مصر، فلما مات الشافعي رجع إلى مكة وهو أفقه قرشي مكي أخذ عنه البخاري، وقيل ولذا قدمه المتوفى سنة تسع عشرة ومائتين وليس هو أبا عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حدّثنا الحميدي (عبد الله بن الزبير) كما في الفرع كأصله، (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة المكي التابعي الجليل أحد مشايخ الشافعي والمشارك لإمام دار الهجرة مالك في أكثر شيوخه المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة ولأبي ذر عن الحموي عن سفيان، (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) هو ابن قيس (الأنصاري) المدني التابعي المشهور قاضي المدينة المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة ولأبي ذر عن يحيى بدل قوله حدّثنا يحيى (قال أخبرني) بالإفراد وهو لما قرأه بنفسه على الشيخ وحده (محمد بن إبراهيم) بن الحرث (التيمي) نسبة إلى تيم قريش المتوفى سنة عشرين ومائة، (أنه سمع علقمة) أبا واقد بالقاف (ابن وقاص) بتشديد القاف (الليثي) بالمثلثة نسبة إلى ليث بن بكروذ، وذكره ابن منده في الصحابة وغيره في التابعين المتوفى بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان، (يقول سمعت عمر بن الخطاب) بن نفيل بضم النون وفتح الفاء المتوفى سنة ثلاث وعشرين (رضي الله تعالى عنه) أيسمعت كلامه حال كونه (على المنبر) النبوي المدني، فأل فيه للعهد وهو بكسر الميم من النبرة، وهي الارتفاع أي سمعته حال كونه (قال) ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر يقول (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي سمعت كلامه حال كونه (يقول) فيقول في موضع نصب حالاً من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأن سمعت لا يتعدى إلى مفعولين، فهي حال مبنية للمحذوف المقدّر بكلام، لأن الذات لا تسمع. وقال الأخفش: إذا علقت سمعت بغير مسموع كسمعت زيدًا يقول فهي متعدية لمفعولين الثاني منهما جملة، يقول واختاره الفارسي وعورض بأن سمعت لو كان يتعدى إلى مفعولين لكان إما من باب أعطيت أو ظننت، ولا جائز أن يكون من باب أعطيت لأن ثاني مفعوليه لا يكون جملة ولا مخبرًا به عن الأوّل، وسمعت بخلاف ذلك. ولا جائز أن يكون من باب ظننت لصحة قولك سمعت كلام زيد فتعديه إلى واحد ولا ثالث للبابين، وقد بطلا فتعين القول الأوّل. وأجيب بأن أفعال التصيير ليست من البابين وقد ألحقت بهما. وأيضًا من أثبت ما ليس من البابين مثبت لما لا مانع منه، فقد ألحق بعضهم بما ينصب مفعولين ضرب مع المثل نحو: {{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا}} [النحل: 75]، وألحق بعضهم رأي الحلمية نحو قوله تعالى: {{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}} [يوسف: 36] وأتى بيقول المضارع في رواية من ذكرها بعد سمع الماضي. إما حكاية لحال وقت السماع أو لإحضار ذلك في ذهن السامعين تحقيقًا وتأكيدًا له، وإلا فالأصل أن يقال: قال كما في الرواية الأخرى ليطابق سمعت. (إنما الأعمال) البدنية أقوالها وأفعالها فرضها ونفلها قليلها وكثيرها الصادرة من المكلفين المؤمنين صحيحة أو مجزئة (بالنيات) قيل: وقدّره الحنفية إنما الأعمال كاملة والأوّل أولى لأن الصحة أكثر لزومًا للحقيقة من الكمال، فالحمل عليها أولى لأن ما كان ألزم للشيء كان أقرب خطورًا بالبال عند إطلاق اللفظ، وهذا يوهم أنهم لا يشترطون النية في العبادات، وليس كذلك فإن الخلاف ليس إلا في الوسائل، أما المقاصد، فلا اختلاف في اشتراط النية فيها. ومن ثم لم يشترطوها في الوضوء لأنه مقصود لغيره لا لذاته، فكيفما حصل حصل المقصود وصار كستر العورة وباقي شروط الصلاة التي لا تفتقر إلى نية، وإنما احتيج في الحديث إلى التقدير لأنه لا بدّ للجار من متعلق محذوف هنا هو الخبر في الحقيقة على الأصح، فينبغي أن يجعل المقدر أوّلاً في ضمن الخبر فيستغنى عن إضمار شيء في الأوّل لئلا يصير في الكلام حذفان، حذف المبتدأ أوّلاً وحذف الخبر ثانيًا، وتقديره: إنما صحة الأعمال كائنة بالنيات، لكن قال البرماوي يعارضه أن الخبر يصير كونًا خاصًّا، وإذا قدّرنا إنما صحة الأعمال كائنة كان كونًا مطلقًا وحذف الكون المطلق أكثر من الكون الخاص، بل يمتنع إذا لم يدل عليه دليل وحذف المضاف كثير أيضًا، فارتكاب حذفين بكثرة وقياس أولى من حذف واحد بقلة وشذوذ وهو الوجه المرضيّ، ويشهد لذلك ما قرّره في حذف خبر المبتدأ بعد لولا في الكون العامّ والخاص. ومنهم من جعل المقدّر القبول أي إنما قبول الأعمال، لكن تردّد في أن القبول ينفك عن الصحة أم لا، فعلى الأوّل هو كتقدير الكمال وعلى الثاني كتقدير الصحة، ومنهم من قال: لا حاجة إلى إضمار محذوف من الصحة أو الكمال أو نحوهما، إذ الإضمار خلاف الأصل، وإنما المراد حقيقة العمل الشرعي فلا يحتاج حيئذ إلى إضمار. والنيات بتشديد الياء جمع نية من نوى ينوي من باب ضرب يضرب وهي لغة القصد، وقيل: هي من النوى بمعنى البعد، فكأنَّ الناوي للشيء يطلب بقصده وعزمه بما لم يصل إليه بجوارحه وحركاته الظاهرة لبعده عنه، فجعلت النية وسيلة إلى بلوغه. وشرعًا قصد الشيء مقترنًا بفعله، فإن تراخى عنه كان عزمًا، أو يقال: قصد الفعل ابتغاء وجه الله وامتثالاً لأمره، وهي هنا محمولة على معناها اللغوي ليطابق ما بعده من التقسيم، والتقييد بالمكلفين المؤمنين يخرج أعمال الكفار، لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبًا بها معاقبًا على تركها، وجمعت النية في هذه الرواية باعتبار تنوّعها لأنالمصدر لا يجمع إلا باعتبار تنوّعه أو باعتبار مقاصد الناوي، كقصده تعالى، أو تحصيل موعوده أو اتقاء وعيده. وليس المراد نفي ذات العمل لأنه حاصل بغير نية، وإنما المراد نفي صحته أو كماله على اختلاف التقديرين. وفي معظم الروايات النية بالإفراد على الأصل لاتحاد محلها وهو القلب، كما أن مرجعها واحد وهو الإخلاص للواحد الذي لا شريك له، فناسب إفرادها بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها. وفي صحيح ابن حبان الأعمال بالنيات بحذف إنما، وجمع الأعمال والنيات. وفي كتاب الإيمان من البخاري من رواية مالك عن يحيى الأعمال بالنية، وفيه أيضًا في النكاح العمل بالنية بالإفراد فيهما. والتركيب في كلها يفيد الحصر باتفاق المحققين، لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق وهو مستلزم للحصر لأنه من حصر المبتدأ في الخبر، ويعبر عنه البيانيون بقصر الموصوف على الصفة، وربما قيل قصر المسند إليه على المسند، والمعنى كل عمل بنية فلا عمل إلا بنية. واختلف في إنما هل تفيد الحصر أم لا، فقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي والغزاليّ والكيا الهراسي والإمام فخر الدين: تفيد الحصر المشتمل على نفي الحكم عن غير المذكور، نحو: إنما قائم زيد أي لا عمرو، أو نفي غير الحكم عن المذكور نحو: إنما زيد قائم أي لا قاعد. وهل تفيده بالمنطوق أو بالمفهوم، قال البرماوي في شرح ألفيته: الصحيح أنه بالمنطوق، لأنه لو قال ما له عليّ إلا دينار كان إقرارًا بالدينار، ولو كان مفهومًا لم يكن مقرًّا لعدم اعتبار المفهوم بالأقارير اهـ. وممن صرّح بأنه منطوق أبو الحسين بن القطان والشيخ أبو إسحق الشيرازي والغزالي، بل نقله البلقيني عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي، قال في اللامع: وقيل الحصر من عموم المبتدأ باللام وخصوص خبره على حد صديقي زيد لعموم المضاف إلى المفرد وخصوص خبره، ففي الرواية الأخرى كما سبق بدون إنما، فالتقدير كل الأعمال بالنيات إذ لو كان عمل بلا نية لم تصدق هذه الكلية، وأصل إنما أنّ التوكيدية دخلت عليها ما الكافة، وهي حرف زائد خلافًا لمن زعم أنها ما النافية، ولا يرد على دعوى الحصر نحو صوم رمضان بنيّة قضاء أو نذر حيث لم يقع له ما نوى لعدم قابلية المحل والضرورة في الحج ينويه للمستأجر فلا يقع إلا للناوي، لأن نفس الحج وقع، ولو كان لغير المنوي له. والفرق بينه وبين نيّة القضاء أو النذر في رمضان حيث لا يصح أصلاً لأن التعيين ليس بشرط في الحج فيحرم مطلقًا ثم يصرفه إلى ما شاء، ولذا لو أحرم بنفله وعليه فرضه انصرف للفرض لشدة اللزوم، فإذا لم يقبل ما أحرم به انصرف إلى القابل. نعم لو أحرم بالحج قبل وقته انعقد عمرة على الراجح لانصرافه إلى ما يقبل، وهذا بخلاف ما لو أحرم بالصلاة قبل وقتها عالمًا لا تنعقد، وأما إزالة النجاسة حيث لا تفتقر إلى نية فلأنها من قبيل التروك، نعم تفتقر لحصول الثواب كتارك الزنا إنما يثاب بقصد أنه تركه امتثالاً للشرع، وكذلك نحو القراءة والأذان والذكر لا يحتاج إلى نية لصراحتها إلا لغرض الإثابة. وخروج هذا ونحوه عن اعتبار النية فيها إما بديل آخر، فهو من باب تخصيص العموم أو لاستحالة دخولها، كالنية ومعرفة الله تعالى، فإن النية فيهما محال. أما النية فلأنها لو توقفت على نية أخرى توقفت الأخرى على أخرى، ولزم التسلسل أو الدور وهما محُالان. وأما معرفة الله تعالى فلأنها لو توقفت على النية مع أن النية قصد المنوي بالقلب، لزم أن يكون عارفًا بالله تعالي قبل معرفته وهو محال، والأعمال جمع عمل وهو حركة البدن بكله أو بعضه، وربما أطلق على حركة النفس، فعلى هذا يقال العمل إحداث أمر قولاً كان أو فعلاً بالجارحة أو بالقلب، لكن الأسبق إلى الفهم الاختصاص بفعل الجارحة لا نحو النية، قاله ابن دقيق العيد، قال: ورأيت بعض المتأخرين من أهل الخلاف خصّه بما لا يكون قولاً، قال: وفيه نظر ولو خصص بذلك لفظ الفعل لكان أقرب من حيث استعمالها متقابلين، فيقال: الأقوال والأفعال ولا تردد عندي في أن الحديث يتناول الأقوال أيضًا اهـ. وتعقبه صاحب جمع العدة بأنه: إن أراد بقوله ولاتردد عندي أن الحديث يتناول الأقوال أيضًا باعتبار افتقارها إلى النية بناء على أن المراد إنما صحة الأعمال، فممنوع بل الأذان والقراءة ونحوهما تتأدّى بلا نية. وإن أراد باعتبار أنه يُثاب على ما ينوي منها ويكون كلامًا فمسلم ولكنه مخالف لما رجحه من تقدير الصحة. فإن قلت: لم عدل عن لفظ الأفعال إلى الأعمال؟ أجاب الخويّي بأن الفعل هو الذي يكون زمانه يسيرًا ولم يتكرّر، قال تعالى: {{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}} [الفيل: 1] وتبين لكم كيف فعلنا بهم حيث كان إهلاكهم في زمان يسير، ولم يتكرر بخلاف العمل، فإنه الذي يوجد من الفاعل في زمان مديد بالاستمرار والتكرار. قال الله تعالى: {{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}} [البقرة: 25] طلب منهم العمل الذي يدوم ويستمر ويتجدد كل مرة ويتكرر لا نفس الفعل. قال تعالى: {{فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُون}} [الصافات: 61] ولم يقل يفعل الفاعلون، فالعمل أخص. ومن ثم قال الأعمال ولم يقل الأفعال، لأن ما يندر من الإنسان لا يكون بنية لا أن كل عمل تصحبه نية. وأما العمل فهو ما يدوم عليه الإنسان ويتكرر منه فتعتبر النية اهـ. فليتأمل. والباء في بالنيات تحتمل المصاحبة والسببية، أي الأعمال ثابت ثوابها بسبب النيات، ويظهر أثر ذلك في أن النية شرط أو ركن، والأشبه عند الغزاليّ أنها شرط لأن النية في الصلاة مثلاً تتعلق بها فتكون خارجة عنها، وإلاّ لكانت متعلقة بنفسها وافتقرت إلى نية أخرى، والأظهر عند الأكثرين أنها من الأركان، والسببية صادقة مع الشرطية وهو واضح لتوقف المشروط على الشرط، ومع الركنية لأن بترك جزء من الماهية تنتفي الماهية. والحق أن إيجادها ذكرًا في أوّله ركن واستصحابها حكمًا بأن تعرى عن المنافي شرط كإسلام الناوي وتمييزه وعلمه بالمنوي، وحكمها الوجوب ومحلها القلب، فلا يكفي النطق مع الغفلة. نعم يستحب النطق بها ليساعد اللسان القلب، ولئن سلمنا أنه لم يرو عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا عن أحد من أصحابه النطق بها لكنا نجزم بأنه عليه الصلاة والسلام نطق بها لأنه لا شك أن الوضوء المنوي مع النطق به أفضل، والعلم الضروري حاصل بأن أفضل الخلق لم يواظب على ترك الأفضل طول عمره، فثبت أنه أتى بالوضوء المنوي مع النطق، ولم يثبت عندنا أنه أتى بالوضوء العاري عنه. والشك لا يعارض اليقين، فثبت أنه أتى بالوضوء المنوي مع النطق، والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة أو تمييز رتبها، ووقتها أوّل الفرض كأوّل غسل جزء من الوجه في الوضوء، فلو نوى في أثناء غسل الوجه كفّت ووجب إعادة المغسول منه قبلها، وإنما لم يوجبوا المقارنة في الصوم لعسر مراقبة الفجر. وشرط النية الجزم فلو توضأ الشاك بعد وضوئه في الحدث احتياطًا فبان محدثًا لم يجزه للتردد في النية بلا ضرورة، بخلاف ما إذا لم يبن محدثًا فإنه يجزيه للضرورة. وإنما صح وضوء الشاك في طهره بعد تيقن حدثه مع التردد لأن الأصل بقاء الحدث. بل لو نوى في هذه إن كان محدثًا فعن حدثه، وإلا فتجديد صح أيضًا، وإن تذكر. نقله النووي في شرح المهذب عن البغوي وأقرّه. (وإنما لكل امرىء) بكسر الراء لكل رجل (ما نوى) أي الذي نواه أو نيته، وكذا لكل امرأة ما نوت لأن النساء شقائق الرجال. وفي القاموس والمرء مثلث الميم الإنسان أو الرجل، وعلى القول بأن إنما للحصر فهو هنا من حصر الخبر في المبتدأ، أو يقال: قصر الصفة على الموصوف لأن المقصور عليه في إنما دائمًا المؤخر، ورتبوا هذه على السابقة بتقديم الخبر وهو يفيد الحصر كما تقرر، واستشكل الإتيان بهذه الجملة بعد السابقة لاتحاد الجملتين فقيل تقديره وإنما لكل امرىء ثواب ما نوى، فتكون الأولى قد نبهت على أن الأعمال لا تصير معتبرة إلا بنية، والثانية على أن العامل يكون له ثواب العمل على مقدار نيته، ولهذا أخّرت عن الأولى لترتبها عليها. وتعقب بأن الأعمال حاصلة بثوابها للعامل لا لغيره فهي عين معنى الجملة الأولى، وقال ابن عبد السلام: معنى الثانية حصر ثواب الإجزاء المرتب على العمل لعامله، ومعنى الأولى صحة الحكم وإجزاؤه ولا يلزم منه ثواب، فقد يصح العمل ولا ثواب عليه كالصلاة في المغصوب ونحوه على أرجح المذاهب، وعورض بأنهيقتضي أن العمل له نيتان نية بها يصح في الدنيا ويحصل الاكتفاء به، ونية بها يحصل الثواب في الآخرة إلا أن يقدر في ذلك وصف النية إن لم يحصل صح ولا ثواب، وإن حصل صح وحصل الثواب فيزول الإشكال. وقيل: إن الثانية تفيد اشتراط تعيين المنويّ فلا يكفي في الصلاة نيتها من غير تعيين، بل لا بدّ من تمييزها بالظهر أو العصر مثلاً، وقيل: إنها تفسد منع الاستنابة في النية لأن الجملة الأولى لا تقتضي منعها بخلاف الثانية، وتعقب بنحو نية وليّ الصبي في الحج فإنها صحيحة، وكحج الإنسان عن غيره، وكالتوكيل في تفرقة الزكاة. وأجيب بأن ذلك واقع على خلاف الأصل في المواضع. وذهب القرطبيّ إلى أن الجملة اللاحقة مؤكدة للسابقة، فيكون ذكر الحكم بالأولى وأكده بالثانية تنبيهًا على سرّ الإخلاص وتحذيرًا من الرياء المانع من الخلاص، وقد علم أن الطاعات في أصل صحتها وتضاعفها مرتبطة بالنيات، وبها ترفع إلى خالق البريّات. (فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها) جملة في موضع جرّ صفة لدنيا أي يحصلها نية وقصدًا (أو إلى امرأة) ولأبي ذر أو امرأة (ينكحها) أي يتزوّجها كما في الرواية الأخرى، (فهجرته إلى ما هاجر إليه) من الدنيا والمرأة والجملة جواب الشرط في قوله فمن. قال ابن دقيق العيد في قوله: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، أي فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا، ونحو هذا في التقدير قوله: فمن كانت هجرته إلى دنيا إلى آخره، لئلا يتحد الشرط والجزاء، ولا بدّ من تغايرهما، فلا يقال من أطاع الله أطاع الله، وإنما يقال من أطاع الله نجا، وهنا وقع الاتحاد فاحتيج إلى التقدير المذكور، وعورض بأنه ضعيف من جهة العربية لأن الحال المبينة لا تحذف بلا دليل، ومن ثم منع بعضهم تعلق الباء في بسم الله بحال محذوفة أي ابتدىء متبركًا قال: لأن حذف الحال لا يجوز، وأجاب البدر الدماميني منتصرًا لابن دقيق العيد بأن ظاهر نصوصهم جواز الحذف، قال: ويؤيده أن الحال خبر في المعنى أو صفة وكلاهما يسوغ حذفه بلا دليل فلا مانع في الحال أن تكون كذلك. اهـ. وقيل: لأن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر وتارة بالمعنى، ويفهم ذلك من السياق كقوله تعالى: {{َمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}} [الفرقان: 71] أي مرضيًا عند الله ماحيًا للعقاب محصلاً للثواب، فهو مؤوّل على إرادة المعهود المستقرّ في النفس كقولهم: أنت أنت أي الصديق، وقوله: أنا أبو النجم وشعري شعري. وقال بعضهم: إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر أو الشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم كقوله: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، وإما في التحقير كقوله: فمن كانت هجرته إلى دنيا إلى آخره، وقيل الخبر في الثاني محذوف والتقدير فهجرته إلى ما هاجر إليه من الدنيا، والمرأة قبيحة غير صحيحة أو غير مقبولة ولا نصيب له في الآخرة. وتعقب بأنه يقتضي أن تكون الهجرة مذمومة مطلقًا وليس كذلك، فإن من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزويج المرأة معًا لا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة، وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة، فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصده الهجرة لكن دون ثواب من أخلص. وقد اشتهر أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس المروية في المعجم الكبير للطبراني بإسناد رجاله ثقات من رواية الأعمش، ولفظه عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوّجه حتى يهاجر فهاجر فتزوّجها، قال: فكنا نسميه مهاجر أم قيس. ولم يقف ابن رجب على من خرجه فقال في شرحه الأربعين للنووي: وقد ذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم ولم نر له أصلاً بإسناد يصح. وذكر أبو الخطاب بن دحية أن اسم المرأة قيلة، وأما الرجل فلم يسمه أحد ممن صنف في الصحابة فيما رأيته، وهذا السبب وإن كان خاص المورد لكن العبرة بعموم اللفظ والتنصيص على المرأة من باب التنصيص على الخاصبعد العام للاهتمام نحو والملائكة وجبريل. وعورض بأن لفظ دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها.
    وأجيب بأنها إذا كانت في سياق الشرط تعم، ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لأن الافتتان بها أشد، وإنما وقع الذم هنا على مباح ولا ذم فيه ولا مدح لكون فاعله أبطن خلاف ما أظهر، إذ خروجه في الظاهر ليس لطلب الدنيا لأنه إنما خرج في صورة طلب فضيلة الهجرة، والهجرة بكسر الهاء الترك والمراد هنا من هاجر من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة فلا هجرة بعد الفتح، لكن جهاد ونية كما قال عليه الصلاة والسلام، نعم حكمها من دار الكفر إلى دار الإسلام مستمر، وفي الحقيقة هي مفارقة ما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه، وفي الحديث: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه". ودنيا بضم الدال مقصورة غير منوّنة للتأنيث والعلمية وقد تكسر وتنوّن، وحكي عن الكشميهني أنكر

    عليه وأنه لا يعرف في اللغة التنوين، ولم يكن الكشميهني ممن يرجع إليه في ذلك اهـ. والصحيح جوازه قال في القاموس: والدنيا نقيض الآخرة وقد تنوّن وجمعها دنى اهـ، واستدلوا له بقوله:
    إني مقسم ما ملكت فجاعل ... جزءًا لآخرتي ودنيا تنفع

    فإن ابن الأعرابيّ أنشده منوّنًا وليس بضرورة كما لا يخفى، والدنيا فعلى من الدنوّ وهو القرب، سميت بذلك لسبقها للأخرى، وهي ما على الأرض من الجوّ والهواء أو هي كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة، أو لدنوّها من الزوال. ووقع في رواية الحميدي هذه حذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله الخ. وقد ذكره البخاري من غير طريق الحميدي، فقال ابن العربي: لا عذر للبخاري في إسقاطه لأن الحميدي رواه في مسنده على التمام، قال: وقد ذكر قوم أنه لعله استملاه من حفظ الحميدي فحدّثه هكذا فحدّث عنه كما سمع أو حدّثه به تامًّا فسقط من حفظ البخاري. قال: وهو أمر مستبعد جدًّا عند من اطّلع على أحوال القوم، وجاء من طريق بشر بن موسى، وصحيح أبي عوانة، ومستخرجي أبي نعيم على الصحيحين من طريق الحميدي تامًّا، ولعل المؤلف إنما اختار الابتداء بهذا السياق الناقص ميلاً إلى جواز الاختصار من الحديث ولو من أثنائه كما هو الراجح، وقيل غير ذلك. وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام.
    قال أبو داود: يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث: "الأعمال بالنيات"، و"حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" و"لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه"، و"الحلال بيّن والحرام بيّن". وذكر غيره غيرها. وقال الشافعي وأحمد إنه يدخل فيه ثلث العلم. قال البيهقي: إذا كسب العبد إما بقلبه أو بلسانه أو ببقية جوارحه. وعن الشافعي أيضًا أنه يدخل فيه نصف العلم، ووجه بأن للدين ظاهرًا وباطنًا، والنية متعلقة بالباطن والعمل هو الظاهر. وأيضًا فالنية عبودية القلب، والعمل عبودية الجوارح. وقد زعم بعضهم أنه متواتر وليس كذلك لأن الصحيح أنه لم يروه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا عمر، ولم يروه عن عمر إلا علقمه، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه انتشر. فقيل: رواه عنه أكثر من مائتي راوٍ، وقيل سبعمائة، من أعيانهم مالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك والليث بن سعد وحماد بن زيد وسعيد وابن عيينة، وقد ثبت عن أبي إسماعيل الهروي الملقب بشيخ الإسلام أنه كتبه عن سبعمائة رجل أيضًا من أصحاب يحيى بن سعيد فهو مشهور بالنسبة إلى آخره غريب بالنسبة إلى أوله، نعم المشهور ملحق بالمتواتر عند أهل الحديث، غير أنه يفيد العلم النظري إذا كانت طرقه متباينة سالمة من ضعف الرواة ومن التعليل. والمتواتر يفيد العلم الضروري، ولا تشترط فيه عدالة ناقله وبذلك افترقا. وقد توبع علقمة والتيمي ويحيى بن سعيد على روايتهم. قال ابن منده: هذا الحديث رواه عن عمر غير علقمة ابنه عبد الله وجابر وأبو جحيفة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وذو الكلاع وعطاء بن يسار وناشرة بن سمي ووأصل بن عمرو الجذامي ومحمد بن المنكدر،ورواه عن علقمة

    غير التيمي سعيد بن المسيب ونافع مولى ابن عمر، وتابع يحيى بن سعيد على روايته عن التيمي محمد بن محمد أبو الحسن الليثي وداود بن أبي الفرات ومحمد بن إسحق بن يسار وحجاج بن أرطأة وعبد ربه بن قيس الأنصاري. ورواة إسناده هنا ما بين كوفي ومدني، وفيه تابعي عن تابعي يحيى ومحمد التيمي، أو ثلاثة إن قلنا إن علقمة تابعي وهو قول الجمهور. وصحابي عن صحابي إن قلنا إن علقمة صحابي. وفيه الرواية بالتحديث والإخبار والسماع والعنعنة. وأخرجه المؤلف في الإيمان والعتق والهجرة والنكاح والأيمان والنذور وترك الحيل، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد والدارقطني وابن حبان والبيهقي، ولم يخرجه مالك في موطئه، وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في محالها.
    وقد رواه من الصحابة غير عمر، قيل: نحو عشرين صحابيًا فذكره الحافظ أبو يعلى القزويني في كتابه الإرشاد من رواية مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الأعمال بالنية". ثم قال: هذا حديث غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه، فهذا ما أخطأ فيه الثقة. ورواه الدارقطني في أحاديث مالك التي ليست في الموطأ وقال: تفرد به عبد المجيد عن مالك ولا نعلم من حدّث به عن عبد المجيد غير نوح بن حبيب وإبراهيم بن محمد العتقي، وقال ابن منده في جمعه لطرق هذا الحديث: رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير عمر سعد بن أبي وقاص، وعليّ بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وأنس، وابن عباس، ومعاوية، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، وعتبة بن عبد السلمي، وهلال بن سويد، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، وأبو ذر، وعتبة بن المنذر، وعقبة بن مسلم، وعبد الله بن عمر اهـ.

    وقد اتفق على أنه لا يصح مسندًا إلا من رواية عمر إشارة إلى أن من أراد الغنيمة صحح العزيمة، ومن أراد المواهب السنيّة أخلص النية، ومن أخلص الهجرة ضاعف الإخلاص أجره، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، إنما تنال المطالب على قدر همة الطالب، إنما تدرك المقاصد على قدر عناء القاصد.
    على قدر أهل العزم تأتي العزائم

    [1] حَدثنَا الْحميدِي عبد الله بن الزبير قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ قَالَ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه سمع عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ يَقُول سَمِعت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ على الْمِنْبَر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو إِلَى امْرَأَةينْكِحهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ (بَيَان تعلق الحَدِيث بِالْآيَةِ) إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى نَبينَا وَإِلَى جَمِيع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام إِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَالْحجّة لَهُ قَوْله تَعَالَى {{وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين}} وَقَوله تَعَالَى {{شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك}} الْآيَة. وَالْإِخْلَاص النِّيَّة. قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وصاهم بالإخلاص فِي عِبَادَته وَقَالَ مُجَاهِد أوصيناك بِهِ والأنبياء دينا وَاحِدًا وَمعنى شرع لكم من الدّين دين نوح وَمُحَمّد وَمن بَينهمَا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ثمَّ فسر الشَّرْع الْمُشْتَرك بَينهم فَقَالَ {{أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ}} . (بَيَان تعلق الحَدِيث بالترجمة) ذكر فِيهِ وُجُوه الأول أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب بِهَذَا الحَدِيث لما قدم الْمَدِينَة حِين وصل إِلَى دَار الْهِجْرَة وَذَلِكَ كَانَ بعد ظُهُوره وَنَصره واستعلائه فَالْأول مبدأ النُّبُوَّة والرسالة والاصطفاء وَهُوَ قَوْله بَاب بَدْء الْوَحْي. وَالثَّانِي بَدْء النَّصْر والظهور وَمِمَّا يُؤَيّدهُ أَن الْمُشْركين كَانُوا يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ بِمَكَّة فشكوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسألوه أَن يغتالوا من أمكنهم مِنْهُم ويغدروا بِهِ فَنزلت {{إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا إِن الله لَا يحب كل خوان كفور}} فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا بِالصبرِ إِلَى أَن هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {{أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا}} الْآيَة فأباح الله قِتَالهمْ فَكَانَ إِبَاحَة الْقِتَال مَعَ الْهِجْرَة الَّتِي هِيَ سَبَب النُّصْرَة وَالْغَلَبَة وَظُهُور الْإِسْلَام الثَّانِي أَنه لما كَانَ الحَدِيث مُشْتَمِلًا على الْهِجْرَة وَكَانَت مُقَدّمَة النُّبُوَّة فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هجرته إِلَى الله تَعَالَى ومناجاته فِي غَار حراء فَهجرَته إِلَيْهِ كَانَت ابْتِدَاء فَضله باصطفائه ونزول الْوَحْي عَلَيْهِ مَعَ التأييد الإلهي والتوفيق الرباني الثَّالِث أَنه إِنَّمَا أَتَى بِهِ على قصد الْخطْبَة والترجمة للْكتاب وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التَّيْمِيّ لما كَانَ الْكتاب معقودا على أَخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلب المُصَنّف تصديره بِأول شَأْن الرسَالَة وَهُوَ الْوَحْي وَلم ير أَن يقدم عَلَيْهِ شَيْئا لَا خطْبَة وَلَا غَيرهَا بل أورد حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ بَدَلا من الْخطْبَة وَقَالَ بَعضهم ولهذه النُّكْتَة اخْتَار سِيَاق هَذِه الطَّرِيق لِأَنَّهَا تَضَمَّنت أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خطب بِهَذَا الحَدِيث على الْمِنْبَر فَلَمَّا صلح أَن يدْخل فِي خطْبَة المنابر كَانَ صَالحا أَن يدْخل فِي خطْبَة الدفاتر قلت هَذَا فِيهِ نظر لِأَن الْخطْبَة عبارَة عَن كَلَام مُشْتَمل على الْبَسْمَلَة والحمدلة وَالثنَاء على الله تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهله وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون فِي أول الْكَلَام والْحَدِيث غير مُشْتَمل على ذَلِك وَكَيف يقْصد بِهِ الْخطْبَة مَعَ أَنه فِي أَوسط الْكَلَام وَقَول الْقَائِل فَلَمَّا صلح أَن يدْخل فِي خطْبَة المنابر إِلَى آخِره غير سديد لِأَن خطْبَة المنابر غير خطْبَة الدفاتر فَكيف تقوم مقَامهَا وَذَلِكَ لِأَن خطْبَة المنابر تشْتَمل على مَا ذكرنَا مَعَ اشتمالها على الْوَصِيَّة بالتقوى والوعظ والتذكير وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف خطْبَة الدفاتر فَإِنَّهَا بِخِلَاف ذَلِك أما سمع هَذَا الْقَائِل لكل مَكَان مقَال غَايَة مَا فِي الْبَاب أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خطب للنَّاس وَذكر فِي خطبَته فِي جملَة مَا ذكر هَذَا الحَدِيث وَلم يقْتَصر على ذكر الحَدِيث وَحده وَلَئِن سلمنَا أَنه اقْتصر فِي خطبَته على هَذَا الحَدِيث وَلَكِن لَا نسلم أَن تكون خطبَته بِهِ دَلِيلا على صَلَاحه أَن تكون خطْبَة فِي أَوَائِل الْكتب لما ذكرنَا فَهَل يصلح أَن يقوم التَّشَهُّد مَوضِع الْقُنُوت أَو الْعَكْس وَنَحْو ذَلِك وَذكروا فِيهِ أوجها أُخْرَى كلهَا مدخولة (بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول الْحميدِي هُوَ أَبُو بكر عبد الله بن الزبير بن عِيسَى بن عبد الله بن الزبير بن عبد الله بن حميد بن أُسَامَة بن زُهَيْر بن الْحَرْث بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي يجْتَمع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قصي وَمَعَ خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَسد بن عبد الْعُزَّى من رُؤَسَاء أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة توفّي بِمَكَّة سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ وروى مُسلم فِي الْمُقدمَة عَن سَلمَة بن شبيب عَنهُ الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة ابْن أبي عمرَان مَيْمُون مولى مُحَمَّد بن مُزَاحم أخي الضَّحَّاك إِمَام جليل فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْفَتْوَى وَهُوَ أحد مَشَايِخ الشَّافِعِي ولد سنة سبع وَمِائَة وَتُوفِّي غرَّة رَجَب سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة الثَّالِث يحيى بن سعيد بن قيس بن عَمْرو بن سهل بن ثَعْلَبَة بن الْحَارِث بن زيد بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار الْأنْصَارِيّ الْمدنِي تَابِعِيّ مَشْهُور من أَئِمَّةالْمُسلمين ولى قَضَاء الْمَدِينَة وأقدمه الْمَنْصُور الْعرَاق وولاه الْقَضَاء بالهاشمية وَتُوفِّي بهَا سنة ثَلَاث وَقيل أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة روى لَهُ الْجَمَاعَة الرَّابِع مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَرْث بن خَالِد بن صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة كَانَ كثير الحَدِيث توفّي سنة عشْرين وَمِائَة روى لَهُ الْجَمَاعَة الْخَامِس عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ يكنى بِأبي وَاقد ذكره أَبُو عَمْرو بن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة وَذكره الْجُمْهُور فِي التَّابِعين توفّي بِالْمَدِينَةِ أَيَّام عبد الْملك بن مَرْوَان السَّادِس عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن ريَاح بِكَسْر الرَّاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف بن عبد الله بن قرط بن رزاح بِفَتْح الرَّاء أَوله ثمَّ زَاي مَفْتُوحَة أَيْضا ابْن عدي أخي مرّة وهصيص ابْني كَعْب بن لؤَي الْعَدوي الْقرشِي يجْتَمع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كَعْب الْأَب الثَّامِن وَأمه حنتمة بِالْحَاء الْمُهْملَة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر أخي عَامر وَعمْرَان ابْني مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب وَقَالَ أَبُو عمر وَالصَّحِيح أَنَّهَا بنت هَاشم وَقيل بنت هِشَام فَمن قَالَ بنت هِشَام فَهِيَ أُخْت أبي جهل وَمن قَالَ بنت هَاشم فَهِيَ ابْنة عَم أبي جهل (بَيَان ضبط الرِّجَال) الْحميدِي بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم وسُفْيَان بِضَم السِّين على الْمَشْهُور وَحكى كسرهَا وَفتحهَا أَيْضا وَأَبوهُ عُيَيْنَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا يَاء أُخْرَى سَاكِنة ثمَّ نون مَفْتُوحَة وَفِي آخِره هَاء وَيُقَال بِكَسْر الْعين أَيْضا وعلقمة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة والوقاص بتَشْديد الْقَاف (بَيَان الْأَنْسَاب) الْحميدِي نِسْبَة إِلَى جده حميد الْمَذْكُور بِالضَّمِّ وَقَالَ السَّمْعَانِيّ نِسْبَة إِلَى حميد بطن من أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي وَقيل مَنْسُوب إِلَى الحميدات قَبيلَة وَقد يشْتَبه هَذَا بالحميدي الْمُتَأَخر صَاحب الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ الْعَلامَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل بِكَسْر الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالصَّاد الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة ثمَّ لَام الأندلسي الإِمَام ذُو التصانيف فِي فنون سمع الْخَطِيب وطبقته وبالأندلس ابْن حزم وَغَيره وَعنهُ الْخَطِيب وَابْن مَاكُولَا وَخلق ثِقَة متقن مَاتَ بِبَغْدَاد سَابِع عشر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَهُوَ يشْتَبه بالحميدي بِالْفَتْح وَكسر الْمِيم نِسْبَة لإسحاق بن تكينك الْحميدِي مولى الْأَمِير الحميد الساماني والأنصاري نِسْبَة إِلَى الْأَنْصَار واحدهم نصير كشريف وأشراف وَقيل نَاصِر كصاحب وَأَصْحَاب وَهُوَ وصف لَهُم بعد الْإِسْلَام وهم قبيلتان الْأَوْس والخزرج ابْنا حَارِثَة بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن ثَعْلَبَة بن مَازِن ابْن الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عَامر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام والتيمي نِسْبَة إِلَى عدَّة قبائل اسْمهَا تيم مِنْهَا تيم قُرَيْش مِنْهَا خلق كثير من الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ مِنْهَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور والليثي نِسْبَة إِلَى لَيْث بن بكر (بَيَان فَوَائِد تتَعَلَّق بِالرِّجَالِ) لَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه عمر بن الْخطاب غَيره وَفِي الصَّحَابَة عمر ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ نفسا على خلاف فِي بَعضهم وَرُبمَا يلتبس بعمر وَبِزِيَادَة وَاو فِي آخِره وهم خلق فَوق الْمِائَتَيْنِ بِزِيَادَة أَرْبَعَة وَعشْرين على خلاف فِي بَعضهم وَفِي الروَاة عمر بن الْخطاب غير هَذَا الِاسْم سِتَّة الأول كُوفِي روى عَنهُ خَالِد بن عبد الله الوَاسِطِيّ الثَّانِي راسبي روى عَنهُ سُوَيْد أَبُو حَاتِم الثَّالِث إسكندري روى عَن ضمام بن إِسْمَاعِيل الرَّابِع عنبري روى عَن أَبِيه عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ الْخَامِس سجستاني روى عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ السَّادِس سدوسي بَصرِي روى عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة من اسْمه عَلْقَمَة بن وَقاص غَيره وَجُمْلَة من اسْمه يحيى بن سعيد فِي الحَدِيث سِتَّة عشر وَفِي الصَّحِيح جمَاعَة يحيى بن سعيد بن أبان الْأمَوِي الْحَافِظ وَيحيى بن سعيد بن حَيَّان أَبُو التَّيْمِيّ الإِمَام وَيحيى بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي تَابِعِيّ وَيحيى بن سعيد بن فروخ القطاني التَّيْمِيّ الْحَافِظ أحد الْأَعْلَام وَلَهُم يحيى بن سعيد الْعَطَّار برَاء فِي آخِره واه وَعبد الله بن الزبير فِي الْكتب السِّتَّة ثَلَاثَة أحدهم الْحميدِي الْمَذْكُور وَالثَّانِي حميدي الصَّحَابِيّ وَالثَّالِث الْبَصْرِيّ روى لَهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَفِي الصَّحَابَة أَيْضا عبد الله بن الزبير بن الْمطلب بن هَاشم وَلَيْسَ لَهما ثَالِث فِي الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم. (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن رجال إِسْنَاده مَا بَين مكي ومدني فالأولان مكيان وَالْبَاقُونَ مدنيون وَمِنْهَا رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ وهما يحيى وَمُحَمّد التَّيْمِيّ وَهَذَا كثير وَإِن شِئْت قلت فِيهِ ثَلَاثَة تابعيون بَعضهم عَن بعض بِزِيَادَة عَلْقَمَة علىقَول الْجُمْهُور كَمَا قُلْنَا أَنه تَابِعِيّ لَا صَحَابِيّ وَمِنْهَا رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ على قَول من عده صحابيا وألطف من هَذَا أَنه يَقع رِوَايَة أَرْبَعَة من التَّابِعين بَعضهم عَن بعض وَرِوَايَة أَرْبَعَة من الصَّحَابَة بَعضهم عَن بعض وَقد أفرد الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ جزأ لرباعي الصَّحَابَة وخماسيهم وَمن الْغَرِيب الْعَزِيز رِوَايَة سِتَّة من التَّابِعين بَعضهم عَن بعض وَقد أفرده الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ بِجُزْء جمع اخْتِلَاف طرقه وَهُوَ حَدِيث مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن هِلَال بن يسَاف عَن الرّبيع بن خَيْثَم عَن عَمْرو بن مَيْمُون الأودي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن امْرَأَة من الْأَنْصَار عَن أبي أَيُّوب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَن {{قل هُوَ الله أحد}} تعدل ثلث الْقُرْآن وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة وَهُوَ أطول إِسْنَاد روى قَالَ الْخَطِيب وَالْأَمر كَمَا قَالَ قَالَ وَقد روى هَذَا الحَدِيث أَيْضا من طَرِيق سَبْعَة من التَّابِعين ثمَّ سَاقه من حَدِيث أبي إِسْحَق الشَّيْبَانِيّ عَن عَمْرو بن مرّة عَن هِلَال عَن عَمْرو عَن الرّبيع عَن عبد الرَّحْمَن فَذكره وَمِنْهَا أَنه أَتَى فِيهِ بأنواع الرِّوَايَة فَأتى بحدثنا الْحميدِي ثمَّ بعن فِي قَوْله عَن سُفْيَان ثمَّ بِلَفْظ أَخْبرنِي مُحَمَّد ثمَّ بسمعت عمر رَضِي الله عَنهُ يَقُول فَكَأَنَّهُ يَقُول هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا تفِيد السماع والاتصال كَمَا سَيَأْتِي عَنهُ فِي بَاب الْعلم عَن الْحميدِي عَن ابْن عُيَيْنَة أَنه قَالَ حَدثنَا وَأخْبرنَا وأنبأنا وَسمعت وَاحِد وَالْجُمْهُور قَالُوا أَعلَى الدَّرَجَات لهَذِهِ الثَّلَاثَة سَمِعت ثمَّ حَدثنَا ثمَّ أخبرنَا. وَاعْلَم أَنه إِنَّمَا وَقع عَن سُفْيَان فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره حَدثنَا سُفْيَان وَعَن هَذَا اعْترض على البُخَارِيّ فِي قَوْله عَن سُفْيَان لِأَنَّهُ قَالَ جمَاعَة بِأَن الْإِسْنَاد المعنعن يصير الحَدِيث مُرْسلا وَأجِيب بِأَن مَا وَقع فِي البُخَارِيّ وَمُسلم من العنعنة فَمَحْمُول على السماع من وَجه آخر وَأما غير المدلس فعنعنته مَحْمُولَة على الِاتِّصَال عِنْد الْجُمْهُور مُطلقًا فِي الْكِتَابَيْنِ وَغَيرهمَا لَكِن بِشَرْط إِمْكَان اللِّقَاء وَزَاد البُخَارِيّ اشْتِرَاط ثُبُوت اللِّقَاء قلت وَفِي اشْتِرَاط ثُبُوت اللِّقَاء وَطول الصُّحْبَة ومعرفته بالرواية عَنهُ مَذَاهِب أَحدهَا لَا يشْتَرط شَيْء من ذَلِك وَنقل مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَالثَّانِي يشْتَرط ثُبُوت اللِّقَاء وَحده وَهُوَ قَول البُخَارِيّ والمحققين وَالثَّالِث يشْتَرط طول الصُّحْبَة وَالرَّابِع يشْتَرط مَعْرفَته بالرواية عَنهُ والْحميدِي مَشْهُور بِصُحْبَة ابْن عُيَيْنَة وَهُوَ أثبت النَّاس فِيهِ قَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ رَئِيس أَصْحَابه ثِقَة إِمَام وَقَالَ ابْن سعد هُوَ صَاحبه وراويته وَالأَصَح أَن إِن كعن بِالشّرطِ الْمُتَقَدّم وَقَالَ أَحْمد وَجَمَاعَة يكون مُنْقَطِعًا حَتَّى يتَبَيَّن السماع وَمِنْهَا أَن البُخَارِيّ قد ذكر فِي هَذَا الحَدِيث الْأَلْفَاظ الْأَرْبَعَة وَهِي أَن وَسمعت وَعَن وَقَالَ فَذكرهَا هَهُنَا وَفِي الْهِجْرَة وَالنُّذُور وَترك الْحِيَل بِلَفْظ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي بَاب الْعتْق بِلَفْظ عَن وَفِي بَاب الْإِيمَان بِلَفْظ أَن وَفِي النِّكَاح بِلَفْظ قَالَ وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن الْإِسْنَاد الْمُتَّصِل بالصحابي لَا فرق فِيهِ بَين هَذِه الْأَلْفَاظ وَمِنْهَا أَن البُخَارِيّ رَحمَه الله ذكر فِي بعض رواياته لهَذَا الحَدِيث سَمِعت رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي بَعْضهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيتَعَلَّق بذلك مَسْأَلَة وَهِي هَل يجوز تَغْيِير قَالَ النَّبِي إِلَى قَالَ الرَّسُول أَو عَكسه فَقَالَ ابْن الصّلاح وَالظَّاهِر أَنه لَا يجوز وَإِن جَازَت الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لاخْتِلَاف معنى الرسَالَة والنبوة وَسَهل فِي ذَلِك الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله وَحَمَّاد بن سَلمَة والخطيب وَصَوَّبَهُ النَّوَوِيّ. قلت كَانَ يَنْبَغِي أَن يجوز التَّغْيِير مُطلقًا لعدم اخْتِلَاف الْمَعْنى هَهُنَا وَإِن كَانَت الرسَالَة أخص من النُّبُوَّة وَقد قُلْنَا أَن كل رَسُول نَبِي من غير عكس وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَمِنْهُم من لم يفرق بَينهمَا وَهُوَ غير صَحِيح وَمن الْغَرِيب مَا قَالَه الْحَلِيمِيّ فِي هَذَا الْبَاب أَن الْإِيمَان يحصل بقول الْكَافِر آمَنت بِمُحَمد النَّبِي دون مُحَمَّد الرَّسُول وَعلل بِأَن النَّبِي لَا يكون إِلَّا لله وَالرَّسُول قد يكون لغيره (بَيَان نوع الحَدِيث) هَذَا فَرد غَرِيب بِاعْتِبَار مَشْهُور بِاعْتِبَار آخر وَلَيْسَ بمتواتر خلافًا لما يَظُنّهُ بَعضهم فَإِن مَدَاره على يحيى بن سعيد وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين رَحمَه الله يُقَال هَذَا الحَدِيث مَعَ كَثْرَة طرقه من الْأَفْرَاد وَلَيْسَ بمتواتر لفقد شَرط التَّوَاتُر فَإِن الصَّحِيح أَنه لم يروه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سوى عمر وَلم يروه عَن عمر إِلَّا عَلْقَمَة وَلم يروه عَن عَلْقَمَة إِلَّا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَلم يروه عَن مُحَمَّد إِلَّا يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَمِنْه انْتَشَر فَهُوَ مَشْهُور بِالنِّسْبَةِ إِلَى آخِره غَرِيب بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَوله وَهُوَ مجمع على صِحَّته وَعظم موقعه وروينا عَن أبي الْفتُوح الطَّائِي بِسَنَد صَحِيح مُتَّصِل أَنه قَالَ رَوَاهُ عَن يحيى بن سعيد أَكثر من مِائَتي نفس وَقد اتَّفقُوا على أَنه لَا يَصح مُسْندًا إِلَّا من هَذِه الطَّرِيق الْمَذْكُورَة وَقَالَ الْخطابِيّ لَا أعلم خلافًا بَين أهل الْعلم أَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح مُسْندًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ. قلتيُرِيد مَا ذكره الْحَافِظ أَبُو يعلى الْخَلِيل حَيْثُ قَالَ غلط فِيهِ عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد الْمَكِّيّ فِي الحَدِيث الَّذِي يرويهِ مَالك والخلق عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة بن وَقاص عَن عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ فِيهِ عبد الْمجِيد عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ قَالَ وَرَوَاهُ عَنهُ نوح بن حبيب وَإِبْرَاهِيم بن عَتيق وَهُوَ غير مَحْفُوظ من حَدِيث زيد بن أسلم بِوَجْه من الْوُجُوه قَالَ فَهَذَا مِمَّا أَخطَأ فِيهِ الثِّقَة عَن الثِّقَة قَالُوا إِنَّمَا هُوَ حَدِيث آخر ألصق بِهِ هَذَا. قلت أحَال الْخطابِيّ الْغَلَط على نوح وأحال الْخَلِيل الْغَلَط على عبد الْمجِيد انْتهى قلت قد رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير عمر من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَإِن كَانَ الْبَزَّار قَالَ لَا نعلم روى هَذَا الحَدِيث إِلَّا عَن عمر عَن رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام وَبِهَذَا الْإِسْنَاد وَكَذَا قَالَ ابْن السكونِي فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالسنن الصِّحَاح المأثورة لم يروه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَاد غير عمر بن الْخطاب وَكَذَا الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عتاب حَيْثُ قَالَ لم يروه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ ابْن مَنْدَه رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير عمر سعد بن أبي وَقاص وَعلي بن أبي طَالب وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عمر وَأنس وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبادَة بن الصَّامِت وَعتبَة بن عبد الْأَسْلَمِيّ وهزال بن سُوَيْد وَعتبَة بن عَامر وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو ذَر وَعتبَة بن الْمُنْذر وَعقبَة بن مُسلم رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَأَيْضًا قد توبع عَلْقَمَة والتيمي وَيحيى بن سعيد على روايتهم قَالَ ابْن مَنْدَه هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن عمر غير عَلْقَمَة ابْنه عبد الله وَجَابِر وَأَبُو جُحَيْفَة وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة وَذُو الكلاع وَعَطَاء بن يسَار وواصل ابْن عَمْرو الجذامي وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَرَوَاهُ عَن عَلْقَمَة غير التَّيْمِيّ سعيد بن الْمسيب وَنَافِع مولى بن عمر وتابع يحيى بن سعيد على رِوَايَته عَن التَّيْمِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلْقَمَة أَبُو الْحسن اللَّيْثِيّ وَدَاوُد بن أبي الْفُرَات وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وحجاج بن أَرْطَاة وَعبد الله بن قيس الْأنْصَارِيّ وَلَا يدْخل هَذَا الحَدِيث فِي حد الشاذ وَقد اعْترض على بعض عُلَمَاء أهل الحَدِيث حَيْثُ قَالَ الشاذ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد تفرد بِهِ ثِقَة أَو غَيره فأورد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع على الْعَمَل بِهَذَا الحَدِيث وَشبهه وَأَنه فِي أَعلَى مَرَاتِب الصِّحَّة وأصل من أصُول الدّين مَعَ أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حَده بِكَلَام بديع فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ وَأهل الْحجاز الشاذ هُوَ أَن يروي الثِّقَة مُخَالفا لرِوَايَة النَّاس لَا أَن يروي مَا لَا يروي النَّاس وَهَذَا الحَدِيث وَشبهه لَيْسَ فِيهِ مُخَالفَة بل لَهُ شَوَاهِد تصحح مَعْنَاهُ من الْكتاب وَالسّنة وَقَالَ الخليلي: إِن الَّذِي عَلَيْهِ الْحفاظ أَن الشاذ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد يشذ بِهِ ثِقَة أَو غَيره فَمَا كَانَ عَن غير ثِقَة فمردود وَمَا كَانَ عَن ثِقَة توقف فِيهِ وَلَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ الْحَاكِم أَنه مَا انْفَرد بِهِ ثِقَة وَلَيْسَ لَهُ أصل يُتَابع قلت مَا ذَكرُوهُ يشكل بِمَا ينْفَرد بِهِ الْعدْل الضَّابِط كَهَذا الحَدِيث فَإِنَّهُ لَا يَصح إِلَّا فَردا وَله متابع أَيْضا كَمَا سلف ثمَّ اعْلَم أَنه لَا يشك فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ من حَدِيث الإِمَام يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ رَوَاهُ عَنهُ حفاظ الْإِسْلَام وأعلام الْأَئِمَّة مَالك بن أنس وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَحَمَّاد بن زيد وَحَمَّاد بن سَلمَة وَالثَّوْري وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَاللَّيْث بن سعد وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الله بن الْمُبَارك وَعبد الْوَهَّاب وخلايق لَا يُحصونَ كَثْرَة وَقد ذكره البُخَارِيّ من حَدِيث سُفْيَان وَمَالك وَحَمَّاد بن زيد وَعبد الْوَهَّاب كَمَا سَيَأْتِي قَالَ أَبُو سعيد مُحَمَّد بن عَليّ الخشاب الْحَافِظ روى هَذَا الحَدِيث عَن يحيى بن سعيد نَحْو مأتين وَخمسين رجلا وَذكر ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه فَوق الثلاثمائة وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ سَمِعت الْحَافِظ أَبَا مَسْعُود عبد الْجَلِيل بن أَحْمد يَقُول فِي المذاكرة قَالَ الإِمَام عبد الله الْأنْصَارِيّ كتبت هَذَا الحَدِيث عَن سَبْعمِائة رجل من أَصْحَاب يحيى بن سعيد وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَشَيخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْمَاعِيل الْهَرَوِيّ أَنه رَوَاهُ عَن يحيى سبع مائَة رجل. فَإِن قيل قد ذكر فِي تَهْذِيب مُسْتَمر الأوهام لِابْنِ مَاكُولَا أَن يحيى بن سعيد لم يسمعهُ من التَّيْمِيّ وَذكر فِي مَوضِع آخر أَنه يُقَال لم يسمعهُ التَّيْمِيّ من عَلْقَمَة قلت رِوَايَة البُخَارِيّ عَن يحيى بن سعيد أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه سمع عَلْقَمَة ترد هَذَا وَبِمَا ذكرنَا أَيْضا يرد مَا قَالَه ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَهْذِيب الْآثَار أَن هَذَا الحَدِيث قد يكون عِنْد بَعضهم مردودا لِأَنَّهُ حَدِيث فَرد(بَيَان تعدد الحَدِيث فِي الصَّحِيح) قد ذكره فِي سِتَّة مَوَاضِع أُخْرَى من صَحِيحه عَن سِتَّة شُيُوخ آخَرين أَيْضا الأول فِي الْإِيمَان فِي بَاب مَا جَاءَ إِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ عَن عبد الله بن مسلمة القعْنبِي ثَنَا مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَلكُل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته لدُنْيَا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ الثَّانِي فِي الْعتْق فِي بَاب الْخَطَأ وَالنِّسْيَان فِي الْعتَاقَة وَالطَّلَاق وَنَحْوه عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة قَالَ سَمِعت عمر رَضِي الله عَنهُ يَقُول عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ ولامرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته الحَدِيث بِمثل مَا قبله الثَّالِث فِي بَاب هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُسَدّد حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن يحيى عَن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة سَمِعت عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ فَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ وَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله الرَّابِع فِي النِّكَاح فِي بَاب من هَاجر أَو عمل خيرا لتزويج امْرَأَة فَلهُ مَا نوى عَن يحيى بن قزعة حَدثنَا مَالك عَن يحيى عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث عَن عَلْقَمَة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَمَل بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامرىء مَا نوى الحَدِيث بِلَفْظِهِ فِي الْإِيمَان إِلَّا أَنه قَالَ ينْكِحهَا بدل يَتَزَوَّجهَا الْخَامِس فِي الْإِيمَان وَالنُّذُور فِي بَاب النِّيَّة فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا عبد الْوَهَّاب سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَنه سمع عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ يَقُول سَمِعت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَقُول سَمِعت رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ السَّادِس فِي بَاب ترك الْحِيَل عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن يحيى عَن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة قَالَ سَمِعت عمر يخْطب قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يأيها النَّاس إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن هَاجر لدُنْيَا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ (بَيَان من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه فِي آخر كتاب الْجِهَاد عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك بِلَفْظ إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامرىء مَا نوى الحَدِيث مطولا وَأخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رمح بن المُهَاجر عَن اللَّيْث وَعَن ابْن الرّبيع الْعَتكِي عَن حَمَّاد بن زيد وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر وَعَن ابْن نمير عَن حَفْص بن غياث وَيزِيد بن هَارُون وَعَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة كلهم عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة عَن عمر وَفِي حَدِيث سُفْيَان سَمِعت عمر على الْمِنْبَر يخبر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْحُدُود عَن ابْن الْمثنى عَن الثَّقَفِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن يحيى بن حبيب عَن حَمَّاد بن زيد وَعَن سُلَيْمَان بن مَنْصُور عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر وَعَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن القعْنبِي وَعَن الْحَرْث عَن أبي الْقَاسِم جَمِيعًا عَن مَالك ذكره فِي أَرْبَعَة أَبْوَاب من سنَنه الْإِيمَان وَالطَّهَارَة وَالْعتاق وَالطَّلَاق وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي الزّهْد من سنَنه عَن أبي بكر عَن يزِيد بن هَارُون وَعَن ابْن رمح عَن اللَّيْث كل هَؤُلَاءِ عَن يحيى عَن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة عَن عمر بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضا أَحْمد فِي مُسْنده وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ وَلم يبْق من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمد عَلَيْهَا من لم يُخرجهُ سوى مَالك فَإِنَّهُ لم يُخرجهُ فِي موطئِهِ وَوهم ابْن دحْيَة الْحَافِظ فَقَالَ فِي إمْلَائِهِ على هَذَا الحَدِيث أخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ (بَيَان اخْتِلَاف لَفظه) قد حصل من الطّرق الْمَذْكُورَة أَرْبَعَة أَلْفَاظ إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ الْعَمَل بِالنِّيَّةِ وَادّعى النَّوَوِيّ فِي تلخيصه قلتهَا وَالرَّابِع إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَأوردهُ الْقُضَاعِي فِي الشهَاب بِلَفْظ خَامِس الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ بِحَذْف إِنَّمَا وَجمع الْأَعْمَال والنيات قلت هَذَا أَيْضا مَوْجُود فِي بعض نسخ البُخَارِيّ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ لَا يَصح إسنادها وَأقرهُ النَّوَوِيّ على ذَلِك فِي تلخيصه وَغَيره وَهُوَ غَرِيب مِنْهُمَا وَهِي رِوَايَة صَحِيحَةأخرجهَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن عَليّ بن مُحَمَّد العتابي ثَنَا عبد الله بن هَاشم الطوسي ثَنَا يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة عَن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ الحَدِيث وَأخرجه أَيْضا الْحَاكِم فِي كِتَابه الْأَرْبَعين فِي شعار أهل الحَدِيث عَن أبي بكر ابْن خُزَيْمَة ثَنَا القعْنبِي ثَنَا مَالك عَن يحيى بن سعيد بِهِ سَوَاء ثمَّ حكم بِصِحَّتِهِ وَأوردهُ ابْن الْجَارُود فِي الْمُنْتَقى بِلَفْظ سادس عَن ابْن الْمقري حَدثنَا سُفْيَان عَن يحيى بِهِ إِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَإِن لكل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا الحَدِيث وَأوردهُ الرَّافِعِيّ فِي شَرحه الْكَبِير بِلَفْظ آخر غَرِيب وَهُوَ لَيْسَ للمرء من عمله إِلَّا مَا نَوَاه وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس مَرْفُوعا لَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لَكِن فِي إِسْنَاده جَهَالَة (بَيَان اخْتِيَاره هَذَا فِي الْبِدَايَة) أَرَادَ بِهَذَا إخلاص الْقَصْد وَتَصْحِيح النِّيَّة وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه قصد بتأليفه الصَّحِيح وَجه الله تَعَالَى وَقد حصل لَهُ ذَلِك حَيْثُ أعْطى هَذَا الْكتاب من الْحَظ مَا لم يُعْط غَيره من كتب الْإِسْلَام وَقَبله أهل الْمشرق وَالْمغْرب وَقَالَ ابْن مهْدي الْحَافِظ من أَرَادَ أَن يصنف كتابا فليبدأ بِهَذَا الحَدِيث وَقَالَ لَو صنفت كتابا لبدأت فِي كل بَاب مِنْهُ بِهَذَا الحَدِيث وَقَالَ أَبُو بكر بن داسة سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كتبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث وَثَمَانمِائَة حَدِيث فِي الْأَحْكَام فَأَما أَحَادِيث الزّهْد والفضائل فَلم أخرجهَا وَيَكْفِي الْإِنْسَان لدينِهِ من ذَلِك أَرْبَعَة أَحَادِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ والحلال بَين وَالْحرَام بَين وَمن حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه وَلَا يكون الْمُؤمن مُؤمنا حَتَّى يرضى لِأَخِيهِ مَا يرضى لنَفسِهِ وَقَالَ القَاضِي عِيَاض ذكر الْأَئِمَّة أَن هَذَا الحَدِيث ثلث الْإِسْلَام وَقيل ربعه وَقيل أصُول الدّين ثَلَاثَة أَحَادِيث وَقيل أَرْبَعَة. قَالَ الشَّافِعِي وَغَيره يدْخل فِيهِ سَبْعُونَ بَابا من الْفِقْه وَقَالَ النَّوَوِيّ لم يرد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى انحصار أبوابه فِي هَذَا الْعدَد فَإِنَّهَا أَكثر من ذَلِك وَقد نظم طَاهِر بن مفوز الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة
    (عُمْدَة الدّين عندنَا كَلِمَات ... أَربع من كَلَام خير الْبَريَّة)

    (اتَّقِ الشُّبُهَات وازهد ودع مَا ... لَيْسَ يَعْنِيك واعملن بنية)
    فَإِن قيل مَا وَجه قَوْلهم إِن هَذَا الحَدِيث ثلث الْإِسْلَام قلت لتَضَمّنه النِّيَّة وَالْإِسْلَام قَول وَفعل وَنِيَّة وَلما بَدَأَ البُخَارِيّ كِتَابه بِهِ لما ذكرنَا من الْمَعْنى خَتمه بِحَدِيث التَّسْبِيح لِأَن بِهِ تتعطر الْمجَالِس وَهُوَ كَفَّارَة لما قد يَقع من الْجَالِس فَإِن قيل لم اخْتَار من هَذَا الحَدِيث مُخْتَصره وَلم يذكر مطوله هَهُنَا قلت لما كَانَ قَصده التَّنْبِيه على أَنه قصد بِهِ وَجه الله تَعَالَى وَأَنه سيجزى بِحَسب نِيَّته ابْتَدَأَ بالمختصر الَّذِي فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الشَّخْص يجزى بِقدر نِيَّته فَإِن كَانَت نِيَّته وَجه الله تَعَالَى يجزى بالثواب وَالْخَيْر فِي الدَّاريْنِ وَإِن كَانَت نِيَّته وَجها من وُجُوه الدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ حَظّ من الثَّوَاب وَلَا من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَالَ بعض الشَّارِحين سُئِلت عَن السِّرّ فِي ابْتِدَاء البُخَارِيّ بِهَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا وَلم لَا ذكره مطولا كَمَا ذكر فِي غَيره من الْأَبْوَاب فأجبته فِي الْحَال بِأَن عمر قَالَه على الْمِنْبَر وخطب بِهِ فَأَرَادَ التأسي بِهِ قلت قد ذكره البُخَارِيّ أَيْضا مطولا فِي ترك الْحِيَل وَفِيه أَنه خطب بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِذن لم يَقع كَلَامه جَوَابا فَإِن قلت لم قدم رِوَايَة الْحميدِي على غَيره من مشايخه الَّذين روى عَنْهُم هَذَا الحَدِيث قلت هَذَا السُّؤَال سَاقِط لِأَنَّهُ لَو قدم رِوَايَة غَيره لَكَانَ يُقَال لم قدم هَذَا على غَيره وَيُمكن أَن يُقَال أَن ذَاك لأجل كَون رِوَايَة الْحميدِي أخصر من رِوَايَة غَيره وَفِيه الْكِفَايَة على دلَالَة مَقْصُوده وَقَالَ بَعضهم قدم الرِّوَايَة عَن الْحميدِي لِأَنَّهُ قرشي مكي إِشَارَة إِلَى الْعَمَل بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها وإشعارا بأفضلية مَكَّة على غَيرهَا من الْبِلَاد وَلِأَن ابْتِدَاء الْوَحْي كَانَ مِنْهَا فَنَاسَبَ بالرواية عَن أَهلهَا فِي أول بَدْء الْوَحْي وَمن ثمَّة ثنى بالرواية عَن مَالك لِأَنَّهُ فَقِيه الْحجاز وَلِأَن الْمَدِينَة تلو مَكَّة فِي الْفضل وَقد بينتها فِي نزُول الْوَحْي قلت لَيْسَ البُخَارِيّ هَهُنَا فِي صدد بَيَان فَضِيلَة قُرَيْش وَلَا فِي بَيَان فَضِيلَة مَكَّة حَتَّى يبتدىء بِرِوَايَة شخص قرشي مكي وَلَئِن سلمنَا فَمَا وَجه تَخْصِيص الْحميدِي من بَين الروَاة القرشيين المكيين وَأَيْضًا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمُوا قُريْشًا إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامَة الْكُبْرَى لَيْسَ إِلَّا. وَفِي غَيرهَا يقدم الْبَاهِلِيّ الْعَالم على الْقرشِي الْجَاهِل وَقَوله وَلِأَن ابْتِدَاء الْوَحْي إِلَى آخِره إِنَّمَا يَسْتَقِيم أَن لَو كَانَ الحَدِيثفِي أَمر الْوَحْي وَإِنَّمَا الحَدِيث فِي النِّيَّة فَلَا يلْزم من ذَلِك مَا قَالَه فَافْهَم (بَيَان اللُّغَة) قَوْله سَمِعت من سَمِعت الشَّيْء سمعا وسماعا وسماعة والسمع سمع الْإِنْسَان فَيكون وَاحِدًا وجمعا قَالَ الله تَعَالَى {{ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم}} لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر كَمَا ذكرنَا وَيجمع على أسماع وَجمع الْقلَّة أسمع وَجمع الأسمع أسامع ثمَّ النُّحَاة اخْتلفُوا فِي سَمِعت هَل يتَعَدَّى إِلَى مفعولين على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا نعم وَهُوَ مَذْهَب الْفَارِسِي قَالَ لَكِن لَا بُد أَن يكون الثَّانِي مِمَّا يسمع كَقَوْلِك سَمِعت زيدا يَقُول كَذَا وَلَو قلت سَمِعت زيدا أَخَاك لم يجز وَالصَّحِيح أَنه لَا يتَعَدَّى إِلَّا إِلَى مفعول وَاحِد وَالْفِعْل الْوَاقِع بعد الْمَفْعُول فِي مَوضِع الْحَال أَي سمعته حَال قَوْله كَذَا قَوْله على الْمِنْبَر بِكَسْر الْمِيم مُشْتَقّ من النبر وَهُوَ الِارْتفَاع قَالَ الْجَوْهَرِي نبرت الشَّيْء أنبره نبرا رفعته وَمِنْه سمى الْمِنْبَر قلت هُوَ من بَاب ضرب يضْرب وَفِي الْعباب نبرت الشَّيْء أنبره مثل كَسرته أكسره أَي رفعته وَمِنْه سمي الْمِنْبَر لِأَنَّهُ يرْتَفع وَيرْفَع الصَّوْت عَلَيْهِ فَإِن قلت هَذَا الْوَزْن من أوزان الْآلَة وَقد علم أَنَّهَا ثَلَاثَة مفعل كمحلب ومفعال كمفتاح ومفعلة كمكحلة وَكَانَ الْقيَاس فِيهِ فتح الْمِيم لِأَنَّهُ مَوضِع الْعُلُوّ والارتفاع قلت هَذَا وَنَحْوه من الْأَسْمَاء الْمَوْضُوعَة على هَذِه الصِّيغَة وَلَيْسَت على الْقيَاس وَقَالَ الْكرْمَانِي وَهُوَ بِلَفْظ الْآلَة لِأَنَّهُ آلَة الِارْتفَاع وَفِيه نظر لِأَن الْآلَة هِيَ مَا يعالج بهَا الْفَاعِل الْمَفْعُول كالمفتاح وَنَحْوه والمنبر لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ مَوضِع الْعُلُوّ والارتفاع وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله الْأَعْمَال جمع عمل وَهُوَ مصدر قَوْلك عمل يعْمل عملا والتركيب يدل على فعل يفعل فَإِن قلت مَا الْفرق بَين الْعَمَل وَالْفِعْل قلت قَالَ الصغاني وتركيب الْفِعْل يدل على إِحْدَاث شَيْء من الْعَمَل وَغَيره فَهَذَا يدل على أَن الْفِعْل أَعم مِنْهُ وَالْفِعْل بِالْكَسْرِ الِاسْم وَجمعه فعال وأفعال وبالفتح مصدر قَوْلك فعلت الشَّيْء أَفعلهُ فعلا وفعالا قَوْله بِالنِّيَّاتِ جمع نِيَّة من نوى يَنْوِي من بَاب ضرب يضْرب قَالَ الْجَوْهَرِي نَوَيْت نِيَّة ونواة أَي عزمت وانتويت مثله قَالَ الشَّاعِر
    (صرمت أُمَيْمَة خلتي وصلاتي ... ونوت وَلما تنتوي كنواتي)
    تَقول لَو تنو فِي كَمَا نَوَيْت فِيهَا وَفِي مودتها والنيات بتَشْديد الْيَاء هُوَ الْمَشْهُور وَقد حكى النَّوَوِيّ تَخْفيف الْيَاء وَقَالَ بعض الشَّارِحين فَمن شدد وَهُوَ الْمَشْهُور كَانَت من نوى يَنْوِي إِذا قصد وَمن خفف كَانَ من ونى ينى إِذا أَبْطَأَ وَتَأَخر لِأَن النِّيَّة تحْتَاج فِي توجيهها وتصحيحها إِلَى إبطاء وَتَأَخر قلت هَذَا بعيد لِأَن مصدر ونى ينى ونيا قَالَ الْجَوْهَرِي يُقَال ونيت فِي الْأَمر أَنى ونيا أَي ضعفت فَأَنا وان ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَفْسِير النِّيَّة فَقيل هُوَ الْقَصْد إِلَى الْفِعْل وَقَالَ الْخطابِيّ هُوَ قصدك الشَّيْء بقلبك وتحرى الطّلب مِنْك لَهُ وَقَالَ التَّيْمِيّ النِّيَّة هَهُنَا وجهة الْقلب وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ النِّيَّة عبارَة عَن انبعاث الْقلب نَحْو مَا يرَاهُ مُوَافقا لغَرَض من جلب نفع أَو دفع ضرّ حَالا أَو مَآلًا وَقَالَ النَّوَوِيّ النِّيَّة الْقَصْد وَهُوَ عَزِيمَة الْقلب وَقَالَ الْكرْمَانِي لَيْسَ هُوَ عَزِيمَة الْقلب لما قَالَ المتكلمون الْقَصْد إِلَى الْفِعْل هُوَ مَا نجده من أَنْفُسنَا حَال الإيجاد والعزم قد يتَقَدَّم عَلَيْهِ وَيقبل الشدَّة والضعف بِخِلَاف الْقَصْد ففرقوا بَينهمَا من جِهَتَيْنِ فَلَا يَصح تَفْسِيره بِهِ قلت الْعَزْم هُوَ إِرَادَة الْفِعْل وَالْقطع عَلَيْهِ وَالْمرَاد من النِّيَّة هَهُنَا هَذَا الْمَعْنى فَلذَلِك فسر النَّوَوِيّ الْقَصْد الَّذِي هُوَ النِّيَّة بالعزم فَافْهَم على أَن الْحَافِظ أَبَا الْحسن عَليّ بن الْمفضل الْمَقْدِسِي قد جعل فِي أربعينه النِّيَّة والإرادة وَالْقَصْد والعزم بِمَعْنى ثمَّ قَالَ وَكَذَا أزمعت على الشَّيْء وعمدت إِلَيْهِ وَتطلق الْإِرَادَة على الله تَعَالَى وَلَا تطلق عَلَيْهِ غَيرهَا قَوْله امرىء الامرىء الرجل وَفِيه لُغَتَانِ امرىء كزبرج ومرء كفلس وَلَا جمع لَهُ من لَفظه وَهُوَ من الغرائب لِأَن عين فعله تَابع للام فِي الحركات الثَّلَاث دَائِما وَكَذَا فِي مؤنثه أَيْضا لُغَتَانِ امْرَأَة ومرأة وَفِي الحَدِيث اسْتعْمل اللُّغَة الأولى مِنْهُمَا من كلا النَّوْعَيْنِ إِذْ قَالَ لكل امرىء وَإِلَى امْرَأَة قَوْله هجرته بِكَسْر الْهَاء على وزن فعلة من الهجر وَهُوَ ضد الْوَصْل ثمَّ غلب ذَلِك على الْخُرُوج من أَرض إِلَى أَرض وَترك الأولى للثَّانِيَة قَالَه فِي النِّهَايَة وَفِي الْعباب الهجر ضد الْوَصْل وَقد هجره يهجره بِالضَّمِّ هجرا أَو هجرانا وَالِاسْم الْهِجْرَة وَيُقَال الْهِجْرَة التّرْك وَالْمرَاد بهَا هُنَا ترك الوطن والانتقال إِلَى غَيره وَهِي فِي الشَّرْع مُفَارقَة دَار الْكفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام خوف الْفِتْنَة وَطلب إِقَامَة الدّين وَفِي الْحَقِيقَة مُفَارقَة مَا يكرههُ الله تَعَالَى إِلَى مَا يُحِبهُ وَمن ذَلِك سمى الَّذين تركُوا توطن مَكَّة وتحولواإِلَى الْمَدِينَة من الصَّحَابَة بالمهاجرين لذَلِك. قَوْله إِلَى دنيا بِضَم الدَّال على وزن فعلى مَقْصُورَة غير منونة وَالضَّم فِيهِ أشهر وَحكى ابْن قُتَيْبَة وَغَيره كسر الدَّال وَيجمع على دنى ككبر جمع كبرى وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا دُنْيَوِيّ ودنيي بقلب الْوَاو يَاء فَتَصِير ثَلَاث ياآت وَقَالَ الْجَوْهَرِي سميت الدُّنْيَا لدنوها من الزَّوَال وَجَمعهَا دنى كالكبرى وَالْكبر وَالصُّغْرَى والصغر وَأَصله دنو فحذفت الْوَاو لِاجْتِمَاع الساكنين وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا دنياوي قلت الصَّوَاب أَن يُقَال قلبت الْوَاو ألفا ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين وَقَالَ بعض الأفاضل لَيْسَ فِيهَا تَنْوِين بِلَا خلاف نعلمهُ بَين أهل اللُّغَة والعربية وَحكى بعض الْمُتَأَخِّرين من شرَّاح البُخَارِيّ أَن فِيهَا لُغَة غَرِيبَة بِالتَّنْوِينِ وَلَيْسَ بجيد فَإِنَّهُ لَا يعرف فِي اللُّغَة وَسبب الْغَلَط أَن بعض رُوَاة البُخَارِيّ رَوَاهُ بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ أَبُو الْهَيْثَم الْكشميهني وَأنكر ذَلِك عَلَيْهِ وَلم يكن مِمَّن يرجع إِلَيْهِ فِي ذَلِك وَأخذ بَعضهم يَحْكِي ذَلِك لُغَة كَمَا وَقع لَهُم نَحْو ذَلِك فِي خلوف فَم الصَّائِم فحكوا فِيهِ لغتين وَإِنَّمَا يعرف أهل اللُّغَة الضَّم وَأما الْفَتْح فرواية مَرْدُودَة لَا لُغَة قلت جَاءَ التَّنْوِين فِي دنيا فِي اللُّغَة قَالَ العجاج فِي جمع دنيا طَال مَا قد عنت وَقَالَ المثلم بن ريَاح بن ظَالِم المري
    (إِنِّي مقسم مَا ملكت فجاعل ... أجرا لآخرة وَدُنْيا تَنْفَع)
    فَإِن ابْن الْأَعرَابِي أنْشدهُ بتنوين دنيا وَلَيْسَ ذَلِك بضرورة على مَا لَا يخفى وَقَالَ ابْن مَالك اسْتِعْمَال دنيا مُنْكرا فِيهِ أشكال لِأَنَّهَا أفعل التَّفْضِيل فَكَانَ حَقّهَا أَن يسْتَعْمل بِاللَّامِ نَحْو الْكُبْرَى وَالْحُسْنَى إِلَّا أَنَّهَا خلعت عَنْهَا الوصفية رَأْسا وأجرى مجْرى مَا لم يكن وَصفا وَنَحْوه قَول الشَّاعِر.
    (وَإِن دَعَوْت إِلَى جلى ومكرمة ... يَوْمًا سراة كرام النَّاس فادعينا)
    فَإِن الجلى مؤنث الْأَجَل فخلعت عَنْهَا الوصفية وَجعلت اسْما للحادثة الْعَظِيمَة قلت من الدَّلِيل على جعلهَا بِمَنْزِلَة الِاسْم الْمَوْضُوع قلب الْوَاو يَاء لِأَنَّهُ لَا يجوز ذَلِك إِلَّا فِي الفعلى الِاسْم وَقَالَ التَّيْمِيّ الدُّنْيَا تَأْنِيث الْأَدْنَى لَا ينْصَرف مثل حُبْلَى لِاجْتِمَاع أَمريْن فِيهَا أَحدهمَا الوصفية وَالثَّانِي لُزُوم حرف التَّأْنِيث وَقَالَ الْكرْمَانِي لَيْسَ ذَلِك لِاجْتِمَاع أَمريْن فِيهَا إِذْ لَا وَصفِيَّة هَهُنَا بل امْتنَاع صرفه للُزُوم التَّأْنِيث للألف الْمَقْصُورَة وَهُوَ قَائِم مقَام العلتين فَهُوَ سَهْو مِنْهُ قلت لَيْسَ بسهو مِنْهُ لِأَن الدُّنْيَا فِي الأَصْل صفة لِأَن التَّقْدِير الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور}} وتركهم موصوفها واستعمالهم إِيَّاهَا نَحْو الِاسْم الْمَوْضُوع لَا يُنَافِي الوصفية الْأَصْلِيَّة ثمَّ فِي حَقِيقَتهَا قَولَانِ للمتكلمين أَحدهمَا مَا على الأَرْض مَعَ الْهَوَاء والجو وَالثَّانِي كل الْمَخْلُوقَات من الْجَوَاهِر والأعراض الْمَوْجُودَة قبل الدَّار الْآخِرَة قَالَ النَّوَوِيّ هُوَ الْأَظْهر قَوْله يُصِيبهَا من أصَاب يُصِيب إِصَابَة وَالْمرَاد بالإصابة الْحُصُول أَو الوجدان وَفِي الْعباب أَصَابَهُ أَي وجده وَيُقَال أصَاب فلَان الصَّوَاب فَأَخْطَأَ الْجَواب أَي قصد الصَّوَاب فأراده فَأَخْطَأَ مُرَاده وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي قَوْله تَعَالَى {{تجْرِي بأَمْره رخاء حَيْثُ أصَاب}} أَي حَيْثُ أَرَادَ وتجيء هَذِه الْمعَانِي كلهَا هَهُنَا قَوْله ينْكِحهَا أَي يَتَزَوَّجهَا كَمَا جَاءَ هَكَذَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَقد يسْتَعْمل بِمَعْنى الاقتران بالشَّيْء وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {{وزوجناهم بحور عين}} أَي قرناهم قَالَه الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ مُجَاهِد وَآخَرُونَ أنكحناهم وَهُوَ من بَاب ضرب يضْرب تَقول نكح ينْكح نكحا ونكاحا إِذا تزوج وَإِذا جَامع أَيْضا وَفِي الْعباب النكح وَالنِّكَاح الْوَطْء والنكح وَالنِّكَاح التَّزَوُّج وأنكحها زَوجهَا قَالَ والتركيب يدل على الْبضْع (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله يَقُول جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل محلهَا النصب على الْحَال من رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْبَاء فِي قَوْله بِالنِّيَّاتِ للمصاحبة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{اهبط بِسَلام}} {{وَقد دخلُوا بالْكفْر}} ومعلقها مَحْذُوف وَالتَّقْدِير إِنَّمَا الْأَعْمَال تحصل بِالنِّيَّاتِ أَو تُوجد بهَا وَلم يذكر سِيبَوَيْهٍ فِي معنى الْبَاء إِلَّا الإلصاق لِأَنَّهُ معنى لَا يفارقها فَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ وَيجوز أَن تكون للاستعانة على مَا لَا يخفى وَقَول بعض الشَّارِحين الْبَاء تحْتَمل السَّبَبِيَّة بعيد جدا فَافْهَم قَوْله لكل امرىء بِكَسْر الرَّاء وَهِي لُغَة الْقُرْآن مُعرب من وَجْهَيْن فَإِذا كَانَ فِيهِ ألف الْوَصْل كَانَ فِيهِ ثَلَاث لُغَات. الأولى وَهِي لُغَة الْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {{إِن امْرُؤ هلك}} {{ويحول بَين الْمَرْء وَقَلبه}} وَهُوَ إعرابها على كلحَال تَقول هَذَا امْرُؤ وَرَأَيْت امْرأ ومررت بامرىء مُعرب من مكانين. الثَّانِيَة فتح الرَّاء على كل حَال. الثَّالِثَة ضمهَا على كل حَال فَإِن حذفت ألف الْوَصْل قلت هَذَا مرء وَرَأَيْت مرأ ومررت بمرء وَجمعه من غير لَفظه رجال أَو قوم قَوْله مَا نوى أَي الَّذِي نَوَاه فكلمة مَا مَوْصُولَة وَنوى صلتها والعائد مَحْذُوف أَي نَوَاه فَإِن جعلت مَا مَصْدَرِيَّة لَا تحْتَاج إِلَى حذف إِذْ مَا المصدرية عِنْد سِيبَوَيْهٍ حرف والحروف لَا تعود عَلَيْهَا الضمائر وَالتَّقْدِير لكل امرىء نِيَّته قَوْله فَمن كَانَت هجرته الْفَاء هَهُنَا لعطف الْمفصل على الْمُجْمل لِأَن قَوْله فَمن كَانَت هجرته إِلَى آخِره تَفْصِيل لما سبق من قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى قَوْله إِلَى دنيا مُتَعَلق بِالْهِجْرَةِ إِن كَانَت لَفْظَة كَانَت تَامَّة أَو خبر لكَانَتْ إِن كَانَت نَاقِصَة قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت لفظ كَانَت إِن كَانَ بَاقِيا فِي الْمُضِيّ فَلَا يعلم أَن الحكم بعد صُدُور هَذَا الْكَلَام من الرَّسُول أَيْضا كَذَلِك أم لَا وَإِن نقل بِسَبَب تضمين من لحرف الشَّرْط إِلَى معنى الِاسْتِقْبَال فبالعكس فَفِي الْجُمْلَة الحكم إِمَّا للماضي أَو للمستقبل قلت جَازَ أَن يُرَاد بِهِ أصل الْكَوْن أَي الْوُجُود مُطلقًا من غير تَقْيِيد بِزَمَان من الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة أَو يُقَاس أحد الزمانين على الآخر أَو يعلم من الْإِجْمَاع على أَن حكم الْمُكَلّفين على السوَاء أَنه لَا تعَارض انْتهى قلت فِي الْجَواب الأول نظر لَا يخفى لِأَن الْوُجُود من حَيْثُ هُوَ هُوَ لَا يَخْلُو عَن زمن من الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة قَوْله يُصِيبهَا جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة لدُنْيَا وَكَذَلِكَ قَوْله يَتَزَوَّجهَا قَوْله فَهجرَته الْفَاء فِيهِ هِيَ الْفَاء الرابطة للجواب لسبق الشَّرْط وَذَلِكَ لِأَن قَوْله هجرته خبر والمبدأ أَعنِي قَوْله فَمن كَانَت يتَضَمَّن الشَّرْط قَوْله إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ إِمَّا أَن يكون مُتَعَلقا بِالْهِجْرَةِ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي هجرته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ غير صَحِيحَة أَو غير مَقْبُولَة وَإِمَّا أَن يكون خبر فَهجرَته وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ من كَانَت لَا يُقَال الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر بِحَسب الْمَفْهُوم متحدان فَمَا الْفَائِدَة فِي الْإِخْبَار لأَنا نقُول يَنْتَفِي الِاتِّحَاد هَهُنَا لِأَن الْجَزَاء مَحْذُوف وَهُوَ فَلَا ثَوَاب لَهُ عِنْد الله وَالْمَذْكُور مُسْتَلْزم لَهُ دَال عَلَيْهِ أَو التَّقْدِير فَهِيَ هِجْرَة قبيحة فَإِن قلت فَمَا الْفَائِدَة حِينَئِذٍ فِي الْإِتْيَان بالمبتدأ وَالْخَبَر بالاتحاد وَكَذَا فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء قلت يعلم مِنْهُ التَّعْظِيم نَحْو أَنا أَنا وشعري شعري وَمن هَذَا الْقَبِيل فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله وَقد يقْصد بِهِ التحقير نَحْو قَوْله فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ وَقدر أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي فَمن كَانَت هجرته نِيَّة وقصدا فَهجرَته حكما وَشرعا وَاسْتحْسن بَعضهم هَذَا التَّأْوِيل وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء لِأَنَّهُ على هَذَا التَّقْدِير يفوت الْمَعْنى الْمشعر على التَّعْظِيم فِي جَانب والتحقير فِي جَانب وهما مقصودان فِي الحَدِيث. (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله إِنَّمَا للحصر وَهُوَ إِثْبَات الحكم للمذكور ونفيه عَمَّا عداهُ وَقَالَ أهل الْمعَانِي وَمن طرق الْقصر إِنَّمَا وَالْقصر تَخْصِيص أحد الْأَمريْنِ بِالْآخرِ وحصره فِيهِ وَإِنَّمَا يُفِيد إِنَّمَا معنى الْقصر لتَضَمّنه معنى مَا وَإِلَّا من وُجُوه ثَلَاثَة الأول قَول الْمُفَسّرين فِي قَوْله تَعَالَى {{إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة}} بِالنّصب مَعْنَاهُ مَا حرم عَلَيْكُم إِلَّا الْميتَة وَهُوَ مُطَابق لقِرَاءَة الرّفْع لِأَنَّهَا تَقْتَضِي انحصار التَّحْرِيم على الْميتَة بِسَبَب أَن مَا فِي قِرَاءَة الرّفْع يكون مَوْصُولا صلته حرم عَلَيْكُم وَاقعا اسْما لِأَن أَي أَن الَّذِي حرمه عَلَيْكُم الْميتَة فَحذف الرَّاجِع إِلَى الْمَوْصُول فَيكون فِي معنى أَن الْمحرم عَلَيْكُم الْميتَة وَهُوَ يُفِيد الْحصْر كَمَا أَن المنطلق زيد وَزيد المنطلق كِلَاهُمَا يَقْتَضِي انحصار الانطلاق على زيد الثَّانِي قَول النُّحَاة أَن إِنَّمَا لإِثْبَات مَا يذكر بعده وَنفى مَا سواهُ الثَّالِث صِحَة انْفِصَال الضَّمِير مَعَه كصحته مَعَ مَا وَإِلَّا فَلَو لم يكن إِنَّمَا متضمنة لِمَعْنى مَا وَإِلَّا لم يَصح انْفِصَال الضَّمِير مَعَه وَلِهَذَا قَالَ الفرزدق أَنا الذائد الحامي الزمار وَإِنَّمَا يدافع عَن احسابهم أَنا أَو مثلي ففصل الضَّمِير وَهُوَ أَنا مَعَ إِنَّمَا حَيْثُ لم يقل وَإِنَّمَا أدافع كَمَا فصل عَمْرو بن معدي كرب مَعَ إِلَّا فِي قَوْله
    (قد علمت سلمى وجاراتها ... مَا قطر الْفَارِس إِلَّا أَنا)
    وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ قَول الْمُحَقِّقين ثمَّ اخْتلفُوا فَقيل إفادته لَهُ بالمنطوق وَقيل بِالْمَفْهُومِ وَقَالَ بعض الْأُصُولِيِّينَ إِنَّمَا لَا تفِيد إِلَّا التَّأْكِيد وَنقل صَاحب الْمِفْتَاح عَن أبي عِيسَى الربعِي أَنه لما كَانَت كلمة أَن لتأكيد إِثْبَات الْمسند للمسند إِلَيْهِ ثمَّ اتَّصَلت بهَا مَا الْمُؤَكّدَة الَّتِي تزاد للتَّأْكِيد كَمَا فِي حَيْثُمَا لَا النافية على مَا يَظُنّهُ من لَا وقُوف لَهُ على علم النَّحْو ضاعفت تأكيدها فَنَاسَبَ أَن يضمن معنى الْقصر أَي معنى مَا وَإِلَّا لِأَن الْقصر لَيْسَ إِلَّا لتأكيد الحكم على تَأْكِيد أَلا تراك مَتى قلت لمخاطب يردد الْمَجِيءالْوَاقِع بَين زيد وَعَمْرو زيد جَاءَ لَا عَمْرو كَيفَ يكون قَوْلك زيد جَاءَ إِثْبَاتًا للمجيء لزيد صَرِيحًا وقولك لَا عَمْرو إِثْبَاتًا للمجيء لزيد ضمنا لِأَن الْفِعْل وَهُوَ الْمَجِيء وَاقع وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَهُوَ مسلوب عَن عَمْرو فَيكون ثَابتا لزيد بِالضَّرُورَةِ قلت أَرَادَ بِمن لَا وقُوف لَهُ على علم النَّحْو الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فَإِنَّهُ قَالَ أَن مَا فِي إِنَّمَا هِيَ النافية وَتَقْرِير مَا قَالَه هُوَ أَن أَن للإثبات وَمَا للنَّفْي وَالْأَصْل بقاؤهما على مَا كَانَا وَلَيْسَ أَن لإِثْبَات مَا عدا الْمَذْكُور وَمَا لنفي الْمَذْكُور وفَاقا فَتعين عَكسه ورد بِأَنَّهَا لَو كَانَت النافية لبطلت صدارتها مَعَ أَن لَهَا صدر الْكَلَام وَاجْتمعَ حرفا النَّفْي وَالْإِثْبَات بِلَا فاصل ولجاز نصب إِنَّمَا زيد قَائِما وَكَانَ معنى إِنَّمَا زيد قَائِم تحقق عدم قيام زيد لِأَن مَا يَلِي حرف النَّفْي منفي وَوجه الْكرْمَانِي قَول من يَقُول أَن مَا نَافِيَة بقوله وَلَيْسَ كِلَاهُمَا متوجهين إِلَى الْمَذْكُور وَلَا إِلَى غير الْمَذْكُور بل الْإِثْبَات مُتَوَجّه إِلَى الْمَذْكُور وَالنَّفْي إِلَى غير الْمَذْكُور إِذْ لَا قَائِل بِالْعَكْسِ اتِّفَاقًا. ثمَّ قَالَ وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يجوز اجْتِمَاع مَا النفيية بِأَن المثبتة لاستلزام اجْتِمَاع المتصدرين على صدر وَاحِد وَلَا يلْزم من إِثْبَات النَّفْي لِأَن النَّفْي هُوَ مَدْخُول الْكَلِمَة المحققة فلفظة مَا هِيَ الْمُؤَكّدَة لَا النافية فتفيد الْحصْر لِأَنَّهُ يُفِيد التَّأْكِيد على التَّأْكِيد وَمعنى الْحصْر ذَلِك. ثمَّ أجَاب عَن هَذَا الِاعْتِرَاض بقوله المُرَاد بذلك التَّوْجِيه أَن إِنَّمَا كلمة مَوْضُوعَة للحصر وَذَلِكَ سر الْوَضع فِيهِ لِأَن الْكَلِمَتَيْنِ وَالْحَالة هَذِه باقيتان على أَصلهمَا مرادتان بوضعهما فَلَا يرد الِاعْتِرَاض وَأما تَوْجِيهه بِكَوْنِهِ تَأْكِيدًا على تَأْكِيد فَهُوَ من بَاب إِيهَام الْعَكْس إِذْ لما رأى أَن الْحصْر فِيهِ تَأْكِيد على تَأْكِيد ظن أَن كل مَا فِيهِ تَأْكِيد على تَأْكِيد حصر وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِلَّا لَكَانَ وَالله أَن زيد الْقَائِم حصرا وَهُوَ بَاطِل. قلت الِاعْتِرَاض بَاقٍ على حَاله وَلم ينْدَفع بقوله أَن إِنَّمَا كلمة مَوْضُوعَة للحصر إِلَى آخِره على مَا لَا يخفى وَلَا نسلم أَنَّهَا مَوْضُوعَة للحصر ابْتِدَاء وَإِنَّمَا هِيَ تفِيد معنى الْحصْر من حَيْثُ تحقق الْأَوْجه الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِيهَا. وَقَوله ظن أَن كل مَا فِيهِ تَأْكِيد إِلَى آخِره غير سديد لِأَنَّهُ لم يكن ذَلِك أصلا لِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون الْحصْر تَأْكِيدًا على تَأْكِيد كَون كل مَا فِيهِ تَأْكِيد على تَأْكِيد حصرا حَتَّى يلْزم الْحصْر فِي نَحْو وَالله أَن زيد الْقَائِم فعلى قَول الْمُحَقِّقين كل حصر تَأْكِيد على تَأْكِيد وَلَيْسَ كل تَأْكِيد على تَأْكِيد حصرا فَافْهَم وَإِذا تقرر هَذَا فَاعْلَم أَن إِنَّمَا تَقْتَضِي الْحصْر الْمُطلق وَهُوَ الْأَغْلَب الْأَكْثَر وَتارَة تَقْتَضِي حصرا مَخْصُوصًا كَقَوْلِه تَعَالَى {{إِنَّمَا أَنْت مُنْذر}} وَقَوله {{إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لعب وَلَهو}} فَالْمُرَاد حصره فِي النذارة لمن لَا يُؤمن وَإِن كَانَ ظَاهره الْحصْر فِيهَا لِأَن لَهُ صِفَات غير ذَلِك وَالْمرَاد فِي الْآيَة الثَّانِيَة الْحصْر بِالنِّسْبَةِ إِلَى من آثرها أَو هُوَ من بَاب تَغْلِيب الْغَالِب على النَّادِر وَكَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَنا بشر أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاطِّلَاع على بواطن الْخُصُوم وبالنسبة إِلَى جَوَاز النسْيَان عَلَيْهِ وَمثل ذَلِك يفهم بالقرائن والسياق (فَإِن قلت) مَا الْفرق بَين الحصرين قلت الأول أَعنِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ قصر الْمسند إِلَيْهِ على الْمسند وَالثَّانِي أَعنِي قَوْله وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى قصر الْمسند على الْمسند إِلَيْهِ إِذْ المُرَاد إِنَّمَا يعْمل كل امرىء مَا نوى إِذْ الْقصر بإنما لَا يكون إِلَّا فِي الْجُزْء الْأَخير وَفِي الْجُمْلَة الثَّانِيَة حصران الأول من إِنَّمَا وَالثَّانِي من تَقْدِيم الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ قَوْله وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى تَأْكِيد للجملة الأولى وَحمله على التأسيس أولى لإفادته معنى لم يكن فِي الأول على مَا يَجِيء عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وكل اسْم مَوْضُوع لاستغراق إِفْرَاد الْمُنكر نَحْو {{كل نفس ذائقة الْمَوْت}} والمعرف الْمَجْمُوع نَحْو {{وَكلهمْ آتيه}} وإجزاء الْمُفْرد الْمُعَرّف نَحْو كل زيد حسن فَإِذا قلت أكلت كل رغيف لزيد كَانَت لعُمُوم الْإِفْرَاد فَإِن أضفت الرَّغِيف لزيد صَارَت لعُمُوم أَجزَاء فَرد وَاحِد وَالتَّحْقِيق إِن كلا إِذا أضيفت إِلَى النكرَة تَقْتَضِي عُمُوم الْإِفْرَاد وَإِذا أضيفت إِلَى الْمعرفَة تَقْتَضِي عُمُوم الاجزاء تَقول كل رمان مَأْكُول وَلَا تَقول كل الرُّمَّان مَأْكُول (بَيَان الْبَيَان) فِي قَوْله إِلَى دنيا يُصِيبهَا تَشْبِيه وَهُوَ الدّلَالَة على مُشَاركَة أَمر لأمر فِي معنى أَو فِي وصف من أَوْصَاف أَحدهمَا فِي نَفسه كالشجاعة فِي الْأسد والنور فِي الشَّمْس وأركانه أَرْبَعَة الْمُشبه والمشبه بِهِ وأداة التَّشْبِيه وَوَجهه وَقد ذكرنَا أَن المُرَاد بالإصابة الْحُصُول فالتقدير فَمن كَانَت هجرته إِلَى تَحْصِيل الدُّنْيَا فَهجرَته حَاصِلَة لأجل الدُّنْيَا غير مفيدة لَهُ فِي الْآخِرَة فَكَأَنَّهُ شبه تَحْصِيل الدُّنْيَا بِإِصَابَة الْغَرَض بِالسَّهْمِ بِجَامِع حُصُول الْمَقْصُود (بَيَان البديع) فِيهِ من أقسامه التَّقْسِيم بعد الْجمع وَالتَّفْصِيل بعد الْجُمْلَة وَهُوَ قَوْله فَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا إِلَى آخِرهلَا سِيمَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا إِلَى آخِره وَهَذِه الرِّوَايَة فِي غير رِوَايَة الْحميدِي على مَا بَينا وأثبتها الدَّاودِيّ فِي رِوَايَة الْحميدِي أَيْضا وَقَالَ بَعضهم غلط الدَّاودِيّ فِي إِثْبَاتهَا وَقَالَ الْكرْمَانِي وَوَقع فِي روايتنا وَجَمِيع نسخ أَصْحَابنَا مخروما قد ذهب شطره وَهُوَ قَوْله فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَلست أَدْرِي كَيفَ وَقع هَذَا الإغفال من أَي جِهَة من عرض من رُوَاته وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي هَذَا الْكتاب فِي غير مَوضِع من غير طَرِيق الْحميدِي فجَاء بِهِ مُسْتَوْفِي مَذْكُورا بشطريه وَلَا شكّ فِي أَنه لم يَقع من جِهَة الْحميدِي فقد رَوَاهُ لنا الْأَثْبَات من طَريقَة تَاما غير نَاقص (الأسئلة والأجوبة) الأول مَا قيل مَا فَائِدَة قَوْله وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى بعد قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَأجِيب عَنهُ من وُجُوه الأول مَا قَالَه النَّوَوِيّ أَن فَائِدَته اشْتِرَاط تعْيين الْمَنوِي فَإِذا كَانَ على الْإِنْسَان صَلَاة فَائِتَة لَا يَكْفِيهِ أَن يَنْوِي الصَّلَاة الْفَائِتَة بل يشْتَرط أَن يَنْوِي كَونهَا ظهرا أَو عصرا أَو غَيرهَا وَلَوْلَا اللَّفْظ الثَّانِي لاقتضى الأول صِحَة النِّيَّة بِلَا تعْيين وَفِيه نظر لِأَن الرجل إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة وَاحِدَة فِي يَوْم معِين ثمَّ أَرَادَ أَن يقْضِي تِلْكَ الصَّلَاة بِعَينهَا فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ذكر كَونهَا ظهرا أَو عصرا الثَّانِي مَا ذكره بعض الشَّارِحين من أَنه لمنع الِاسْتِنَابَة فِي النِّيَّة لِأَن الْجُمْلَة الأولى لَا تَقْتَضِي منع الِاسْتِنَابَة فِي النِّيَّة إِذْ لَو نوى وَاحِد عَن غَيره صدق عَلَيْهِ أَنه عمل بنية وَالْجُمْلَة الثَّانِيَة منعت ذَلِك انْتهى وينتقض هَذَا بمسائل. مِنْهَا نِيَّة الْوَلِيّ عَن الصَّبِي فِي الْحَج على مَذْهَب هَذَا الْقَائِل فَإِنَّهَا تصح. وَمِنْهَا حج الْإِنْسَان عَن غَيره فَإِنَّهُ يَصح بِلَا خلاف. وَمِنْهَا إِذا وكل فِي تَفْرِقَة الزَّكَاة وفوض إِلَيْهِ النِّيَّة وَنوى الْوَكِيل فَإِنَّهُ يجْزِيه كَمَا قَالَه الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَالْحَاوِي الصَّغِير الثَّالِث مَا ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ أَن فِيهِ دلَالَة على أَن الْأَعْمَال الْخَارِجَة عَن الْعِبَادَة قد تفِيد الثَّوَاب إِذا نوى بهَا فاعلها الْقرْبَة كَالْأَكْلِ وَالشرب إِذا نوى بهما التقوية على الطَّاعَة وَالنَّوْم إِذا قصد بِهِ ترويح الْبدن لِلْعِبَادَةِ وَالْوَطْء إِذا أَرَادَ بِهِ التعفف عَن الْفَاحِشَة كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بضع أحدكُم صَدَقَة الحَدِيث الرَّابِع مَا ذكره بَعضهم أَن الْأَفْعَال الَّتِي ظَاهرهَا الْقرْبَة وموضوع فعلهَا لِلْعِبَادَةِ إِذا فعلهَا الْمُكَلف عَادَة لم يَتَرَتَّب الثَّوَاب على مُجَرّد الْفِعْل وَإِن كَانَ الْفِعْل صَحِيحا حَتَّى يقْصد بهَا الْعِبَادَة وَفِيه نظر لَا يخفى الْخَامِس تكون هَذِه الْجُمْلَة تَأْكِيدًا للجملة الأولى فَذكر الحكم بِالْأولَى وأكده بِالثَّانِيَةِ تَنْبِيها على شرف الْإِخْلَاص وتحذيرا من الرِّيَاء الْمَانِع من الْإِخْلَاص السُّؤَال الثَّانِي هُوَ أَنه لم يقل فِي الْجَزَاء فَهجرَته إِلَيْهِمَا وَإِن كَانَ أخصر بل أَتَى بِالظَّاهِرِ فَقَالَ فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَأجِيب بِأَن ذَلِك من آدابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَعْظِيم اسْم الله عز وَجل أَن لَا يجمع مَعَ ضمير غَيره كَمَا قَالَ للخطيب بئس خطيب الْقَوْم أَنْت حِين قَالَ من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد وَمن يعصهما فقد غوى وَبَين لَهُ وَجه الْإِنْكَار فَقَالَ لَهُ قل {{وَمن يعْص الله وَرَسُوله}} فَإِن قيل فقد جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّمِير وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا تشهد الحَدِيث وَفِيه وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد رشد وَمن يعصهما فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا نَفسه وَلَا يضر الله شَيْئا قلت إِنَّمَا كَانَ إِنْكَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْخَطِيب لِأَنَّهُ لم يكن عِنْده من الْمعرفَة بتعظيم الله عز وَجل مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُعلمهُ من عَظمته وجلاله وَلَا كَانَ لَهُ وقُوف على دقائق الْكَلَام فَلذَلِك مَنعه وَالله أعلم السُّؤَال الثَّالِث مَا فَائِدَة التَّنْصِيص على الْمَرْأَة مَعَ كَونهَا دَاخِلَة فِي مُسَمّى الدُّنْيَا وَأجِيب من وُجُوه الأول أَنه لَا يلْزم دُخُولهَا فِي هَذِه الصِّيغَة لِأَن لَفْظَة دنيا نكرَة وَهِي لَا تعم فِي الْأَثْبَات فَلَا تَقْتَضِي دُخُول الْمَرْأَة فِيهَا الثَّانِي أَنه للتّنْبِيه على زِيَادَة التحذير فَيكون من بَاب ذكر الْخَاص بعد الْعَام كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى}} وَقَوله {{من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال}} الْآيَة. وَقَالَ بعض الشَّارِحين وَلَيْسَ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {{ونخل ورمان}} بعد ذكر الْفَاكِهَة وَإِن غلط فِيهِ بَعضهم لِأَن فَاكِهَة نكرَة فِي سِيَاق الْأَثْبَات فَلَا تعم لَكِن وَردت فِي معرض الامتنان قلت الْفَاكِهَة اسْم لما يتفكه بِهِ أَي يتنعم بِهِ زِيَادَة على الْمُعْتَاد وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُودفِي النّخل وَالرُّمَّان فَحِينَئِذٍ يكون ذكرهمَا بعد ذكر الْفَاكِهَة من قبيل عطف الْخَاص على الْعَام فَعلمت أَن هَذَا الْقَائِل هُوَ الغالط إِن قلت أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لم يَجْعَلهَا من الْفَاكِهَة حَتَّى لَو حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة فَأكل رطبا أَو رمانا أَو عنبا لم يَحْنَث قلت أَبُو حنيفَة لم يخرجهما من الْفَاكِهَة بِالْكُلِّيَّةِ بل إِنَّمَا قَالَ إِن هَذِه الْأَشْيَاء إِنَّمَا يتغذى بهَا أَو يتداوى بهَا فَأوجب قصورا فِي معنى التفكه للاستعمال فِي حَاجَة الْبَقَاء وَلِهَذَا كَانَ النَّاس يعدونها من التوابل أَو من الأقوات الثَّالِث مَا قَالَه ابْن بطال عَن ابْن سراج أَنه إِنَّمَا خص الْمَرْأَة بِالذكر من بَين سَائِر الْأَشْيَاء فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن الْعَرَب كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة لَا تزوج الْمولى الْعَرَبيَّة وَلَا يزوجون بناتهم إِلَّا من الْأَكفاء فِي النّسَب فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام سوى بَين الْمُسلمين فِي مناكحهم وَصَارَ كل وَاحِد من الْمُسلمين كُفؤًا لصَاحبه فَهَاجَرَ كثير من النَّاس إِلَى الْمَدِينَة ليتزوج بهَا حَتَّى سمى بَعضهم مهَاجر أم قيس الرَّابِع أَن هَذَا الحَدِيث ورد على سَبَب وَهُوَ أَنه لما أَمر بِالْهِجْرَةِ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة تخلف جمَاعَة عَنْهَا فذمهم الله تَعَالَى بقوله {{إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم قَالُوا فيمَ كُنْتُم}} الْآيَة وَلم يُهَاجر جمَاعَة لفقد استطاعتهم فعذرهم واستثناهم بقوله {{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال}} الْآيَة وَهَاجَر المخلصون إِلَيْهِ فمدحهم فِي غير مَا مَوضِع من كِتَابه وَكَانَ فِي الْمُهَاجِرين جمَاعَة خَالَفت نيتهم نِيَّة المخلصين. مِنْهُم من كَانَت نِيَّته تزوج امْرَأَة كَانَت بِالْمَدِينَةِ من الْمُهَاجِرين يُقَال لَهَا أم قيس وَادّعى ابْن دحْيَة أَن اسْمهَا قيلة فَسمى مهَاجر أم قيس وَلَا يعرف اسْمه فَكَانَ قَصده بِالْهِجْرَةِ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة نِيَّة التَّزَوُّج بهَا لَا لقصد فَضِيلَة الْهِجْرَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وَبَين مَرَاتِب الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَلهَذَا خص ذكر الْمَرْأَة دون سَائِر مَا ينوى بِهِ الْهِجْرَة من أَفْرَاد الْأَغْرَاض الدُّنْيَوِيَّة لأجل تبين السَّبَب لِأَنَّهَا كَانَت أعظم أَسبَاب فتْنَة الدُّنْيَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تركت بعدِي فتْنَة أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء وَذكر الدُّنْيَا مَعهَا من بَاب زِيَادَة النَّص على السَّبَب كَمَا أَنه لما سُئِلَ عَن طهورية مَاء الْبَحْر زَاد حل ميتَته وَيحْتَمل أَن يكون هَاجر لمالها مَعَ نِكَاحهَا وَيحْتَمل أَنه هَاجر لنكاحها وَغَيره لتَحْصِيل دنيا من جِهَة مَا فَعرض بهَا السُّؤَال الرَّابِع مَا قيل لم ذمّ على طلب الدُّنْيَا وَهُوَ أَمر مُبَاح والمباح لَا ذمّ فِيهِ وَلَا مدح وَأجِيب بِأَنَّهُ إِنَّمَا ذمّ لكَونه لم يخرج فِي الظَّاهِر لطلب الدُّنْيَا وَإِنَّمَا خرج فِي صُورَة طَالب فَضِيلَة الْهِجْرَة فأبطن خلاف مَا أظهر السُّؤَال الْخَامِس مَا قيل أَنه أعَاد فِي الْجُمْلَة الأولى مَا بعد الْفَاء الْوَاقِعَة جَوَابا للشّرط مثل مَا وَقعت فِي صدر الْكَلَام وَلم يعد كَذَلِك فِي الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَأجِيب بِأَن ذَلِك للإعراض عَن تَكْرِير ذكر الدُّنْيَا والغض مِنْهَا وَعدم الاحتفال بأمرها بِخِلَاف الأولى فَإِن التكرير فِيهَا ممدوح
    (أعد ذكر نعْمَان لنا أَن ذكره ... هُوَ الْمسك مَا كررته يتضوع)
    السُّؤَال السَّادِس مَا قيل أَن النيات جمع قلَّة كالأعمال وَهِي للعشرة فَمَا دونهَا لَكِن الْمَعْنى أَن كل عمل إِنَّمَا هُوَ بنية سَوَاء كَانَ قَلِيلا أَو كثيرا أُجِيب بِأَن الْفرق بالقلة وَالْكَثْرَة إِنَّمَا هُوَ فِي النكرات لَا فِي المعارف (بَيَان السَّبَب والمورد) اشْتهر بَينهم أَن سَبَب هَذَا الحَدِيث قصَّة مهَاجر أم قيس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ فِينَا رجل خطب امْرَأَة يُقَال لَهَا أم قيس فَأَبت أَن تتزوجه حَتَّى يُهَاجر فَهَاجَرَ فَتَزَوجهَا فَكُنَّا نُسَمِّيه مهَاجر أم قيس فَإِن قيل ذكر أَبُو عمر فِي الِاسْتِيعَاب فِي تَرْجَمَة أم سليم أَن أَبَا طَلْحَة الْأنْصَارِيّ خطبهَا مُشْركًا فَلَمَّا علم أَنه لَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْإِسْلَامِ أسلم وَتَزَوجهَا وَحسن إِسْلَامه وَهَكَذَا روى النَّسَائِيّ من حَدِيث أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ تزوج أَبُو طَلْحَة أم سليم فَكَانَ صدَاق مَا بَينهمَا الْإِسْلَام إِذْ أسلمت أم سليم قبل أبي طَلْحَة فَخَطَبَهَا فَقَالَت إِنِّي قد أسلمت فَإِن أسلمت نكحتك فَأسلم فَكَانَ الْإِسْلَام صدَاق مَا بَينهمَا بوب عَلَيْهِ النَّسَائِيّ التَّزْوِيج على الْإِسْلَام. وروى النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيثه قَالَ خطب أَبُو طَلْحَة أم سليم فَقَالَت وَالله مَا مثلك يَا أَبَا طَلْحَة يرد وَلَكِنَّك رجل كَافِر وَأَنا امْرَأَة مسلمة وَلَا يحل لي أَن أتزوجك فَإِن تسلم فَذَاك مهري وَلَا أَسأَلكغَيره فَأسلم فَكَانَ ذَلِك مهرهَا قَالَ ثَابت فَمَا سَمِعت بِامْرَأَة قطّ كَانَت أكْرم مهْرا من أم سليم الْإِسْلَام فَدخل بهَا الحَدِيث وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه فَظَاهر هَذَا أَن إِسْلَامه كَانَ ليتزوج بهَا فَكيف الْجمع بَينه وَبَين حَدِيث الْهِجْرَة الْمَذْكُور مَعَ كَون الْإِسْلَام أشرف الْأَعْمَال وَأجِيب عَنهُ من وُجُوه الأول أَنه لَيْسَ فِي الحَدِيث أَنه أسلم ليتزوجها حَتَّى يكون مُعَارضا لحَدِيث الْهِجْرَة وَإِنَّمَا امْتنعت من تَزْوِيجه حَتَّى هداه الله لِلْإِسْلَامِ رَغْبَة فِي الْإِسْلَام لَا ليتزوجها وَكَانَ أَبُو طَلْحَة من أجلاء الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَلَا يظنّ بِهِ أَنه إِنَّمَا أسلم ليتزوج أم سليم الثَّانِي أَنه لَا يلْزم من الرَّغْبَة فِي نِكَاحهَا أَنه لَا يَصح مِنْهُ الْإِسْلَام رَغْبَة فِيهَا فَمَتَى كَانَ الدَّاعِي إِلَى الْإِسْلَام الرَّغْبَة فِي الدّين لم يضر مَعَه كَونه يعلم أَنه يحل لَهُ بذلك نِكَاح المسلمات الثَّالِث أَنه لَا يَصح هَذَا عَن أبي طَلْحَة فَالْحَدِيث وَإِن كَانَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلكنه مُعَلل بِكَوْن الْمَعْرُوف أَنه لم يكن حِينَئِذٍ نزل تَحْرِيم المسلمات على الْكفَّار وَإِنَّمَا نزل بَين الْحُدَيْبِيَة وَبَين الْفَتْح حِين نزل قَوْله تَعَالَى {{لَا هن حل لَهُم وَلَا هم يحلونَ لَهُنَّ}} كَمَا ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَقَول أم سليم فِي هَذَا الحَدِيث وَلَا يحل لي أَن أتزوجك شَاذ مُخَالف للْحَدِيث الصَّحِيح وَمَا أجمع عَلَيْهِ أهل السّير فَافْهَم وَقد علمت سَبَب الحَدِيث ومورده وَهُوَ خَاص وَلَكِن الْعبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ فَيتَنَاوَل سَائِر أَقسَام الْهِجْرَة فَعَدهَا بَعضهم خَمْسَة الأولى إِلَى أَرض الْحَبَشَة الثَّانِيَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة. الثَّالِثَة هِجْرَة الْقَبَائِل إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّابِعَة هِجْرَة من أسلم من أهل مَكَّة. الْخَامِسَة هِجْرَة مَا نهى الله عَنهُ واستدرك عَلَيْهِ بِثَلَاثَة أُخْرَى الأولى الْهِجْرَة الثَّانِيَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَإِن الصَّحَابَة هَاجرُوا إِلَيْهَا مرَّتَيْنِ الثَّانِيَة هِجْرَة من كَانَ مُقيما بِبِلَاد الْكفْر وَلَا يقدر على إِظْهَار الدّين فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يُهَاجر إِلَى دَار الْإِسْلَام كَمَا صرح بِهِ بعض الْعلمَاء الثَّالِثَة الْهِجْرَة إِلَى الشَّام فِي آخر الزَّمَان عِنْد ظُهُور الْفِتَن كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عمر وَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول سَتَكُون هِجْرَة بعد هِجْرَة فخيار أهل الأَرْض ألزمهم مهَاجر إِبْرَاهِيم وَيبقى فِي الأَرْض شرار أَهلهَا الحَدِيث وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده فَجعله من حَدِيث عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة يُرِيد بِهِ الشَّام لِأَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما خرج من الْعرَاق مضى إِلَى الشَّام وَأقَام بِهِ (فَإِن قيل) قد تَعَارَضَت الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب فروى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة وَإِذا استنفرتم فانفروا وروى البُخَارِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَوْله لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح وَفِي رِوَايَة لَهُ لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح الْيَوْم أَو بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى البُخَارِيّ أَيْضا أَن عبيد بن عَمْرو سَأَلَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن الْهِجْرَة فَقَالَت لَا هِجْرَة الْيَوْم كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يفر أحدهم بِدِينِهِ إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله مَخَافَة أَن يفتن عَلَيْهِ فَأَما الْيَوْم فقد أظهر الله الْإِسْلَام وَالْمُؤمن يعبد ربه حَيْثُ شَاءَ وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة وروى البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا عَن مجاشع بن مَسْعُود قَالَ انْطَلَقت بِأبي معبد إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليبايعه على الْهِجْرَة قَالَ انْقَضتْ الْهِجْرَة لأَهْلهَا فَبَايعهُ على الْإِسْلَام وَالْجهَاد وَفِي رِوَايَة أَنه جَاءَ بأَخيه مجَالد وروى أَحْمد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَرَافِع بن خديج وَزيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُم لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة فَهَذِهِ الْأَحَادِيث دَالَّة على انْقِطَاع الْهِجْرَة وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة حَتَّى تَنْقَطِع التَّوْبَة وَلَا تَنْقَطِع التَّوْبَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا وروى أَحْمد من حَدِيث ابْن السَّعْدِيّ مَرْفُوعا لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مادام الْعَدو يُقَاتل وروى أَحْمد أَيْضا من حَدِيث جُنَادَة بن أبي أُميَّة مَرْفُوعا أَن الْهِجْرَة لَا تَنْقَطِع مَا كَانَ الْجِهَاد قلت وفْق الْخطابِيّ بَين هَذِه الْأَحَادِيث بِأَن الْهِجْرَة كَانَت فِي أول الْإِسْلَام فرضا ثمَّ صَارَت بعد فتح مَكَّة مَنْدُوبًا إِلَيْهَا غير مَفْرُوضَة قَالَ فالمنقطعة مِنْهَا هِيَ الْفَرْض والباقية مِنْهَا هِيَ النّدب على أَن حَدِيث مُعَاوِيَة فِيهِ مقَال وَقَالَ ابْن الْأَثِير الْهِجْرَة هجرتان إِحْدَاهمَا الَّتِي وعد الله عَلَيْهَا بِالْجنَّةِ كَانَ الرجل يَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويدع أَهله وَمَاله لَا يرجع فِي شَيْء مِنْهُ فَلَمَّا فتحت مَكَّة انْقَطَعت هَذِه الْهِجْرَة وَالثَّانيَِة من هَاجر من الْأَعْرَاب وغزا مَعَ الْمُسلمين وَلم يفعل كَمَا فعل أَصْحَاب الْهِجْرَة وَهُوَ المُرَاد بقوله لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة حَتَّى تَنْقَطِع التَّوْبَة قلت وَفِي الحَدِيث الآخر مَا يدل على أَن المُرَاد بِالْهِجْرَةِ الْبَاقِيَة هِيَ هجر السَّيِّئَات وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث مُعَاوِيَة وَعبدالرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْهِجْرَة خصلتان إِحْدَاهمَا تهجر السَّيِّئَات وَالْأُخْرَى تهَاجر إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله وَلَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا تقبلت التَّوْبَة وَلَا تزَال التَّوْبَة مَقْبُولَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا فَإِذا طلعت طبع الله على كل قلب بِمَا فِيهِ وَكفى النَّاس الْعَمَل وروى أَحْمد أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ جَاءَ رجل أَعْرَابِي فَقَالَ يَا رَسُول الله أَيْن الْهِجْرَة إِلَيْك حَيْثُ كنت أم إِلَى أَرض مَعْلُومَة أم لقوم خَاصَّة أم إِذا مت انْقَطَعت قَالَ فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة ثمَّ قَالَ أَيْن السَّائِل عَن الْهِجْرَة قَالَ هَا أَنا ذَا يَا رَسُول الله قَالَ إِذا أَقمت الصَّلَاة وآتيت الزَّكَاة فَأَنت مهَاجر وَإِن مت بالخضرمة قَالَ يَعْنِي أَرضًا بِالْيَمَامَةِ وَفِي رِوَايَة لَهُ الْهِجْرَة أَن تهجر الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة ثمَّ أَنْت مهَاجر وَإِن مت بالخضرمة (استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول احتجت الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة بِهِ فِي وجوب النِّيَّة فِي الْوضُوء وَالْغسْل فَقَالُوا التَّقْدِير فِيهِ صِحَة الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَالْألف وَاللَّام فِيهِ لاستغراق الْجِنْس فَيدْخل فِيهِ جَمِيع الْأَعْمَال من الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج وَالْوُضُوء وَغير ذَلِك مِمَّا يطْلب فِيهِ النِّيَّة عملا بِالْعُمُومِ وَيدخل فِيهِ أَيْضا الطَّلَاق وَالْعتاق لِأَن النِّيَّة إِذا قارنت الْكِنَايَة كَانَت كَالصَّرِيحِ وَقَالَ النَّوَوِيّ تَقْدِيره إِنَّمَا الْأَعْمَال تحسب إِذا كَانَت بنية وَلَا تحسب إِذا كَانَت بِلَا نِيَّة وَفِيه دَلِيل على أَن الطَّهَارَة وَسَائِر الْعِبَادَات لَا تصح إِلَّا بنية. وَقَالَ الْخطابِيّ قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ لم يرد بِهِ أَعْيَان الْأَعْمَال لِأَنَّهَا حَاصِلَة حسا وعيانا بِغَيْر نِيَّة وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن صِحَة أَحْكَام الْأَعْمَال فِي حق الدّين إِنَّمَا تقع بِالنِّيَّةِ وَأَن النِّيَّة هِيَ الفاصلة بَين مَا يَصح وَمَا لَا يَصح وَكلمَة إِنَّمَا عاملة بركنيها إِيجَابا ونفيا فَهِيَ تثبت الشَّيْء وتنفي مَا عداهُ فدلالتها أَن الْعِبَادَة إِذا صحبتهَا النِّيَّة صحت وَإِذا لم تصحبها لم تصح وَمُقْتَضى حق الْعُمُوم فِيهَا يُوجب أَن لَا يَصح عمل من الْأَعْمَال الدِّينِيَّة أقوالها وأفعالها فَرضهَا ونفلها قليلها وكثيرها إِلَّا بنية وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ الحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر لِأَن الذوات غير منتفية وَالْمرَاد بِهِ نفي أَحْكَامهَا كالصحة والفضيلة وَالْحمل على نفي الصِّحَّة أولى لِأَنَّهُ أشبه بِنَفْي الشَّيْء نَفسه وَلِأَن اللَّفْظ يدل بالتصريح على نفي الذَّات وبالتبع على نفي جَمِيع الصِّفَات فَلَمَّا منع الدَّلِيل دلَالَته على نفي الذَّات بَقِي دلَالَته على نفي جَمِيع الصِّفَات وَقَالَ الطَّيِّبِيّ كل من الْأَعْمَال والنيات جمع محلى بِاللَّامِ الاستغراقية فَأَما أَن يحملا على عرف اللُّغَة فَيكون الِاسْتِغْرَاق حَقِيقِيًّا أَو على عرف الشَّرْع وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يُرَاد بِالْأَعْمَالِ الْوَاجِبَات والمندوبات والمباحات وبالنيات الْإِخْلَاص والرياء أَو أَن يُرَاد بِالْأَعْمَالِ الْوَاجِبَات وَمَا لَا يَصح إِلَّا بِالنِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ لَا سَبِيل إِلَى اللّغَوِيّ لِأَنَّهُ مَا بعث إِلَّا لبَيَان الشَّرْع فَكيف يتَصَدَّى لما لَا جدوى لَهُ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يحمل إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ على مَا اتّفق عَلَيْهِ أَصْحَابنَا أَي مَا الْأَعْمَال محسوبة لشَيْء من الْأَشْيَاء كالشروع فِيهَا والتلبس بهَا إِلَّا بِالنِّيَّاتِ وَمَا خلا عَنْهَا لم يعْتد بهَا فَإِن قيل لم خصصت مُتَعَلق الْخَبَر وَالظَّاهِر الْعُمُوم كمستقر أَو حَاصِل فَالْجَوَاب أَنه حِينَئِذٍ يكون بَيَانا للغة لَا إِثْبَاتًا لحكم الشَّرْع وَقد سبق بُطْلَانه وَيحمل إِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى على مَا تثمره النيات من الْقبُول وَالرَّدّ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب ففهم من الأول إِنَّمَا الْأَعْمَال لَا تكون محسوبة ومسقطة للْقَضَاء إِلَّا إِذا كَانَت مقرونة بِالنِّيَّاتِ وَمن الثَّانِي أَن النيات إِنَّمَا تكون مَقْبُولَة إِذا كَانَت مقرونة بالإخلاص انْتهى وَذهب أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَمَالك فِي رِوَايَة إِلَى أَن الْوضُوء لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة وَكَذَلِكَ الْغسْل وَزَاد الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن التَّيَمُّم وَقَالَ عَطاء وَمُجاهد لَا يحْتَاج صِيَام رَمَضَان إِلَى نِيَّة إِلَّا أَن يكون مُسَافِرًا أَو مَرِيضا وَقَالُوا التَّقْدِير فِيهِ كَمَال الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ أَو ثَوَابهَا أَو نَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ الَّذِي يطرد فَإِن كثيرا من الْأَعْمَال يُوجد وَيعْتَبر شرعا بِدُونِهَا وَلِأَن إِضْمَار الثَّوَاب مُتَّفق عَلَيْهِ على إِرَادَته وَلِأَنَّهُ يلْزم من انْتِفَاء الصِّحَّة انْتِفَاء الثَّوَاب دون الْعَكْس فَكَانَ هَذَا أقل إضمارا فَهُوَ أولى وَلِأَن إِضْمَار الْجَوَاز وَالصِّحَّة يُؤَدِّي إِلَى نسخ الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد وَهُوَ مُمْتَنع لِأَن الْعَامِل فِي قَوْله بِالنِّيَّاتِ مُفْرد بِإِجْمَاع النُّحَاة فَلَا يجوز أَن يتَعَلَّق بِالْأَعْمَالِ لِأَنَّهَا رفع بِالِابْتِدَاءِ فَيبقى بِلَا خبر فَلَا يجوز فالتقدير إِمَّا مجزئة أَو صَحِيحَة أَو مثيبة فالمثيبة أولى بالتقدير لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن عِنْد عدم النِّيَّة لَا يبطل أصل الْعَمَل وعَلى إِضْمَار الصِّحَّة والإجزاء يبطل فَلَا يبطل بِالشَّكِّ وَالثَّانِي أَن قَوْله وَلكُل امرىء مَا نوى يدل على الثَّوَاب وَالْأَجْر لِأَن الَّذِي لَهُ إِنَّمَا هُوَ الثَّوَاب وَأما الْعَمَل فَعَلَيهِ وَقَالُوا فِي هَذَا كُله نظر من وُجُوه الأول أَنه لَا حَاجَة إِلَى إِضْمَارمَحْذُوف من الصِّحَّة أَو الْكَمَال أَو الثَّوَاب إِذْ الْإِضْمَار خلاف الأَصْل وَإِنَّمَا حَقِيقَته الْعَمَل الشَّرْعِيّ فَلَا يحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى إِضْمَار وَأَيْضًا فَلَا بُد من إِضْمَار يتَعَلَّق بِهِ الْجَار وَالْمَجْرُور فَلَا حَاجَة إِلَى إِضْمَار مُضَاف لِأَن تقليل الْإِضْمَار أولى فَيكون التَّقْدِير إِنَّمَا الْأَعْمَال وجودهَا بِالنِّيَّةِ وَيكون المُرَاد الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة قلت لَا نسلم نفي الِاحْتِيَاج إِلَى إِضْمَار مَحْذُوف لِأَن الحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر بِالْإِجْمَاع والذوات لَا تَنْتفِي بِلَا خلاف فَحِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى إِضْمَار وَإِنَّمَا يكون الْإِضْمَار خلاف الأَصْل عِنْد عدم الِاحْتِيَاج فَإِذا كَانَ الدَّلِيل قَائِما على الْإِضْمَار يضمر إِمَّا الصِّحَّة وَإِمَّا الثَّوَاب على اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلهمْ فَيكون التَّقْدِير إِنَّمَا الْأَعْمَال وجودهَا بِالنِّيَّةِ مفض إِلَى بَيَان اللُّغَة لَا إِثْبَات الحكم الشَّرْعِيّ وَهُوَ بَاطِل الثَّانِي أَنه لَا يلْزم من تَقْدِير الصِّحَّة تَقْدِير مَا يَتَرَتَّب على نَفيهَا من نفي الثَّوَاب وَوُجُوب الْإِعَادَة وَغير ذَلِك فَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يقدر إِنَّمَا صِحَة الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَسُقُوط الْقَضَاء مثلا بِالنِّيَّةِ بل الْمُقدر وَاحِد وَإِن ترَتّب على ذَلِك الْوَاحِد شَيْء آخر فَلَا يلْزم تَقْدِيره قلت دَعْوَى عدم الْمُلَازمَة الْمَذْكُورَة مَمْنُوعَة لِأَنَّهُ يلْزم من نفي الصِّحَّة نفي الثَّوَاب وَوُجُوب الْإِعَادَة كَمَا يلْزم الثَّوَاب عِنْد وجود الصِّحَّة يفهم ذَلِك بِالنّظرِ الثَّالِث أَن قَوْلهم أَن تَقْدِير الصِّحَّة يُؤَدِّي إِلَى نسخ الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُرِيدُوا بِهِ أَن الْكتاب دَال على صِحَة الْعَمَل بِغَيْر نِيَّة لكَونهَا لم تذكر فِي الْكتاب فَهَذَا لَيْسَ بنسخ على أَن الْكتاب ذكرت فِيهِ نِيَّة الْعَمَل فِي قَوْله عز وَجل {{وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين}} فَهَذَا هُوَ الْقَصْد وَالنِّيَّة وَلَو سلم لَهُم أَن فِيهِ نسخ الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد فَلَا مَانع من ذَلِك عِنْد أَكثر أهل الْأُصُول قلت قَوْلهم فَهَذَا لَيْسَ بنسخ غير صَحِيح لِأَن هَذَا عين النّسخ. بَيَانه أَن آيَة الْوضُوء تخبر بِوُجُوب غسل الْأَعْضَاء الثَّلَاثَة وَمسح الرَّأْس وَلَيْسَ فِيهَا مَا يشْعر بِالنِّيَّةِ مُطلقًا فاشتراطها بِخَبَر الْوَاحِد يُؤَدِّي إِلَى رفع الْإِطْلَاق وتقييده وَهُوَ نسخ وَقَوْلهمْ على أَن الْكتاب ذكر فِيهِ نِيَّة الْعَمَل لَا يضرهم لِأَن المُرَاد من قَوْله {{إِلَّا ليعبدوا الله}} التَّوْحِيد وَالْمعْنَى إِلَّا ليوحدوا الله فَلَيْسَ فِيهَا دلَالَة على اشْتِرَاط النِّيَّة فِي الْوضُوء وَقَوْلهمْ وَلَو سلم لَهُم إِلَى آخِره غير مُسلم لَهُم لِأَن جَمَاهِير الْأُصُولِيِّينَ على عدم جَوَاز نسخ الْكتاب بالْخبر الْوَاحِد على أَن الْمَنْقُول الصَّحِيح عَن الشَّافِعِي عدم جَوَاز نسخ الْكتاب بِالسنةِ قولا وَاحِدًا وَهُوَ مَذْهَب أهل الحَدِيث أَيْضا وَله فِي نسخ السّنة بِالْكتاب قَولَانِ الْأَظْهر من مذْهبه أَنه لَا يجوز وَالْآخر أَنه يجوز وَهُوَ الأولى بِالْحَقِّ كَذَا ذكره السَّمْعَانِيّ من أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي القواطع ثمَّ نقُول أَن الحَدِيث عَام مَخْصُوص فَإِن أَدَاء الدّين ورد الودائع وَالْأَذَان والتلاوة والأذكار وهداية الطَّرِيق وإماطة الْأَذَى عبادات كلهَا تصح بِلَا نِيَّة إِجْمَاعًا فتضعف دلَالَته حِينَئِذٍ وَيخْفى عدم اعْتِبَارهَا أَيْضا فِي الْوضُوء وَقد قَالَ بعض الشَّارِحين دَعْوَى الصِّحَّة فِي هَذِه الْأَشْيَاء بِلَا نِيَّة إِجْمَاعًا مَمْنُوعَة حَتَّى يثبت الْإِجْمَاع وَلنْ يقدر عَلَيْهِ ثمَّ نقُول النِّيَّة تلازم هَذِه الْأَعْمَال فَإِن مؤدي الدّين يقْصد بَرَاءَة الذِّمَّة وَذَلِكَ عبَادَة وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَة وَأَخَوَاتهَا فَإِنَّهَا لَا يَنْفَكّ تعاطيهن عَن الْقَصْد وَذَلِكَ نِيَّة قلت هَذَا كُله صادر لَا عَن تعقل لِأَن أحدا من السّلف وَالْخلف لم يشْتَرط النِّيَّة فِي هَذِه الْأَعْمَال فَكيف لَا يكون إِجْمَاعًا وَقَوله النِّيَّة تلازم هَذِه الْأَعْمَال إِلَى آخِره لَا تعلق لَهُ فِيمَا نَحن فِيهِ فَإنَّا لَا ندعي عدم وجود النِّيَّة فِي هَذِه الْأَشْيَاء وَإِنَّمَا ندعي عدم اشْتِرَاطهَا ومؤدي الدّين مثلا إِذا قصد بَرَاءَة الذِّمَّة بَرِئت ذمَّته وَحصل لَهُ الثَّوَاب وَلَيْسَ لنا فِيهِ نزاع وَإِذا أدّى من غير قصد بَرَاءَة الذِّمَّة هَل يَقُول أحد أَن ذمَّته لم تَبرأ ثمَّ التَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام هُوَ أَن هَذَا الْكَلَام لما دلّ عقلا على عدم إِرَادَة حَقِيقَته إِذْ قد يحصل الْعَمَل من غير نِيَّة بل المُرَاد بِالْأَعْمَالِ حكمهَا بِاعْتِبَار إِطْلَاق الشَّيْء على أَثَره وموجبه وَالْحكم نَوْعَانِ نوع يتَعَلَّق بِالآخِرَة وَهُوَ الثَّوَاب فِي الْأَعْمَال المفتقرة إِلَى النِّيَّة وَالْإِثْم فِي الْأَعْمَال الْمُحرمَة وَنَوع يتَعَلَّق بالدنيا وَهُوَ الْجَوَاز وَالْفساد وَالْكَرَاهَة والإساءة وَنَحْو ذَلِك والنوعان مُخْتَلِفَانِ بِدَلِيل أَن مبْنى الأول على صدق الْعَزِيمَة وخلوص النِّيَّة فَإِن وجد وجد الثَّوَاب وَإِلَّا فَلَا ومبنى الثَّانِي على وجود الْأَركان والشرائط الْمُعْتَبرَة فِي الشَّرْع حَتَّى لَو وجدت صَحَّ وَإِلَّا فَلَا سَوَاء اشْتَمَل على صدق الْعَزِيمَة أَولا وَإِذا صَار اللَّفْظ مجَازًا عَن النَّوْعَيْنِ الْمُخْتَلِفين كَانَ مُشْتَركا بَينهمَا بِحَسب الْوَضع النوعي فَلَا يجوز إرادتهما جَمِيعًا أما عندنَا فَلِأَن الْمُشْتَرك لَا عُمُوم لَهُ وَأما عِنْد الشَّافِعِي فَلِأَن الْمجَاز لَا عُمُوم لَهُ بل يجب حمله على أحد النَّوْعَيْنِ فَحَمله الشَّافِعِي على النَّوْع الثَّانِي بِنَاء على أَن الْمَقْصُود الأهم من بعثة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيَان الْحل وَالْحُرْمَة وَالصِّحَّة وَالْفساد وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ أقرب إِلَى الْفَهم فَيكون الْمَعْنى أَن صِحَة الْأَعْمَال لَا تكون إِلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا يجوز الْوضُوء بِدُونِهَاوَحمله أَبُو حنيفَة على النَّوْع الأول أَي ثَوَاب الْأَعْمَال لَا يكون إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَذَلِكَ لوَجْهَيْنِ الأول أَن الثَّوَاب ثَابت اتِّفَاقًا إِذْ لَا ثَوَاب بِدُونِ النِّيَّة فَلَو أُرِيد الصِّحَّة أَيْضا يلْزم عُمُوم الْمُشْتَرك أَو الْمجَاز الثَّانِي أَنه لَو حمل على الثَّوَاب لَكَانَ بَاقِيا على عُمُومه إِذْ لَا ثَوَاب بِدُونِ النِّيَّة أصلا بِخِلَاف الصِّحَّة فَإِنَّهَا قد تكون بِدُونِ النِّيَّة كَالْبيع وَالنِّكَاح وفرعت الشَّافِعِيَّة على أصلهم مسَائِل مِنْهَا أَن بَعضهم أوجب النِّيَّة فِي غسل النَّجَاسَة لِأَنَّهُ عمل وَاجِب قَالَ الرَّافِعِيّ ويحكى عَن ابْن سُرَيج وَبِه قَالَ أَبُو سهل الصعلوكي فِيمَا حَكَاهُ صَاحب التَّتِمَّة وَحكى ابْن الصّلاح وَجها ثَالِثا أَنَّهَا تجب لإِزَالَة النَّجَاسَة الَّتِي على الْبدن دون الثَّوْب وَقد رد ذَلِك بحكاية الْإِجْمَاع فقد حكى الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي وَالْبَغوِيّ فِي التَّهْذِيب أَن النِّيَّة لَا تشْتَرط فِي إِزَالَة النَّجَاسَة قَالَ الرَّوْيَانِيّ لَا يَصح النَّقْل فِي الْبَحْر عِنْدِي عَنْهُمَا أَي عَن ابْن سُرَيج والصعلوكي وَإِنَّمَا لم يشترطوا النِّيَّة فِي إِزَالَة النَّجَاسَة لِأَنَّهَا من بَاب التروك فَصَارَ كَتَرْكِ الْمعاصِي. وَقَالَ بعض الأفاضل وَقد يعْتَرض على هَذَا التَّعْلِيل لِأَن الصَّوْم من بَاب التروك أَيْضا وَهَذَا لَا يبطل بالعزم على قطعه وَقد أَجمعُوا على وجوب النِّيَّة فِيهِ قلت التروك إِذا كَانَ الْمَقْصُود فِيهَا امْتِثَال أَمر الشَّارِع وَتَحْصِيل الثَّوَاب فَلَا بُد من النِّيَّة فِيهَا وَإِن كَانَت لإِسْقَاط الْعَذَاب فَلَا يحْتَاج إِلَيْهَا فالتارك للمعاصي مُحْتَاج فِيهَا لتَحْصِيل الثَّوَاب إِلَى النِّيَّة. قَوْله وَقد أَجمعُوا على وجوب النِّيَّة فِيهِ نظر لِأَن عَطاء ومجاهدا لَا يريان وجوب النِّيَّة فِيهِ إِذا كَانَ فِي رَمَضَان وَمِنْهَا اشْتِرَاط النِّيَّة فِي الْخطْبَة فِيهِ وَجْهَان للشَّافِعِيَّة كهما فِي الْأَذَان قَالَه الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر. وَفِي الرَّافِعِيّ فِي الْجُمُعَة أَن القَاضِي حُسَيْن حكى اشْتِرَاط نِيَّة الْخطْبَة وفرضيتها كَمَا فِي الصَّلَاة وَمِنْهَا أَنه إِذا نذر اعْتِكَاف مُدَّة متتابعة لزمَه. وَأَصَح الْوَجْهَيْنِ عِنْدهم أَنه لَا يجب التَّتَابُع بِلَا شَرط فعلي هَذَا لَو نوى التَّتَابُع بِقَلْبِه فَفِي لُزُومه وَجْهَان أصَحهمَا لَا كَمَا لَو نذر أصل الِاعْتِكَاف بِقَلْبِه كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن صَحِيح الْبَغَوِيّ وَغَيره قَالَ الرَّوْيَانِيّ وَهُوَ ظَاهر نقل الْمُزنِيّ قَالَ وَالصَّحِيح عِنْدِي اللُّزُوم لِأَن النِّيَّة إِذا اقترنت بِاللَّفْظِ عملت كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق وَنوى ثَلَاثًا وَمِنْهَا إِذا أَخذ الْخَوَارِج الزَّكَاة اعْتد بهَا على الْأَصَح ثَالِثهَا إِن أخذت قهرا فَنعم وَإِلَّا فَلَا وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ ابْن بطال وَمِمَّا يجزىء بِغَيْر نِيَّة مَا قَالَه مَالك أَن الْخَوَارِج إِن أخذُوا الزَّكَاة من النَّاس بالقهر وَالْغَلَبَة أَجْزَأت عَمَّن أخذت مِنْهُ لِأَن أَبَا بكر وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أخذُوا الزَّكَاة من أهل الرِّدَّة بالقهر وَالْغَلَبَة وَلَو لم يجزىء عَنْهُم مَا أخذت مِنْهُم وَقَالَ ابْن بطال وَاحْتج من خالفهم وَجعل حَدِيث النِّيَّة على الْعُمُوم أَن أَخذ الْخَوَارِج الزَّكَاة غَلَبَة لَا يَنْفَكّ الْمَأْخُوذ مِنْهُ أَنه عَن الزَّكَاة وَقد أجمع الْعلمَاء أَن أَخذ الإِمَام الظَّالِم لَهَا يُجزئهُ فالخارجي فِي معنى الظَّالِم لأَنهم من أهل الْقبْلَة وَشَهَادَة التَّوْحِيد وَأما أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَلم يقْتَصر على أَخذ الزَّكَاة من أهل الرِّدَّة بل قصد حربهم وغنيمة أَمْوَالهم وَسَبْيهمْ لكفرهم وَلَو قصد أَخذ الزَّكَاة فَقَط لرد عَلَيْهِم مَا فضل عَنْهَا من أَمْوَالهم وَمِنْهَا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ كَمَا نَقله الرَّوْيَانِيّ عَن القَاضِي أبي الطّيب عَنهُ قد قيل أَن من صرح بِالطَّلَاق وَالظِّهَار وَالْعِتْق وَلم يكن لَهُ نِيَّة فِي ذَلِك لم يلْزمه فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى طَلَاق وَلَا ظِهَار وَلَا عتق وَيلْزمهُ فِي الحكم وَمِنْهَا أَن لَو قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق يَظُنهَا أَجْنَبِيَّة طلقت زَوجته لمصادفة مَحَله. وَفِي عَكسه تردد لبَعض الْعلمَاء مأخذه إِلَى النِّيَّة وَإِلَى فَوَات الْمحل فَلَو قَالَ لرقيق أَنْت حر يَظُنّهُ أَجْنَبِيّا عتق وَفِي عَكسه التَّرَدُّد الْمَذْكُور وَمِنْهَا لَو وطىء امْرَأَة يَظُنهَا أَجْنَبِيَّة فَإِذا هِيَ مُبَاحَة لَهُ أَثم وَلَو اعتقدها زَوجته أَو أمته فَلَا إِثْم وَكَذَا لَو شرب مُبَاحا يَعْتَقِدهُ حَرَامًا أَثم وَبِالْعَكْسِ لَا يَأْثَم وَمثله مَا إِذا قتل من يَعْتَقِدهُ مَعْصُوما فَبَان لَهُ أَنه مُسْتَحقّ دَمه أَو أتلف مَا لَا يَظُنّهُ لغيره فَبَان ملكه وَمِنْهَا اشْتِرَاط النِّيَّة لسجود التِّلَاوَة لِأَنَّهُ عبَادَة وَهُوَ قَول الْجُمْهُور خلافًا لبَعْضهِم وَمِنْهَا استدلوا بِهِ على وجوب النِّيَّة على الْغَاسِل فِي غسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ عبَادَة وَغسل وَاجِب وَهُوَ أحد الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي وَيدل عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي على وجوب غسل الغريق وَأَنه لَا يَكْفِي إِصَابَة المَاء لَهُ وَلَكِن أصح الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر أَنه لَا تجب النِّيَّة على الْغَاسِل وَمِنْهَا أَنه لَا يجب على الزَّوْج النِّيَّة إِذا غسل زَوجته الْمَجْنُونَة من حيض أَو نِفَاس أَو الذِّمِّيَّة إِذا امْتنعت فغسلها الزَّوْج وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق فِي مَسْأَلَة الْمَجْنُونَة وَأما الذِّمِّيَّة المتمنعة فَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب الظَّاهِر أَنه على الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَجْنُونَة بل قد جزم ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة فِي غسل الذِّمِّيَّة لزَوجهَا الْمُسلم أَن الْمُسلم هُوَ الَّذِي يَنْوِي وَلَكِن الَّذِي صَححهُ النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيقفِي الذِّمِّيَّة غير الممتنعة اشْتِرَاط النِّيَّة عَلَيْهَا نَفسهَا وَمِنْهَا أَنهم قَالُوا لما علم أَن مَحل النِّيَّة الْقلب فَإِذا اقْتصر عَلَيْهِ جَازَ إِلَّا فِي الصَّلَاة على وَجه شَاذ لَهُم لَا يعبأ بِهِ وَإِن اقْتصر على اللِّسَان لم يجز إِلَّا فِي الزَّكَاة على وَجه شَاذ أَيْضا وَإِن جمع بَينهمَا فَهُوَ آكِد واشترطوا الْمُقَارنَة فِي جَمِيع النيات الْمُعْتَبرَة إِلَّا الصَّوْم للْمَشَقَّة وَإِلَّا الزَّكَاة فَإِنَّهُ يجوز تَقْدِيمهَا قبل وَقت إعطائها قيل وَالْكَفَّارَات فَإِنَّهُ يجوز تَقْدِيمهَا قبل الْفِعْل والشروع ثمَّ هَل يشْتَرط استحضار النِّيَّة أول كل عمل وَإِن قل وتكرر فعله مُقَارنًا لأوله فِيهِ مَذَاهِب أَحدهَا نعم وَثَانِيها يشْتَرط ذَلِك فِي أَوله وَلَا يشْتَرط إِذا تكَرر بل يَكْفِيهِ أَن يَنْوِي أول كل عمل وَلَا يشْتَرط تكرارها فِيمَا بعد وَلَا مقارنتها وَلَا الِاتِّصَال. وَثَالِثهَا يشْتَرط الْمُقَارنَة دون الِاتِّصَال. وَرَابِعهَا يشْتَرط الِاتِّصَال وَهُوَ أخص من الْمُقَارنَة وَهَذِه الْمذَاهب رَاجِعَة إِلَى أَن النِّيَّة جُزْء من الْعِبَادَة أَو شَرط لصحتها وَالْجُمْهُور على الأول وَلَا وَجه للثَّانِي. وَإِذا أشرك فِي الْعِبَادَة غَيرهَا من أَمر دُنْيَوِيّ أَو رِيَاء فَاخْتَارَ الْغَزالِيّ اعْتِبَار الْبَاعِث على الْعَمَل فَإِن كَانَ الْقَصْد الدنيوي هُوَ الْأَغْلَب لم يكن لَهُ فِيهِ أجر وَإِن كَانَ الْقَصْد الديني هُوَ الْأَغْلَب كَانَ لَهُ الْأجر بِقَدرِهِ وَإِن تَسَاويا تساقطا وَاخْتَارَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام أَنه لَا أجر فِيهِ مُطلقًا سَوَاء تساوى القصدان أَو اخْتلفَا وَقَالَ المحاسبي إِذا كَانَ الْبَاعِث الديني أقوى بَطل عمله وَخَالف فِي ذَلِك الْجُمْهُور. وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ إِذا كَانَ ابْتِدَاء الْعَمَل لله لم يضرّهُ مَا عرض بعده فِي نَفسه من عجب. هَذَا قَول عَامَّة السّلف رَحِمهم الله الثَّانِي من الاستنباط احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أَن من أحرم بِالْحَجِّ فِي غير أشهر الْحَج أَنه لَا ينْعَقد عمْرَة لِأَنَّهُ لم ينوها فَإِنَّمَا لَهُ مَا نَوَاه وَهُوَ أحد أَقْوَال الشَّافِعِي إِلَّا أَن الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة قَالُوا ينْعَقد إِحْرَامه بِالْحَجِّ وَلكنه يكره وَلم يخْتَلف قَول الشَّافِعِي أَنه لَا ينْعَقد بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا اخْتلف قَوْله هَل يتَحَلَّل بِأَفْعَال الْعمرَة وَهُوَ قَوْله الْمُتَقَدّم أَو ينْعَقد إِحْرَامه عمْرَة وَهُوَ نَصه فِي الْمُخْتَصر وَهُوَ الَّذِي صَححهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فعلى القَوْل الأول لَا تسْقط عَنهُ عمْرَة الْإِسْلَام وعَلى القَوْل الَّذِي نَص عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصر تسْقط عَنهُ عمْرَة الْإِسْلَام الثَّالِث احْتج بِهِ مَالك فِي اكتفائه بنية وَاحِدَة فِي أول شهر رَمَضَان وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد لِأَن كُله عبَادَة وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة لَا بُد من النِّيَّة لكل يَوْم لِأَن صَوْم كل يَوْم عبَادَة مُسْتَقلَّة بذاتها فَلَا يَكْتَفِي بنية وَاحِدَة الرَّابِع احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَمَالك فِي أَن الصرورة يَصح حجه عَن غَيره وَلَا يَصح عَن نَفسه لِأَنَّهُ لم يُنَوّه عَن نَفسه وَإِنَّمَا لَهُ مَا نَوَاه وَذهب الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ إِلَى أَنه لَا ينْعَقد عَن غَيره وَيَقَع ذَلِك عَن نَفسه والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم (فَإِن قيل) روى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يَقُول لبيْك عَن شبْرمَة فَقَالَ أحججت قطّ قَالَ لَا قَالَ فَاجْعَلْ هَذِه عَن نَفسك ثمَّ حج عَن شبْرمَة وَهَذِه رِوَايَة ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد حج عَن نَفسك ثمَّ حج عَن شبْرمَة قلت قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الصَّحِيح من الرِّوَايَة اجْعَلْهَا فِي نَفسك ثمَّ حج عَن شبْرمَة فَإِن قلت كَيفَ يَأْمُرهُ بذلك وَالْإِحْرَام وَقع عَن الأول قلت يحْتَمل أَنه كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام حِين لم يكن الْإِحْرَام لَازِما على مَا رُوِيَ عَن بعض الصَّحَابَة أَنه تحلل فِي حجَّة الْوَدَاع عَن الْحَج بِأَفْعَال الْعمرَة فَكَانَ يُمكنهُ فسخ الأول وَتَقْدِيم حج نَفسه وَقد اسْتدلَّ بَعضهم لأبي حنيفَة وَمن مَعَه بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يُلَبِّي عَن أَبِيه فَقَالَ أَيهَا الملبي عَن أَبِيه احجج عَن نَفسك ثمَّ قَالَ هَذَا ضَعِيف فِيهِ الْحسن بن عمَارَة وَهُوَ مَتْرُوك قلت مَا اسْتدلَّ أَبُو حنيفَة إِلَّا بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم أَن امْرَأَة من خثعم قَالَت يَا رَسُول الله إِن أبي أَدْرَكته فَرِيضَة الْحَج وَإنَّهُ شيخ كَبِير لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ قَالَ نعم حجي عَن أَبِيك وَفِي لفظ أخرجه أَحْمد لَو كَانَ على أَبِيك دين فقضيته عَنهُ كَانَ يجْزِيه قَالَت نعم قَالَ فحجي عَن أَبِيك وَلم يستفسر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل حججْت أم لَا الْخَامِس قَالَت الشَّافِعِيَّة فِيهِ حجَّة على أبي حنيفَة حَيْثُ ذهب إِلَى أَن الْمُقِيم إِذا نوى فِي رَمَضَان صَوْم قَضَاء أَو كَفَّارَة أَو تطوع وَقع عَن رَمَضَان قَالُوا أَنه وَقع عَن غير رَمَضَان إِذْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا نَوَاه وَلم ينْو صَوْمرَمَضَان وتعينه شرعا لَا يُغني عَن نِيَّة الْمُكَلف لأَدَاء مَا كلف بِهِ وَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَنه لَا بُد من تعْيين رَمَضَان لظَاهِر الحَدِيث قلت هَذَا نوى عبَادَة الصَّوْم فَحصل لَهُ ذَلِك وَالْفَرْض فِيهِ مُتَعَيّن فيصاب بِأَصْل النِّيَّة كالمتوحد فِي الدَّار يصاب باسم جنسه وَقَوْلهمْ لَا بُد من تعْيين رَمَضَان لظَاهِر الحَدِيث غير صَحِيح لِأَن ظَاهر حَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ لَا يدل على تعْيين رَمَضَان وَإِنَّمَا يدل على وجوب مُطلق النِّيَّة فِي الْعِبَادَات وَقد وجد مُطلق النِّيَّة كَمَا قُلْنَا السَّادِس احتجت بِهِ بعض الشَّافِعِيَّة على أبي حنيفَة فِي ذَهَابه إِلَى أَن الْكَافِر إِذا أجنب أَو أحدث فاغتسل أَو تَوَضَّأ ثمَّ أسلم أَنه لَا تجب إِعَادَة الْغسْل وَالْوُضُوء عَلَيْهِ وَقَالُوا هُوَ وَجه لبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي وَخَالف الْجُمْهُور فِي ذَلِك فَقَالُوا تجب إِعَادَة الْغسْل وَالْوُضُوء عَلَيْهِ لِأَن الْكَافِر لَيْسَ من أهل الْعِبَادَة وَبَعْضهمْ يعلله بِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل النِّيَّة. قلت هَذَا مَبْنِيّ على اشْتِرَاط النِّيَّة فِي الْوضُوء عِنْدهم وَعدم اشْتِرَاطهَا عِنْده وَلما ثَبت ذَلِك عِنْده بالبراهين لم يبْق للاحتجاج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور عَلَيْهِ وَجه السَّابِع احْتَجُّوا بِهِ على الْأَوْزَاعِيّ فِي ذَهَابه إِلَى أَن الْمُتَيَمم لَا تجب لَهُ النِّيَّة أَيْضا كالمتوضأ. قلت لَهُ أَن يَقُول التَّيَمُّم عبارَة عَن الْقَصْد وَهُوَ النِّيَّة وَقد رد عَلَيْهِ بَعضهم بقوله ورد عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع على أَن الْجنب لَو سقط فِي المَاء غافلا عَن كَونه جنبا أَنه لَا ترْتَفع جنابته قطعا فلولا وجوب النِّيَّة لما توقف صِحَة غسله عَلَيْهَا قلت دَعْوَى الْإِجْمَاع مَرْدُودَة لِأَن الْحَنَفِيَّة قَالُوا بِرَفْع الْجَنَابَة فِي هَذِه الصُّورَة الثَّامِن احْتج بِهِ طَائِفَة من الشَّافِعِيَّة فِي اشْتِرَاط النِّيَّة لسَائِر أَرْكَان الْحَج من الطّواف وَالسَّعْي وَالْوُقُوف وَالْحلق وَهَذَا مَرْدُود لِأَن نِيَّة الْإِحْرَام شَامِلَة لهَذِهِ الْأَركان فَلَا تحْتَاج إِلَى نِيَّة أُخْرَى كأركان الصَّلَاة التَّاسِع احْتج بِهِ الْخطابِيّ على أَن الْمُطلق إِذا طلق بِصَرِيح لفظ الطَّلَاق وَنوى عددا من أعداد الطَّلَاق كمن قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق وَنوى ثَلَاثًا كَانَ مَا نَوَاه من الْعدَد وَاحِدَة أَو اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد وَعند أبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَاحِدَة قلت استدلوا بقوله تَعَالَى {{وبعولتهن أَحَق بردهن}} أثبت لَهُ حق الرَّد فَلَا تتَحَقَّق الْحُرْمَة الغليظة وَلَا يَصح الِاحْتِجَاج بِالْحَدِيثِ بِأَنَّهُ نوى مَا لَا يحْتَملهُ لَفظه فَلم يتَنَاوَلهُ الحَدِيث فَلَا تصح نِيَّته كَمَا لَو قَالَ زوري أَبَاك الْعَاشِر احتجت بِهِ بعض الشَّافِعِيَّة على الْحَنَفِيَّة فِي قَوْلهم فِي الْكِنَايَة فِي الطَّلَاق كَقَوْلِه أَنْت بَائِن أَنه إِن نوى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة بَائِنَة وَإِن نوى الطَّلَاق وَلم ينْو عددا فَهِيَ وَاحِدَة بَائِنَة أَيْضا قَالُوا الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم وَذهب الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور إِلَى أَنه إِن نوى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ كَذَلِك وَإِن لم ينْو عددا فَهِيَ وَاحِدَة رَجْعِيَّة قلت هَذَا الْكَلَام لَا يحْتَمل الْعدَد لِأَنَّهُ يتركب من الْأَفْرَاد وَهَذَا فَرد وَبَين الْعدَد والفرد مُنَافَاة فَإِذا نوى الْعدَد فقد نوى مَا لَا يحْتَملهُ كَلَامه فَلَا يَصح فَلَا يتَنَاوَلهُ الحَدِيث فَإِذا لَا يصير حجَّة عَلَيْهِم الْحَادِي عشر فِيهِ رد على المرجئة فِي قَوْلهم الْإِيمَان إِقْرَار بِاللِّسَانِ دون الِاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ الثَّانِي عشر احْتج بِهِ بَعضهم على أَنه لَا يُؤَاخذ بِهِ النَّاسِي والمخطىء فِي الطَّلَاق وَالْعتاق وَنَحْوهمَا لِأَنَّهُ لَا نِيَّة لَهما قلت يُؤَاخذ المخطىء فَيصح طَلَاقه حَتَّى لَو قَالَ اسْقِنِي مثلا فَجرى على لِسَانه أَنْت طَالِق وَقع الطَّلَاق لِأَن الْقَصْد أَمر بَاطِن لَا يُوقف عَلَيْهِ فَلَا يتَعَلَّق الحكم لوُجُود حَقِيقَته بل يتَعَلَّق بِالسَّبَبِ الظَّاهِر الدَّال وَهُوَ أَهْلِيَّة الْقَصْد بِالْعقلِ وَالْبُلُوغ. فَإِن قيل يَنْبَغِي على هَذَا أَن يَقع طَلَاق النَّائِم قلت الْمَانِع هُوَ الحَدِيث أَيْضا فالنوم يُنَافِي أصل الْعَمَل بِالْعقلِ لِأَن النّوم مَانع عَن اسْتِعْمَال نور الْعقل فَكَانَت أَهْلِيَّة الْقَصْد مَعْدُومَة بِيَقِين فَافْهَم الثَّالِث عشر فِيهِ حجَّة على بعض الْمَالِكِيَّة من أَنهم لَا يدينون من سبق لِسَانه إِلَى كلمة الْكفْر إِذا ادّعى ذَلِك وَخَالفهُم الْجُمْهُور وَيدل لذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من قصَّة الرجل الَّذِي ضلت رَاحِلَته ثمَّ وجدهَا فَقَالَ من شدَّة الْفَرح اللَّهُمَّ أَنْت عَبدِي وَأَنا رَبك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخطَأ من شدَّة الْفَرح الرَّابِع عشر فِيهِ أَنه لَا تصح الْعِبَادَة من الْمَجْنُون لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل النِّيَّة كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج وَنَحْوهَا وَلَا عقوده كَالْبيع وَالْهِبَة وَالنِّكَاح وَكَذَلِكَ لَا يَصح مِنْهُ الطَّلَاق وَالظِّهَار وَاللّعان وَالْإِيلَاء وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقود وَلَا الْحُدُود الْخَامِس عشر فِيهِ حجَّة لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق فِي عدم وجوب الْقود فِي شبه الْعمد لِأَنَّهُ لم ينْو قَتله إِلَّا أَنهم اخْتلفُوا فِي الدِّيَة فَجَعلهَا الشَّافِعِي وَمُحَمّد بن الْحسن أَثلَاثًا وَجعلهَا الْبَاقُونَ أَربَاعًا وَجعلهَا أَبُو ثَوْر أَخْمَاسًا وَأنكر مَالك شبه الْعمد وَقَالَ لَيْسَ فِي كتاب الله إِلَّا الْخَطَأ والعمد فَأَما شبه الْعمد فَلَا نعرفه وَاسْتدلَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عمر مَرْفُوعا إِلَّا أَن دِيَة الْخَطَأ شبه الْعمد مَا كَانَ بِالسَّوْطِوالعصا مائَة من الْإِبِل الحَدِيث السَّادِس عشر فِي قَول عَلْقَمَة سَمِعت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ على الْمِنْبَر يَقُول رد لقَوْل من يَقُول أَن الْوَاحِد إِذا ادّعى شَيْئا كَانَ فِي مجْلِس جمَاعَة لَا يُمكن أَن ينْفَرد بِعِلْمِهِ دون أهل الْمجْلس وَلَا يقبل حَتَّى يُتَابِعه عَلَيْهِ غَيره لما قَالَه بعض الْمَالِكِيَّة مستدلين بِقصَّة ذِي الْيَدَيْنِ السَّابِع عشر فِيهِ أَنه لَا بَأْس للخطيب أَن يُورد أَحَادِيث فِي أثْنَاء خطبَته وَقد فعل بذلك الْخُلَفَاء الراشدون رَضِي الله عَنْهُم الثَّامِن عشر اخْتلفُوا فِي قَوْله الْأَعْمَال فَقَالَ بَعضهم هِيَ مُخْتَصَّة بالجوارح وأخرجوا الْأَقْوَال وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه يتَنَاوَل فعل الْجَوَارِح والقلوب والأقوال وَقَالَ بعض الشَّارِحين الْأَعْمَال ثَلَاثَة بدني وقلبي ومركب مِنْهُمَا فَالْأول كل عمل لَا يشْتَرط فِيهِ النِّيَّة كرد الْمَغْصُوب والعواري والودائع والنفقات وَالثَّانِي كالاعتقادات وَالْحب فِي الله والبغض فِيهِ وَمَا أشبه ذَلِك وَالثَّالِث كَالْوضُوءِ وَالصَّلَاة وَالْحج وكل عبَادَة بدنية يشْتَرط فِيهَا النِّيَّة قولا كَانَت أَو فعلا. فَإِن قيل النِّيَّة أَيْضا عمل لِأَنَّهُ من أَعمال الْقلب فَإِن احْتَاجَ كل عمل إِلَى نِيَّة فالنية أَيْضا تحْتَاج إِلَى نِيَّة وهلم جرا قلت المُرَاد بِالْعَمَلِ عمل الْجَوَارِح فِي نَحْو الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَذَلِكَ خَارج عَنهُ بِقَرِينَة الْعقل دفعا للتسلسل فَإِن قلت فَمَا قَوْلك فِي إِيجَاب معرفَة الله تَعَالَى للغافل عَنهُ أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لَا دخل لَهُ فِي الْبَحْث لِأَن المُرَاد تَكْلِيف الغافل عَن تصور التَّكْلِيف لَا عَن التَّصْدِيق بالتكليف وَلِهَذَا كَانَ الْكفَّار مكلفين لأَنهم تصوروا التَّكْلِيف لما قيل لَهُم أَنكُمْ مكلفون وَإِن كَانُوا غافلين عَن التَّصْدِيق وَقَالَ بَعضهم معرفَة الله تَعَالَى لَو توقفت على النِّيَّة مَعَ أَن النِّيَّة قصد الْمَنوِي بِالْقَلْبِ لزم أَن يكون عَارِفًا بِاللَّه قبل مَعْرفَته وَهُوَ محَال (فَائِدَة) قَالَ التَّيْمِيّ النِّيَّة أبلغ من الْعَمَل وَلِهَذَا الْمَعْنى تقبل النِّيَّة بِغَيْر الْعَمَل فَإِذا نوى حَسَنَة فَإِنَّهُ يجزى عَلَيْهَا وَلَو عمل حَسَنَة بِغَيْر نِيَّة لم يجز بهَا فَإِن قيل فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من هم بحسنة وَلم يعملها كتبت لَهُ وَاحِدَة وَمن عَملهَا كتبت لَهُ عشرا وَرُوِيَ أَيْضا أَنه قَالَ نِيَّة الْمُؤمن خير من عمله فالنية فِي الحَدِيث الأول دون الْعَمَل وَفِي الثَّانِي فَوق الْعَمَل وَخير مِنْهُ قُلْنَا أما الحَدِيث الأول فَلِأَن الْهَام بِالْحَسَنَة إِذا لم يعملها خَالف الْعَامِل لِأَن الْهَام لم يعْمل وَالْعَامِل لم يعْمل حَتَّى هم ثمَّ عمل وَأما الثَّانِي فَلِأَن تخليد الله العَبْد فِي الْجنَّة لَيْسَ لعمله وَإِنَّمَا هُوَ لنيته لِأَنَّهُ لَو كَانَ لعمله لَكَانَ خلوده فِيهَا بِقدر مُدَّة عمله أَو أضعافه إِلَّا أَنه جازاه بنيته لِأَنَّهُ كَانَ نَاوِيا أَن يُطِيع الله تَعَالَى أبدا لَو بَقِي أبدا فَلَمَّا اخترمته منيته دون نِيَّته جزاه الله عَلَيْهَا وَكَذَا الْكَافِر لِأَنَّهُ لَو كَانَ يجازى بِعَمَلِهِ لم يسْتَحق التخليد فِي النَّار إِلَّا بِقدر مُدَّة كفره غير أَنه نوى أَن يُقيم على كفره أبدا لَو بَقِي فجزاه على نِيَّته وَقَالَ الْكرْمَانِي أَقُول يحْتَمل أَن يُقَال أَن المُرَاد مِنْهُ أَن النِّيَّة خير من عمل بِلَا نِيَّة إِذْ لَو كَانَ المُرَاد خير من عمل مَعَ النِّيَّة يلْزم أَن يكون الشَّيْء خيرا من نَفسه مَعَ غَيره أَو المُرَاد أَن الْجَزَاء الَّذِي هُوَ للنِّيَّة خير من الْجَزَاء الَّذِي هُوَ للْعَمَل لِاسْتِحَالَة دُخُول الرِّيَاء فِيهَا أَو أَن النِّيَّة خير من جملَة الْخيرَات الْوَاقِعَة بِعَمَلِهِ لِأَن النِّيَّة فعل الْقلب وَفعل الْأَشْرَف أشرف أَو أَن الْمَقْصُود من الطَّاعَات تنوير الْقلب وتنوير الْقلب بهَا أَكثر لِأَنَّهَا صفته أَو أَن نِيَّة الْمُؤمن خير من عمل الْكَافِر لما قيل ورد ذَلِك حِين نوى مُسلم بِنَاء قنطرة فَسبق كَافِر إِلَيْهِ فَإِن قلت هَذَا حكمه فِي الْحَسَنَة فَمَا حكمه فِي السَّيئَة قلت الْمَشْهُور أَنه لَا يُعَاقب عَلَيْهَا بِمُجَرَّد النِّيَّة وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهَا بقوله تَعَالَى {{لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت}} فَإِن اللَّام للخير فجَاء فِيهَا بِالْكَسْبِ الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى تصرف بِخِلَاف على فَإِنَّهَا لما كَانَت للشر جَاءَ فِيهَا بالاكتساب الَّذِي لَا بُد فِيهِ من التَّصَرُّف والمعالجة وَلَكِن الْحق أَن السَّيئَة أَيْضا يُعَاقب عَلَيْهَا بِمُجَرَّد النِّيَّة لَكِن على النِّيَّة لَا على الْفِعْل حَتَّى لَو عزم أحد على ترك صَلَاة بعد عشْرين سنة يَأْثَم فِي الْحَال لِأَن الْعَزْم من أَحْكَام الْإِيمَان ويعاقب على الْعَزْم لَا على ترك الصَّلَاة فَالْفرق بَين الْحَسَنَة والسيئة أَن بنية الْحَسَنَة يُثَاب الناوي على الْحَسَنَة وبنية السَّيئَة لَا يُعَاقب عَلَيْهَا بل على نِيَّتهَا فَإِن قلت من جَاءَ بنية الْحَسَنَة فقد جَاءَ بِالْحَسَنَة وَمن جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا فَيلْزم أَن من جَاءَ بنية الْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا فَلَا يبْقى فرق بَين نِيَّة الْحَسَنَة وَنَفس الْحَسَنَة قلت لَا نسلم أَن من جَاءَ بنية الْحَسَنَة فقد جَاءَ بِالْحَسَنَة بل يُثَاب على الْحَسَنَة فَظهر الْفرق انْتهى. وَقد دلّ مَا رَوَاهُ أَبُو يعلى فِي مُسْنده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يَقُول الله تَعَالَى للحفظة يَوْم الْقِيَامَة اكتبوا لعبدي كَذَا وَكَذَا من الْأجر فَيَقُولُونَ رَبنَا لم نَحْفَظ ذَلِك عَنهُ وَلَا هُوَ فِي صحفنا فَيَقُول إِنَّه نَوَاه على كَون النِّيَّة خيرا من الْعَمَل

    شروح صوتية للحديث

    حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ : " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ

    Narrated 'Umar bin Al-Khattab: I heard Allah's Messenger (ﷺ) saying, "The reward of deeds depends upon the intentions and every person will get the reward according to what he has intended. So whoever emigrated for worldly benefits or for a woman to marry, his emigration was for what he emigrated for

    Telah menceritakan kepada kami [Al Humaidi Abdullah bin Az Zubair] dia berkata, Telah menceritakan kepada kami [Sufyan] yang berkata, bahwa Telah menceritakan kepada kami [Yahya bin Sa'id Al Anshari] berkata, telah mengabarkan kepada kami [Muhammad bin Ibrahim At Taimi], bahwa dia pernah mendengar [Alqamah bin Waqash Al Laitsi] berkata; saya pernah mendengar [Umar bin Al Khaththab] diatas mimbar berkata; saya mendengar Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: "Semua perbuatan tergantung niatnya, dan (balasan) bagi tiap-tiap orang (tergantung) apa yang diniatkan; Barangsiapa niat hijrahnya karena dunia yang ingin digapainya atau karena seorang perempuan yang ingin dinikahinya, maka hijrahnya adalah kepada apa dia diniatkan

    Alkame b. Vakkâs el-Leysî'den: O şöyle demiştir: Ömer İbnu'l-Hattâb'ın minberde şöyle dediğini duydum: Allah Resulü (Sallallahu Aleyhi ve Sellem)’in şunları söylediğini duydum: "Ameller niyetlere göredir ve herkes için niyet ettiğinin karşılığı vardır. Kimin hicreti elde edeceği dünyalığa veya evleneceği bir kadına ise hicreti, hicret ettiği şeyedir. Tekrar: 54, 2529, 3898, 5070, 6689, 6953. Diğer Tahric:: Müslim, imare; Ebu Davud Talak; Tirmizî, cihad; Nesâî, tahare, talak, eymân; İbn Mace, zühd; Ahmed b. Hanbel, I

    کو حمیدی نے یہ حدیث بیان کی، انہوں نے کہا کہ ہم کو سفیان نے یہ حدیث بیان کی، وہ کہتے ہیں ہم کو یحییٰ بن سعید انصاری نے یہ حدیث بیان کی، انہوں نے کہا کہ مجھے یہ حدیث محمد بن ابراہیم تیمی سے حاصل ہوئی۔ انہوں نے اس حدیث کو علقمہ بن وقاص لیثی سے سنا، ان کا بیان ہے کہ میں نے مسجد نبوی میں منبر رسول صلی اللہ علیہ وسلم پر عمر بن خطاب رضی اللہ عنہ کی زبان سے سنا، وہ فرما رہے تھے کہ میں نے جناب رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا آپ صلی اللہ علیہ وسلم فرما رہے تھے کہ تمام اعمال کا دارومدار نیت پر ہے اور ہر عمل کا نتیجہ ہر انسان کو اس کی نیت کے مطابق ہی ملے گا۔ پس جس کی ہجرت ( ترک وطن ) دولت دنیا حاصل کرنے کے لیے ہو یا کسی عورت سے شادی کی غرض ہو۔ پس اس کی ہجرت ان ہی چیزوں کے لیے ہو گی جن کے حاصل کرنے کی نیت سے اس نے ہجرت کی ہے۔

    وَقَوْلُ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِ­­هِ) এ মর্মে আল্লাহ্ তা’আলার বাণীঃ ‘‘নিশ্চয় আমি আপনার প্রতি সেরূপ ওয়াহী প্রেরণ করেছি যেরূপ নূহ ও তাঁর পরবর্তী নবীদের (নবীদের) প্রতি ওয়াহী প্রেরণ করেছিলাম।’’ (সূরাহ্ আন-নিসা ৪/১৬৩) ১. ‘আলক্বামাহ ইবনু ওয়াক্কাস আল-লায়সী (রহ.) হতে বর্ণিত। আমি ‘উমার ইবনুল খাত্তাব (রাঃ)-কে মিম্বারের উপর দাঁড়িয়ে বলতে শুনেছিঃ আমি আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম-কে বলতে শুনেছিঃ কাজ (এর প্রাপ্য হবে) নিয়্যাত অনুযায়ী। আর মানুষ তার নিয়্যাত অনুযায়ী প্রতিফল পাবে। তাই যার হিজরাত হবে ইহকাল লাভের অথবা কোন মহিলাকে বিবাহ করার উদ্দেশে- তবে তার হিজরাত সে উদ্দেশেই হবে, যে জন্যে, সে হিজরাত করেছে।] (৫৪, ২৫২৯, ৩৮৯৮, ৫০৭০, ৬৬৮৯, ৬৯৫৩; মুসলিম ২৩/৪৫ হাঃ ১৯০৭, আহমাদ ১৬৮) ( আধুনিক প্রকাশনী- ১, ইসলামিক ফাউন্ডেশন)

    அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் கூறினார்கள்: எண்ணத்தைப் பொறுத்தே செயல் கள் அமைகின்றன. ஒவ்வொரு மனித ருக்கும் அவர் எண்ணியதுதான் கிடைக் கிறது. ஆகவே, எவரது ‘ஹிஜ்ரத்’ (புலம் பெயர்தல்) அவர் அடைய விரும்பும் உலக (ஆதாய)த்தை, அல்லது அவர் மணக்க விரும்பும் பெண்ணை நோக்கமாகக் கொண்டுள்ளதோ, அவரது ஹிஜ்ரத்(தின் பலனும்) அதுவாகவே இருக்கும்.4 இதை உமர் பின் அல்கத்தாப் (ரலி) அவர்கள் சொற்பொழிவு மேடை (மிம்பர்) மீதிருந்தவாறு அறிவித்தார்கள். அத்தியாயம் :