عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ "
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، ح وحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ ، وَمَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، نَحْوَهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ
[6] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْمُبَارك أخبرنَا يُونُس هُوَ بن يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ نَحْوَهُ أَيْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ حَدَّثَ بِهِ عَبْدَانَ عَنْ يُونُسَ وَحْدَهُ وَحَدَّثَ بِهِ بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ مَعًا أَمَّا بِاللَّفْظِ فَعَنْ يُونُسَ وَأَمَّا بِالْمَعْنَى فَعَنْ معمر قَوْله عبيد الله هُوَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُهُ أَجْوَدَ النَّاسِ بِنَصْبِ أَجْوَدَ لِأَنَّهَا خَبَرُ كَانَ وَقَدَّمَ بن عَبَّاسٍ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى مَا بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِرَاسِ مِنْ مَفْهُومِ مَا بَعْدَهَا وَمَعْنَى أَجْوَدِ النَّاسِ أَكْثَرَ النَّاسِ جُودًا وَالْجُودُ الْكَرَمُ وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ الْحَدِيثَ وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ أَنَا أَجْوَدُ وَلَدِ آدَمَ وَأَجْوَدُهُمْ بَعْدِي رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا فَنَشَرَ عِلْمَهُ وَرَجُلٌ جَادَ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَسَيَأْتِي فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ هُوَ بِرَفْعِ أَجْوَدَ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَأَجْوَدُ اسْمُ كَانَ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ نَحْوُ أَخْطَبُ مَا يَكُونُ الْأَمِيرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ مَا يَكُونُ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَخَبَرُهُ فِي رَمَضَانَ وَالتَّقْدِيرُأَجْوَدُ أَكْوَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبُخَارِيُّ فِي تَبْوِيبِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِذْ قَالَ بَابُ أَجْوَدَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ أَجْوَدَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهَا اسْمَهَا وَأُجِيبَ بِجَعْلِ اسْمِ كَانَ ضَمِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْوَدَ خَبَرَهَا وَالتَّقْدِيرُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةَ كَوْنِهِ فِي رَمَضَانَ أَجْوَدَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ الرَّفْعُ أَشْهَرُ وَالنَّصْبُ جَائِزٌ وَذكر أَنه سَأَلَ بن مَالِكٍ عَنْهُ فَخَرَّجَ الرَّفْعَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَالنّصب من وَجْهَيْن وَذكر بن الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ لِلرَّفْعِ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ تَوَارَدَ مَعَ بن مَالِكٍ مِنْهَا فِي وَجْهَيْنِ وَزَادَ ثَلَاثَةً وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى النَّصْبِ قُلْتُ وَيُرَجِّحُ الرَّفْعَ وُرُودُهُ بِدُونِ كَانَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الصَّوْمِ قَوْلُهُ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ مُدَارَسَةَ الْقُرْآنِ تُجَدِّدُ لَهُ الْعَهْدَ بِمَزِيدِ غِنَى النَّفْسِ وَالْغِنَى سَبَبُ الْجُودِ وَالْجُودُ فِي الشَّرْعِ إِعْطَاءُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الصَّدَقَةِ وَأَيْضًا فَرَمَضَانُ مَوْسِمُ الْخَيْرَاتِ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِيهِ زَائِدَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِرُ مُتَابَعَةَ سُنَّةِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ فَبِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْوَقْتِ وَالْمَنْزُولِ بِهِ وَالنَّازِلِ وَالْمُذَاكَرَةِ حَصَلَ الْمَزِيدُ فِي الْجُودِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ وَزِيدَتْ عَلَى الْمُبْتَدَأِ تَأْكِيدًا أَوْ هِيَ جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ وَالْمُرْسَلَةُ أَيِ الْمُطْلَقَةُ يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاعِ بِالْجُودِ أَسْرَعُ مِنَ الرِّيحِ وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَةً إِلَى دَوَامِ هُبُوبِهَا بِالرَّحْمَةِ وَإِلَى عُمُومِ النَّفْعِ بِجُودِهِ كَمَا تَعُمُّ الرِّيحُ الْمُرْسَلَةُ جَمِيعَ مَا تَهُبُّ عَلَيْهِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ لَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا الْحَثُّ عَلَى الْجُودِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمِنْهَا الزِّيَادَةُ فِي رَمَضَانَ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَفِيهِ زِيَارَةُ الصُّلَحَاءِ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَتَكْرَارُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَزُورُ لايكرهه وَاسْتِحْبَابُ الْإِكْثَارِ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي رَمَضَانَ وَكَوْنُهَا أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الْأَذْكَارِ إِذْ لَوْ كَانَ الذِّكْرُ أَفْضَلَ أَوْ مُسَاوِيًا لَفَعَلَاهُ فَإِنْ قِيلَ الْمَقْصُودُ تَجْوِيدُ الْحِفْظِ قُلْنَا الْحِفْظُ كَانَ حَاصِلًا وَالزِّيَادَةُ فِيهِ تَحْصُلُ بِبَعْضِ الْمَجَالِسِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ قُلْتُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ نُزُولَهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً كَانَ فِي رَمَضَانَ كَمَا ثَبَتَ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ فَكَانَ جِبْرِيلُ يَتَعَاهَدُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَيُعَارِضُهُ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَبِهَذَا يُجَابُ مَنْ سَأَلَ عَنْ مُنَاسَبَةِ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بِالصَّوَابِ
[6] حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قال: وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. [الحديث أطرافه في: 1902، 3220، 3554، 4997]. (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح المهملة هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي بالمهملة والمثناة الفوقية المفتوحتين المروزيّ المتوفى سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين عن ست وسبعين سنة، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم المروزي الإمام المتفق على ثقته وجلالته من تابعي التابعين، وكان والده من الترك مولى لرجل من همدان المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة، (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد بن مشكان الأيليّ (عن الزهريّ) محمد بن مسلم بن شهاب، (قال) أي البخاري وفي الفرع كأصله بدل قال: (ح) مهملة مفردة في الخط مقصورة في النطق على ما جرى عليه رسمهم إذا أرادوا الجمع بين إسنادين فأكثر عند الانتقال من سند لآخر خوف الإلباس، فربما يظن أن السندين واحد، ومذهب الجمهور أنها مأخوذة من التحويل. وقال عبد القادر الرهاوي وتبعه الدمياطي من الحائل الذي يحجز بين الشيئين، وقال ينطق به ومنعه الأوّل. وعن بعض المغاربة يقول بدلها الحديث وهو يشير إلى أنها رمز عنه، وعن خط الصابوني وأبي مسلم الليثي وأبي سعيد الخليلي صح لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط، أو خوف تركيب الإسناد الثاني مع الأوّل فيجعلا إسنادًا واحدًا وزعم بعضهم أنها معجمة أي إسناد آخر فوهم. (وحدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي السختياني وهو مما انفرد البخاري بالرواية عنه عن سائر الكتب الستة وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر نحوه عن الزهري، يعني أن عبد الله بن المبارك حدّث به عبدان عن يونس وحده، وحدّث به بشر بن محمد عن يونس ومعمر معًا، أما باللفظ فعن يونس وأما بالعنى فعن معمر. ومن ثم زاد فيه لفظة نحوه، (قال) أي الزهري: (أخبرني) بل بالإفراد، ولأبي ذر أخبرنا (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بن عتبة بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وفتح الموحدة ابن مسعود الإمام الجليل أحد الفقهاء السبعة التابعي المتوفى بعد ذهاب بصره سنة تسع أو ثمان أو خمس أو أربع وتسعين، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس) بنصب أجود خبر كان أي أجودهم على الإطلاق، (وكان أجود ما يكون) حال كونه (في رمضان) برفع أجود اسم كان، وخبرها محذوف وجوبًا على حد قولك أخطب ما يكون الأمير قائمًا وما مصدرية أي أجود أكوان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رمضان سدّ مسد الخبر أي حاصلاً فيه، أو على أنه مبتدأ مضاف إلى المصدر وهو ما يكون، وما مصدرية وخبره في رمضان تقديره أجود أكوانه عليه الصلاة والسلام حاصل له في رمضان، والجملة كلها خبر كان واسمها ضمير عائد على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وللأصيلي كأبي ذرّ في اليونينية أجود بالنصب خبر كان، وعورض بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها، وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وما حينئذ مصدرية ظرفية، والتقدير كان عليه الصلاة والسلام متصفًا بالأجودية مدة كونه في رمضان مع أنه أجود الناس مطلقًا، وتعقب بأنه إذا كان فيه ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصح أن يكون أجود خبرًا لكان، لأنه مضاف إلى الكون ولا يخبر بكونعما ليس بكون، فيجب أن يجعل مبتدأ وخبره في رمضان والجملة خبر كان اهـ فليتأمل. وقال في المصابيح: ولك مع نصب أجود أن تجعل ما نكرة موصوفة، فيكون في رمضان متعلقًا بكان مع أنها ناقصة بناء على القول بدلالتها على الحدث، وهو صحيح عند جماعة، واسم كان ضمير عائد له عليه الصلاة والسلام أو إلى جوده المفهوم مما سبق، أي وكان عليه الصلاة والسلام أجود شيء يكون، أو وكان جوده في رمضان أجود شيء يكون، فجعل الجود متّصفًا بالأجودية مجازًا كقولهم: شعر شاعر اهـ. والرفع أكثر وأشهر رواية. ولأبي ذر فكان أجود بالفاء بدل الواو، وفي هذه الجملة الإشارة إلى أن جوده عليه الصلاة والسلام في رمضان يفوق على جوده في سائر أوقاته. (حين يلقاه جبريل) عليه السلام، إذ في ملاقاته زيادة ترقيه في المقامات وزيادة اطّلاعه على علوم الله تعالى ولا سيما مع مدارسة القرآن. (وكان) جبريل (يلقاه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجوّز الكرماني أن يكون الضمير المرفوع للنبي والمنصوب لجبريل، ورجح الأوّل العيني لقرينة قوله حين يلقاه جبريل (في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) بالنصب مفعول ثانٍ ليدارسه، على حدّ جاذبته الثوب، والفاء في فيدارسه عاطفة على يلقاه، فبمجموع ما ذكر من رمضاز ومدارسة القرآن وملاقاة جبريل يتضاعف جوده لأن الوقت موسم الخيرات، لأن نعم الله على عباده تربو فيه على غيره، وإنما دارسه بالقرآن لكي يتقرر عنده ويرسخ أتم رسوخ، فلا ينساه. وكان هذا إنجاز وعده تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام حيث قال له: {{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}} [الأعلى: 6]. وقال الطيبي: فيه تخصيص بعد تخصيص على سبيل الترقي فضل أوّلاً جوده مطلقًا على جود الناس كلهم، ثم فضل ثانيًا جود كونه في رمضان على جوده في سائر أوقاته، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل على جوده في رمضان مطلقًا، ثم شبّه جوده بالريح فقال: (فلرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالرفع مبتدأ خبره قوله (أجود بالخير من الريح المرسلة) أي المطلقة، إشارة إلى أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح. وعبر بالرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده عليه الصلاة والسلام كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه، وفيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه، وذلك أنه أثبت له أوّلاً وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح الرسلة، بل جعله أبلغ منها في ذلك لأن الريح قد تسكن. وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي، لأن الجود منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقيقة، ومن الريح مجاز. فكأنه استعار للريح جودًا باعتبار مجيئها بالخير، فأنزلها منزلة من جاد. وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة نطيفة هي أنه لو أخّره لظن تعلقه بالمرسلة. وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد من الوصف بالأجودية إلا أنه تفوت به المبالغة لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح مطلقًا، والفاء في فلرسول الله، وللسببية واللام للابتداء، وزيدت على المبتدأ تأكيدًا أو هي جواب قسم مقدَّر، وحكمة المدارسة ليكون ذلك سنة في عرض القرآن على من هو أحفظ منه، والاجتماع عليه والإكثار منه. وقال الكرماني: لتجويد لفظه، وقال غيره: تجويد حفظه، وتعقب بأن الحفظ كان حاصلاً له والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والتحويل وفيه عدد من المراوزة. وأخرجه المؤلف أيضًا في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفضائل القرآن وبدء الخلق، ومسلم في فضائل النبوّة. ولما فرغ من بدء الوحي شرع يذكر جملة من أوصاف الموحى إليه فقال مما رويته بالسند السابق: باب
[6] (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع قَالَ أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش وَكَانُوا تجارًا بالشأم فِي الْمدَّة الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماد فِيهَا أَبَا سُفْيَان وكفار قُرَيْش فَأتوهُ وهم بإيلياء فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسه وَحَوله عُظَمَاء الرّوم ثمَّ دعاهم ودعا بترجمانه فَقَالَ أَيّكُم أقرب نسبا بِهَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي فَقَالَ أَبُو سُفْيَان فَقلت أَنا أقربهم نسبا فَقَالَ أدنوه مني وقربوا أَصْحَابه فاجعلوهم عِنْد ظَهره ثمَّ قَالَ لِترْجُمَانِهِ قل لَهُم إِنِّي سَائل هَذَا عَن هَذَا الرجل فَإِن كَذبَنِي فَكَذبُوهُ فوَاللَّه لَوْلَا الْحيَاء من أَن يأثروا عَليّ كذبا لكذبت عَنهُ ثمَّ كَانَ أول مَا سَأَلَني عَنهُ أَن قَالَ كَيفَ نسبه فِيكُم قلت هُوَ فِينَا ذُو نسب قَالَ فَهَل قَالَ هَذَا القَوْل مِنْكُم أحد قطّ قبله قلت لَا قَالَ فَهَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك قلت لَا قَالَ فأشراف النَّاس يتبعونه أم ضُعَفَاؤُهُمْ فَقلت بل ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ أيزيدون أم ينقصُونَ قلت بل يزِيدُونَ قَالَ فَهَل يرْتَد أحد مِنْهُم سخطَة لدينِهِ بعد أَن يدْخل فِيهِ قلت لَا قَالَ فَهَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا قَالَ قلت لَا قَالَ فَهَل يغدر قلت لَا وَنحن مِنْهُ فِي مُدَّة لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعل فِيهَا قَالَ وَلم تمكني كلمة أَدخل فِيهَا شَيْئا غير هَذِه الْكَلِمَة قَالَ فَهَل قاتلتموه قلت نعم قَالَ فَكيف كَانَ قتالكم إِيَّاه قلت الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سِجَال ينَال منا وننال مِنْهُ قَالَ مَاذَا يَأْمُركُمْ قلت يَقُول اعبدوا الله وَحده وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا واتركوا مَا يَقُول آباؤكم ويأمرنا بِالصَّلَاةِ والصدق والعفاف والصلة فَقَالَ للترجمان قل لَهُ سَأَلتك عَن نسبه فَذكرت أَنه فِيكُم ذُو نسب فَكَذَلِك الرُّسُل تبْعَث فِي نسب قَومهَا وَسَأَلْتُك هَل قَالَ أحد مِنْكُم هَذَا القَوْل فَذكرت أَن لَا فَقلت لَو كَانَ أحد قَالَ هَذَا القَوْل قبله لَقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله وَسَأَلْتُك هَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك فَذكرت أَن لَا قلت فَلَو كَانَ من آبَائِهِ من ملك قلت رجل يطْلب ملك أَبِيه وَسَأَلْتُك هَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا قَالَ فَذكرت أَن لَا فقد أعرف أَنه لم يكن ليذر الْكَذِب على النَّاس ويكذب على الله وَسَأَلْتُك أَشْرَاف النَّاس اتَّبعُوهُ أم ضُعَفَاؤُهُمْ فَذكرت أَن ضعفاءهم اتَّبعُوهُ وهم أَتبَاع الرُّسُل وَسَأَلْتُك أيزيدون أم ينقصُونَ فَذكرت أَنهم يزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمر الْإِيمَان حَتَّى يتم وَسَأَلْتُك أيرتد أحد سخطَة لدينِهِ بعد أَن يدْخل فِيهِفَذكرت أَن لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَان حِين تخالط بشاشته الْقُلُوب وَسَأَلْتُك هَل يغدر فَذكرت أَن لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُل لَا تغدر وَسَأَلْتُك بِمَا يَأْمُركُمْ فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ أَن تعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وينهاكم عَن عبَادَة الْأَوْثَان ويأمركم بِالصَّلَاةِ والصدق والعفاف فَإِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فسيملك مَوضِع قدمي هَاتين وَقد كنت أعلم أَنه خَارج لم أكن أَظن أَنه مِنْكُم فَلَو أَنِّي أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ لتجشمت لقاءه وَلَو كنت عِنْده لغسلت عَن قَدَمَيْهِ ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بعث بِهِ دحْيَة إِلَى عَظِيم بصرى فَدفعهُ إِلَى هِرقل فقرأه فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين {{وَيَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فقولو اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ}} . قَالَ أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفرغ من قِرَاءَة الْكتاب كثر عِنْده الصخب وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وأخرجنا فَقلت لِأَصْحَابِي حِين اخرجنا لقد أَمر أَمر ابْن أبي كَبْشَة إِنَّه يخافه ملك بني الْأَصْفَر فَمَا زلت موقنا أَنه سَيظْهر حَتَّى أَدخل الله عَليّ الْإِسْلَام وَكَانَ ابْن الناظور صَاحب إيلياء وهرقل سقفا على نَصَارَى الشأم يحدث أَن هِرقل حِين قدم إيلياء أصبح يَوْمًا خَبِيث النَّفس فَقَالَ بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قَالَ ابْن الناظور وَكَانَ هِرقل حزاء ينظر فِي النُّجُوم فَقَالَ لَهُم حِين سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْت اللَّيْلَة حِين نظرت فِي النُّجُوم ملك الْخِتَان قد ظهر فَمن يختتن من هَذِه الْأمة قَالُوا لَيْسَ يختتن إِلَّا الْيَهُود فَلَا يهمنك شَأْنهمْ واكتب إِلَى مَدَائِن ملكك فيقتلوا من فيهم من الْيَهُود فَبَيْنَمَا هم على أَمرهم أُتِي هِرقل بِرَجُل أرسل بِهِ ملك غَسَّان يخبر عَن خبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا استخبره هِرقل قَالَ اذْهَبُوا فانظروا أمختتن هُوَ أم لَا فنظروا إِلَيْهِ فحدثوه أَنه مختتن وَسَأَلَهُ عَن الْعَرَب فَقَالَ هم يختتنون فَقَالَ هِرقل هَذَا ملك هَذِه الْأمة قد ظهر ثمَّ كتب هِرقل إِلَى صَاحب لَهُ برومية وَكَانَ نَظِيره فِي الْعلم وَسَار هِرقل إِلَى حمص فَلم يرم حمص حَتَّى أَتَاهُ كتاب من صَاحبه يُوَافق رَأْي هِرقل على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه نَبِي فَأذن هِرقل لعظماء الرّوم فِي دسكرة لَهُ بحمص ثمَّ أَمر بأبوابها فغلقت ثمَّ اطلع فَقَالَ يَا معشر الرّوم هَل لكم فِي الْفَلاح والرشد وَأَن يثبت ملككم فتبايعوا هَذَا النَّبِي فحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش إِلَى الْأَبْوَاب فوجدوها قد غلقت فَلَمَّا رأى هِرقل نفرتهم وأيس من الْإِيمَان قَالَ ردوهم عَليّ وَقَالَ إِنِّي قلت مَقَالَتي آنِفا أختبر بهَا شدتكم على دينكُمْ فقد رَأَيْت فسجدوا لَهُ وَرَضوا عَنهُ فَكَانَ ذَلِك آخر شَأْن هِرقلوَجه مُنَاسبَة ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب هُوَ أَنه مُشْتَمل على ذكر جمل من أَوْصَاف من يُوحى إِلَيْهِم وَالْبَاب فِي كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي وَأَيْضًا فَإِن قصَّة هِرقل متضمنة كَيْفيَّة حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ابْتِدَاء الْأَمر وَأَيْضًا فَإِن الْآيَة الْمَكْتُوبَة إِلَى هِرقل وَالْآيَة الَّتِي صدر بهَا الْبَاب مشتملتان على أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِإِقَامَة الدّين وإعلان كلمة التَّوْحِيد يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ (بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة وَقد ذكر الزُّهْرِيّ وَعبيد الله بن عبد الله وَابْن عَبَّاس وَبقيت ثَلَاثَة الأول أَبُو الْيَمَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم واسْمه الحكم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف ابْن نَافِع بالنُّون وَالْفَاء الْحِمصِي البهراني مولى امْرَأَة من بهراء بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد يُقَال لَهَا أم سَلمَة روى عَن خلق مِنْهُم إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَعنهُ خلائق مِنْهُم أَحْمد وَيحيى بن معِين وَأَبُو حَاتِم والذهلي ولد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة من اسْمه الحكم بن نَافِع غير هَذَا وَفِي الروَاة الحكم بن نَافِع آخر روى عَنهُ الطَّبَرَانِيّ وَهُوَ قَاضِي القلزم وَالثَّانِي شُعَيْب بن أبي حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي دِينَار الْقرشِي الْأمَوِي مَوْلَاهُم أَبُو بشر الْحِمصِي سمع خلقا من التَّابِعين مِنْهُم الزُّهْرِيّ وَعنهُ خلق وَهُوَ ثِقَة حَافظ متقن مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَقيل ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة وَقد جَاوز السّبْعين وَهَذَا الِاسْم مَعَ أَبِيه من أَفْرَاد الْكتب السِّتَّة لَيْسَ فِيهَا سواهُ وَالثَّالِث أَبُو سُفْيَان واسْمه صَخْر بِالْمُهْمَلَةِ ثمَّ بِالْمُعْجَمَةِ ابْن حَرْب بِالْمُهْمَلَةِ وَالرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة ابْن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي الْأمَوِي الْمَكِّيّ ويكنى بِأبي حَنْظَلَة أَيْضا ولد قبل الْفِيل بِعشر وَأسلم لَيْلَة الْفَتْح وَشهد الطَّائِف وحنينا وَأَعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَنَائِم حنين مائَة من الْإِبِل وَأَرْبَعين أُوقِيَّة وفقئت عينه الْوَاحِدَة يَوْم الطَّائِف وَالْأُخْرَى يَوْم اليرموك تَحت راية ابْنه يزِيد فَنزل بِالْمَدِينَةِ وَمَات بهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَقيل سنة أَربع وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ وَالِد مُعَاوِيَة وَأُخْته صَفِيَّة بنت حزن بن بحير بن الْهدم بن رويبة بن عبد الله بن هِلَال بن عَامر بن صعصعة وَهِي عمَّة مَيْمُونَة بنت الْحَارِث أم الْمُؤمنِينَ روى عَنهُ ابْن عَبَّاس وَابْنه مُعَاوِيَة وَأَبُو سُفْيَان فِي الصَّحَابَة جمَاعَة لَكِن أَبُو سُفْيَان ابْن حَرْب من الْأَفْرَاد (بَيَان الْأَسْمَاء الْوَاقِعَة فِيهِ) مِنْهُم هِرقل بِكَسْر الْهَاء وَفتح الرَّاء على الْمَشْهُور وَحكى جمَاعَة إسكان الرَّاء وَكسر الْقَاف كخندف مِنْهُم الْجَوْهَرِي وَلم يذكر الْقَزاز غَيره وَكَذَا صَاحب المرغب وَلما أنْشد صَاحب الْمُحكم بَيت لبيد بن ربيعَة (غلب اللَّيَالِي خلف آل محرق ... وكما فعلن بتبع وبهرقل) بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الرَّاء قَالَ أَرَادَ هرقلا بِفَتْح الرَّاء فاضطر فَغير والهرقل المنخل وَدلّ هَذَا أَن تسكين الرَّاء ضَرُورَة لَيست بلغَة وَجَاء فِي الشّعْر أَيْضا على الْمَشْهُور كدينار الهرقلي أصفرا وَاحْتج بَعضهم فِي تسكين الرَّاء بِمَا أنْشدهُ أَبُو الْفرج لدعبل بن عَليّ الْخُزَاعِيّ فِي ابْن عباد وَزِير الْمَأْمُون (أولى الْأُمُور بضيعة وَفَسَاد ... أَمر يدبره أَبُو عباد) (وَكَأَنَّهُ من دير هِرقل مفلت ... فَرد يجر سلاسل الأقياد) قلت لَا يحْتَج بدعبل فِي مثل هَذَا وَلَئِن سلمنَا يكون هَذَا أَيْضا للضَّرُورَة وَزعم الجواليقي أَنه عجمي تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب وَهُوَ اسْم علم لَهُ غير منصرف للعلمية والعجمة ملك إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة فَفِي ملكه مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولقبه قَيْصر كَمَا أَن كل من ملك الْفرس يُقَال لَهُ كسْرَى وَالتّرْك يُقَال لَهُ خاقَان والحبشة النَّجَاشِيّ والقبط فِرْعَوْن ومصر الْعَزِيز وحمير تبع والهند دهمى والصين فغفور والزنج غانة واليونان بطلميوس وَالْيَهُود قيطون أَو ماتح والبربر جالوت والصابئة نمْرُود واليمن تبعا وفرعانة إخشيد وَالْعرب من قبل الْعَجم النُّعْمَان وأفريقية جرجير وخلاط شهرمان والسندفور والحزز رتبيل والنوبة كابل والصقالبة ماجدا والأرمن تقفور والأجات خدواند كار وأشروشنه أفشين وخوارزم خوارزم شاه وجرجان صول وآذربيجان أصبهيذ وطبرستان سالار وإقليم خلاط شهرمان ونيابة ملك الرّوم مشق وإسكندرية ملك مقوقس وهرقل أول من ضرب الدِّينَار وأحدثالْبيعَة فَإِن قلت مَا معنى الحَدِيث الصَّحِيح إِذا هلك قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده وَإِذا هلك كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده قلت مَعْنَاهُ لَا قَيْصر بعده بِالشَّام وَلَا كسْرَى بعده بالعراق قَالَه الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر. وَسبب الحَدِيث أَن قُريْشًا كَانَت تَأتي الشَّام وَالْعراق كثيرا للتِّجَارَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا أَسْلمُوا خَافُوا انْقِطَاع سفرهم إِلَيْهِمَا لمخالفتهم أهل الشَّام وَالْعراق بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا قَيْصر وَلَا كسْرَى أَي بعدهمَا فِي هذَيْن الإقليمين وَلَا ضَرَر عَلَيْكُم فَلم يكن قَيْصر بعده بِالشَّام وَلَا كسْرَى بعده بالعراق وَلَا يكون وَمعنى قَيْصر التبقير وَالْقَاف على لغتهم غير صَافِيَة وَذَلِكَ أَن أمه لما أَتَاهَا الطلق بِهِ مَاتَت فبقر بَطنهَا عَنهُ فَخرج حَيا وَكَانَ يفخر بذلك لِأَنَّهُ لم يخرج من فرج وَاسم قَيْصر فِي لغتهم مُشْتَقّ من الْقطع لِأَن أحشاء أمه قطعت حَتَّى أخرج مِنْهَا وَكَانَ شجاعا جبارا مقداما فِي الحروب وَمِنْهُم دحْيَة بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا ابْن خَليفَة بن فَرْوَة بن فضَالة بن زيد بن امرىء الْقَيْس ابْن الْخَزْرَج بخاء مَفْتُوحَة مُعْجمَة ثمَّ زَاي سَاكِنة ثمَّ جِيم وَهُوَ الْعَظِيم واسْمه زيد مَنَاة سمي بذلك لعظم بَطْنه ابْن عَامر بن بكر بن عَامر الْأَكْبَر بن عَوْف وَهُوَ زيد اللات وَقيل ابْن عَامر الْأَكْبَر بن بكر بن زيد اللات وَهُوَ مَا سَاقه الْمزي أَولا قَالَ وَقيل عَامر الْأَكْبَر بن عَوْف بن بكر بن عَوْف بن عبد زيد اللات بن رفيدة بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء بن ثَوْر بن كلب بن وبرة بِفَتْح الْبَاء ابْن تغلب بالغين الْمُعْجَمَة بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء بن قضاعة بن معد بن عدنان وَقيل قضاعة إِنَّمَا هُوَ ابْن مَالك بن حمير بن سبا كَانَ من أجل الصَّحَابَة وَجها وَمن كبارهم وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صورته وَذكر السُّهيْلي عَن ابْن سَلام فِي قَوْله تَعَالَى {{أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}} قَالَ كَانَ اللَّهْو نظرهم إِلَى وَجه دحْيَة لجماله وَرُوِيَ أَنه كَانَ إِذا قدم الشَّام لم تبْق معصر إِلَّا خرجت للنَّظَر إِلَيْهِ قَالَ ابْن سعد أسلم قَدِيما وَلم يشْهد بَدْرًا وَشهد الْمشَاهد بعْدهَا وَبَقِي إِلَى خلَافَة مُعَاوِيَة وَقَالَ غَيره شهد اليرموك وَسكن المزة قَرْيَة بِقرب دمشق ومزة بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه دحْيَة سواهُ وَلم يخرج من السِّتَّة حَدِيثه إِلَّا السجسْتانِي فِي سنَنه وَهُوَ من أَصْحَاب الْمُحدثين قَالَه ابْن البرقي وَقَالَ الْبَزَّار لما سَاق الحَدِيث من طَرِيق عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد عَنهُ لم يحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَمِنْهُم أَبُو كَبْشَة رجل من خُزَاعَة كَانَ يعبد الشعرى العبور وَلم يُوَافقهُ أحد من الْعَرَب على ذَلِك قَالَه الْخطابِيّ وَفِي الْمُخْتَلف والمؤتلف للدارقطني أَن اسْمه وجز بن غَالب من بني غبشان ثمَّ من بني خُزَاعَة وَقَالَ أَبُو الْحسن الْجِرْجَانِيّ النسابة فِي معنى نِسْبَة الْجَاهِلِيَّة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي كَبْشَة إِنَّمَا ذَلِك عَدَاوَة لَهُ ودعوة إِلَى غير نسبه الْمَعْلُوم الْمَشْهُور وَكَانَ وهب بن عبد منَاف بن زهرَة جده أَبُو آمِنَة يكنى بِأبي كَبْشَة وَكَذَلِكَ عَمْرو بن زيد بن أَسد النجاري أَبُو سلمى أم عبد الْمطلب كَانَ يدعى أَبَا كَبْشَة وَهُوَ خزاعي وَكَانَ وجز بن غَالب بن حَارِث أَبُو قيلة أم وهب بن عبد منَاف بن زهرَة أَبُو أم جده لأمه يكنى أَبَا كَبْشَة وَهُوَ خزاعي وَكَانَ أَبوهُ من الرضَاعَة الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى بن رِفَاعَة السَّعْدِيّ يكنى بذلك أَيْضا وَقيل أَنه وَالِد حليمة مرضعته حَكَاهُ ابْن مَاكُولَا وَذكر الْكَلْبِيّ فِي كتاب الدفائن أَن أَبَا كَبْشَة هُوَ حاضن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوج حليمة ظئر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واسْمه الْحَارِث كَمَا سلف وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا وَنقل ابْن التِّين فِي الْجِهَاد عَن الشَّيْخ أبي الْحسن أَن أَبَا كَبْشَة جد ظئر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ قيل أَن فِي أجداده سِتَّة يسمون أَبَا كَبْشَة فَأنْكر ذَلِك (بَيَان الْأَسْمَاء المبهمة) مِنْهَا ابْن الناطور قَالَ القَاضِي هُوَ بطاء مُهْملَة وَعند الْحَمَوِيّ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ أهل اللُّغَة فلَان ناطور بني فلَان وناظرهم بِالْمُعْجَمَةِ المنظور إِلَيْهِ مِنْهُم والناطور بِالْمُهْمَلَةِ الْحَافِظ النّخل عجمي تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب قَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ من النّظر والنبط يجْعَلُونَ الظَّاء طاء وَفِي الْعباب فِي فصل الطَّاء الْمُهْملَة الناطر والناطور حَافظ الْكَرم وَالْجمع النواطير وَقَالَ ابْن دُرَيْد الناطور لَيْسَ بعربي فَافْهَم وَمِنْهَا ملك غَسَّان وَهُوَ الْحَارِث بن أبي شمر أَرَادَ حزب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج إِلَيْهِم فِي غَزْوَة وَنزل قبيل بن كِنْدَة مَاء يُقَال لَهُ غَسَّان بالمشلل فسموا بِهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِي غَسَّان اسْم مَاء نزل عَلَيْهِ قوم من الأزد فنسبوا إِلَيْهِ مِنْهُم بَنو جَفْنَة رَهْط الْمُلُوك وَيُقَال غَسَّان اسْم قَبيلَة وَقَالَ ابْن هِشَام غَسَّان مَاء بسد مأرب وَيُقَال لَهُ مَاءبالمشلل قريب من الْجحْفَة وَحكى المَسْعُودِيّ أَن غَسَّان مَا بَين زبيد وزمع بِأَرْض الْيمن والمشلل بِضَم الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة قَالَ فِي الْعباب جبل يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد وَقَالَ صَاحب الْمطَالع المشلل قديد من نَاحيَة الْبَحْر وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد وَقَالَ صَاحب الْمطَالع المشلل قديد من نَاحيَة الْبَحْر وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد وَمِنْهَا بَنو الْأَصْفَر وهم الرّوم سموا بذلك لِأَن حَبَشِيًّا غلب على ناحيتهم فِي بعض الدهور فوطىء نِسَاءَهُمْ فَولدت أَوْلَادًا فيهم بَيَاض الرّوم وَسَوَاد الْحَبَشَة فَكَانُوا صفرا فنسب الرّوم إِلَى الْأَصْفَر لذَلِك قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي وَقَالَ الْحَرْبِيّ نِسْبَة إِلَى الْأَصْفَر بن الرّوم بن عيصو بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ القَاضِي عِيَاض وَهُوَ الْأَشْبَه وَعبارَة الْقَزاز قَالَ قوم بَنو الْأَصْفَر من الرّوم وهم مُلُوكهمْ وَلذَلِك قَالَ عَليّ بن زيد (وَبَنُو الْأَصْفَر الْكِرَام مُلُوك الر روم ... لم يبْق مِنْهُم مَذْكُور) قَالَ وَيُقَال إِنَّمَا سموا بذلك لِأَن عيصو بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام كَانَ رجلا أَحْمَر أشعر الْجلد كَانَ عَلَيْهِ خَوَاتِيم من شعر وَهُوَ أَبُو الرّوم وَكَانَ الرّوم رجلا أصفر فِي بَيَاض شَدِيد الصُّفْرَة فَمن أجل ذَلِك سموا بِهِ وَتزَوج عيصو بنت عَمه إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام فَولدت لَهُ الرّوم بن عيصو وَخَمْسَة أُخْرَى فَكل من فِي الرّوم فَهُوَ من نسل هَؤُلَاءِ الرَّهْط وَفِي المغيث تزوج الرّوم بن عيصو إِلَى الْأَصْفَر ملك الْحَبَشَة فَاجْتمع فِي وَلَده بَيَاض الرّوم وَسَوَاد الْحَبَشَة فأعطوا جمالا وَسموا ببني الْأَصْفَر وَفِي تَارِيخ دمشق لِابْنِ عَسَاكِر تزوج بهَا طيل الرُّومِي إِلَى النّوبَة فولد لَهُ الْأَصْفَر وَفِي التيجان لِابْنِ هِشَام إِنَّمَا قيل لعيصو بن إِسْحَاق الْأَصْفَر لِأَن جدته سارة حلته بِالذَّهَب فَقيل لَهُ ذَلِك لصفرة الذَّهَب قَالَ وَقَالَ بعض الروَاة أَنه كَانَ أصفر أَي أسمر إِلَى صفرَة وَذَلِكَ مَوْجُود فِي ذُريَّته إِلَى الْيَوْم فَإِنَّهُم سمر كحل الْأَعْين وَفِي خطف البارق كَانَت امْرَأَة ملكت على الرّوم فَخَطَبَهَا كبار دولتها واختصموا فِيهَا فرضوا بِأول دَاخل عَلَيْهِم يَتَزَوَّجهَا فَدخل رجل حبشِي فَتَزَوجهَا فَولدت مِنْهُ ولدا سمته أصفر لصفرته فبنو الْأَصْفَر من نَسْله وَمِنْهَا الرّوم وهم هَذَا الجيل الْمَعْرُوف قَالَ الْجَوْهَرِي هم من ولد الرّوم بن عيصو واحدهم رومي كزنجي وزنج وَلَيْسَ بَين الْوَاحِد وَالْجمع إِلَّا الْيَاء الْمُشَدّدَة كَمَا قَالُوا تَمْرَة وتمر وَلم يكن بَين الْوَاحِد وَالْجمع إِلَّا الْهَاء وَقَالَ الواحدي هم جيل من ولد أرم بن عيص بن إِسْحَاق غلب عَلَيْهِم فَصَارَ كالاسم للقبيلة وَقَالَ الرشاطي الرّوم منسوبون إِلَى رومي بن النبطي ابْن يونان بن يافث بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَهَؤُلَاءِ الرّوم من اليونانيين وَقوم من الرّوم يَزْعمُونَ أَنهم من قضاعة من تنوخ وبهراء وسليخ وَكَانَت تنوخ أَكْثَرهَا على دين النَّصَارَى وكل هَذِه الْقَبَائِل خَرجُوا مَعَ هِرقل عِنْد خُرُوجهمْ من الشَّام فَتَفَرَّقُوا فِي بِلَاد الرّوم وَمِنْهَا قُرَيْش وهم ولد النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة واسْمه عَامر دون سَائِر ولد كنَانَة وهم مَالك وملكان ومويلك وغزوان وَعمر وعامر أخوة النَّضر لِأَبِيهِ وَأمه وأمهم مرّة بنت مر أُخْت تَمِيم بن مر وَهَذَا قَول الشّعبِيّ وَابْن هِشَام وَأبي عُبَيْدَة وَمعمر بن الْمثنى وَهُوَ الَّذِي ذكره الْجَوْهَرِي وَرجحه السَّمْعَانِيّ وَغَيره قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَقَالَ الرَّافِعِيّ قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور هُوَ قَول أَكثر النسابين وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَهُوَ أصح مَا قيل وَقيل أَن قُريْشًا بَنو فهر بن مَالك وفهر جماع قُرَيْش وَلَا يُقَال لمن فَوْقه قرشي وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ كناني رَجحه الزبيدِيّ بن بكار وَحَكَاهُ عَن عَمه مُصعب بن عبد الله قَالَ وَهُوَ قَول من أدْركْت من نساب قُرَيْش وَنحن أعلم بأمورنا وأنسابنا وَذكر الرَّافِعِيّ وَجْهَيْن غريبين قَالَ وَمِنْهُم من قَالَ هم ولد الياس بن مُضر وَمِنْهُم من قَالَ هم ولد مُضر بن نزار وَفِي الْعباب قُرَيْش قَبيلَة وأبوهم النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر وكل من كَانَ من ولد النَّضر فَهُوَ قرشي دون ولد كنَانَة وَمن فَوْقه وَقَالَ قوم سميت قُرَيْش بِقُرَيْش بن يخلد بن غَالب بن فهر وَكَانَ صَاحب عيرهم فَكَانُوا يَقُولُونَ قدمت عير قُرَيْش وَخرجت عير قُرَيْش قَالَ الصغاني ذكر إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي غَرِيب الحَدِيث من تأليفه فِي تَسْمِيَة قُرَيْش قُريْشًا سَبْعَة أَقْوَال وَبسط الْكَلَام وَأَنا أجمع ذَلِك مُخْتَصرا فَقَالَ سَأَلَ عبد الْملك أَبَاهُ عَن ذَلِك فَقَالَ لتجمعهم إِلَى الْحرم وَالثَّانِي أَنهم كَانُوا يتقرشون الْبياعَات فيشترونها وَالثَّالِث أَنه جَاءَ النَّضر بن كنَانَة فِي ثوب لَهُ يَعْنِي اجْتمع فِي ثَوْبه فَقَالُوا قد تقرش فِي ثَوْبه وَالرَّابِع قَالُوا جَاءَ إِلَى قومه فَقَالُوا كَأَنَّهُ جمل قُرَيْش أَي شَدِيد وَالْخَامِس أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُم لم سميت قُريْشًا قَالَ بِدَابَّة فِي الْبَحْر تسمى قُريْشًا.وَالسَّادِس قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان سَمِعت أَن قصيا كَانَ يُقَال لَهُ الْقرشِي لم يسم قرشي قبله. وَالسَّابِع قَالَ مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ سميت قُريْشًا لأَنهم كَانُوا يفتشون الْحَاج عَن خلتهم فيسدونها انْتهى. وَقَالَ الزُّهْرِيّ إِنَّمَا نبذت فهرا أمه بِقُرَيْش كَمَا يُسمى الصَّبِي غرارة وشملة وَأَشْبَاه ذَلِك وَقيل من القرش وَهُوَ الْكسْب وَقَالَ الزبير قَالَ عمي سميت قُرَيْش بِرَجُل يُقَال لَهُ قُرَيْش بن بدر بن يخلد بن النَّضر كَانَ دَلِيل بني كنَانَة فِي تجاراتهم فَكَانَ يُقَال قدمت عير قُرَيْش وَأَبوهُ بدر صَاحب بدر الْموضع وَقَالَ غير عمي سميت بِقُرَيْش بن الْحَارِث بن يخلد اسْمه بدر الَّتِي سميت بِهِ بدر وَهُوَ احتفرها وَقَالَ الْكرْمَانِي وَسَأَلَ مُعَاوِيَة ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِمَ سميت قُرَيْش قَالَ بِدَابَّة فِي الْبَحْر تَأْكُل وَلَا تُؤْكَل وَتَعْلُو وَلَا تعلى والتصغير للتعظيم وَقَالَ اللَّيْث القرش الْجمع من هَهُنَا وَهَهُنَا وَضم بعض إِلَى بعض يُقَال قِرْش يقرش قرشا وَقَالَ ابْن عباد قِرْش الشَّيْء خفيقه وصوته يُقَال سَمِعت قرشه أَي وَقع حوافر الْخَيل وقرش الشَّيْء إِذا قطعه وقرضه وَقَالَ غَيره قِرْش بِكَسْر الرَّاء جمع لُغَة فِي فتحهَا والقرش دَابَّة من دَوَاب الْبَحْر وأقرشت الشَّجَّة إِذا صدعت الْعظم وَلم تهشمه والتقريش التحريش والإغراء والتقريش الِاكْتِسَاب وتقرشوا تجمعُوا وتقرش فلَان الشَّيْء إِذا أَخذه أَولا فأولا فَإِن أردْت بِقُرَيْش الْحَيّ صرفته وَإِن أردْت بِهِ الْقَبِيلَة لم تصرفه وَالْأَوْجه صرفه قَالَ تَعَالَى {{لِإِيلَافِ قُرَيْش}} وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ قرشي وقريشي بِالْيَاءِ وحذفها وَمِنْهَا قَوْله إِلَى صَاحب لَهُ يُقَال هُوَ صفاطر الأسقف الرُّومِي وَقيل فِي اسْمه يقاطر (بَيَان أَسمَاء الْأَمَاكِن فِيهِ) قَوْله بالشأم مَهْمُوز وَيجوز تَركه وَفِيه لُغَة ثَالِثَة شآم بِفَتْح الشين وَالْمدّ وَهُوَ مُذَكّر وَيُؤَنث أَيْضا حَكَاهُ الْجَوْهَرِي وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ شَامي وشآم بِالْمدِّ على فعال وشاءمى بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد حَكَاهَا الْجَوْهَرِي عَن سِيبَوَيْهٍ وأنكرها غَيره لِأَن الْألف عوض من يَاء النّسَب فَلَا يجمع بَينهمَا سمى بشامات هُنَاكَ حمر وسود وَقَالَ الرشاطي الشَّام جمع شامة سميت بذلك لِكَثْرَة قراها وتداني بَعْضهَا بِبَعْض فشبهت بالشامات وَقيل سميت بسام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أول من نزلها فَجعلت السِّين شينا وَقَالَ أَبُو عبيد لم يدخلهَا سَام قطّ وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي يجوز أَن يكون مأخوذا من الْيَد الشومى وَهِي الْيُسْرَى لكَونهَا من يسَار الْكَعْبَة وحد الشَّام طولا من الْعَريش إِلَى الْفُرَات وَقيل إِلَى بالس وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي صَحِيحه أول الشَّام بالس وَآخره الْعَريش وَأما حَده عرضا فَمن جبل طي من نَحْو الْقبْلَة إِلَى بَحر الرّوم وَمَا يسامت ذَلِك من الْبِلَاد وَقَالَ ابْن حوقل أما طول الشَّام فَخمس وَعِشْرُونَ مرحلة من ملطية إِلَى رفح. وَأما عرضه فَأَعْرض مَا فِيهِ طرفاه فأحد طَرفَيْهِ من الْفُرَات من جسر منبح على منبح ثمَّ على قورص فِي حد قسرين ثمَّ على العواصم فِي حد أنطاكية ثمَّ مقطع جبل اللكام ثمَّ على المصيصة ثمَّ على أُذُنه ثمَّ على طرسوس وَذَلِكَ نَحْو عشر مراحل وَهَذَا هُوَ السمت الْمُسْتَقيم. وَأما الطّرف الآخر فَهُوَ من حد فلسطين فَيَأْخُذ من الْبَحْر من حد يافا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الرملة ثمَّ إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ إِلَى أرِيحَا ثمَّ إِلَى زعز ثمَّ إِلَى جبل الشراه إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى معَان وَمِقْدَار هَذَا سِتّ مراحل فَأَما مَا بَين هذَيْن الطَّرفَيْنِ من الشَّام فَلَا يكَاد يزِيد عرضه موضعا من الْأُرْدُن ودمشق وحمص على أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ الْملك الْمُؤَيد وَقد عد ابْن حوقل ملطية من جملَة بِلَاد الشَّام وَابْن خرداذية جعلهَا من الثغور الجزيرية وَالصَّحِيح أَنَّهَا من الرّوم ودخله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا ودخله أَيْضا عشرَة آلَاف صَحَابِيّ قَالَه ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه وَقَالَ الْكرْمَانِي دخله نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّتَيْنِ قبل النُّبُوَّة مرّة مَعَ عَمه أبي طَالب وَهُوَ ابْن ثِنْتَيْ عشرَة سنة حَتَّى بلغ بصرى وَهُوَ حِين لقِيه الراهب وَالْتمس الرَّد إِلَى مَكَّة. وَمرَّة فِي تِجَارَة خَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا إِلَى سوق بصرى وَهُوَ ابْن خمس وَعشْرين سنة ومرتين بعد النُّبُوَّة إِحْدَاهمَا لَيْلَة الْإِسْرَاء وَهُوَ من مَكَّة وَالثَّانيَِة فِي غَزْوَة تَبُوك وَهُوَ من الْمَدِينَة قَوْله بإيلياء وَهِي بَيت الْمُقَدّس وَفِيه ثَلَاث لُغَات أشهرها كسر الْهمزَة وَاللَّام وَإِسْكَان الْيَاء آخر الْحُرُوف بَينهمَا وبالمد وَالثَّانيَِة مثلهَا إِلَّا أَنه بِالْقصرِ وَالثَّالِثَة الْيَاء بِحَذْف الْيَاء الأولى وَإِسْكَان اللَّام وبالمد حكاهن ابْن قرقول وَقَالَ قيل مَعْنَاهُ بَيت الله وَفِي الْجَامِع أَحْسبهُ عبرانيا وَيُقَال الإيلياء كَذَا رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي مُسْنده فِي مُسْند ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَيُقَال بَيت الْمُقَدّس وَبَيت الْمُقَدّس قَوْله بصرى بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مَدِينَة حوران مَشْهُورَة ذَات قلعة وَهِي قريبَة من طرف الْعِمَارَة والبرية الَّتِي بَين الشَّام والحجازوضبطها الْملك الْمُؤَيد بِفَتْح الْبَاء وَالْمَشْهُور على السّنة النَّاس بِالضَّمِّ وَلها قلعة ذَات بِنَاء وبساتين وَهِي على أَرْبَعَة مراحل من دمشق مَدِينَة أولية مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ السود وَهِي من ديار بني فَزَارَة وَبني مرّة وَغَيرهم وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فتحت صلحا فِي ربيع الأول لخمس بَقينَ سنة ثَلَاث عشرَة وَهِي أول مَدِينَة فتحت بِالشَّام قَوْله إِلَى مَدَائِن ملكك جمع مَدِينَة وَيجمع أَيْضا على مدن بِإِسْكَان الدَّال وَضمّهَا قَالُوا الْمَدَائِن بِالْهَمْز أفْصح من تَركه وَأشهر وَبِه جَاءَ الْقُرْآن قَالَ الْجَوْهَرِي مدن بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ وَمِنْه سميت الْمَدِينَة وَهِي فعيلة وَقيل مفعلة من دينت أَي ملكت وَقيل من جعله من الأول همزه وَمن الثَّانِي حذفه كَمَا لَا يهمز معايش وَقَالَ الْجَوْهَرِي وَالنِّسْبَة إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مدنِي وَإِلَى مَدِينَة الْمَنْصُور مديني وَإِلَى مداين كسْرَى مدايني للْفرق بَين النّسَب لِئَلَّا تختلط. قلت مَا ذكره مَحْمُول على الْغَالِب وَإِلَّا فقد جَاءَ فِيهِ خلاف ذَلِك كَمَا يَجِيء فِي أثْنَاء الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله بالرومية بِضَم الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء مَدِينَة مَعْرُوفَة للروم وَكَانَت مَدِينَة رياستهم وَيُقَال أَن روماس بناها قلت. قد ذكرت فِي تاريخي أَنَّهَا تسمى رومة أَيْضا وَهِي الرومية الْكُبْرَى وَهِي مَدِينَة مَشْهُورَة على جَانِبي نهر الصغر وَهِي مقرة خَليفَة النَّصَارَى الْمُسَمّى بِالْبَابِ وَهِي على جنوبي حوز البنادقة وبلاد رُومِية غربي قلفرية وَقَالَ الإدريسي طول سورها أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ميلًا وَهُوَ مَبْنِيّ بالآجر وَلها وَاد يشق وسط الْمَدِينَة وَعَلِيهِ قناطير يجاز عَلَيْهَا من الْجِهَة الشرقية إِلَى الغربية وَقَالَ أَيْضا امتداد كنيستها سِتّمائَة ذِرَاع فِي مثله وَهِي مسقفة بالرصاص ومفروشة بالرخام وفيهَا أعمدة كَثِيرَة عَظِيمَة وَفِي صدر الْكَنِيسَة كرْسِي من ذهب يجلس عَلَيْهِ الْبَاب وَتَحْته بَاب مصفح بِالْفِضَّةِ يدْخل مِنْهُ إِلَى أَرْبَعَة أَبْوَاب وَاحِد بعد آخر يُفْضِي إِلَى سرداب فِيهِ مدفن بطرس حوارِي عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي الرومية كَنِيسَة أُخْرَى فِيهَا مدفن بولص قَوْله إِلَى حمص بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الْمِيم بَلْدَة مَعْرُوفَة بِالشَّام سميت باسم رجل من العمالقة اسْمه حمص بن الْمهْر بن حاف كَمَا سميت حلب بحلب بن الْمهْر وَكَانَت حمص فِي قديم الزَّمَان أشهر من دمشق وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ دَخلهَا تِسْعمائَة رجل من الصَّحَابَة افتتحها أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح سنة سِتّ عشرَة قَالَ الجواليقي وَلَيْسَت عَرَبِيَّة تذكر وتؤنث قَالَ الْبكْرِيّ وَلَا يجوز فِيهَا الصّرْف كَمَا يجوز فِي هِنْد لِأَنَّهُ اسْم أعجمي وَقَالَ ابْن التِّين يجوز الصّرْف وَعَدَمه لقلَّة حُرُوفه وَسُكُون وَسطه قلت إِذا أنثته تَمنعهُ من الصّرْف لِأَن فِيهِ حِينَئِذٍ ثَلَاث علل التَّأْنِيث والعجمة والعلمية فَإِذا كَانَ سُكُون وَسطه يُقَاوم أحد السببين يبْقى بسببين أَيْضا وبالسببين يمْنَع من الصّرْف كَمَا فِي ماه وجور وَيُقَال سميت بِرَجُل من عاملة هُوَ أول من نزلها وَقَالَ ابْن حوقل هِيَ أصح بِلَاد الشَّام تربة وَلَيْسَ فِيهَا عقارب وحيات قَوْله فِي دسكرة بِفَتْح الدَّال وَالْكَاف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَهُوَ بِنَاء كالقصر حوله بيُوت وَلَيْسَ بعربي وَهِي بيُوت الْأَعَاجِم وَفِي جَامع الْقَزاز الدسكرة الأَرْض المستوية وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا التبريزي الدسكرة مُجْتَمع الْبَسَاتِين والرياض وَقَالَ ابْن سَيّده الدسكرة الصومعة وَأنْشد الأخطل (فِي قباب حول دسكرة ... حولهَا الزَّيْتُون قد ينعا) وَفِي المغيث لأبي مُوسَى الدسكرة بِنَاء على صُورَة الْقصر فِيهَا منَازِل وبيوت للخدم والحشم وَفِي الْجَامِع الدسكرة تكون للملوك تتنزه فِيهَا وَالْجمع الدساكرة وَقيل الدساكر بيُوت الشَّرَاب وَفِي الْكَامِل للمبرد قَالَ أَبُو عُبَيْدَة هَذَا الشّعْر مُخْتَلف فِيهِ فبعضهم ينْسبهُ إِلَى الْأَحْوَص وَبَعْضهمْ إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة وَقَالَ عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش الَّذِي صَحَّ أَنه ليزِيد وَزعم ابْن السَّيِّد فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بالغرر شرح كَامِل الْمبرد أَنه لأبي دهبل الجُمَحِي وَقَالَ الْحَافِظ مغلطاي بعد أَن نقل أَن الْبَيْت الْمَذْكُور للأخطل وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن هَذَا الْبَيْت لَيْسَ للأخطل وَذَلِكَ أَنِّي نظرت عدَّة رِوَايَات من شعره ليعقوب وَأبي عُبَيْدَة والأصمعي والسكري وَالْحسن بن المظفر النَّيْسَابُورِي فَلم أر فِيهَا هَذَا الْبَيْت وَلَا شَيْئا على رويه قلت قَائِله يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان من قصيدة يتغزل بهَا فِي نَصْرَانِيَّة كَانَت قد ترهبت فِي دير خراب عِنْد الماطرون وَهُوَ بُسْتَان بِظَاهِر دمشق يُسمى الْيَوْم المنطور وأولها (آب هَذَا اللَّيْل فاكتنعا ... وَأمر النّوم فامتنعا) (رَاعيا للنجم ارقبه ... فَإِذا مَا كَوْكَب طلعا)(حَان حَتَّى أنني لَا أرى ... أَنه بالغور قد رجعا) (وَلها بالماطرون إِذا ... أكل النَّمْل الَّذِي جمعا) (خزفة حَتَّى إِذا ارتبعت ... ذكرت من جلق بيعا) (فِي قباب حول دسكرة حو لَهَا ... الزَّيْتُون قد ينعا) وَهِي من الرمل آب أَي رَجَعَ قَوْله فاكتنعا أَي فرسا قَوْله خزفة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة مَا يختزق من التَّمْر أَي يجتني قَوْله ينعا بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالنُّون من ينع التَّمْر يينع من بَاب ضرب يضْرب ينعا وينعا وينوعا إِذا نضج وَكَذَلِكَ أينع (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهَا رِوَايَة حمصي عَن حمصي عَن شَامي عَن مدنِي وَمِنْهَا أَنه قَالَ أَولا حَدثنَا وَثَانِيا أخبرنَا وثالثا بِكَلِمَة عَن ورابعا بِلَفْظ أَخْبرنِي مُحَافظَة على الْفرق الَّذِي بَين الْعبارَات أَو حِكَايَة عَن أَلْفَاظ الروَاة بِأَعْيَانِهَا مَعَ قطع النّظر عَن الْفرق أَو تَعْلِيما لجَوَاز اسْتِعْمَال الْكل إِذا قُلْنَا بِعَدَمِ الْفرق بَينهَا وَمِنْهَا لَيْسَ فِي البُخَارِيّ مثل هَذَا الْإِسْنَاد يَعْنِي عَن أبي سُفْيَان لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ حَدِيث غَيره وَلم يرو عَنهُ إِلَّا ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (بَيَان تعدد الحَدِيث) قَالَ الْكرْمَانِي قد ذكر البُخَارِيّ حَدِيث هِرقل فِي كِتَابه فِي عشرَة مَوَاضِع قلت ذكره فِي أَرْبَعَة عشر موضعا الأول هَهُنَا كَمَا ترى الثَّانِي فِي الْجِهَاد عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح الثَّالِث فِي التَّفْسِير عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام الرَّابِع فِيهِ أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن عبد الرَّزَّاق قَالَا حَدثنَا معمر كلهم عَن الزُّهْرِيّ بِهِ الْخَامِس فِي الشَّهَادَات عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا سَأَلتك هَل يزِيدُونَ أَو ينقصُونَ السَّادِس فِي الْجِزْيَة عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا السَّابِع فِي الْأَدَب عَن أبي بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا أَيْضا الثَّامِن فِيهِ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا التَّاسِع فِي الْإِيمَان الْعَاشِر فِي الْعلم الْحَادِي عشر فِي الْأَحْكَام الثَّانِي عشر فِي الْمَغَازِي الثَّالِث عشر فِي خبر الْوَاحِد الرَّابِع عشر فِي الاسْتِئْذَان (بَيَان من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن خَمْسَة من شُيُوخه إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي عَمْرو وَأبي رَافع وَعبد بن حميد والحلواني عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ بِطُولِهِ وَعَن الآخرين عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان وَالنَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير وَلم يُخرجهُ ابْن مَاجَه (بَيَان اللُّغَات) قَوْله فِي ركب بِفَتْح الرَّاء جمع رَاكب كتجر وتاجر وَقيل اسْم جمع كقوم وذود وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وهم أَصْحَاب الْإِبِل فِي السّفر الْعشْرَة فَمَا فَوْقهَا قَالَه ابْن السّكيت وَغَيره وَقَالَ ابْن سَيّده أرى أَن الركب يكون للخيل وَالْإِبِل وَفِي التَّنْزِيل (والركب أَسْفَل مِنْكُم) فقد يجوز أَن يكون مِنْهُمَا جَمِيعًا وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَ مَعنا يَوْمئِذٍ فرس إِلَّا فرس عَلَيْهِ الْمِقْدَاد بن الْأسود يصحح أَن الركب هَهُنَا ركاب الْإِبِل قَالُوا وَالركبَة بِفَتْح الرَّاء وَالْكَاف أقل مِنْهُ وَإِلَّا ركُوب بِالضَّمِّ أَكثر مِنْهُ وَجمع الركب اركب وركوب وَالْجمع أراكب والركاب الْإِبِل وَاحِدهَا رَاحِلَة وَجَمعهَا ركب وَفِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث أَنهم كَانُوا ثَلَاثِينَ رجلا مِنْهُم أَبُو سُفْيَان رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الإكليل وَفِي رِوَايَة ابْن السكن نَحْو من عشْرين وسمى مِنْهُم الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة بِسَنَد مُرْسل وَفِيه نظر لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك كَانَ مُسلما قَالَه بَعضهم وَلَكِن إِسْلَامه لَا يُنَافِي مرافقتهم وهم كفار إِلَى دَار الْحَرْب قَوْله تجار بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْجِيم وَكسرهَا وبالتخفيف جمع تَاجر وَيُقَال أَيْضا تجر كصاحب وَصَحب قَوْله وَحَوله بِفَتْح اللَّام يُقَال حوله وحواله وحوليه وحواليه أَربع لُغَات وَاللَّام مَفْتُوحَة فِيهِنَّ أَي يطوفون بِهِ من جوانبه قَالَ الْجَوْهَرِي وَلَا تقل حواليه بِكَسْر اللَّام قَوْله عُظَمَاء الرّوم جمع عَظِيم قَوْله وترجمانه وَفِي الْجَامِع الترجمان الَّذِي يبين الْكَلَام يُقَال بِفَتْح التَّاء وَضمّهَا وَالْفَتْح أحسن عِنْد قوم وَقيل الضَّم يدلعلى أَن التَّاء أصل لِأَنَّهُ يكون فعللان كعقرباب وَلم يَأْتِ فعللان وَفِي الصِّحَاح وَالْجمع التراجم مثل زعفران وزعافر وَلَك أَن تضم التَّاء كضمة الْجِيم وَيُقَال الترجمان هُوَ الْمعبر عَن لُغَة بلغَة وَهُوَ مُعرب وَقيل عَرَبِيّ وَالتَّاء فِيهِ أَصْلِيَّة وَأنكر على الْجَوْهَرِي قَوْله أَنَّهَا زَائِدَة وَتَبعهُ ابْن الْأَثِير فَقَالَ فِي نهايته وَالتَّاء وَالنُّون زائدتان قَوْله فَإِن كَذبَنِي بِالتَّخْفِيفِ من كذب يكذب كذبا وكذبا وكذبة وَفِي الْعباب وأكذوبة وكاذبة ومكذوبا ومكذوبة وَزَاد ابْن الْأَعرَابِي مكذبة وكذبانا مثل غفران وكذبى مثل بشرى فَهُوَ كَاذِب وَكَذَّاب وكذوب وكيذبان وكيذبان ومكذبان وكذبة مثل تؤدة وكذبذب وكذبذبان بالضمات الثَّلَاث وَلم يذكر سِيبَوَيْهٍ فِيمَا ذكر من الْأَمْثِلَة وكذبذب بِالتَّشْدِيدِ وَجمع الكذوب كذب مِثَال صبور وصبر وَيُقَال كذب كذابا بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد أَي متناهيا وَقَرَأَ عمر بن عبد الْعَزِيز {{وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا}} وَيكون صِيغَة على الْمُبَالغَة كوضاء وَحسان وَالْكذب نقيض الصدْق ثمَّ معنى قَوْله فَإِن كَذبَنِي أَي نقل إِلَى الْكَذِب وَقَالَ لي خلاف الْوَاقِع وَقَالَ التَّيْمِيّ كذب يتَعَدَّى إِلَى المفعولين يُقَال كَذبَنِي الحَدِيث وَكَذَا نَظِيره صدق قَالَ الله تَعَالَى {{لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا}} وهما من غرائب الْأَلْفَاظ فَفعل بِالتَّشْدِيدِ يقْتَصر على مفعول وَاحِد وَفعل بِالتَّخْفِيفِ يتَعَدَّى إِلَى مفعولين قَوْله من أَن يأثروا بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضمّهَا من أثرت الحَدِيث بِالْقصرِ آثره بِالْمدِّ وَضم الْمُثَلَّثَة وَكسرهَا أثرا سَاكِنة الثَّاء حدثت بِهِ وَيُقَال أثرت الحَدِيث أَي رُؤْيَته وَمَعْنَاهُ لَوْلَا الْحيَاء من أَن رفقتي يروون عني ويحكون فِي بلادي عني كذبا فأعاب بِهِ لِأَن الْكَذِب قَبِيح وَإِن كَانَ على الْعَدو لكذبت وَيعلم مِنْهُ قبح الْكَذِب فِي الْجَاهِلِيَّة أَيْضا. وَقيل هَذَا دَلِيل لمن يَدعِي أَن قبح الْكَذِب عَقْلِي وَقَالَ الْكرْمَانِي لَا يلْزم مِنْهُ لجَوَاز أَن يكون قبحه بِحَسب الْعرف أَو مستفادا من الشَّرْع السَّابِق. قلت بل الْعقل يحكم بقبح الْكَذِب وَهُوَ خلاف مُقْتَضى الْعقل وَلم تنقل إِبَاحَة الْكَذِب فِي مِلَّة من الْملَل قَوْله لكذبت عَنهُ أَي لأخبرت عَن حَاله بكذب لبغضي إِيَّاه ولمحبتي نَقصه قَوْله قطّ فِيهَا لُغَتَانِ أشهرهما فتح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء المضمومة قَالَ الْجَوْهَرِي مَعْنَاهَا الزَّمَان يُقَال مَا رَأَيْته قطّ قَالَ وَمِنْهُم من يَقُول قطّ بِضَمَّتَيْنِ وقط بتَخْفِيف الطَّاء وَفتح الْقَاف وَضمّهَا مَعَ التَّخْفِيف وَهِي قَليلَة قَوْله فأشراف النَّاس أَي كبارهم وَأهل الْإِحْسَان وَقَالَ بَعضهم المُرَاد بالأشراف هُنَا أهل النخوة والتكبر مِنْهُم لَا كل شرِيف حَتَّى لَا يرد مثل أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وأمثالهما مِمَّن أسلم قبل هَذَا السُّؤَال. قلت هَذَا على الْغَالِب وَإِلَّا فقد سبق إِلَى أَتْبَاعه أكَابِر أَشْرَاف زَمَنه كالصديق والفاروق وَحَمْزَة وَغَيرهم وهم أَيْضا كَانُوا أهل النخوة والأشراف جمع شرِيف من الشّرف وَهُوَ الْعُلُوّ وَالْمَكَان العالي وَقد شرف بِالضَّمِّ فَهُوَ شرِيف وَقوم شرفاء وأشراف وَقَالَ ابْن السّكيت الشّرف وَالْمجد لَا يكونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ والحسب وَالْكَرم يكونَانِ فِي الرجل وَإِن لم يكن لَهُ أَبَا وَقَالَ ابْن دُرَيْد الشّرف علو الْحسب قَوْله سخطَة بِفَتْح السِّين وَهُوَ الْكَرَاهَة للشَّيْء وَعدم الرضى بِهِ وَقَالَ بَعضهم سخطَة بِضَم أَوله وفتحه وَلَيْسَ بِصَحِيح بل السخطة بِالتَّاءِ إِنَّمَا هِيَ بِالْفَتْح فَقَط والسخط بِلَا تَاء يجوز فِيهِ الضَّم وَالْفَتْح مَعَ أَن الْفَتْح يَأْتِي بِفَتْح الْخَاء والسخط بِالضَّمِّ يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ ضم الْخَاء مَعَه وإسكانها وَفِي الْعباب السخط والسخط مِثَال خلق وَخلق والسخط بِالتَّحْرِيكِ والمسخط خلاف الرضى تَقول مِنْهُ سخط يسْخط أَي غضب وأسخطه أَي أغضبهُ وتسخط أَي تغْضب وَفِي بعض الشُّرُوح وَالْمعْنَى أَن من دخل فِي الشَّيْء على بَصِيرَة يمْتَنع رُجُوعه بِخِلَاف من لم يدْخل على بَصِيرَة وَيُقَال أخرج بِهَذَا من ارْتَدَّ مكْرها أَو غير مكره لَا لسخط دين الْإِسْلَام بل لرغبة فِي غَيره لحظ نفساني كَمَا وَقع لعبد الله بن جحش قَوْله يغدر بِكَسْر الدَّال والغدر ترك الْوَفَاء بالعهد وَهُوَ مَذْمُوم عِنْد جَمِيع النَّاس قَوْله سِجَال بِكَسْر السِّين وبالجيم وَهُوَ جمع سجل وَهُوَ الدَّلْو الْكَبِير وَالْمعْنَى الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه نوب نوبَة لنا ونوبة لَهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِر (فَيوم علينا وَيَوْم لنا ... وَيَوْم نسَاء وَيَوْم نسر) والمساجلة الْمُفَاخَرَة بِأَن تصنع مثل صنعه فِي جري أَو سعي قَوْله ينَال أَي يُصِيب من نَالَ ينَال نيلا ونالا قَوْله ويأمرنا بِالصَّلَاةِ أَرَادَ بهَا الصَّلَاة الْمَعْهُودَة الَّتِي مفتتحها التَّكْبِير ومختمها التَّسْلِيم قَوْله والصدق وَهُوَ القَوْل المطابق للْوَاقِع ويقابله الْكَذِب قَوْله والعفاف بِفَتْح الْعين الْكَفّ عَن الْمَحَارِم وخوارم الْمُرُوءَة وَقَالَ صَاحب الْمُحكم الْعِفَّةالْكَفّ عَمَّا لَا يحل وَلَا يجمل يُقَال عف يعف عَفا وعفافا وعفافة وعفة وتعفف واستعف وَرجل عف وعفيف وَالْأُنْثَى عفيفة وَجمع الْعَفِيف أعفة وأعفاء قَوْله والصلة وَهِي كل مَا أَمر الله تَعَالَى أَن يُوصل وَذَلِكَ بِالْبرِّ وَالْإِكْرَام وَحسن المراعاة وَيُقَال المُرَاد بهَا صلَة الرَّحِم وَهِي تشريك ذَوي الْقرَابَات فِي الْخيرَات وَاخْتلفُوا فِي الرَّحِم فَقيل هُوَ كل ذِي رحم محرم بِحَيْثُ لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْآخر أُنْثَى حرمت مناكحتهما فَلَا يدْخل أَوْلَاد الْأَعْمَام فِيهِ وَقيل هُوَ عَام فِي كل ذِي رحم فِي الْمِيرَاث محرما أَو غَيره قَوْله يأتسي أَي يَقْتَدِي وَيتبع وَهُوَ بِهَمْزَة بعد الْيَاء قَوْله بشاشة الْقُلُوب بِفَتْح الْبَاء وبشاشة الْإِسْلَام وضوحه يُقَال بش بِهِ وتبشبش وَيُقَال بش بالشَّيْء يبش بشاشة إِذا أظهر بشرى عِنْد رُؤْيَته وَقَالَ اللَّيْث البش اللطف فِي الْمَسْأَلَة والإقبال على أَخِيك وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي هُوَ فَرح الصَّدْر بِالصديقِ وَقَالَ ابْن دُرَيْد بشه إِذا ضحك إِلَيْهِ ولقيه لِقَاء جميلا قَوْله الْأَوْثَان جمع وثن وَهُوَ الصَّنَم وَهُوَ مُعرب شنم قَوْله اخلص بِضَم اللَّام أَي أصل يُقَال خلص إِلَى كَذَا أَي وصل إِلَيْهِ قَوْله لتجشمت بِالْجِيم والشين الْمُعْجَمَة أَي لتكلفت الْوُصُول إِلَيْهِ ولتكلفت على خطر ومشقة قَوْله إِلَى عَظِيم بصرى أَي أميرها وَكَذَا عَظِيم الرّوم أَي الَّذِي يعظمه الرّوم وتقدمه قَوْله إِن توليت أَي أَعرَضت عَن الْإِسْلَام قَوْله اليريسين بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الرَّاء ثمَّ الْيَاء الْأُخْرَى الساكنة ثمَّ السِّين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة ثمَّ الْيَاء الْأُخْرَى الساكنة جمع يريس على وزن فعيل نَحْو كريم وَجَاء الأريسين بقلب الْيَاء الأولى همزَة وَجَاء اليريسيين بتَشْديد الْيَاء بعد السِّين جمع يريسي مَنْسُوب إِلَى يريس وَجَاء أَيْضا بِالنِّسْبَةِ كَذَلِك إِلَّا أَنه بِالْهَمْزَةِ فِي أَوله مَوضِع الْيَاء أَعنِي الأريسين جمع أريس مَنْسُوب إِلَى أريس فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه وَقَالَ ابْن سَيّده الأريس الأكار عِنْد ثَعْلَب والأريس الْأَمِير عَن كرَاع حَكَاهُ فِي بَاب فعيل وعدله بأبيل وَالْأَصْل عِنْده أريس فعيل من الرياسة فَقلب وَفِي الْجَامِع الأريس الزَّارِع وَالْجمع أرارسة قَالَ الشَّاعِر (إِذا فَازَ فِيكُم عبدود فليتكم ... أرارسة ترعون دين الْأَعَاجِم) فوزن أريس فعيل وَلَا يُمكن أَن تكون الْهمزَة فِيهِ من غير أَصله لِأَنَّهُ كَانَ تبقى عينه وفاؤه من لفظ وَاحِد وَهَذَا لم يَأْتِ فِي كَلَامهم إِلَّا فِي أحرف يسيرَة نَحْو كَوْكَب ديدن وددن وبابوس. والأريس عِنْد قوم الْأَمِير كَأَنَّهُ من الأضداد وَفِي الصِّحَاح أرس يأرس أرسا صَار أريسا وَهُوَ الأكار وأرس مثله. وَهُوَ الأريس وَجمعه الأريسون وأراريس وَهِي شامية وَقَالَ ابْن فَارس الْهمزَة وَالرَّاء وَالسِّين لَيست عَرَبِيَّة وَفِي الْعباب والأريس مثل جليس والأريس مثل سكيت الأكار فَالْأول جمعه أريسون وَالثَّانِي أريسيون وأرارسة وأراريس وَالْفِعْل مِنْهُ أرس يأرس أرسا وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أرس تأرسا صَار أكارا مثل أرس أرسا قَالَ وَيُقَال أَن الأراريس الزارعون وَهِي شامية وبئر أريس من آبار الْمَدِينَة وَهِي الَّتِي وَقع فِيهَا خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بعض الشُّرَّاح وَالصَّحِيح الْمَشْهُور أَنهم الأكارون أَي الفلاحون والزارعون أَي عَلَيْك إِثْم رعاياك الَّذين يتبعونك وينقادون لأمرك وَنبهَ بهؤلاء على جَمِيع الرعايا لأَنهم الْأَغْلَب فِي رعاياهم وأسرع انقيادا وَأكْثر تقليدا فَإِذا أسلم أَسْلمُوا وَإِذا امْتنع امْتَنعُوا وَيُقَال أَن الأريسين الَّذين كَانُوا يحرثون أَرضهم كَانُوا مجوسا وَكَانَ الرّوم أهل كتاب فيريد أَن عَلَيْك مثل وزر الْمَجُوس إِن لم تؤمن وَتصدق وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هم الخدم والخول يَعْنِي بصده إيَّاهُم عَن الدّين كَمَا قَالَ تَعَالَى {{رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا}} أَي عَلَيْك مثل إثمهم حَكَاهُ ابْن الْأَثِير وَقيل المُرَاد الْمُلُوك والرؤساء الَّذين يقودون النَّاس إِلَى الْمذَاهب الْفَاسِدَة وَقيل هم المتبخترون قَالَ الْقُرْطُبِيّ فعلى هَذَا يكون المُرَاد عَلَيْك إِثْم من تكبر عَن الْحق وَقيل هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَتبَاع عبد الله بن أريس الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الأريسية من النَّصَارَى رجل كَانَ فِي الزَّمن الأول قتل هُوَ وَمن مَعَه نَبيا بَعثه الله إِلَيْهِم قَالَ أَبُو الزِّنَاد وحذره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ كَانَ رَئِيسا متبوعا مسموعا أَن يكون عَلَيْهِ إِثْم الْكفْر وإثم من عمل بِعَمَلِهِ وَأتبعهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من عمل سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ إثمها وإثم من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَوْله الصخب بِفَتْح الصَّاد وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَيُقَال بِالسِّين أَيْضا بدل الصَّاد وَضَعفه الْخَلِيل وَهُوَ اخْتِلَاط الْأَصْوَات وارتفاعها وَقَالَ أهل اللُّغَة الصخب هُوَ أصوات مُبْهمَة لَا تفهم قَوْله أَمر بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمِيم قَالَ ابْن الْأَعرَابِي كثر وَعظم وَقَالَ ابْن سيدة وَالِاسْم مِنْهُ الْأَمر بِالْكَسْرِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الأمرة على وزن بركَة الزِّيَادَة وَمِنْه قَولأبي سُفْيَان أَمر أَمر مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي الصِّحَاح عَن أبي عُبَيْدَة آمرته بِالْمدِّ وأمرته لُغَتَانِ بِمَعْنى كثرته وَأمر هُوَ أَي كثر وَقَالَ الْأَخْفَش أَمر أمره يَأْمر أمرا اشْتَدَّ وَالِاسْم الْأَمر وَفِي أَفعَال ابْن القطاع أَمر الشَّيْء أمرا وَأمر أَي كثر وَفِي الْمُجَرّد لكراع يُقَال زرع أَمر وَأمر كثير وَفِي أَفعَال ابْن ظريف أَمر الشَّيْء امرا وإمارة وَفِي أَمْثَال الْعَرَب من قل ذل وَمن أَمر قل وَفِي الْجَامِع أَمر الشَّيْء إِذا كثر والأمرة الْكَثْرَة وَالْبركَة والنماء وأمرته زِيَادَته وخيره وبركته قَوْله على نَصَارَى الشَّام سموا نَصَارَى لنصرة بَعضهم بَعْضًا أَو لأَنهم نزلُوا موضعا يُقَال لَهُ نصرانة ونصرة أَو ناصرة أَو لقَوْله {{من أَنْصَارِي إِلَى الله}} وَهُوَ جمع نَصْرَانِيّ قَوْله خَبِيث النَّفس أَي كسلها وَقلة نشاطها أَو سوء خلقهَا قَوْله بطارقته بِفَتْح الْبَاء هُوَ جمع بطرِيق بِكَسْر الْبَاء وهم قواد الْملك وخواص دولته وَأهل الرَّأْي والشورى مِنْهُ وَقيل البطريق المختال المتعاظم وَلَا يُقَال ذَلِك للنِّسَاء وَفِي الْعباب قَالَ اللَّيْث البطريق الْقَائِد بلغَة أهل الشَّام وَالروم فَمن هَذَا عرفت أَن تَفْسِير بَعضهم البطريق بقوله وَهُوَ خَواص دولة الرّوم تَفْسِير غير موجه قَوْله قد استنكر ناهيئتك أَي أنكرناها ورأيناها مُخَالفَة لسَائِر الْأَيَّام والهيئة السمت وَالْحَالة والشكل قَوْله حزاء بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة وبالمد على وزن فعال أَي كَاهِنًا وَيُقَال فِيهِ الحازي يُقَال حزى يحزي حزا يحزو وتحزى إِذا تكهن قَالَ الْأَصْمَعِي حزيت الشَّيْء أحزيه حزيا وحزوا وَفِي الصِّحَاح حزى الشَّيْء يحزيه ويحزوه إِذا قدر وخرص والحازي الَّذِي ينظر فِي الْأَعْضَاء وَفِي خيلان الْوَجْه يتكهن وَفِي الْمُحكم حزى الطير حزوا زجرها قَوْله فَلَا يهمنك شَأْنهمْ بِضَم الْيَاء يُقَال أهمني الْأَمر أقلقني وأحزنني والهم الْحزن وهمني أذاني أَي إِذا بَالغ فِي ذَلِك وَمِنْه المهموم قَالَ الْأَصْمَعِي هَمَمْت بالشَّيْء أهم بِهِ إِذا أردته وعزمت عَلَيْهِ وهممت بِالْأَمر أَيْضا إِذا قصدته يهمني وهم يهم بِالْكَسْرِ هميما ذاب وَمرَاده أَنهم أَحْقَر من أَن يهتم لَهُم أَو يُبَالِي بهم والشأن الْأَمر قَوْله فَلم يرم بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الرَّاء أَي لم يفارقها يُقَال مَا رمت وَلم أرم وَلَا يكَاد يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ حرف النَّفْي وَيُقَال مَا يريم يفعل أَي مَا يبرح وَيُقَال رامه يريمه ريما أَي يريحه وَيُقَال لَا يرمه أَي لَا يبرحه قَالَ ابْن ظريف مَا رامني وَلَا يريمني لم يبرح وَلَا يُقَال إِلَّا منفيا قَوْله يَا معشر الرّوم قَالَ أهل اللُّغَة هم الْجمع الَّذين شَأْنهمْ وَاحِد وَالْإِنْس معشر وَالْجِنّ معشر والأنبياء معشر وَالْفُقَهَاء معشر وَالْجمع معاشر قَوْله الْفَلاح والرشد الْفَلاح الْفَوْز والتقى والنجاة والرشد بِضَم الرَّاء وَإِسْكَان الشين وبفتحهما أَيْضا لُغَتَانِ وَهُوَ خلاف الغي وَقَالَ أهل اللُّغَة هُوَ إِصَابَة الْخَيْر وَقَالَ الْهَرَوِيّ هُوَ الْهدى والاستقامة وَهُوَ بِمَعْنَاهُ يُقَال رشد يرشد ورشد يرشد لُغَتَانِ قَوْله فحاصوا بِالْحَاء وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي نفروا وكروا رَاجِعين يُقَال حَاص يحيص إِذا نفر وَقَالَ الْفَارِسِي وَفِي مجمع الغرائب هُوَ الروغان والعدول عَن طَرِيق الْقَصْد وَقَالَ الْخطابِيّ يُقَال حَاص وجاض بِمَعْنى وَاحِد يَعْنِي بِالْجِيم وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد وَغَيره قَالُوا وَمَعْنَاهُ عدل عَن الطَّرِيق وَقَالَ أَبُو زيد مَعْنَاهُ بِالْحَاء رَجَعَ وبالجيم عدل قَوْله آنِفا أَي قَرِيبا أَو هَذِه السَّاعَة والآنف أول الشَّيْء وَهُوَ بِالْمدِّ وَالْقصر وَالْمدّ أشهر وَبِه قَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء السَّبْعَة وروى الْبَزَّار عَن ابْن كثير الْقصر وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ الْمَدّ هُوَ الْمَعْرُوف قَوْله اختبر أَي امتحن شدتكم أَي رسوخكم فِي الدّين قَوْله فقد رَأَيْت أَي شدتكم (بَيَان اخْتِلَاف الرِّوَايَات) قَوْله حَدثنَا أَبُو الْيَمَان وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة حَدثنَا الحكم بن نَافِع وَأَبُو الْيَمَان كنية الحكم قَوْله وَحَوله عُظَمَاء الرّوم وَفِي رِوَايَة ابْن السكن فأدخلت عَلَيْهِ وَعِنْده بطارقته والقسيسون والرهبان وَفِي بعض السّير دعاهم وَهُوَ جَالس فِي مجْلِس ملكه عَلَيْهِ التَّاج وَفِي شرح السّنة دعاهم لمجلسه قَوْله ودعا ترجمانه وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَغَيره بترجمانه قَوْله بِهَذَا الرجل وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم من هَذَا الرجل وَهُوَ على الأَصْل وعَلى رِوَايَة البُخَارِيّ ضمن أقرب معنى أبعد فعداه بِالْبَاء قَوْله الَّذِي يزْعم وَفِي رِوَايَة ابْن اسحق عَن الزُّهْرِيّ يَدعِي قَوْله فَكَذبُوهُ فوَاللَّه لَوْلَا الْحيَاء سقط فِيهِ لَفْظَة قَالَ من رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت تَقْدِيره فَكَذبُوهُ قَالَ فوَاللَّه أَي أَبُو سُفْيَان فبالاسقاط يحصل الْإِشْكَال على مَا لَا يخفى وَلذَا قَالَ الْكرْمَانِي فوَاللَّه كَلَام أبي سُفْيَان لَا كَلَام الترجمان قَوْله لكذبت عَنهُ رِوَايَة الْأصيلِيّ وَفِي رِوَايَة غَيره لكذبت عَلَيْهِ وَلم تقع هَذِه اللَّفْظَة فِي مُسلم وَوَقع فِيهِ لَوْلَا مَخَافَة أَن يؤثروا على الْكَذِب وعَلى يَأْتِي بِمَعْنى عَن كَمَا قَالَ الشَّاعِر (إِذا رضيت على بَنو قُشَيْر ... ) أَي عَنى وَوَقع لَفْظَة عَنى أَيْضا فِي البُخَارِيّفِي التَّفْسِير قَوْله ثمَّ كَانَ أول بِالنّصب فِي رِوَايَة وَسَنذكر وَجهه قَوْله فَهَل قَالَ هَذَا القَوْل مِنْكُم أحد قبله وَفِي رِوَايَة الكشمهيني والأصيلي بدل قبله. مثله قَوْله فَهَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا أَن كلمة من حرف جر وَملك صفة مشبهة أَعنِي بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَهِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي وَأبي الْوَقْت وَالثَّانيَِة أَن كلمة من مَوْصُولَة وَملك فعل مَاض وَهِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر وَالثَّالِثَة بِإِسْقَاط حرف الْجَرّ وَهِي رِوَايَة أبي ذَر وَالْأولَى أصح وَأشهر وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مُسلم هَل كَانَ فِي آبَائِهِ ملك بِحَذْف من كَمَا هِيَ رِوَايَة أبي ذَر وَكَذَا هُوَ فِي كتاب التَّفْسِير فِي البُخَارِيّ قَوْله فأشراف النَّاس اتَّبعُوهُ أم ضُعَفَاؤُهُمْ فَقلت بل ضُعَفَاؤُهُمْ وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن اسحق تبعه منا الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين والأحداث فَأَما ذَوُو الْأَنْسَاب والشرف فَمَا تبعه مِنْهُم أحد قَوْله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي لَا تُشْرِكُوا بِهِ بِلَا وَاو فَيكون تَأْكِيدًا لقَوْله وَحده قَوْله ويأمرنا بِالصَّلَاةِ والصدق وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَََقَة وَفِي مُسلم ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَكَذَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَالزَّكَاة وَفِي الْجِهَاد من رِوَايَة أبي ذَر عَن شَيْخه الْكشميهني والسرخسي بِالصَّلَاةِ والصدق وَالصَّدَََقَة وَقَالَ بَعضهم ورجحها شَيخنَا أَي رجح الصَّدَقَة على الصدْق ويقويها رِوَايَة الْمُؤلف فِي التَّفْسِير الزَّكَاة واقتران الصَّلَاة بِالزَّكَاةِ مُعْتَاد فِي الشَّرْع. قلت بل الرَّاجِح لَفْظَة الصدْق لِأَن الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة داخلتان فِي عُمُوم قَوْله والصلة لِأَن الصِّلَة اسْم لكل مَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ أَن يُوصل وَذَلِكَ يكون بِالزَّكَاةِ وَالصَّدَََقَة وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْبر وَالْإِكْرَام وَتَكون لَفْظَة الصدْق فِيهِ زِيَادَة فَائِدَة. وَقَوله واقتران الصَّلَاة بِالزَّكَاةِ مُعْتَاد فِي الشَّرْع لَا يصلح دَلِيلا للترجيح على أَن أَبَا سُفْيَان لم يكن يعرف حِينَئِذٍ اقتران الزَّكَاة بِالصَّلَاةِ وَلَا فرضيتها قَوْله يأتسي بِتَقْدِيم الْهمزَة فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره يتأسى بِتَقْدِيم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق قَوْله حِين يخالط بشاشة الْقُلُوب هَكَذَا وَقع فِي أَكثر النّسخ حِين بالنُّون وَفِي بَعْضهَا حَتَّى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَوَقع فِي الْمُسْتَخْرج للإسماعيلي حَتَّى أَو حِين على الشَّك وَالرِّوَايَتَانِ وقعتا فِي مُسلم أَيْضا وَوَقع فِي مُسلم أَيْضا إِذا بدل حِين وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين رَحمَه الله كَذَا روينَاهُ فِيهِ على الشَّك وَقَالَ القَاضِي الرِّوَايَتَانِ وقعتا فِي البُخَارِيّ وَمُسلم وروى أَيْضا بشاشة الْقُلُوب بِالْإِضَافَة وَنصب البشاشة على المفعولية أَي حِين يخالط الْإِيمَان بشاشة الْقُلُوب وروى بشاشة بِالرَّفْع وإضافتها إِلَى الضَّمِير أَعنِي ضمير الْإِيمَان وبنصب الْقُلُوب وَزَاد البُخَارِيّ فِي الْإِيمَان حِين يخالط بشاشة الْقُلُوب لَا يسخطه أحد وَزَاد ابْن السكن فِي رِوَايَته فِي مُعْجم الصَّحَابَة يزْدَاد فِيهِ عجبا وفرحا وَفِي رِوَايَة ابْن اسحق وَكَذَلِكَ حلاوة الْإِيمَان لَا تدخل قلبا فَتخرج مِنْهُ قَوْله لتجشمت لقاءه وَفِي مُسلم لأحببت لقاءه وَالْأول أوجه قَوْله لغسلت عَن قَدَمَيْهِ وَفِي رِوَايَة عبد الله بن شَدَّاد عَن أبي سُفْيَان لَو علمت أَنه هُوَ لمشيت إِلَيْهِ حَتَّى أقبل رَأسه وأغسل قَدَمَيْهِ وَزَاد فِيهَا وَلَقَد رَأَيْت جَبهته يتحادر عرقها من كرب الصَّحِيفَة يَعْنِي لما قرىء عَلَيْهِ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله سَلام على من اتبع الْهدى وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الاسْتِئْذَان السَّلَام بالتعريف قَوْله بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام وَفِي مُسلم بداعية الْإِسْلَام وَكَذَا رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد بداعية الْإِسْلَام قَوْله فَإِنَّمَا عَلَيْك إِثْم اليريسين وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَق عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ فَإِن عَلَيْك إِثْم الأكارين وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة وَزَاد البرقاني فِي رِوَايَته يَعْنِي الحراثين وَفِي رِوَايَة الْمَدِينِيّ من طَرِيق مُرْسلَة فَإِن عَلَيْكُم إِثْم الفلاحين والإسماعيلي فَإِن عَلَيْك إِثْم الركوسيين وهم أهل دين النَّصَارَى والصابية يُقَال لَهُم الركوسية وَقَالَ اللَّيْث بن سعد عَن يُونُس فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيقه الأريسيون العشارون يَعْنِي أهل المكس قَوْله يَا أهل الْكتاب هَكَذَا هُوَ بِإِثْبَات الْوَاو فِي أَوله وَذكر القَاضِي أَن الْوَاو سَاقِطَة فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر قلت إِثْبَات الْوَاو هُوَ رِوَايَة عَبدُوس والنسفي والقابسي قَوْله عِنْده الصخب وَوَقع فِي مُسلم اللَّغط وَفِي البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد وَكثر لغطهم وَفِي التَّفْسِير وَكثر اللَّغط وَهُوَ الْأَصْوَات الْمُخْتَلفَة قَوْله فَمَا زلت موقنا زَاد فِي حَدِيث عبد الله بن شَدَّاد عَن أبي سُفْيَان فَمَا زلت مَرْعُوبًا من مُحَمَّد حَتَّى أسلمت أخرجه الطَّبَرَانِيّ قَوْله ابْن الناطور بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ بالظاء الْمُعْجَمَة وَوَقع فِي رِوَايَة اللَّيْث عَن يُونُس ابْن ناطورا بِزِيَادَة الْألف فِي آخِره فعلى هَذَا هُوَ اسْم أعجمي قَوْله صَاحب إيلياءبِالنّصب وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالرَّفْع قَوْله أَسْقُف على نَصَارَى الشَّام على صِيغَة الْمَجْهُول من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي وَفِي رِوَايَة الْكشميهني سقف على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا من التسقيف وَفِي رِوَايَة وَقع هُنَا سقفا بِضَم السِّين وَالْقَاف وَتَشْديد الْفَاء ويروى أسقفا بِضَم الْهمزَة وَسُكُون السِّين وَضم الْقَاف وَتَخْفِيف الْفَاء ويروى أسقفا مثله إِلَّا أَنه بتَشْديد الْفَاء ذكرهمَا الجواليقي وَغَيره وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِيهِ من أساقفة نَصَارَى الشَّام مَوضِع سقف وَقَالَ صَاحب الْمطَالع وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي عَن الْمروزِي سقف وَعند الْجِرْجَانِيّ سقفا وَعند الْقَابِسِيّ أسقفا وَهَذَا أعرفهَا مشدد الْفَاء فيهمَا وَحكى بَعضهم أسقفا وسقفا وَهُوَ من النَّصَارَى رَئِيس الدّين فِيمَا قَالَه الْخَلِيل وسقف قدم لذَلِك وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي يحْتَمل أَن يكون سمى بذلك لانحنائه وخضوعه لتدينه عِنْدهم وَأَنه قيم شريعتهم وَهُوَ دون القَاضِي والأسقف الطَّوِيل فِي انحناء فِي الْعَرَبيَّة وَالِاسْم مِنْهُ السّقف والسقيفي وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ الْعَالم وَيُقَال سقف كَفعل أعجمي مُعرب وَلَا نَظِير لأسقف إِلَّا أسرب قلت حكى ابْن سَيّده ثَالِثا وَهُوَ الأسكف للصانع وَلَا يرد الأترج لِأَنَّهُ جمع وَالْكَلَام فِي الْمُفْرد: وَقَالَ النَّوَوِيّ الْأَشْهر بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْفَاء وَقَالَ ابْن فَارس السّقف بِالتَّحْرِيكِ طول فِي انحناء وَرجل أَسْقُف قَالَ ابْن السّكيت وَمِنْه اشتقاق أَسْقُف النَّصَارَى قَوْله أصبح يَوْمًا خَبِيث النَّفس وَصرح فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَق بقَوْلهمْ لَهُ لقد أَصبَحت مهموما قَوْله ملك الْخِتَان ضبط على وَجْهَيْن أَحدهمَا بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني وَالْآخر ضم الْمِيم وَإِسْكَان اللَّام وَكِلَاهُمَا صَحِيح قَوْله هم يختتنون وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ يختنون وَالْأول أفيد وأشمل قَوْله فَقَالَ هِرقل هَذَا يملك هَذِه الْأمة هَذَا رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني وَحده على صُورَة الْفِعْل الْمُضَارع وَأكْثر الروَاة على هَذَا ملك هَذِه الْأمة بِضَم الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ هَذَا ملك هَذِه الْأمة بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَقَالَ صَاحب الْمطَالع الْأَكْثَرُونَ على رِوَايَة الْقَابِسِيّ هَذَا هُوَ الْأَظْهر وَقَالَ عِيَاض أرى رِوَايَة أبي ذَر مصحفة لِأَن ضمة الْمِيم اتَّصَلت بهَا فتصحفت وَلما حَكَاهَا صَاحب الْمطَالع قَالَ أَظُنهُ تصحيفا: وَقَالَ النَّوَوِيّ كَذَا ضبطناه عَن أهل التَّحْقِيق وَكَذَا هُوَ فِي أَكثر أصُول بِلَادنَا قَالَ وَهِي صَحِيحَة أَيْضا وَمَعْنَاهَا هَذَا الْمَذْكُور يملك هَذِه الْأمة وَقد ظهر وَالْمرَاد بالأمة هُنَا أهل الْعَصْر قَوْله فَأذن بِالْقصرِ من الْإِذْن وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَغَيره بِالْمدِّ وَمَعْنَاهُ اعْلَم من الإيذان وَهُوَ الْإِعْلَام قَوْله فتبايعوا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف وَفِي رِوَايَة الْكشميهني فتتابعوا بتاءين مثناتين من فَوق وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ فنبايع بنُون الْجَمَاعَة بعْدهَا الْبَاء الْمُوَحدَة قَوْله لهَذَا النَّبِي بِاللَّامِ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره هَذَا بِدُونِ اللَّام قَوْله وأيس بِالْهَمْزَةِ ثمَّ الْيَاء آخر الْحُرُوف هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ يئس بِتَقْدِيم الْيَاء على الْهمزَة وهما بِمَعْنى وَالْأول مقلوب من الثَّانِي فَافْهَم (بَيَان الصّرْف) قَوْله سُفْيَان من سفى الرّيح التُّرَاب تسفيه سفيا إِذا ذرته وفاؤه مُثَلّثَة قَوْله حَرْب مصدر فِي الأَصْل قَوْله ماد فِيهَا بتَشْديد الدَّال من بَاب المفاعلة وَأَصله مادد أدغمت الدَّال فِي الدَّال وجوبا لِاجْتِمَاع المثلين ومضارعه يماد وَأَصله يمادد ومصدره مماددة ومماد وأصل هَذَا الْبَاب أَن يكون بَين اثْنَيْنِ وَأَصله من الْمدَّة وَهِي الْقطعَة من الزَّمَان يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير أَي اتَّفقُوا على الصُّلْح مُدَّة من الزَّمَان وَهَذِه الْمدَّة هِيَ صلح الْحُدَيْبِيَة الَّذِي جرى بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكفار قُرَيْش سنة سِتّ من الْهِجْرَة لما خرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة مُعْتَمِرًا قصدته قُرَيْش وصالحوه على أَن يدخلهَا فِي الْعَام الْقَابِل على وضع الْحَرْب عشر سِنِين فَدخلت بَنو بكر فِي عهد قُرَيْش وَبَنُو خُزَاعَة فِي عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نقضت قُرَيْش الْعَهْد بقتالهم خُزَاعَة حلفاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر الله تَعَالَى بقتالهم بقوله {{أَلا تقاتلون قوما نكثوا أَيْمَانهم}} وَفِي كتاب أبي نعيم فِي مُسْند عبد الله بن دِينَار كَانَت مُدَّة الصُّلْح أَربع سِنِين وَالْأول أشهر قَوْله أدنوه بِفَتْح الْهمزَة من الإدناء وَأَصله أدنيو استثقلت الضمة على الْيَاء فحذفت فَالتقى ساكنان وهما الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء لِأَن الْوَاو عَلامَة الْجمع ثمَّ أبدلت كسرة النُّون ضمة لتدل على الْوَاو المحذوفة فَصَارَ أدنوا على وزن أفعوا قَوْله تَتَّهِمُونَهُ من بَاب الافتعال تَقول اتهمَ يتهم اتهاما وَأَصله اوتهم لِأَنَّهُ من الْوَهم قلبت الْوَاو تَاء وأدغمت التَّاء فِي التَّاء وأصل تَتَّهِمُونَهُ توتهمونهفَفعل بِهِ مثل مَا ذكرنَا وَكَذَا سَائِر مواده قَوْله بِالْكَذِبِ بِفَتْح الْكَاف وَكسر الذَّال مصدر كذب وَكَذَلِكَ الْكَذِب بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون الذَّال وَقد ذَكرْنَاهُ مرّة قَوْله يأتسي من الإيتساء من بَاب الافتعال ومادته همزَة وسين وياء قَوْله ليذر الْكَذِب أَي ليَدع الْكَذِب وَقد أماتوا ماضي هَذَا الْفِعْل وَفِي الْعباب تَقول ذره أَي دَعه وَهُوَ يذره أَي يَدعه وَأَصله وذره يذره مِثَال وَسعه يَسعهُ وَقد أميت صَدره وَلَا يُقَال وذره وَلَا واذره وَلَكِن تَركه وَهُوَ تَارِك إِلَّا أَن يضْطَر إِلَيْهِ شَاعِر وَقيل هُوَ من بَاب منع يمْنَع مَحْمُولا على ودع يدع لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ قَالُوا وَلَو كَانَ من بَاب وَحل يوحل لقيل فِي مستقبله يوذر كيوحل وَلَو لم يكن مَحْمُولا لم تخل عينه أَو لامه من حُرُوف الْحلق وَهَذَا القَوْل أصح وَإِذا أردْت ذكر مصدره فَقل ذره تركا وَلَا تقل ذره وذرا قَوْله دحْيَة أَصله من دحوت الشَّيْء دحوا أَي بسطته قَالَ تَعَالَى {{وَالْأَرْض بعد ذَاك دحاها}} أَي بسطها قَوْله الْهدى مصدر من هداه يهديه وَفِي الصِّحَاح الْهدى الرشاد وَالدّلَالَة يذكر وَيُؤَنث يُقَال هداه الله للدّين هدى وهديته الطَّرِيق وَالْبَيْت هِدَايَة أَي عَرفته هَذِه لُغَة أهل الْحجاز وَغَيرهم تَقول هديته إِلَى الطَّرِيق وَإِلَى الدَّار حَكَاهُمَا الْأَخْفَش وَهدى واهتدى بِمَعْنى قَوْله بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام بِكَسْر الدَّال أَي يَدعُوهُ وَهُوَ مصدر كالشكاية من شكى والرماية من رمى وَقد تُقَام المصادر مقَام الْأَسْمَاء وَفِي رِوَايَة بداعية الْإِسْلَام على مَا ذكرنَا وَهِي أَيْضا بِمَعْنى الدعْوَة وَقد يَجِيء الْمصدر على وزن فاعلة كَقَوْلِه تَعَالَى {{لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة}} أَي كذب. قَوْله استنكرنا من الاستنكار من بَاب الاستفعال وأصل بَاب الاستفعال أَن يكون للطلب وَقد يخرج عَن بَابه وَهَذِه اللَّفْظَة من هَذَا الْقَبِيل يُقَال استنكرت الشَّيْء إِذا أنكرته وَقَالَ اللَّيْث الاستنكار استفهامك أمرا تنكره قَوْله حزاء مُبَالغَة حَاز على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ قَوْله فَلم يرم أَصله يريم فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ الْجَازِم حذفت الْيَاء لالتقاء الساكنين وَقد ذكرنَا تَفْسِيره قَوْله أيس على وزن فعل بِكَسْر الْعين وَقَالَ ابْن السّكيت أَيِست مِنْهُ يئيس إياسا أَي قنطت لُغَة فِي يئست مِنْهُ أيأس يأسا والإياس انْقِطَاع الطمع (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله أَن عبد الله بن عَبَّاس كلمة أَن هَهُنَا وَفِي أَن أَبَا سُفْيَان وَفِي أَن هِرقل مفتوحات فِي مَحل الْجَرّ بِالْبَاء الْمقدرَة كَمَا فِي قَوْلك أَخْبرنِي أَن زيدا منطلق وَالتَّقْدِير بِأَن زيدا منطلق أَي أَخْبرنِي بانطلاق زيد قَوْله فِي ركب جملَة فِي مَوضِع النصب على الْحَال وَالتَّقْدِير أرسل هِرقل إِلَى أبي سُفْيَان حَال كَونه كَائِنا فِي جملَة الركب وَقَوله من قُرَيْش فِي مَحل الْجَرّ على أَنه صفة للركب وَكلمَة من تصلح أَن تكون لبَيَان الْجِنْس كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{يلبسُونَ ثيابًا خضرًا من سندس}} وَيجوز أَن تكون للتَّبْعِيض قَوْله وَكَانُوا تجارًا الْوَاو فِيهِ تصلح أَن تكون للْحَال بِتَقْدِير قد فَإِن قلت فِي حَال الطّلب لم يَكُونُوا تجارًا قلت تَقْدِيره ملتبسين بِصفة التُّجَّار قَوْله فِي الْمدَّة جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال وَالْألف وَاللَّام فِيهَا بدل من الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي فِي مُدَّة الصُّلْح بِالْحُدَيْبِية قَوْله أَبَا سُفْيَان بِالنّصب مفعول لقَوْله مَاذَا قَوْله وكفار قُرَيْش كَلَام إضافي مَنْصُوب عطفا على أَبَا سُفْيَان وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا مَعَه قَوْله فَأتوهُ الْفَاء فِيهِ فصيحة إِذْ تَقْدِير الْكَلَام فَأرْسل إِلَيْهِ فِي طلب إتْيَان الركب إِلَيْهِ فجَاء الرَّسُول فَطلب إتيانهم فَأتوهُ وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى {{فَقُلْنَا اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت}} أَي فَضرب فانفجرت فَإِن قلت مَا معنى فَاء الفصيحة قلت سميت بهَا لِأَنَّهَا يسْتَدلّ بهَا على فصاحة الْمُتَكَلّم وَهَذَا إِنَّمَا سَموهَا بهَا على رَأْي الزَّمَخْشَرِيّ وَهِي تدل على مَحْذُوف هُوَ سَبَب لما بعْدهَا سَوَاء كَانَ شرطا أَو مَعْطُوفًا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {{فانفجرت}} الْفَاء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف أَي فَضرب فانفجرت أَو فَإِن ضربت فقد انفجرت كَمَا ذكرنَا فِي قَوْله تَعَالَى {{فَتَابَ عَلَيْكُم}} وَهِي على هَذَا فَاء فصيحة لَا تقع إِلَّا فِي كَلَام فصيح فَإِن قلت هم فِي أَيْن مَوضِع كَانُوا حَتَّى أرسل إِلَيْهِم أَبُو سُفْيَان قلت فِي الْجِهَاد فِي البُخَارِيّ أَن الرَّسُول وجدهم بِبَعْض الشَّام وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي الدَّلَائِل تعْيين الْموضع وَهِي غَزَّة قَالَ وَكَانَت وَجه متجرهم وَكَذَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي عَن الزُّهْرِيّ قَوْله وهم بإيلياء الْوَاو فِيهِ للْحَال وَالْبَاء فِي بإيلياء بِمَعْنى فِي. قَوْله فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسه الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي فَدَعَاهُمْ يرجع إِلَى هِرقل والمنصوب إِلَى أبي سُفْيَان وَمن مَعَه وَقَوله فِي مَجْلِسه حَال أَي فِي حَال كَونه فِي مَجْلِسه فَإِن قلت دَعَا يسْتَعْمل بِكَلِمَة إِلَى يُقَال دَعَا إِلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى {{وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام}} وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال فَدَعَاهُمْ إِلَى مَجْلِسه قلت دَعَا هَهُنَا من قبيل قَوْلهم دَعَوْت فلَانا أَي صحت بِهِ وَكلمَة فِي لَا تتَعَلَّق بِهِ وَلَا هِيَ صلته وَإِنَّمَا هِيَ حَال كَمَا ذكرنَا تتَعَلَّق بِمَحْذُوف وَتَقْدِيره كَمَا ذكرنَا أَو تكون فِي بِمَعْنى إِلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم}}أَي إِلَى أَفْوَاههم وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة شرح السّنة دعاهم لمجلسه قَوْله وَحَوله عُظَمَاء الرّوم الْوَاو فِيهِ للْحَال وَحَوله نصب على الظّرْف وَلكنه فِي تَقْدِير الرّفْع لِأَنَّهُ خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي قَوْله عُظَمَاء الرّوم قَوْله ثمَّ دعاهم عطف على قَوْله فَدَعَاهُمْ فَإِن قلت هَذَا تكْرَار فَمَا الْفَائِدَة فِيهِ قلت لَيْسَ بتكرار لِأَنَّهُ أَولا دعاهم بِأَن أَمر بإحضارهم من الْموضع الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَلَمَّا حَضَرُوا اسْتَأْذن لَهُم فَتَأمل زَمَانا حَتَّى أذن لَهُم وَهُوَ معنى قَوْله ثمَّ دعاهم وَلِهَذَا ذكره بِكَلِمَة ثمَّ الَّتِي تدل على التَّرَاخِي وَهَكَذَا عَادَة الْمُلُوك الْكِبَار إِذا طلبُوا شخصا يحْضرُون بِهِ ويوقفونه على بابهم زَمَانا حَتَّى يَأْذَن لَهُم بِالدُّخُولِ ثمَّ يُؤذن لَهُم بِالدُّخُولِ وَلَا شكّ أَن هَهُنَا لَا بُد من دعوتين الدعْوَة فِي الْحَالة الأولى والدعوة فِي الْحَالة الثَّانِيَة قَوْله ودعا ترجمانه بِنصب الترجمان لِأَنَّهُ مفعول وعَلى رِوَايَة بترجمانه تكون الْبَاء زَائِدَة لِأَن دَعَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}} قَوْله فَقَالَ أَيّكُم الْفَاء فِيهِ فصيحة أَيْضا وَالضَّمِير فِي قَالَ يرجع إِلَى الترجمان وَالتَّقْدِير أَي فَقَالَ هِرقل للترجمان قل أَيّكُم أقرب فَقَالَ الترجمان أَيّكُم أقرب ثمَّ أَن لَفْظَة أقرب إِن كَانَ أفعل التَّفْضِيل فَلَا بُد أَن تسْتَعْمل بِأحد الْوُجُوه الثَّلَاثَة الْإِضَافَة وَاللَّام وَمن وَقد جَاءَ هَهُنَا مُجَردا عَنْهَا وَأَيْضًا معنى الْقرب لَا بُد أَن يكون من شَيْء فَلَا بُد من صلَة وَأجِيب بِأَن كليهمَا محذوفان وَالتَّقْدِير أَيّكُم أقرب من النَّبِي من غَيْركُمْ قَوْله فَقلت أَنا أقربهم نسبا أَي من حَيْثُ النّسَب وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو سُفْيَان أقرب لِأَنَّهُ من بني عبد منَاف وَقد أوضح ذَلِك البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد بقوله قَالَ مَا قرابتك مِنْهُ قلت هُوَ ابْن عمي قَالَ أَبُو سُفْيَان وَلم يكن فِي الركب من بني عبد منَاف غَيْرِي انْتهى. وَعبد منَاف هُوَ الْأَب الرَّابِع للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا لأبي سُفْيَان وَأطلق عَلَيْهِ ابْن عَم لِأَنَّهُ نزل كلا مِنْهُمَا منزلَة جده فعبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف وَإِنَّمَا خص هِرقل الْأَقْرَب لِأَنَّهُ أَحْرَى بالاطلاع على أُمُوره ظَاهرا وَبَاطنا أَكثر من غَيره وَلِأَن الْأَبْعَد لَا يُؤمن أَن يقْدَح فِي نسبه بِخِلَاف الْأَقْرَب قَوْله فَقَالَ أَي هِرقل ادنوه مني وَإِنَّمَا أَمر بإدنائه ليمعن فِي السُّؤَال قَوْله فاجعلوهم عِنْد ظَهره أَي عِنْد ظهر أبي سُفْيَان إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِئَلَّا يستحيوا أَن يواجهوه بالتكذيب إِن كذب وَقد صرح بذلك الْوَاقِدِيّ فِي رِوَايَته قَوْله قل لَهُم أَي لأَصْحَاب أبي سُفْيَان قَوْله هَذَا أَشَارَ بِهِ إِلَى أبي سُفْيَان وَأَرَادَ بقوله عَن الرجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد قَوْله فَإِن كَذبَنِي بِالتَّخْفِيفِ فَكَذبُوهُ بِالتَّشْدِيدِ أَي فَإِن نقل إِلَى الْكَذِب وَقَالَ لي خلاف الْوَاقِع. قَوْله فوَاللَّه من كَلَام أبي سُفْيَان كَمَا ذكرنَا قَوْله لكذبت عَنهُ جَوَاب لَوْلَا قَوْله ثمَّ كَانَ أول بِالرَّفْع اسْم كَانَ وَخَبره قَوْله أَن قَالَ وَأَن مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره قَوْله وَجَاء النصب وَوَجهه أَن يكون خَبرا لَكَانَ فَإِن قلت أَيْن اسْم كَانَ على هَذَا التَّقْدِير وَمَا مَوضِع قَوْله أَن قَالَ قلت يجوز أَن يكون اسْم كَانَ ضمير الشَّأْن وَيكون قَوْله أَن قَالَ بَدَلا من قَوْله مَا سَأَلَني عَنهُ أَو يكون التَّقْدِير بِأَن قَالَ أَي بقوله وَيجوز أَن يكون أَن قَالَ اسْم كَانَ وَقَوله أول مَا سَأَلَني خَبره وَالتَّقْدِير ثمَّ كَانَ قَوْله كَيفَ نسبه فِيكُم أول مَا سَأَلَني مِنْهُ. قَوْله ذُو نسب أَي صَاحب نسب عَظِيم والتنوين للتعظيم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة}} أَي حَيَاة عَظِيمَة. قَوْله قطّ قد ذكرنَا أَنه لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْمَاضِي الْمَنْفِيّ. فَإِن قلت فَأَيْنَ النَّفْي هَهُنَا قلت الِاسْتِفْهَام حكمه حكم النَّفْي قَوْله قبله قبله نصب على الظّرْف وَأما على رِوَايَة مثله بدل قبله يكون بَدَلا عَن قَوْله هَذَا القَوْل. قَوْله مِنْكُم أَي من قومكم فالمضاف مَحْذُوف قَوْله فأشراف النَّاس اتَّبعُوهُ أم ضُعَفَاؤُهُمْ فِيهِ حذف همزَة الِاسْتِفْهَام وَالتَّقْدِير اتبعهُ أَشْرَاف النَّاس أم اتبعهُ ضُعَفَاؤُهُمْ وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَلَفظه اتبعهُ أَشْرَاف النَّاس وَأم هَهُنَا مُتَّصِلَة معادلة لهمزة الِاسْتِفْهَام قَوْله بل ضُعَفَاؤُهُمْ أَي بل اتبعهُ ضعفاء النَّاس وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله أيزيدون أم ينقصُونَ قَوْله سخطَة نصب على التَّعْلِيل وَيجوز أَن يكون نصبا على الْحَال على تَأْوِيل ساخطا قَوْله وَنحن مِنْهُ أَي من الرجل الْمَذْكُور وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مُدَّة أَرَادَ بهَا مُدَّة الْهُدْنَة وَهِي صلح الْحُدَيْبِيَة نَص عَلَيْهِ النَّوَوِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا يُرِيد غيبته عَن الأَرْض وَانْقِطَاع أخباره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ وَلذَلِك قَالَ وَلم يمكني كلمة أَدخل فِيهَا شَيْئا لِأَن الْإِنْسَان قد يتَغَيَّر وَلَا يدْرِي الْآن هَل هُوَ على مَا فارقناه أَو بدل شَيْئا وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي قَوْله لَا نَدْرِي إِشَارَة إِلَى أَن عدم غدره غير مجزوم بِهِ قلت لَيْسَ كَذَلِك بل لكَون الْأَمر مغيبا عَنهُوَهُوَ فِي الِاسْتِقْبَال تردد فِيهِ بقوله لَا نَدْرِي. قَوْله فِيهَا أَي فِي الْمدَّة. قَوْله قَالَ أَي أَبُو سُفْيَان. قَوْله كلمة مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل لقَوْله لم يمكني. قَوْله أَدخل بِضَم الْهمزَة من الإدخال. قَوْله فِيهَا أَي فِي الْكَلِمَة ذكر الْكَلِمَة وَأَرَادَ بهَا الْكَلَام. قَوْله شَيْئا مفعول لقَوْله ادخل. قَوْله غير هَذِه الْكَلِمَة يجوز فِي غير الرّفْع وَالنّصب أما الرّفْع فعلى كَونه صفة لكلمة وَأما النصب فعلى كَونه صفة لقَوْله شَيْئا وَاعْترض كَيفَ يكون غير صفة لَهما وهما نكرَة وَغير مُضَاف إِلَى الْمعرفَة وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا يتعرف بِالْإِضَافَة إِلَّا إِذا اشْتهر الْمُضَاف بمغايرة الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك. قَوْله وَكَيف كَانَ قتالكم إِيَّاه قَالَ بعض الشَّارِحين فِيهِ انْفِصَال ثَانِي الضميرين وَالِاخْتِيَار أَن لَا يَجِيء الْمُنْفَصِل إِذا تأتى مَجِيء الْمُتَّصِل وَقَالَ شَارِح آخر قتالكم إِيَّاه أفْصح من قتالكموه باتصال الضَّمِير فَلذَلِك فَصله قلت الصَّوَاب مَعَه نَص عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ قَوْله الْحَرْب مُبْتَدأ وَقَوله سِجَال خَبره لَا يُقَال الْحَرْب مُفْرد والسجال جمع فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر لأَنا نقُول الْحَرْب اسْم جنس وَقَالَ بَعضهم الْحَرْب اسْم جمع وَلِهَذَا جعل خَبره اسْم جمع. قلت لَا نسلم أَن السجال اسْم جمع بل هُوَ جمع وَبَين الْجمع وَاسم الْجمع فرق كَمَا علم فِي مَوْضِعه وَيجوز أَن يكون سِجَال بِمَعْنى المساجلة وَلَا يكون جمع سجل فَلَا يرد السُّؤَال أصلا قَوْله قَالَ مَاذَا يَأْمُركُمْ أَي قَالَ هِرقل وَكلمَة مَا اسْتِفْهَام وَذَا إِشَارَة وَيجوز أَن يكون كُله استفهاما على التَّرْكِيب كَقَوْلِك لماذا جِئْت وَيجوز أَن يكون ذَا مَوْصُولَة بِدَلِيل افتقاره إِلَى الصِّلَة كَمَا فِي قَول لبيد أَلا تَسْأَلَانِ الْمَرْء مَاذَا يحاول وَيجوز أَن يكون ذَا زَائِدَة أجَاز ذَلِك جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك فِي نَحْو مَاذَا صنعت. قَوْله لم يكن ليذر الْكَذِب اللَّام فِيهِ تسمى لَام الْجُحُود لملازمتها للجحد أَي النَّفْي وفائدتها توكيد النَّفْي وَهِي الدَّاخِلَة فِي اللَّفْظ على الْفِعْل مسبوقة بِمَا كَانَ أَو لم يكن ناقصتين مسندتين لما أسْند إِلَيْهِ الْفِعْل المقرون بِاللَّامِ نَحْو {{وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب}} {{لم يكن الله ليغفر لَهُم}} وَقَالَ النّحاس الصَّوَاب تَسْمِيَتهَا لَام النَّفْي لِأَن الْجحْد فِي اللُّغَة إِنْكَار مَا تعرفه لَا مُطلق الْإِنْكَار قَوْله حِين تخالط بشاشته الْقُلُوب قد ذكرنَا التَّوْجِيه فِيهِ قَوْله فَذكرت أَنه أَي بِأَنَّهُ وَمحل أَن جر بِهَذِهِ وَكَذَلِكَ أَن فِي قَوْله {{أَن تعبدوا الله}} قَوْله ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ حذف تَقْدِيره قَالَ أَبُو سُفْيَان ثمَّ دَعَا هِرقل ومفعول دَعَا أَيْضا مَحْذُوف قدره الْكرْمَانِي بقوله ثمَّ دَعَا هِرقل النَّاس بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدره بَعضهم ثمَّ دَعَا من وكل ذَلِك إِلَيْهِ. قلت الْأَحْسَن أَن يُقَال ثمَّ دَعَا من يَأْتِي بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى التَّقْدِير لِأَن الْكتاب مدعُو بِهِ وَلَيْسَ بمدعو فَلهَذَا عدى إِلَيْهِ بِالْبَاء وَيجوز أَن تكون الْبَاء زَائِدَة وَالتَّقْدِير ثمَّ دَعَا الْكتاب على سَبِيل الْمجَاز أَو ضمن دَعَا معنى اشْتغل وَنَحْوه قَوْله بعث بِهِ مَعَ دحْيَة أَي أرْسلهُ مَعَه وَيُقَال أَيْضا بَعثه وابتعثه بِمَعْنى أرْسلهُ وَكلمَة مَعَ بِفَتْح الْعين على اللُّغَة الفصحى وَبهَا جَاءَ الْقُرْآن وَيُقَال أَيْضا بإسكانها وَقيل مَعَ لفظ مَعْنَاهُ الصُّحْبَة سَاكن الْعين ومفتوحها غير أَن الْمَفْتُوحَة تكون اسْما وحرفا والساكنة حرف لَا غير قَوْله فَإِذا فِيهِ كلمة إِذا هَذِه للمفاجأة قَوْله من مُحَمَّد يدل على أَن من تَأتي فِي غير الزَّمَان وَالْمَكَان وَنَحْوه قَوْله {{من الْمَسْجِد الْحَرَام}} {{إِنَّه من سُلَيْمَان}} قَوْله سَلام مَرْفُوع على الابتدا وَهَذَا من الْمَوَاضِع الَّتِي يكون الْمُبْتَدَأ فِيهَا نكرَة بِوَجْه التَّخْصِيص وَهُوَ مصدر فِي معنى الدُّعَاء وَأَصله سلم الله أَو سلمت سَلاما إِذْ الْمَعْنى فِيهِ ثمَّ حذف الْفِعْل للْعلم بِهِ ثمَّ عدل عَن النصب إِلَى الرّفْع لغَرَض الدَّوَام والثبوت وأصل الْمَعْنى على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَقد كَانَ سَلاما فِي الأَصْل مَخْصُوصًا بِأَنَّهُ صادر من الله تَعَالَى وَمن الْمُتَكَلّم لدلَالَة فعله وفاعله الْمُتَقَدِّمين عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَن يكون بَاقِيا على تَخْصِيصه قَوْله أما بعد كلمة أما فِيهَا معنى الشَّرْط فَلذَلِك لزمتها الْفَاء وتستعمل فِي الْكَلَام على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يستعملها الْمُتَكَلّم لتفصيل مَا أجمله على طَرِيق الِاسْتِئْنَاف كَمَا تَقول جَاءَنِي أخوتك أما زيد فأكرمته وَأما خَالِد فأهنته وَأما بشر فَأَعْرَضت عَنهُ وَالْآخر أَن يستعملها أخذا فِي كَلَام مُسْتَأْنف من غير أَن يتقدمها كَلَام وَأما هَهُنَا من هَذَا الْقَبِيل وَقَالَ الْكرْمَانِي أما للتفصيل فَلَا بُد فِيهِ من التّكْرَار فَأَيْنَ قسيمه ثمَّ قَالَ الْمَذْكُور قبله قسيمه وَتَقْدِيره أما الِابْتِدَاء فباسم الله تَعَالَى وَأما الْمَكْتُوب فَمن مُحَمَّد وَنَحْوه وَأما بعد ذَلِك فَكَذَا انْتهى. قلت هَذَا كُله تعسف وَذُهُول عَن الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة وَلم يقل أحد أَن أما فِي مثل هَذَا الْموضع تَقْتَضِي التَّقْسِيم وَالتَّحْقِيق مَا قُلْنَا. وَكلمَة بعد مَبْنِيَّة على الضَّم إِذْ أَصْلهَا أما بعد كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا قطعت عَن الْإِضَافَةبنيت على الضَّم وَتسَمى حِينَئِذٍ غَايَة قَوْله بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أَي أَدْعُوك بالمدعو الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام وَالْبَاء بِمَعْنى إِلَى وجوزت النُّحَاة إِقَامَة حُرُوف الْجَرّ بَعْضهَا مقَام بعض أَي أَدْعُوك إِلَى الْإِسْلَام. قَوْله أسلم تسلم كِلَاهُمَا مجزومان الأول لِأَنَّهُ أَمر وَالثَّانِي لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر وَالْأول بِكَسْر اللَّام لِأَنَّهُ من أسلم. وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا لِأَنَّهُ مضارع من سلم قَوْله يؤتك الله مجزوم أَيْضا إِمَّا جَوَاب ثَان لِلْأَمْرِ وَإِمَّا بدل مِنْهُ وَإِمَّا جَوَاب لأمر مَحْذُوف تَقْدِيره أسلم يؤتك الله على مَا صرح بِهِ البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد أسلم يؤتك الله وَقَالَ بَعضهم يحْتَمل أَن يكون الْأَمر الأول للدخول فِي الْإِسْلَام وَالثَّانِي للدوام عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله}} الْآيَة قلت الأصوب أَن يكون من بَاب التَّأْكِيد وَالْآيَة فِي حق الْمُنَافِقين مَعْنَاهَا يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا نفَاقًا آمنُوا إخلاصا كَذَا فِي التَّفْسِير قَوْله وَيَا أهل الْكتاب عطف هَذَا الْكَلَام على مَا قبله بِالْوَاو وَالَّذِي يدل على الْجمع وَالتَّقْدِير أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام وأدعوك بقول الله {{يَا أهل الْكتاب}} إِلَى آخِره وَأما الرِّوَايَة الَّتِي سَقَطت فِيهَا الْوَاو فوجهها أَن يكون قَوْله {{يَا أهل الْكتاب}} بَيَانا لقَوْله بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام قَوْله {{تَعَالَوْا}} بِفَتْح اللَّام وَأَصله تعاليوا تَقول تعال تعاليا تعاليوا قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَ تَعَالَوْا وَالْمرَاد من أهل الْكتاب أهل الْكِتَابَيْنِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقيل وَفد نَجْرَان وَقيل يهود الْمَدِينَة قَوْله {{سَوَاء}} أَي مستوية بَيْننَا وَبَيْنكُم لَا يخْتَلف فِيهَا الْقُرْآن والتوراة وَالْإِنْجِيل وَتَفْسِير الْكَلِمَة قَوْله {{أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله}} يَعْنِي تَعَالَوْا إِلَيْهَا حَتَّى لَا نقُول عُزَيْر ابْن الله وَلَا الْمَسِيح ابْن الله لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بشر مثلنَا وَلَا نطيع أحبارنا فِيمَا أَحْدَثُوا من التَّحْرِيم والتحليل من غير رُجُوع إِلَى مَا شرع الله. قَوْله {{فَإِن توَلّوا}} أَي عَن التَّوْحِيد {{فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ}} أَي لزمتكم الْحجَّة فَوَجَبَ عَلَيْكُم أَن تعترفوا وتسلموا فَإنَّا مُسلمُونَ دونكم وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ يجوز أَن يكون من بَاب التَّعْرِيض وَمَعْنَاهُ اشْهَدُوا اعْتَرَفُوا بأنكم كافرون حَيْثُ توليتم عَن الْحق بعد ظُهُوره قَوْله فَلَمَّا قَالَ أَي هِرقل قَوْله مَا قَالَ جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول قَالَ وَمَا مَوْصُولَة والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره مَا قَالَه من السُّؤَال وَالْجَوَاب قَوْله أخرجنَا على صِيغَة الْمَجْهُول فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَيجوز أَن يكون الثَّانِي على صِيغَة الْمَعْلُوم بِفَتْح الرَّاء فَافْهَم قَوْله لقد أَمر جَوَاب الْقسم الْمَحْذُوف أَي وَالله لقد أَمر قَوْله إِنَّه يخافه بِكَسْر إِن لِأَنَّهُ كَلَام مُسْتَأْنف وَلَا سِيمَا جَاءَ فِي رِوَايَة بِاللَّامِ فِي خَبَرهَا وَقَالَ بَعضهم أَنه يخافه بِكَسْر الْهمزَة لَا بِفَتْحِهَا لثُبُوت اللَّام فِي خَبَرهَا قلت يجوز فتحهَا أَيْضا وَإِن كَانَ على ضعف على أَنه مفعول من أَجله وَقد قرىء فِي الشواذ {{إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون}} بِالْفَتْح فِي أَنهم وَالْمعْنَى على الْفَتْح فِي الحَدِيث عظم أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل أَنه يخافه ملك بني الْأَصْفَر قَوْله وَكَانَ ابْن الناطور الْوَاو فِيهِ عاطفة لما قبلهَا دَاخِلَة فِي سَنَد الزُّهْرِيّ وَالتَّقْدِير عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي عبيد الله إِلَى آخِره ثمَّ قَالَ الزُّهْرِيّ وَكَانَ ابْن الناطور يحدث فَذكر هَذِه الْقِصَّة فَهِيَ مَوْصُولَة إِلَى ابْن الناطور لَا معلقَة كَمَا توهمه بَعضهم وَهَذَا مَوضِع يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّنْبِيه على هَذَا وعَلى أَن قصَّة ابْن الناطور غير مروية بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور عَن أبي سُفْيَان عَنهُ وَإِنَّمَا هِيَ عَن الزُّهْرِيّ وَقد بَين ذَلِك أَبُو نعيم فِي دَلَائِل النُّبُوَّة أَن الزُّهْرِيّ قَالَ لَقيته بِدِمَشْق فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَقَوله ابْن الناطور كَلَام إضافي اسْم كَانَ وَخَبره قَوْله أَسْقُف على اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِيهِ وَقَوله صَاحب إيلياء كَلَام إضافي يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ النصب على الِاخْتِصَاص وَالرَّفْع على أَنه صفة لِابْنِ الناطور أَو خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هُوَ صَاحب إيلياء وَقَالَ بَعضهم نصب على الْحَال وَفِيه بعد قَوْله وهرقل بِفَتْح اللَّام فِي مَحل الْجَرّ على أَنه مَعْطُوف على إيلياء أَي صَاحب إيلياء وَصَاحب هِرقل قَوْله يحدث جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر ثَان لَكَانَ قَوْله أصبح خبر أَن وَيَوْما نصب على الظّرْف وخبيث النَّفس نصب على أَنه خبر أصبح قَوْله قَالَ ابْن الناطور إِلَى قَوْله فَقَالَ لَهُم جمل مُعْتَرضَة بَين سُؤال بعض البطارقة وَجَوَاب هِرقل إيَّاهُم قَوْله وَكَانَ هِرقل حزاء عطف على مُقَدّر تَقْدِيره قَالَ ابْن الناطور كَانَ هِرقل عَالما وَكَانَ حزاء فَلَمَّا حذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ أظهر هِرقل فِي الْمَعْطُوف وحزاء نصب لِأَنَّهُ خبر كَانَ قَوْله ينظر فِي النُّجُوم خبر بعد خبر فعلى هَذَا محلهَا الرّفْع وَيجوز أَن يكون تَفْسِيرا لقَوْله حزاء فَحِينَئِذٍ يكون محلهَا النصب قَوْله ملك الْخِتَان كَلَام إضافي مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله قد ظهر قَوْلهفَمن يختتن فَمن هَهُنَا استفهامية قَوْله فَبَيْنَمَا هم أَصله بَين أشبعت الفتحة فَصَارَ بَينا ثمَّ زيدت عَلَيْهَا مَا. وَالْمعْنَى وَاحِد وَقَوله هم مُبْتَدأ وعَلى أَمرهم خَبره وَقَوله أَتَى هِرقل جَوَابه وَقد يَأْتِي بإذ وَإِذا والأفصح تَركهمَا وَالتَّقْدِير بَين أَوْقَات أَمرهم إِذْ أَتَى وَأَرَادَ بِالْأَمر مشورتهم الَّتِي كَانُوا فِيهَا قَوْله أرسل بِهِ جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة لرجل وَلم يسم هَذَا الرجل من هُوَ وَلَا سمى من أحضرهُ أَيْضا قَوْله أمختتن الْهمزَة فِيهِ للاستفهام قَوْله هَذَا يملك هَذِه الْأمة قد ظهر قد ذكرنَا أَن فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات يحْتَاج إِلَى توجيهها على الْوَجْه المرضي وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح قَدِيما وحديثا شفى العليل هَهُنَا وَلَا أروى الغليل وَإِنَّمَا رَأَيْت شارحا نقل عَن السُّهيْلي وَعَن شيخ نَفسه أما الَّذِي نقل عَن السُّهيْلي فَهُوَ قَوْله وَوَجهه السُّهيْلي فِي أَمَالِيهِ بِأَنَّهُ مُبْتَدأ وَخبر أَي هَذَا الْمَذْكُور يملك هَذِه الْأمة وَهَذَا تَوْجِيه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا هَذَا يملك هَذِه الْأمة بِالْفِعْلِ الْمُضَارع وَهَذَا فِيهِ خدش لِأَن قَوْله قد ظهر يبْقى سائبا من هَذَا الْكَلَام وَأما الَّذِي نقل عَن شَيْخه فَهُوَ أَنه قد وَجه قَول من قَالَ أَن يملك يجوز أَن يكون نعتا أَي هَذَا رجل يملك هَذِه الْأمة فَقَالَ فِي تَوْجِيهه يجوز أَن يكون الْمَحْذُوف وَهُوَ الْمَوْصُول على رَأْي الْكُوفِيّين أَي هَذَا الَّذِي يملك وَهُوَ نَظِير قَوْله وَهَذَا تحملين طليق وَهَذَا أَيْضا فِيهِ خدش من وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا ذكرنَا وَالْآخر أَن قَوْله وَهُوَ نَظِير قَوْله وَهَذَا تحملين طليق قِيَاس غير صَحِيح لِأَن الْبَيْت لَيْسَ فِيهِ حذف وَإِنَّمَا فِيهِ أَن الْكُوفِيّين قَالُوا أَن لَفْظَة هَذَا هَهُنَا بِمَعْنى الَّذِي تَقْدِيره وَالَّذِي تحملين طليق وَأما البصريون فيمنعون ذَلِك وَيَقُولُونَ هَذَا اسْم إِشَارَة وتحملين حَال من ضمير الْخَبَر وَالتَّقْدِير وَهَذَا طليق مَحْمُولا فَنَقُول بعون الله تَعَالَى أما وَجه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا يملك بِالْفِعْلِ الْمُضَارع فَإِن قَوْله هَذَا مُبْتَدأ وَقَوله يملك جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل الرّفْع خَبره وَقَوله هَذِه الْأمة مفعول يملك وَقَوله قد ظهر جملَة وَقعت حَالا وَقد علم أَن الْمَاضِي الْمُثبت إِذا وَقع حَالا لَا بُد أَن يكون فِيهِ قد ظَاهِرَة أَو مقدرَة وَأما وَجه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا ملك هَذِه الْأمة بِضَم الْمِيم وَسُكُون اللَّام فَإِن قَوْله هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن من الْإِعْرَاب أَحدهمَا أَن يكون مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر تَقْدِيره هَذَا الَّذِي نظرته فِي النُّجُوم وَالْآخر أَن يكون فَاعِلا لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره جَاءَ هَذَا أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله ملك الْخِتَان قد ظهر وبكون قَوْله ملك هَذِه الْأمة مُبْتَدأ وَقَوله قد ظهر خَبره وَتَكون هَذِه الْجُمْلَة كالكاشفة للجملة الأولى فَلذَلِك ترك العاطف بَينهمَا وَأما وَجه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا هَذَا ملك هَذِه الْأمة قد ظهر بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام فَإِن قَوْله هَذَا يكون إِشَارَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون مُبْتَدأ وَقَوله ملك هَذِه الْأمة خَبره وَقَوله قد ظهر حَال منتظرة وَالْعَامِل فِيهَا معنى الْإِشَارَة فِي هَذَا وروى هُنَا أَيْضا هَذَا بِملك هَذِه الْأمة بِالْبَاء الجارة فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة تكون الْبَاء مُتَعَلقَة بقوله قد ظهر وبكون التَّقْدِير هَذَا الَّذِي رَأَيْته فِي النُّجُوم قد ظهر بِملك هَذِه الْأمة الَّتِي تختتن فَافْهَم قَوْله بالرومية صفة لصَاحب وَالْبَاء ظرفية قَوْله إِلَى حمص مَفْتُوح فِي مَوضِع الْجَرّ لِأَنَّهُ غير منصرف للعلمية والتأنيث والعجمة وَقَالَ بَعضهم يحْتَمل أَن يجوز صرفه. قلت لَا يحْتَمل أصلا لِأَن هَذَا الْقَائِل إِنَّمَا غره فِيمَا قَالَه سُكُون أَوسط حمص فَإِن مَا لَا ينْصَرف إِذا سكن أوسطه يكون فِي غَايَة الخفة وَذَلِكَ يُقَاوم أحد السببين فَيبقى الِاسْم بِسَبَب وَاحِد فَيجوز صرفه وَلَكِن هَذَا فِيمَا إِذا كَانَ الِاسْم فِيهِ عِلَّتَانِ فبسكون الْأَوْسَط يبْقى بِسَبَب وَاحِد وَأما إِذا كَانَت فِيهِ ثَلَاث علل مثل ماه وجور فَإِنَّهُ لَا ينْصَرف الْبَتَّةَ لِأَن بعد مقاومة سكونه أحد الْأَسْبَاب يبْقى سببان وحمص كَمَا ذكرنَا فِيهَا ثَلَاث علل فَافْهَم قَوْله أَنه نَبِي بِفَتْح أَن عطف على قَوْله على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَرَادَ بِالْخرُوجِ الظُّهُور قَوْله لَهُ فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهُ صفة لدسكرة أَي كائنة لَهُ وَقَوله بحمص يجوز أَن يكون صفة لدسكرة وَيجوز أَن يكون حَالا من هِرقل قَوْله ثمَّ اطلع أَي خرج من الْحرم وَظهر على النَّاس قَوْله وَأَن يثبت بِفَتْح أَن وَهِي مَصْدَرِيَّة عطف على قَوْله فِي الْفَلاح أَي وَهل لكم فِي ثُبُوت ملككم قَوْله وأيس من الْإِيمَان جملَة وَقعت حَالا بِتَقْدِير قد قَوْله آنِفا قَالَ بَعضهم مَنْصُوب على الْحَال قلت لَا يَصح أَن يكون حَالا بل هُوَ نصب على الظّرْف لِأَن مَعْنَاهُ سَاعَة أَو أول وَقت كَمَا ذكرنَا قَوْله اختبر بهَا حَال وَقد علم أَن الْمُضَارع الْمُثبت إِذا وَقع حَالا لَا يجوز فِيهِ الْوَاو قَوْله آخر شَأْن هِرقل أَي آخر أمره فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْقَضِيَّة لِأَنَّهُ وَقعت لَهُ قصَص أُخْرَى بعد ذَلِك وَآخر بِالنّصب هُوَ الصَّحِيح من الرِّوَايَة لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَقَوله ذَلِك اسْمهوَهُوَ إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من الْأُمُور فَإِن صحت الرِّوَايَة بِالرَّفْع فوجهه أَن يكون اسْم كَانَ وَخَبره ذَلِك مقدما (بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان) قَوْله الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سِجَال هَذَا تَشْبِيه بليغ شبه الْحَرْب بالسجال مَعَ حذف أَدَاة التَّشْبِيه لقصد الْمُبَالغَة كَمَا فِي قَوْلك زيد أَسد إِذا أردْت بِهِ الْمُبَالغَة فِي بَيَان شجاعته فَصَارَ كَأَنَّهُ عين الْأسد وَلِهَذَا حمل الْأسد عَلَيْهِ وَذكر السجال وَأَرَادَ بِهِ النوب يَعْنِي الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه نوب نوبَة لنا ونوبة لَهُ كالمستقيين إِذا كَانَ بَينهمَا دلوان يستقى أَحدهمَا. دلوا وَالْآخر دلوا هَذَا إِذا أُرِيد من السجال الدلاء لِأَنَّهُ جمع سجل بِالْفَتْح وَهُوَ الدَّلْو الْعَظِيم وَأَن أُرِيد بِهِ الْمصدر كالمساجلة وَهِي الْمُفَاخَرَة وَهِي أَن يصنع أَحدهمَا مَا يصنع الآخر لَا يكون من هَذَا الْبَاب فَافْهَم. قَوْله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ أَي بِاللَّه وَهَذِه الْجُمْلَة عطف على قَوْله اعبدوا الله وَحده من عطف الْمَنْفِيّ على الْمُثبت وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة عطف الْخَاص على الْعَام من قبيل {{تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح}} فَإِن عبَادَة الله أَعم من عدم الْإِشْرَاك بِهِ وَفِي رِوَايَة لَا تُشْرِكُوا بِهِ بِدُونِ الْوَاو فَتكون الْجُمْلَة الثَّانِيَة فِي حكم التَّأْكِيد لِأَن بَين الجملتين كَمَال الِاتِّصَال فَتكون الثَّانِيَة مُؤَكدَة للأولى ومنزلة مِنْهَا منزلَة التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ من متبوعه فِي إِفَادَة التَّقْرِير مَعَ الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ قَوْله واتركوا مَا تَقول آباؤكم حذف الْمَفْعُول مِنْهُ ليدل على الْعُمُوم أَعنِي عُمُوم قَوْله مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِي ذكر الْآبَاء تَنْبِيه على أَنهم هم الْقدْوَة فِي مخالفتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم عَبدة الْأَوْثَان وَالنَّصَارَى وَالْيَهُود قَوْله حِين يخالط بشاشته الْقُلُوب مُخَالطَة بشاشة الْإِيمَان الْقُلُوب كِنَايَة عَن انْشِرَاح الصَّدْر والفرح بِهِ وَالسُّرُور قَوْله فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ أَن تعبدوا الله فِيهِ من فن المشاكلة والمطابقة وَذَلِكَ لِأَن فِي كَلَام هِرقل سَأَلتك بِمَا يَأْمُركُمْ فَكَذَلِك فِي حكايته عَن كَلَام أبي سُفْيَان قَالَ فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ بطرِيق المشاكلة وَأَبُو سُفْيَان فِي جَوَابه إِيَّاه فِيمَا مضى لم يقل إِلَّا قلت يَقُول اعبدوا الله فَعدل هَهُنَا عَنهُ إِلَى قَوْله فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي جَوَاب هَذَا أَن هِرقل إِنَّمَا غير عِبَارَته تَعْظِيمًا للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتأدبا لَهُ قَوْله أسلم تسلم فِيهِ جناس اشتقاقي وَهُوَ أَن يرجع اللفظان فِي الِاشْتِقَاق إِلَى أصل وَاحِد قَوْله فَإِن توليت أَي أَعرَضت وَحَقِيقَة التولي إِنَّمَا هُوَ بِالْوَجْهِ ثمَّ اسْتعْمل مجَازًا فِي الْإِعْرَاض عَن الشَّيْء قلت هَذَا اسْتِعَارَة تَبَعِيَّة وَقد علم أَن الِاسْتِعَارَة على قسمَيْنِ أَصْلِيَّة وتبعية وَذَلِكَ بِاعْتِبَار اللَّفْظ لِأَنَّهُ إِن كَانَ اسْم جنس سَوَاء كَانَ عينا أَو معنى فالاستعارة أَصْلِيَّة كأسد وفيل وَإِن كَانَ غير اسْم جنس فالاستعارة تَبَعِيَّة وَجه كَونهَا تَبَعِيَّة أَن الِاسْتِعَارَة تعتمد التَّشْبِيه والتشبيه يعْتَمد كَون الْمُشبه مَوْصُوفا والأمور الثَّلَاثَة عَن الموصوفية بمعزل فَتَقَع الِاسْتِعَارَة أَولا فِي المصادر ومتعلقات مَعَاني الْحُرُوف ثمَّ تسري فِي الْأَفْعَال وَالصِّفَات والحروف قَوْله وَكَانَ ابْن الناطور صَاحب إيلياء وهرقل قَالَ الْكرْمَانِي وَلَفظ الصاحب هُنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هِرقل حَقِيقَة وبالنسبة إِلَى إيلياء مجَاز إِذْ المُرَاد مِنْهُ الْحَاكِم فِيهِ وَإِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَالْمعْنَى الْمجَازِي من لفظ وَاحِد بِاسْتِعْمَال وَاحِد جَائِز عِنْد الشَّافِعِي وَأما عِنْد غَيره فَهُوَ مجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنيين بِاعْتِبَار معنى شَامِل لَهما وَمثله يُسمى بِعُمُوم الْمجَاز قلت لَا نسلم اجْتِمَاع الْحَقِيقَة وَالْمجَاز هَهُنَا لِأَن فِيهِ حذفا تَقْدِيره وَكَانَ ابْن الناطور صَاحب إيلياء وَصَاحب هِرقل فَفِي الأول مجَاز وَفِي الثَّانِي حَقِيقَة فَلَا جمع هَهُنَا وارتكاب الْحَذف أولى من ارْتِكَاب الْمجَاز فضلا عَن الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز الَّذِي هُوَ كالمستحيل على مَا عرف فِي مَوْضِعه قَوْله من هَذِه الْأمة أَي من أهل هَذَا الْعَصْر وَإِطْلَاق الْأمة على أهل الْعَصْر كلهم فِيهِ تجوز وَالْأمة فِي اللُّغَة الْجَمَاعَة قَالَ الْأَخْفَش هُوَ فِي اللَّفْظ وَاحِد وَفِي الْمَعْنى جمع وكل جنس من الْحَيَوَان أمة وَفِي الحَدِيث لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها وَالْمرَاد من قَوْله ملك هَذِه الْأمة قد ظهر الْعَرَب خَاصَّة قَوْله فحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش أَي كحيصة حمر الْوَحْش شبه نفرتهم وجهلهم مِمَّا قَالَ لَهُم هِرقل وَأَشَارَ إِلَيْهِم من اتِّبَاع الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنفرة حمر الْوَحْش لِأَنَّهَا أَشد نفرة من سَائِر الْحَيَوَانَات وَيضْرب الْمثل بِشدَّة نفرتها. وَقَالَ بَعضهم شبههم بالحمر دون غَيرهَا من الوحوش لمناسبة الْجَهْل فِي عدم الفطنة بل هم أضلّ. قلت هَذَا كَلَام من لَا وقُوف لَهُ فِي علمي الْمعَانِي وَالْبَيَان وَلَا يخفى وَجه التَّشْبِيه هَهُنَا على من لَهُ أدنى ذوق فِي الْعُلُوم (الأسئلة والأجوبة) الأول مَا قيل أَن قصَّة أبي سُفْيَان مَعَ هِرقل إِنَّمَا كَانَت فِي أَوَاخِر عهد الْبعْثَة فَمَا مُنَاسبَة ذكرهَا لما ترْجم عَلَيْهِ الْبَاب وَهُوَ كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي وَأجِيب بِأَن كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي تعلم من جَمِيع مَا فِي الْبَاب وَهُوَ ظَاهر لَا يخفىالثَّانِي مَا قيل أَن هِرقل لم خص الْأَقْرَب بقوله أَيهمْ أقرب نسبا وَأجِيب بِأَنَّهُ أَحْرَى بالاطلاع على أُمُوره ظَاهرا وَبَاطنا وَلِأَن الْأَبْعَد لَا يُؤمن أَن يقْدَح فِي نسبه بِخِلَاف الْأَقْرَب الثَّالِث مَا قيل لم عدل عَن السُّؤَال عَن نفس الْكَذِب إِلَى السُّؤَال عَن التُّهْمَة وَأجِيب بِأَنَّهُ لتقريرهم على صدقه لِأَن التُّهْمَة إِذا انْتَفَت انْتَفَى سَببهَا الرَّابِع مَا قيل أَن أَبَا سُفْيَان لما قَالَ لَهُ هِرقل فَهَل يغدر قَالَ قلت لَا فَمَا معنى كَلَامه بعده وَنحن مِنْهُ فِي مُدَّة إِلَى آخِره أُجِيب بِأَنَّهُ لما قطع بِعَدَمِ غدره لعلمه من أخلاقه الْوَفَاء والصدق أحَال الْأَمر على الزَّمن الْمُسْتَقْبل لكَونه مغيبا وَأوردهُ على التَّرَدُّد وَمَعَ هَذَا كَانَ يعلم أَن صدقه ووفاءه ثَابت مُسْتَمر وَلِهَذَا لم يقْدَح هِرقل على هَذَا الْقدر مِنْهُ الْخَامِس مَا قيل مَا وَجه قَول أبي سُفْيَان الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سِجَال أُجِيب بِأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا وَقع بَينهم فِي غَزْوَة بدر وغزوة أحد وَقد صرح بذلك أَبُو سُفْيَان يَوْم أحد فِي قَوْله يَوْم بِيَوْم بدر وَالْحَرب سِجَال السَّادِس مَا قيل كَيفَ خصص أَبُو سُفْيَان الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة بِالذكر وَهِي الصَّلَاة والصدق والعفاف والصلة وَأجِيب للْإِشَارَة إِلَى تَمام مَكَارِم الْأَخْلَاق وَكَمَال أَنْوَاع فضائله لِأَن الْفَضِيلَة إِمَّا قولية وَهِي الصدْق وَإِمَّا فعلية وَهِي إِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله تَعَالَى وَهِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ تَعْظِيم الله تَعَالَى وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفسه وَهِي الْعِفَّة وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره وَهِي الصِّلَة وَلما كَانَ مبْنى هَذِه الْأُمُور الصدْق وصحتها مَوْقُوفَة على التَّوْحِيد وَترك الْإِشْرَاك بِاللَّه تَعَالَى أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَولا يَقُول اعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَشَارَ بِهَذَا الْقسم إِلَى التخلي عَن الرذائل وبالقسم الأول إِلَى التحلي بالفضائل ويؤول حَاصِل الْكَلَام إِلَى أَنه ينهانا عَن النقائص ويأمرنا بالكمالات فَافْهَم السَّابِع مَا قيل لَا تُشْرِكُوا كَيفَ يكون مَأْمُورا بِهِ والعدم لَا يُؤمر بِهِ إِذْ لَا تَكْلِيف إِلَّا بِفعل لَا سِيمَا فِي الْأَوَامِر وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِهِ التَّوْحِيد الثَّامِن مَا قيل لَا تُشْرِكُوا نهى فَمَا معنى ذَلِك إِذْ لَا يُقَال لَهُ أَمر وَأجِيب بِأَن الْإِشْرَاك مَنْهِيّ عَنهُ وَعدم الْإِشْرَاك مَأْمُور بِهِ مَعَ أَن كل نهي عَن شَيْء أَمر بضده وكل أَمر بِشَيْء نهي عَن ضِدّه. قلت هَذَا الْموضع فِيهِ تَفْصِيل لَا نزاع فِي أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ترك ذَلِك الشَّيْء بالتضمن نهي تَحْرِيم إِن كَانَ الْأَمر للْوُجُوب وَنهي كَرَاهَة إِن كَانَ للنَّدْب فَإِذا قَالَ صم يلْزمه أَن لَا يتْرك الصَّوْم وَإِنَّمَا النزاع فِي أَن الْأَمر هَل هُوَ نهي عَن ضِدّه الوجودي مثلا قَوْلك اسكن عين قَوْلك لَا تتحرك بِمَعْنى أَن الْمَعْنى الَّذِي عبر عَنهُ بأسكن عين مَا عبر عَنهُ بِلَا تتحرك فَتكون عبارتان لإِفَادَة معنى وَاحِد أم لَا فِيهِ النزاع لَا فِي أَن صِيغَة أسكن عين صِيغَة لَا تتحرك فَإِنَّهُ ظَاهر الْفساد لم يذهب إِلَيْهِ أحد. فَذهب بعض الشَّافِعِيَّة وَالْقَاضِي أَبُو بكر أَولا أَن الْأَمر بالشَّيْء عين النَّهْي عَن ضِدّه بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور. وَقَالَ القَاضِي آخرا وَكثير من الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْمُعْتَزلَة أَن الْأَمر بالشَّيْء يسْتَلْزم النَّهْي عَن ضِدّه لَا أَنه عينه إِذْ اللَّازِم غير الْمَلْزُوم. وَذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَبَاقِي الْمُعْتَزلَة إِلَى أَنه لَا حكم لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي ضِدّه أصلا بل هُوَ مسكوت عَنهُ. وَمِنْهُم من اقْتصر فَقَالَ الْأَمر بالشَّيْء عين النَّهْي عَن ضِدّه أَو يستلزمه وَلم يتَجَاوَز وَمِنْهُم من تجَاوز إِلَى الْجَانِب الآخر وَقَالَ النَّهْي عَن الشَّيْء عين الْأَمر بضده أَو يستلزمه. وَقَالَ أَبُو بكر الْجَصَّاص وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء الْحَنَفِيَّة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَأهل الحَدِيث أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه إِذا كَانَ لَهُ ضد وَاحِد كالأمر بِالْإِيمَان نهي عَن الْكفْر وَإِن كَانَ لَهُ أضداد كالأمر بِالْقيامِ لَهُ أضداد من الْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود والاضطجاع يكون الْأَمر بِهِ نهيا عَن جَمِيع أضداده كلهَا وَقَالَ بَعضهم يكون نهيا عَن وَاحِد مِنْهَا من غير عين وَفصل بَعضهم بَين الْأَمر بِالْإِيجَابِ وَالْأَمر بالندب فَقَالَ أَمر الْإِيجَاب يكون نهيا عَن ضد الْمَأْمُور بِهِ وَعَن أضداده لكَونهَا مَانِعَة من قبل الْمُوجب وَأمر النّدب لَا يكون كَذَلِك فَكَانَت أضداد الْمَنْدُوب غير مَنْهِيّ عَنْهَا لَا نهي تَحْرِيم وَلَا نهي تَنْزِيه وَمن لم يفصل جعل أَمر النّدب نهيا عَن ضِدّه نهي ندب حَتَّى يكون الِامْتِنَاع عَن ضد الْمَنْدُوب مَنْدُوبًا كَمَا يكون فعله مَنْدُوبًا وَأما النَّهْي عَن الشَّيْء فَأمر بضده إِن كَانَ لَهُ ضد وَاحِد باتفاقهم كالنهي عَن الْكفْر أَمر بِالْإِيمَان وَإِن كَانَ لَهُ أضداد فَعِنْدَ بعض الْحَنَفِيَّة وَبَعض أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بالأضداد كلهَا كَمَا فِي جَانب الْأَمر وَعند عَامَّة الْحَنَفِيَّة وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بِوَاحِد من الأضداد غير عين. وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه يُوجب حُرْمَة ضِدّه وَقَالَ بَعضهم يدل على حُرْمَة ضِدّه وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء يدل على كَرَاهَة ضِدّه وَقَالَ بَعضهم يُوجب كَرَاهَة ضِدّه. ومختار القَاضِي أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام وَمن تَابعهمْ أَنه يَقْتَضِي كَرَاهَة ضِدّهوَالنَّهْي عَن الشَّيْء يُوجب أَن يكون ضِدّه فِي معنى سنة مُؤَكدَة التَّاسِع مَا قيل وينهاكم عَن عبَادَة الْأَوْثَان لم يذكرهُ أَبُو سُفْيَان فَلم ذكره هِرقل وَأجِيب بِأَنَّهُ قد لزم ذَلِك من قَول أبي سُفْيَان وَحده وَمن وَلَا تُشْرِكُوا وَمن واتركوا مَا يَقُول آباؤكم ومقولهم كَانَ عبَادَة الْأَوْثَان الْعَاشِر مَا قيل مَا ذكر هِرقل لَفْظَة الصِّلَة الَّتِي ذكرهَا أَبُو سُفْيَان فَلم تَركهَا وَأجِيب بِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي العفاف إِذْ الْكَفّ عَن الْحَرَام وخوارم الْمُرُوءَة يسْتَلْزم الصِّلَة وَفِيه نظر إِلَّا أَن يُرَاد أَن الاستلزام عَقْلِي فَافْهَم الْحَادِي عشر مَا قيل لم مَا رَاعى هِرقل التَّرْتِيب وَقدم فِي الْإِعَادَة سُؤال التُّهْمَة على سُؤال الِاتِّبَاع وَالزِّيَادَة والارتداد وَأجِيب بِأَن الْوَاو لَيست للتَّرْتِيب أَو أَن شدَّة اهتمام هِرقل بِنَفْي الْكَذِب على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنهُ بَعثه على التَّقْدِيم الثَّانِي عشر مَا قيل السُّؤَال من أحد عشر وَجها والمعاد فِي كَلَام هِرقل تِسْعَة حَيْثُ لم يقل وَسَأَلْتُك عَن الْقِتَال وَسَأَلْتُك كَيفَ كَانَ قتالكم فَلم ترك هذَيْن الْإِثْنَيْنِ وَأجِيب لِأَن مَقْصُوده بَيَان عَلَامَات النُّبُوَّة وَأمر الْقِتَال لَا دخل لَهُ فِيهَا إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى الْعَاقِبَة وَذَلِكَ عِنْد وُقُوع هَذِه الْقِصَّة كَانَت فِي الْغَيْب وَغير مَعْلُوم لَهُم أَو لِأَن الرَّاوِي اكْتفى بِمَا سَيذكرُهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى يوردها فِي كتاب الْجِهَاد فِي بَاب دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْإِسْلَام بعد تكَرر هَذِه الْقِصَّة مَعَ الزِّيَادَات وَهُوَ أَنه قَالَ وَسَأَلْتُك هَل قاتلتموه وقاتلكم وَزَعَمت أَن قد فعل وَأَن حربكم وحربه يكون دولا وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبتلى وَتَكون لَهَا الْعَاقِبَة الثَّالِث عشر مَا قيل كَيفَ قَالَ هِرقل وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبْعَث فِي نسب قَومهَا وَمن أَيْن علم ذَلِك وَأجِيب باطلاعه فِي الْعُلُوم المقررة عِنْدهم من الْكتب السالفة الرَّابِع عشر مَا قيل كَيفَ قَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَقلت وَفِي غَيرهمَا لم يذكرهُ وَأجِيب بِأَن هذَيْن المقامين مقَام تكبر وبطر بِخِلَاف غَيرهمَا الْخَامِس عشر مَا قيل كَيفَ قَالَ وَكنت أعلم أَنه خَارج ومأخذه من أَيْن وَأجِيب بِأَن مأخذه أما من الْقَرَائِن الْعَقْلِيَّة وَأما من الْأَحْوَال العادية وَأما من الْكتب الْقَدِيمَة كَمَا ذكرنَا السَّادِس عشر مَا قيل هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي سَأَلَهَا هِرقل لَيست بقاطعة على النُّبُوَّة وَإِنَّمَا الْقَاطِع المعجزة الخارقة للْعَادَة فَكيف قَالَ وَكنت أعلم أَنه خَارج بالتأكيدات والجزم وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَ عِنْده علم بِكَوْنِهَا عَلَامَات هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه قطع ابْن بطال. وَقَالَ أَخْبَار هِرقل وسؤاله عَن كل فصل فصل إِنَّمَا كَانَ عَن الْكتب الْقَدِيمَة وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك كُله نعتا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل السَّابِع عشر مَا قيل هَل يحكم بِإِسْلَام هِرقل بقوله فَلَو أَنِّي أعلم أَنِّي أخْلص لَهُ لتجشمت لقاءه وَلَو كنت عِنْده لغسلت رجلَيْهِ وَأجِيب بِأَنا لَا نحكم بِهِ لِأَنَّهُ ظهر مِنْهُ مَا يُنَافِيهِ حَيْثُ قَالَ إِنِّي قلت مَقَالَتي آنِفا أختبر بهَا شدتكم على دينكُمْ فَعلمنَا أَنه مَا صدر مِنْهُ مَا صدر عَن التَّصْدِيق القلبي والاعتقاد الصَّحِيح بل لامتحان الرّعية بِخِلَاف إِيمَان ورقة فَإِنَّهُ لم يظْهر مِنْهُ مَا يُنَافِيهِ وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون قَوْله ذَلِك خوفًا على نَفسه لما رَآهُمْ حاصوا حَيْصَة الْحمر الوحشية وَأَرَادَ بذلك إسكاتهم وتطمينهم وَمن أَيْن وقفنا على مَا فِي قلبه هَل صدر هَذَا القَوْل عَن تَصْدِيق قلبِي أم لَا وَلَكِن قَالَ النَّوَوِيّ لَا عذر فِيمَا قَالَ لَو أعلم لتجشمت لِأَنَّهُ قد عرف صدق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا شح بِالْملكِ وَرغب فِي الرياسة فآثرهما على الْإِسْلَام وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَلَو أَرَادَ الله هدايته لوفقه كَمَا وفْق النَّجَاشِيّ وَمَا زَالَت عَنهُ الرياسة وَقَالَ الْخطابِيّ إِذا تَأَمَّلت مَعَاني هَذَا الْكَلَام الَّذِي وَقع فِي مَسْأَلته عَن أَحْوَال الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا استخرجه من أَوْصَافه تبينت حسن مَا استوصف من أمره وجوامع شَأْنه وَللَّه دره من رجل مَا كَانَ أعقله لَو ساعد معقوله مقدوره وَقَالَ أَبُو عمر آمن قَيْصر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبت بطارقته قلت قَوْله لَو أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ يدل على أَنه لم يكن يتَحَقَّق السَّلامَة من الْقَتْل لَو هَاجر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقاس ذَلِك على قصَّة ضفاطر الَّذِي أظهر لَهُم إِسْلَامه فَقَتَلُوهُ وَلَكِن لَو نظر هِرقل فِي الْكتاب إِلَيْهِ إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسلم تسلم وَحمل الْجَزَاء على عُمُومه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَو أسلم لسلم من كل مَا كَانَ يخافه وَلَكِن الْقدر مَا ساعده وَمِمَّا يُقَال أَن هِرقل آثر ملكه على الْإِيمَان وَتَمَادَى على الضلال أَنه حَارب الْمُسلمين فِي غَزْوَة مُؤْتَة سنة ثَمَان بعد هَذِه الْقِصَّة بِدُونِ السنتين فَفِي مغازي ابْن إِسْحَق وَبلغ الْمُسلمين لما نزلُوا معَان من أَرض الشَّام أَن هِرقل نزل فِي مائَة ألف من الْمُشْركين فَحكى كَيْفيَّة الْوَاقِعَة وَكَذَا روى ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَيْهِ أَيْضا من تَبُوك يَدعُوهُ وَأَنهقَارب الْإِجَابَة وَلم يجب فَدلَّ ظَاهر هَذَا على استمراره على الْكفْر لَكِن يحْتَمل مَعَ ذَلِك أَنه كَانَ يضمر الْإِيمَان وَيفْعل هَذِه الْمعاصِي مُرَاعَاة لملكه وخوفا من أَن يقْتله قومه لَكِن فِي مُسْند أَحْمد رَحمَه الله أَنه كتب من تَبُوك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي مُسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كذب بل هُوَ على نصرانيته فعلى هَذَا إِطْلَاق أبي عمر أَنه آمن أَي أظهر التَّصْدِيق لكنه لم يسْتَمر عَلَيْهِ وآثر الفانية على الْبَاقِيَة وَقَالَ ابْن بطال قَول هِرقل لَو أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ لتجشمت لقاءه أَي دون خلع ملكه وَدون اعْتِرَاض عَلَيْهِ وَكَانَت الْهِجْرَة فرضا على كل مُسلم قبل فتح مَكَّة فَإِن قيل النَّجَاشِيّ لم يُهَاجر وَهُوَ مُؤمن قلت النَّجَاشِيّ كَانَ ردأ لِلْإِسْلَامِ هُنَاكَ وملجأ لمن أوذي من الصَّحَابَة وَحكم الردء حكم الْمقَاتل وَكَذَا رده اللُّصُوص والمحاربين عِنْد مَالك والكوفيين يقتل بِقَتْلِهِم وَيجب عَلَيْهِ مَا يجب عَلَيْهِم وَإِن لم يحضروا الْقَتْل خلافًا للشَّافِعِيّ وَمثله تخلف عُثْمَان وَطَلْحَة وَسَعِيد بن زيد عَن بدر وَضرب لَهُم الشَّارِع بسهمهم وأجرهم وَقَالَ ابْن بطال وَلم يَصح عندنَا أَن هِرقل جهر بِالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا عندنَا أَنه آثر ملكه على الْجَهْر بِكَلِمَة الْحق ولسنا نقنع بِالْإِسْلَامِ دون الْجَهْر بِهِ وَلم يكن هِرقل مكْرها حَتَّى يعْذر وَأمره إِلَى الله تَعَالَى. وَقد حكى القَاضِي عِيَاض فِيمَن اطْمَأَن قلبه بِالْإِيمَان وَلم يتَلَفَّظ وَتمكن من الْإِتْيَان بكلمتي الشَّهَادَة فَلم يَأْتِ بهَا هَل يحكم بِإِسْلَامِهِ أم لَا اخْتِلَافا بَين الْعلمَاء مَعَ أَن الْمَشْهُور لَا يحكم بِهِ وَقيل أَن قَوْله هَل لكم فِي الْفَلاح والرشد فتبايعوا هَذَا الرجل يظْهر أَنه أعلن وَالله أعلم بِحَقِيقَة أمره الثَّامِن عشر مَا قيل أَن قَوْله يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى {{وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى}} وَأجِيب بِأَن هَذَا كَانَ عدلا وَكَانَ ذَاك فضلا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا}} وَنَحْو ذَلِك وَأما أَنه يُؤْتى الْأجر مرَّتَيْنِ مرّة لإيمانه بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمرَّة لإيمانه بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ مُوَافق لقَوْله تَعَالَى {{أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ}} الْآيَة التَّاسِع عشر مَا قيل فِي قَوْله فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين كَيفَ يكون إِثْم غَيره عَلَيْهِ وَقد قَالَ الله تَعَالَى {{وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}} وَأجِيب بِأَن المُرَاد أَن إِثْم الإضلال عَلَيْهِ والإضلال أَيْضا وزره كالضلال على أَنه معَارض بقوله {{وليحملن أثقالهم وأثقالا مَعَ أثقالهم}} الْعشْرُونَ مَا قيل كَيفَ علم هِرقل أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نظر فِي النُّجُوم وَأجِيب بِأَنَّهُ علم ذَلِك بِمُقْتَضى حِسَاب المنجمين لأَنهم زَعَمُوا أَن المولد النَّبَوِيّ كَانَ بقران العلويين برج الْعَقْرَب وهما يقرنان فِي كل عشْرين سنة مرّة إِلَى أَن يَسْتَوْفِي الثَّلَاثَة بروجها فِي سِتِّينَ سنة وَكَانَ ابْتِدَاء الْعشْرين الأولى المولد النَّبَوِيّ فِي الْقرَان الْمَذْكُور وَعند تَمام الْعشْرين الثَّانِيَة مَجِيء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْوَحْي وَعند تَمام الثَّالِثَة فتح خَيْبَر وَعمرَة الْقَضَاء الَّتِي جرت فتح مَكَّة وَظُهُور الْإِسْلَام وَفِي تِلْكَ الْأَيَّام رأى هِرقل مَا رأى وَقَالُوا أَيْضا أَن برج الْعَقْرَب مائي وَهُوَ دَلِيل ملك الْقَوْم الَّذين يختتنون فَكَانَ ذَلِك دَلِيلا على انْتِقَال الْملك إِلَى الْعَرَب وَأما الْيَهُود فليسوا مرَادا هَهُنَا لِأَن هَذَا لمن سينتقل إِلَيْهِ الْملك لَا لمن انْقَضى ملكه الْحَادِي وَالْعشْرُونَ مَا قيل كَيفَ سوغ البُخَارِيّ إِيرَاد هَذَا الْخَبَر الْمشعر بتقوية خبر المنجم والاعتماد على مَا يدل عَلَيْهِ أحكامهم وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يقْصد ذَلِك بل قصد أَن يبين أَن البشارات بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَت من كل طَرِيق وعَلى لِسَان كل فريق من كَاهِن أَو منجم محق أَو مُبْطل إنسي أَو جني الثَّانِي وَالْعشْرُونَ مَا قيل أَن قَوْله حَتَّى أَتَاهُ كتاب من صَاحبه يُوَافق رَأْي هِرقل على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه نَبِي يدل على أَن كلا من هِرقل وَصَاحبه قد أسلم فَكيف حكمت بِإِسْلَام صَاحبه وَلم تحكم بِإِسْلَام هِرقل وَأجِيب بِأَن ذَلِك اسْتمرّ على إِسْلَامه وَقتل وهرقل لم يسْتَمر وآثر ملكه على الْإِسْلَام وَقد روى ابْن إِسْحَاق أَن هِرقل أرسل دحْيَة إِلَى ضفاطر الرُّومِي وَقَالَ أَنه فِي الرّوم أجوز قولا مني وَأَن ضفاطر الْمَذْكُور أظهر إِسْلَامه وَألقى ثِيَابه الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ وَلبس ثيابًا بيضًا وَخرج إِلَى الرّوم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام وَشهد شَهَادَة الْحق فَقَامُوا إِلَيْهِ فضربوه حَتَّى قَتَلُوهُ قَالَ فَلَمَّا خرج دحْيَة إِلَى هِرقل قَالَ لَهُ قد قلت لَك أَنا نخافهم على أَنْفُسنَا فضفاطر كَانَ أعظم عِنْدهم مني وَقَالَ بَعضهم فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ صَاحب رُومِية الَّذِي أبهم هُنَا ثمَّ قَالَ لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ مَا قيل أَن دحْيَة لم يقدم على هِرقل بِهَذَا الْكتاب الْمَكْتُوب فِي سنة الْحُدَيْبِيَة وَإِنَّمَا قدم عَلَيْهِ بِالْكتاب الْمَكْتُوب فِي غَزْوَة تَبُوك فعلى هَذَا يحْتَمل أَن يكون وَقعت لضفاطر قضيتان إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكرهَا ابْن الناطور وَلَيْسَ فِيهَا أَنه أسلم وَلَا أَنه قتل وَالثَّانيَِة الَّتِي ذكرهَا ابْن إِسْحَاق فَإِن فِيهَا قصَّته مَعَ دحْيَة بِالْكتاب إِلَى قَيْصر وَأَنه أسلم فَقتل وَالله أعلم. قلت غَزْوَة تَبُوك كَانَت فِي سنة تسع من الْهِجْرَة وَذكر ابْن جرير الطَّبَرِيّ بعث دحْيَة بِالْكتاب إِلَى قَيْصر فِي سنةثَمَان. وَذكر السُّهيْلي رَحمَه الله أَن هِرقل وضع كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه إِلَيْهِ فِي قَصَبَة من ذهب تَعْظِيمًا وَأَنَّهُمْ لم يزَالُوا يتوارثونه كَابِرًا عَن كَابر فِي أعز مَكَان حَتَّى كَانَ عِنْد اذفرنش الَّذِي تغلب على طيطلة وَمَا أَخذهَا من بِلَاد الأندلس ثمَّ كَانَ عِنْد ابْنه الْمَعْرُوف بشليطن وَحكى أَن الْملك الْمَنْصُور قلاون الألفي الصَّالِحِي أرسل سيف الدّين طلح المنصوري إِلَى ملك الغرب بهدية فَأرْسلهُ ملك الغرب إِلَى ملك الإفرنج فِي شَفَاعَة فقبلها وَعرض عَلَيْهِ الْإِقَامَة عِنْده فَامْتنعَ فَقَالَ لَهُ لأتحفنك بتحفة سنية فَأخْرج لَهُ صندوقا مصفحا من ذهب فَأخْرج مِنْهُ مقلمة من ذهب فَأخْرج مِنْهَا كتابا قد زَالَت أَكثر حُرُوفه فَقَالَ هَذَا كتاب نَبِيكُم إِلَى جدي قَيْصر فَمَا زلنا نتوارثه إِلَى الْآن وأوصانا آبَاؤُنَا أَنه مادام هَذَا الْكتاب عندنَا لَا يزَال الْملك فِينَا فَنحْن نَحْفَظهُ غَايَة الْحِفْظ ونعظمه ونكتمه عَن النَّصَارَى ليدوم لنا الْملك ثمَّ اخْتلف الإخباريون هَل هِرقل هُوَ الَّذِي حاربه الْمُسلمُونَ فِي زمن أبي بكر وَعمر أَو ابْنه فَقَالَ بَعضهم هُوَ إِيَّاه وَقَالَ بَعضهم هُوَ ابْنه وَالَّذِي أثْبته فِي تاريخي عَن أهل التواريخ وَالْأَخْبَار أَن هِرقل الَّذِي كتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد هلك وَملك بعده ابْنه قَيْصر واسْمه مُورق وَكَانَ فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ ملك بعده ابْنه هِرقل بن قَيْصر وَكَانَ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَعَلِيهِ كَانَ الْفَتْح وَهُوَ الْمخْرج من الشَّام أَيَّام أبي عُبَيْدَة وخَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنْهُمَا فاستقر بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وعدة مُلُوكهمْ أَرْبَعُونَ ملكا وسنوهم خَمْسمِائَة وَسبع سِنِين وَالله أعلم (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول يُسْتَفَاد من قَوْله إِلَى عَظِيم الرّوم ملاطفة الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وتعظيمه فَإِن قلت لم لم يقل إِلَى ملك الرّوم. قلت لِأَنَّهُ مَعْزُول عَن الحكم بِحكم دين الْإِسْلَام وَلَا سلطنة لأحد إِلَّا من قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلم لم يقل إِلَى هِرقل فَقَط. قلت ليَكُون فِيهِ نوع من الملاطفة فَقَالَ عَظِيم الرّوم أَي الَّذِي تعظمه الرّوم وَقد أَمر الله تَعَالَى بتليين القَوْل لمن يدعى إِلَى الْإِسْلَام وَقَالَ تَعَالَى {{ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة}} الثَّانِي فِيهِ تصدير الْكتاب بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَإِن كَانَ الْمَبْعُوث إِلَيْهِ كَافِرًا. فَإِن قلت كَيفَ صدر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كِتَابه باسمه حَيْثُ قَالَ {{إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}} قلت خَافَ من بلقيس أَن تسب فَقدم اسْمه حَتَّى إِذا سبت يَقع على اسْمه دون اسْم الله تَعَالَى. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين وَفِيه أَن السّنة فِي المكاتبات أَن يبْدَأ بِنَفسِهِ فَيَقُول من فلَان إِلَى فلَان وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين وَكَذَا فِي العنوان أَيْضا يكْتب كَذَلِك وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث وَبِمَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وَكَانَ عَامل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبَحْرين وَكَانَ إِذا كتب إِلَيْهِ بَدَأَ بِنَفسِهِ وَفِي لفظ بَدَأَ باسمه وَقَالَ حَمَّاد بن زيد كَانَ النَّاس يَكْتُبُونَ من فلَان بن فلَان إِلَى فلَان بن فلَان أما بعد قَالَ بَعضهم وَهُوَ إِجْمَاع الصَّحَابَة. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقَالَ غَيره وَكره جمَاعَة من السّلف خِلَافه وَهُوَ أَن يكْتب أَولا باسم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَرخّص فِيهِ بَعضهم وَقَالَ يبْدَأ باسم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ رُوِيَ أَن زيد بن ثَابت كتب إِلَى مُعَاوِيَة فَبَدَأَ باسم مُعَاوِيَة وَعَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا بَأْس بذلك وَقيل يقدم الْأَب وَلَا يبْدَأ ولد باسمه على وَالِده وَالْكَبِير السن كَذَلِك. قلت يردهُ حَدِيث الْعَلَاء لكتابته إِلَى أفضل الْبشر وَحقه أعظم من حق الْوَالِد وَغَيره الثَّالِث فِيهِ التوقي فِي الْمُكَاتبَة وَاسْتِعْمَال عدم الإفراط الرَّابِع فِيهِ دَلِيل لمن قَالَ بِجَوَاز مُعَاملَة الْكفَّار بِالدَّرَاهِمِ المنقوشة فِيهَا اسْم الله تَعَالَى للضَّرُورَة وَإِن كَانَ عَن مَالك الْكَرَاهَة لِأَن مَا فِي هَذَا الْكتاب أَكثر مِمَّا فِي هَذَا المنقوش من ذكر الله تَعَالَى الْخَامِس فِيهِ الْوُجُوب بِعَمَل خبر الْوَاحِد وَإِلَّا لم يكن لبعثه مَعَ دحْيَة فَائِدَة مَعَ غَيره من الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَيْهِ السَّادِس فِيهِ حجَّة لمن منع أَن يبتدأ الْكَافِر بِالسَّلَامِ وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأكْثر الْعلمَاء وَأَجَازَهُ جمَاعَة مُطلقًا وَجَمَاعَة للاستئلاف أَو الْحَاجة وَقد جَاءَ عَنهُ النَّهْي فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تبدؤا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ الحَدِيث وَقَالَ البُخَارِيّ وَغَيره وَلَا يسلم على المبتدع وَلَا على من اقْتَرَف ذَنبا كَبِيرا وَلم يتب مِنْهُ وَلَا يرد عَلَيْهِم السَّلَام وَاحْتج البُخَارِيّ بِحَدِيث كَعْب بن مَالك وَفِيه نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كلامنا السَّابِع فِيهِ اسْتِحْبَاب أما بعد فِي الْمُكَاتبَة وَالْخطْبَة وَفِي أول من قَالَهَا خَمْسَة أَقْوَال. دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام. أَو قس بن سَاعِدَة. أَو كَعْب بن لؤَي. أَو يعرب بن قحطان أَو سحبان الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فِي الفصاحة الثَّامِن فِيهِ أَن من أدْرك من أهل الْكتابنَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَآمن بِهِ فَلهُ أَجْرَانِ التَّاسِع قَالَ الْخطابِيّ فِي هَذَا الْخَبَر دَلِيل على أَن النَّهْي عَن المسافرة بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو إِنَّمَا هُوَ فِي حمل الْمُصحف والسور الْكَثِيرَة دون الْآيَة والآيتين وَنَحْوهمَا وَقَالَ ابْن بطال إِنَّمَا فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ فِي أول الْإِسْلَام وَلم يكن بُد من الدعْوَة الْعَامَّة وَقد نهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لَا تُسَافِر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو وَقَالَ الْعلمَاء وَلَا يُمكن الْمُشْركُونَ من الدَّرَاهِم الَّتِي فِيهَا ذكر الله تَعَالَى. قلت كَلَام الْخطابِيّ أصوب لِأَنَّهُ يلْزم من كَلَام ابْن بطال النّسخ وَلَا يلْزم من كَلَام الْخطابِيّ والْحَدِيث مَحْمُول على مَا إِذا خيف وُقُوعه فِي أَيدي الْكفَّار الْعَاشِر فِيهِ دُعَاء الْكفَّار إِلَى الْإِسْلَام قبل قِتَالهمْ وَهُوَ وَاجِب والقتال قبله حرَام إِن لم تكن بلغتهم الدعْوَة وَإِن كَانَت بلغتهم فالدعاء مُسْتَحبّ هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَفِيه خلاف للْجَمَاعَة ثَلَاثَة مَذَاهِب حَكَاهَا الْمَازرِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض. أَحدهَا يجب الْإِنْذَار مُطلقًا قَالَه مَالك وَغَيره. وَالثَّانِي لَا يجب مُطلقًا. وَالثَّالِث يجب إِن لم تبلغهم الدعْوَة وَإِن بلغتهم فَيُسْتَحَب وَبِه قَالَ نَافِع وَالْحسن وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْمُنْذر. قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء وَهُوَ الصَّحِيح قلت مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه يسْتَحبّ أَن يَدْعُو الإِمَام من بلغته مُبَالغَة فِي الْإِنْذَار وَلَا يجب ذَلِك كمذهب الْجُمْهُور. الْحَادِي عشر فِيهِ دَلِيل على أَن ذَا الْحسب أولى بالتقديم فِي أُمُور الْمُسلمين ومهمات الدّين وَالدُّنْيَا وَلذَلِك جعلت الْخُلَفَاء من قُرَيْش لِأَنَّهُ أحوط من أَن يدنسوا أحسابهم الثَّانِي عشر فِيهِ دَلِيل لجمهور الْأُصُولِيِّينَ أَن لِلْأَمْرِ صِيغَة مَعْرُوفَة لِأَنَّهُ أَتَى بقول اعبدوا الله فِي جَوَاب مَا يَأْمُركُمْ وَهُوَ من أحسن الْأَدِلَّة لِأَن أَبَا سُفْيَان من أهل اللِّسَان وَكَذَلِكَ الرَّاوِي عَنهُ ابْن عَبَّاس بل هُوَ من أفصحهم وَقد رَوَاهُ عَنهُ مقرا لَهُ وَمذهب بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي أَنه مُشْتَرك بَين القَوْل وَالْفِعْل بالاشتراك اللَّفْظِيّ وَقَالَ آخَرُونَ بالاشتراك الْمَعْنَوِيّ وَهُوَ التواطؤ بِأَن يكون الْقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا على مَا عرف فِي الْأُصُول الثَّالِث عشر قَالَ بعض الشَّارِحين اسْتدلَّ بِهِ بعض أَصْحَابنَا على جَوَاز مس الْمُحدث وَالْكَافِر كتابا فِيهِ آيَة أَو آيَات يسيرَة من الْقُرْآن مَعَ غير الْقُرْآن قلت قَالَ صَاحب الْهِدَايَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقْرَأ الْحَائِض وَالْجنب شَيْئا من الْقُرْآن بِإِطْلَاقِهِ يتَنَاوَل مَا دون الْآيَة أَرَادَ أَنه لَا يجوز للحائض وَالنُّفَسَاء وَالْجنب قِرَاءَة مَا دون الْآيَة خلافًا للطحاوي وَخِلَافًا لمَالِك فِي الْحَائِض ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ لَهُم مس الْمُصحف إِلَّا بغلافه وَلَا أَخذ دِرْهَم فِيهِ سُورَة من الْقُرْآن إِلَّا بصرته وَلَا يمس الْمُحدث الْمُصحف إِلَّا بغلافه وَيكرهُ مَسّه بالكم وَهُوَ الصَّحِيح بِخِلَاف الْكتب الشَّرْعِيَّة حَيْثُ يرخص فِي مَسهَا بالكم لِأَن فِيهِ ضَرُورَة وَلَا بَأْس بِدفع الْمُصحف إِلَى الصّبيان لِأَن فِي الْمَنْع تَضْييع حفظ الْقُرْآن وَفِي الْأَمر بالتطهير حرجا لَهُم هَذَا هُوَ الصَّحِيح الرَّابِع عشر فِيهِ اسْتِحْبَاب البلاغة والإيجاز وتحري الْأَلْفَاظ الجزلة فِي الْمُكَاتبَة فَإِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أسلم تسلم) فِي نِهَايَة الِاخْتِصَار وَغَايَة الإيجاز والبلاغة وَجمع الْمعَانِي مَعَ مَا فِيهِ من بديع التَّجْنِيس الْخَامِس عشر فِيهِ جَوَاز المسافرة إِلَى أَرض الْكفَّار السَّادِس عشر فِيهِ جَوَاز الْبَعْث إِلَيْهِم بِالْآيَةِ من الْقُرْآن وَنَحْوهَا السَّابِع عشر فِيهِ من كَانَ سَببا لضلالة أَو منع هِدَايَة كَانَ آثِما الثَّامِن عشر فِيهِ أَن الْكَذِب مهجور وعيب فِي كل أمة التَّاسِع عشر يجب الِاحْتِرَاز عَن الْعَدو لِأَنَّهُ لَا يُؤمن أَن يكذب على عدوه الْعشْرُونَ أَن الرُّسُل لَا ترسل إِلَّا من أكْرم الْأَنْسَاب لِأَن من شرف نسبه كَانَ أبعد من الانتحال لغير الْحق الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ الْبَيَان الْوَاضِح أَن صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعلاماته كَانَ مَعْلُوما لأهل الْكتاب علما قَطْعِيا وَإِنَّمَا ترك الْإِيمَان من تَركه مِنْهُم عنادا أَو حسدا أَو خوفًا على فَوَات مناصبهم فِي الدُّنْيَا (رَوَاهُ صَالح بن كيسَان وَيُونُس وَمعمر عَن الزُّهْرِيّ) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس أخرجه البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ فِي كتاب الْحَج من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح بن كيسَان بِهِ وَلكنه انْتهى عِنْد قَول أبي سُفْيَان حَتَّى أَدخل الله على الْإِسْلَام وَلم يذكر قصَّة ابْن الناطور وَكَذَا أخرجه مُسلم بِدُونِهَا من رِوَايَة إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وَصَالح هُوَ أَبُو مُحَمَّد وَيُقَال أَبُو الْحَارِث بن كيسَان الْغِفَارِيّ بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْفَاء المخففة وبالراء والدوسي بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة مَوْلَاهُم الْمدنِي مؤدب ولد عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ سمع ابْن عمر وَابْن الزبير وَغَيرهمَا من التَّابِعين وَعنهُ من التَّابِعين عَمْرو بن دِينَار وَغَيره سُئِلَ أَحْمد عَنهُ فَقَالَ بخ بخ قَالَ الْحَاكِم توفّي وَهُوَ ابْن مائَة سنة ونيف وَسِتِّينَ سنة وَكَانَ لَقِي جمَاعَة من الصَّحَابَة ثمَّ بعد ذَلِك تلمذ عَن الزُّهْرِيّ وتلقن مِنْهُ الْعلم وَهُوَ ابْن تسعين سنة قَالَ الْوَاقِدِيّ توفّي بعد الْأَرْبَعينوَمِائَة قَالَ غَيره سنة خمس وَأَرْبَعين قلت فعلى هَذَا يكون أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعمره نَحْو عشْرين وَفِيمَا قَالَه الْحَاكِم نظر وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة صَالح بن كيسَان غير هَذَا فَافْهَم. قَوْله وَيُونُس أَي رَوَاهُ أَيْضا يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن الزُّهْرِيّ وَأخرج رِوَايَة البُخَارِيّ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي الْجِهَاد مختصرة من طَرِيق اللَّيْث وَفِي الاسْتِئْذَان مختصرة أَيْضا من طَرِيق ابْن الْمُبَارك كِلَاهُمَا عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ بِسَنَدِهِ بِعَيْنِه وَلم يسقه بِتَمَامِهِ وَقد سَاقه بِتَمَامِهِ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث وَذكر فِيهِ قصَّة ابْن الناطور. قَوْله وَمعمر أَي رَوَاهُ أَيْضا معمر بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ وَأخرج رِوَايَته أَيْضا البُخَارِيّ بِتَمَامِهَا فِي التَّفْسِير فقد ظهر لَك أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عِنْد البُخَارِيّ عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَأَن الزُّهْرِيّ إِنَّمَا رَوَاهُ لأَصْحَابه بِسَنَد وَاحِد عَن شيخ وَاحِد وَهُوَ عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَا كَمَا توهمه الْكرْمَانِي حَيْثُ يَقُول اعْلَم أَن هَذِه الْعبارَة تحْتَمل وَجْهَيْن أَن يروي البُخَارِيّ عَن الثَّلَاثَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَيْضا كَأَنَّهُ قَالَ أخبرنَا أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع قَالَ أخبرنَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَن الزُّهْرِيّ وَأَن يرْوى عَنهُ بطرِيق آخر كَمَا أَن الزُّهْرِيّ أَيْضا يحْتَمل فِي رِوَايَته للثَّلَاثَة أَن يروي عَن عبيد الله عَن عبد الله بن عَبَّاس وَأَن يروي لَهُم عَن غَيره وَهَذَا توهم فَاسد من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَبَا الْيَمَان لم يلْحق صَالح بن كيسَان وَلَا سمع من يُونُس وَالْآخر لَو احْتمل أَن يروي الزُّهْرِيّ هَذَا الحَدِيث لهَؤُلَاء الثَّلَاثَة أَو لبَعْضهِم عَن شيخ آخر لَكَانَ ذَلِك خلافًا قد يُفْضِي إِلَى الِاضْطِرَاب الْمُوجب للضعف وَهَذَا إِنَّمَا نَشأ مِنْهُ لعدم تحريره فِي النَّقْل واعتماده من هَذَا الْفَنّ على الْعقل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (كتاب الْإِيمَان) أَي هَذَا كتاب الْإِيمَان فَيكون ارْتِفَاع الْكتاب على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَيجوز الْعَكْس وَيجوز نَصبه على هاك كتاب الْإِيمَان أَو خُذْهُ وَلما كَانَ بَاب كَيفَ كَانَ بَدْء الْوَحْي كالمقدمة فِي أول الْجَامِع لم يذكرهُ بِالْكتاب بل ذكره بِالْبَابِ ثمَّ شرع يذكر الْكتب على طَريقَة أَبْوَاب الْفِقْه وَقدم كتاب الْإِيمَان لِأَنَّهُ ملاك الْأَمر كُله إِذْ الْبَاقِي مَبْنِيّ عَلَيْهِ مَشْرُوط بِهِ وَبِه النجَاة فِي الدَّاريْنِ ثمَّ أعقبه بِكِتَاب الْعلم لِأَن مدَار الْكتب الَّتِي تَأتي بعده كلهَا عَلَيْهِ وَبِه تعلم وتميز وتفصل وَإِنَّمَا أَخّرهُ عَن الْإِيمَان لِأَن الْإِيمَان أول وَاجِب على الْمُكَلف أَو لِأَنَّهُ أفضل الْأُمُور على الْإِطْلَاق وَأَشْرَفهَا وَكَيف لَا وَهُوَ مبدأ كل خير علما وَعَملا ومنشأ كل كَمَال دقا وجلا فَإِن قلت فَلم قدم بَاب الْوَحْي قلت قد ذكرت لَك أَن بَاب الْوَحْي كالمقدمة فِي أول الْجَامِع وَمن شَأْنهَا أَن تكون أَمَام الْمَقْصُود وَأَيْضًا فالإيمان وَجَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ يتَوَقَّف عَلَيْهِ وشأن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ التَّقْدِيم أَو لِأَن الْوَحْي أول خبر نزل من السَّمَاء إِلَى هَذِه الْأمة ثمَّ ذكر بعد ذَلِك كتاب الصَّلَاة لِأَنَّهَا تالية الْإِيمَان وثانيته فِي الْكتاب وَالسّنة أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {{الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة}} وَأما السّنة فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس الحَدِيث وَلِأَنَّهَا عماد الدّين وَالْحَاجة إِلَيْهَا ماسة لتكررها كل يَوْم خمس مَرَّات ثمَّ أعقبها بِالزَّكَاةِ لِأَنَّهَا ثَالِثَة الْإِيمَان وثانية الصَّلَاة فيهمَا ولاعتناء الشَّارِع بهَا لذكرها أَكثر من الصَّوْم وَالْحج فِي الْكتاب وَالسّنة ثمَّ أعقبها بِالْحَجِّ لِأَن الْعِبَادَة إِمَّا بدنية مَحْضَة أَو مَالِيَّة مَحْضَة أَو مركبة مِنْهُمَا فرتبها على هَذَا التَّرْتِيب والمفرد مقدم على الْمركب طبعا فقدمه أَيْضا وضعا ليُوَافق الْوَضع الطَّبْع وَأما تَقْدِيم الصَّلَاة على الزَّكَاة فَلَمَّا ذكرنَا وَلِأَن الْحَج ورد فِيهِ تغليظات عَظِيمَة بِخِلَاف الصَّوْم وَلعدم سُقُوطه بِالْبَدَلِ لوُجُوب الْإِتْيَان بِهِ إِمَّا مُبَاشرَة أَو استنابة بِخِلَاف الصَّوْم ثمَّ أعقب الْحَج بِالصَّوْمِ لكَونه مَذْكُورا فِي الحَدِيث الْمَشْهُور مَعَ الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَفِي وضع الْفُقَهَاء الصَّوْم مقدم على الْحَج نظرا إِلَى كَثْرَة دورانه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَج وَفِي بعض النّسخ يُوجد كتاب الصَّوْم مقدما على كتاب الْحَج كأوضاع الْفُقَهَاء ثمَّ أَنه توج كل وَاحِد مِنْهَا بِالْكتاب ثمَّ قسم الْكتاب إِلَى الْأَبْوَاب لِأَن كل كتاب مِنْهَا تَحْتَهُ أَنْوَاع فالعادة أَن يذكر كل نوع بِبَاب وَرُبمَا يفصل كل بَاب بفصول كَمَا فِي بعض الْكتب الْفِقْهِيَّة وَالْكتاب يجمع الْأَبْوَاب لِأَنَّهُ من الْكتب وَهُوَ الْجمع وَالْبَاب هُوَ النَّوْع وأصل مَوْضُوعه الْمدْخل ثمَّ اسْتعْمل فِي الْمعَانِي مجَازًا ثمَّ لَفْظَة الْكتاب هَهُنَا يجوز أَن تكون بِمَعْنى الْمَكْتُوب كالحساب بِمَعْنى المحسوب وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر تَقول كتب يكْتب كتبا وَكِتَابَة وكتابا وَلَفظ (ك ت ب) فِي جَمِيعتَصَرُّفَاته رَاجع إِلَى معنى الْجمع والصم وَمِنْه الكتيبة وَهِي الْجَيْش لِاجْتِمَاع الفرسان فِيهَا وكتبت الْقرْبَة إِذْ خرزتها وكتبت البغلة إِذا جمعت بَين شفرتيها بِحَلقَة أَو سير وكتبت النَّاقة تكتيبا إِذا صررتها ثمَّ أَنه يُوجد فِي كثير من النّسخ على أول كل كتاب من الْكتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَذَلِكَ عملا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أَجْذم أَو أقطع فَهَذَا وَإِن كَانَت الْبَسْمَلَة مغنية عَنهُ لكنه كررها لزِيَادَة الاعتناء على التَّمَسُّك بِالسنةِ وللتبرك بابتداء اسْم الله تَعَالَى فِي أول كل أَمر (بَاب الْإِيمَان وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس) أَي هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس فَيكون ارْتِفَاع بَاب على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَيجوز النصب على خُذ بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي بعض النّسخ بَاب الْإِيمَان وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس وَالْأولَى أصح لِأَنَّهُ ذكر أَولا كتاب الْإِيمَان وَلَا يُنَاسب بعده إِلَّا الْأَبْوَاب الَّتِي تدل على الْأَنْوَاع وَذكر بَاب الْإِيمَان بعد ذكر كتاب الْإِيمَان لَا طائل تَحْتَهُ على مَا لَا يخفى وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ ذكر لفظ بَاب وَقد أخرج قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس الحَدِيث هُنَا مُسْندًا وَفِي غَيره أَيْضا على مَا نبينه عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ بَعضهم واقتصاره على طرفه من تَسْمِيَة الشَّيْء باسم بعضه قلت لَا تَسْمِيَة هُنَا وَلَا إِطْلَاق اسْم بعض الشَّيْء على الشَّيْء وَإِنَّمَا البُخَارِيّ لما أَرَادَ أَن يبوب على هَذَا الحَدِيث بَابا ذكر أَولا بعضه لأجل التَّبْوِيب وَاكْتفى عَن ذكر كُله عِنْد الْبَاب بِذكرِهِ إِيَّاه مُسْندًا فِيمَا بعد فَافْهَم وَالْكَلَام فِي الْإِيمَان على أَنْوَاع الأول فِي مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ رَحمَه الله الْإِيمَان أَفعَال من الْأَمْن يُقَال آمنته وآمنته غَيْرِي ثمَّ يُقَال آمنهُ إِذا صدقه وَحَقِيقَته آمنهُ التَّكْذِيب والمخالفة وَأما تعديته بِالْبَاء فلتضمينه معنى أقرّ واعترف وَأما مَا حكى أَبُو زيد عَن الْعَرَب مَا آمَنت أَن أجد صحابة أَي مَا وثقت فحقيقته صرت ذَا أَمن بِهِ أَي ذَا سُكُون وطمأنينة وَقَالَ بعض شرَّاح كَلَامه وَحَقِيقَة قَوْلهم آمَنت صرت ذَا أَمن وَسُكُون ثمَّ ينْقل إِلَى الوثوق ثمَّ إِلَى التَّصْدِيق وَلَا خَفَاء أَن اللَّفْظ مجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى هذَيْن الْمَعْنيين لِأَن من آمنهُ التَّكْذِيب فقد صدقه وَمن كَانَ ذَا أَمن فَهُوَ فِي وثوق وطمأنينة فَهُوَ انْتِقَال من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم الثَّانِي فِي مَعْنَاهُ بِاعْتِبَار عرف الشَّرْع فقد اخْتلف أهل الْقبْلَة فِي مُسَمّى الْإِيمَان فِي عرف الشَّرْع على أَربع فرق فرقة قَالُوا الْإِيمَان فعل الْقلب فَقَط وَهَؤُلَاء قد اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا هُوَ مَذْهَب الْمُحَقِّقين وَإِلَيْهِ ذهب الْأَشْعَرِيّ وَأكْثر الْأَئِمَّة كَالْقَاضِي عبد الْجَبَّار والأستاذ أبي إِسْحَق الإسفرايني وَالْحُسَيْن بن الْفضل وَغَيرهم أَنه مُجَرّد التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ أَي تَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل مَا علم مَجِيئه بِهِ بِالضَّرُورَةِ تَصْدِيقًا جَازِمًا مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ لدَلِيل أَو لَا فَقَوْلهم مُجَرّد التَّصْدِيق إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يعْتَبر فِيهِ كَونه مَقْرُونا بِعَمَل الْجَوَارِح وَالتَّقْيِيد بِالضَّرُورَةِ لإِخْرَاج مَا لَا يعلم بِالضَّرُورَةِ أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ بِهِ كالاجتهاديات كالتصديق بِأَن الله تَعَالَى عَالم بِالْعلمِ أَو عَالم بِذَاتِهِ والتصديق بِكَوْنِهِ مرئيا أَو غير مرئي فَإِن هذَيْن التصديقين وأمثالهما غير دَاخِلَة فِي مُسَمّى الْإِيمَان فَلهَذَا لَا يكفر مُنكر الاجتهاديات بِالْإِجْمَاع وَالتَّقْيِيد بالجازم لإِخْرَاج التَّصْدِيق الظني فَإِنَّهُ غير كَاف فِي حُصُول الْإِيمَان وَالتَّقْيِيد بِالْإِطْلَاقِ لدفع وهم خُرُوج اعْتِقَاد الْمُقَلّد فَإِن إيمَانه صَحِيح عِنْد الْأَكْثَرين وَهُوَ الصَّحِيح: فَإِن قيل اقْتصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْإِيمَان فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِذكر الْإِيمَان بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر فَلم زيد عَلَيْهِ الْإِيمَان بِكُل مَا جَاءَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت لاشتمال الْإِيمَان بالكتب عَلَيْهِ لِأَن من جملَة الْكتب الْقُرْآن وَهُوَ يدل على وجوب أَخذ كل مَا جَاءَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باعتقاد حَقِيقَته وَالْعَمَل بِهِ لقَوْله تَعَالَى {{وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ}} وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الْإِيمَان معرفَة الله تَعَالَى وَحده بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِرُكْن فِيهِ وَلَا شَرط حَتَّى أَن من عرف الله بِقَلْبِه ثمَّ جحد بِلِسَانِهِ وَمَات قبل أَن يقربهُ فَهُوَ مُؤمن كَامِل الْإِيمَان وَهُوَ قَول جهم بن صَفْوَان وَأما معرفَة الْكتب وَالرسل وَالْيَوْم الآخر فقد زعم أَنَّهَا غير دَاخِلَة فِي حد الْإِيمَان وَهَذَا بعيد من الصَّوَاب لمُخَالفَة ظَاهر الحَدِيث وَالصَّوَاب مَا حَكَاهُالكعبي عَن جهم أَن الْإِيمَان معرفَة الله تَعَالَى مَعَ معرفَة كل مَا علم بِالضَّرُورَةِ كَونه من دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والفرقة الثَّانِيَة قَالُوا أَن الْإِيمَان عمل بِاللِّسَانِ فقد وهم أَيْضا فريقان الأول أَن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ هُوَ الْإِيمَان فَقَط وَلَكِن شَرط كَونه إِيمَانًا حُصُول الْمعرفَة فِي الْقلب فالمعرفة شَرط لكَون الْإِقْرَار اللساني إِيمَانًا لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي مُسَمّى الْإِيمَان وَهُوَ قَول غيلَان بن مُسلم الدِّمَشْقِي وَالْفضل الرقاشِي الثَّانِي أَن الْإِيمَان مُجَرّد الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَهُوَ قَول الكرامية وَزَعَمُوا أَن الْمُنَافِق مُؤمن الظَّاهِر كَافِر السريرة فَيثبت لَهُ حكم الْمُؤمنِينَ فِي الدُّنْيَا وَحكم الْكَافرين فِي الْآخِرَة والفرقة الثَّالِثَة قَالُوا أَن الْإِيمَان عمل الْقلب وَاللِّسَان مَعًا أَي فِي الْإِيمَان الاستدلالي دون الَّذِي بَين العَبْد وَبَين ربه وَقد اخْتلف هَؤُلَاءِ على أَقْوَال الأول أَن الْإِيمَان إِقْرَار بِاللِّسَانِ وَمَعْرِفَة بِالْقَلْبِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَعَامة الْفُقَهَاء وَبَعض الْمُتَكَلِّمين الثَّانِي أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان مَعًا وَهُوَ قَول بشر المريسي وَأبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ الثَّالِث أَن الْإِيمَان إِقْرَار بِاللِّسَانِ وإخلاص بِالْقَلْبِ فَإِن قلت مَا حَقِيقَة الْمعرفَة بِالْقَلْبِ على قَول أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ قلت فسروها بشيئين الأول بالاعتقاد الْجَازِم سَوَاء كَانَ اعتقادا تقليديا أَو كَانَ علما صادرا عَن الدَّلِيل وَهُوَ الْأَكْثَر وَالأَصَح وَلِهَذَا حكمُوا بِصِحَّة إِيمَان الْمُقَلّد الثَّانِي بِالْعلمِ الصَّادِر عَن الدَّلِيل وَهُوَ الْأَقَل فَلذَلِك زَعَمُوا أَن إِيمَان الْمُقَلّد غير صَحِيح ثمَّ اعْلَم أَن لهَؤُلَاء الْفرْقَة اخْتِلَافا فِي مَوضِع آخر أَيْضا وَهُوَ أَن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ هَل هُوَ ركن الْإِيمَان أم شَرط لَهُ فِي حق إِجْرَاء الْأَحْكَام قَالَ بَعضهم هُوَ شَرط لذَلِك حَتَّى أَن من صدق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ من عِنْد الله تَعَالَى فَهُوَ مُؤمن فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَإِن لم يقر بِلِسَانِهِ وَقَالَ حَافظ الدّين النَّسَفِيّ هُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَإِلَيْهِ ذهب الْأَشْعَرِيّ فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ قَول أبي مَنْصُور الماتريدي وَقَالَ بَعضهم هُوَ ركن لكنه لَيْسَ بأصلي لَهُ كالتصديق بل هُوَ ركن زَائِد وَلِهَذَا يسْقط حَالَة الْإِكْرَاه وَالْعجز وَقَالَ فَخر الْإِسْلَام أَن كَونه ركنا زَائِدا مَذْهَب الْفُقَهَاء وَكَونه شرطا لإجراء الْأَحْكَام مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين والفرقة الرَّابِعَة قَالُوا أَن الْإِيمَان فعل الْقلب وَاللِّسَان مَعَ سَائِر الْجَوَارِح وهم أَصْحَاب الحَدِيث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ الإِمَام وَهُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة والخوارج والزيدية أما أَصْحَاب الحَدِيث فَلهم أَقْوَال ثَلَاثَة الأول أَن الْمعرفَة إِيمَان كَامِل وَهُوَ الأَصْل ثمَّ بعد ذَلِك كل طَاعَة إِيمَان على حِدة وَزَعَمُوا أَن الْجُحُود وإنكار الْقلب كفر ثمَّ كل مَعْصِيّة بعده كفر على حِدة وَلم يجْعَلُوا شَيْئا من الطَّاعَات إِيمَانًا مَا لم تُوجد الْمعرفَة وَالْإِقْرَار وَلَا شَيْئا من الْمعاصِي كفرا مَا لم يُوجد الْجُحُود وَالْإِنْكَار لِأَن أصل الطَّاعَات الْإِيمَان وأصل الْمعاصِي الْكفْر وَالْفرع لَا يحصل دون مَا هُوَ أَصله وَهُوَ قَول عبد الله بن سعيد القَوْل الثَّانِي أَن الْإِيمَان اسْم للطاعات كلهَا فرائضها ونوافلها وَهِي بجملتها إِيمَان وَاحِد وَأَن من ترك شَيْئا من الْفَرَائِض فقد انْتقصَ إيمَانه وَمن ترك النَّوَافِل لَا ينقص إيمَانه القَوْل الثَّالِث أَن الْإِيمَان اسْم للفرائض دون النَّوَافِل وَأما الْمُعْتَزلَة فقد اتَّفقُوا على أَن الْإِيمَان إِذا عدى بِالْبَاء فَالْمُرَاد بِهِ فِي الشَّرْع التَّصْدِيق يُقَال آمن بِاللَّه أَي صدق فَإِن الْإِيمَان بِمَعْنى أَدَاء الْوَاجِبَات لَا يُمكن فِيهِ هَذِه التَّعْدِيَة لَا يُقَال فلَان آمن بِكَذَا إِذا صلى أَو صَامَ بل يُقَال آمن لله كَمَا يُقَال صلى لله فالإيمان المعدى بِالْبَاء يجْرِي على طَرِيق اللُّغَة وَأما إِذا ذكر مُطلقًا غير معدى فقد اتَّفقُوا على أَنه مَنْقُول نقلا ثَانِيًا من معنى التَّصْدِيق إِلَى معنى آخر ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ على وُجُوه أَحدهَا أَن الْإِيمَان عبارَة عَن فعل كل الطَّاعَات سَوَاء كَانَت وَاجِبَة أَو مَنْدُوبَة أَو من بَاب الاعتقادات أَو الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال وَهُوَ قَول وَاصل بن عَطاء وَأبي الْهُذيْل وَالْقَاضِي عبد الْجَبَّار وَالثَّانِي أَنه عبارَة عَن فعل الْوَاجِبَات فَقَط دون النَّوَافِل وَهُوَ قَول أبي عَليّ الجبائي وَأبي هَاشم وَالثَّالِث أَن الْإِيمَان عبارَة عَن اجْتِنَاب كل مَا جَاءَ فِيهِ الْوَعيد وَهُوَ قَول النظام وَمن أَصْحَابه من قَالَ شَرط كَونه مُؤمنا عندنَا وَعند الله اجْتِنَاب كل الْكَبَائِر وَأما الْخَوَارِج فقد اتَّفقُوا على أَن الْإِيمَان بِاللَّه يتَنَاوَل معرفَة الله تَعَالَى وَمَعْرِفَة كل مَا نصب الله عَلَيْهِ دَلِيلا عقليا أَو نقليا ويتناول طَاعَة الله تَعَالَى فِي جَمِيع مَا أَمر بِهِ وَنهى صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا قَالُوا مَجْمُوع هَذِه الْأَشْيَاء هُوَ الْإِيمَان وَيقرب من مَذْهَب الْمُعْتَزلَة مَذْهَب الْخَوَارِج وَيقرب من مَذْهَبهمَا مَا ذهب إِلَيْهِ السّلف وَأهل الْأَثر أَن الْإِيمَان عبارَة عَن مَجْمُوع ثَلَاثَة أَشْيَاء التَّصْدِيق بالجنان وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالأركان إِلَّا أَن بَين هَذِه الْمذَاهب فرقا وَهُوَ أَن من ترك شَيْئا من الطَّاعَات سَوَاء أَكَانَ من الْأَفْعَال أَو الْأَقْوَال خرج من الْإِيمَان عِنْدالْمُعْتَزلَة وَلم يدْخل فِي الْكفْر بل وَقع فِي مرتبَة بَينهمَا يسمونها منزلَة بَين المنزلتين وَعند الْخَوَارِج دخل فِي الْكفْر لِأَن ترك كل وَاحِدَة من الطَّاعَات كفر عِنْدهم وَعند السّلف لم يخرج من الْإِيمَان وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَق الشِّيرَازِيّ وَهَذِه أول مَسْأَلَة نشأت فِي الاعتزال وَنقل عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار وَالْعَمَل فالمخل بِالْأولِ وَحده مُنَافِق وَبِالثَّانِي وَحده كَافِر وبالثالث وَحده فَاسق ينجو من الخلود فِي النَّار وَيدخل الْجنَّة قَالَ الإِمَام هَذَا فِي غَايَة الصعوبة لِأَن الْعَمَل إِذا كَانَ ركنا لَا يتَحَقَّق الْإِيمَان بِدُونِهِ فَغير الْمُؤمن كَيفَ يخرج من النَّار وَيدخل الْجنَّة قلت قد أُجِيب عَن هَذَا الْإِشْكَال بِأَن الْإِيمَان فِي كَلَام الشَّارِع قد جَاءَ بِمَعْنى أصل الْإِيمَان وَهُوَ الَّذِي لَا يعْتَبر فِيهِ كَونه مَقْرُونا بِالْعَمَلِ كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وبلقائه وَرُسُله وتؤمن بِالْبَعْثِ وَالْإِسْلَام أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان الحَدِيث وَقد جَاءَ بِمَعْنى الْإِيمَان الْكَامِل وَهُوَ المقرون بِالْعَمَلِ كَمَا فِي حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان بِاللَّه وَحده قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان وَأَن تعطوا من الْمغنم الْخمس وَالْإِيمَان بِهَذَا الْمَعْنى هُوَ المُرَاد بِالْإِيمَان الْمَنْفِيّ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن الحَدِيث وَهَكَذَا كل مَوضِع جَاءَ بِمثلِهِ فَالْخِلَاف فِي الْمَسْأَلَة لَفْظِي لِأَنَّهُ رَاجع إِلَى تَفْسِير الْإِيمَان وَأَنه فِي أَي الْمَعْنيين مَنْقُول شَرْعِي وَفِي أَيهمَا مجَاز وَلَا خلاف فِي الْمَعْنى فَإِن الْإِيمَان المنجي من دُخُول النَّار هُوَ الثَّانِي بِاتِّفَاق جَمِيع الْمُسلمين وَالْإِيمَان المنجي من الخلود فِي النَّار هُوَ الأول بِاتِّفَاق أهل السّنة خلافًا للمعتزلة والخوارج وَمِمَّا يدل على ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث أبي ذَر مَا من عبد قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك إِلَّا دخل الْجنَّة قلت وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ وَإِن زنى وَإِن سرق الحَدِيث وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج من النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان فَالْحَاصِل أَن السّلف وَالشَّافِعِيّ إِنَّمَا جعلُوا الْعَمَل ركنا من الْإِيمَان بِالْمَعْنَى الثَّانِي دون الأول وحكموا مَعَ فَوَات الْعَمَل بِبَقَاء الْإِيمَان بِالْمَعْنَى الأول وَبِأَنَّهُ ينجو من النَّار بِاعْتِبَار وجوده وَإِن فَاتَ الثَّانِي فَبِهَذَا ينْدَفع الْإِشْكَال فَإِن قلت مَا مَاهِيَّة التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ قلت قَالَ الإِمَام قولا حَاصله أَن المُرَاد من التَّصْدِيق الحكم الذهْنِي بَيَان ذَلِك أَن من قَالَ أَن الْعَالم مُحدث لَيْسَ مَدْلُول هَذِه الْأَلْفَاظ كَون الْعَالم مَوْصُوفا بالحدوث بل حكم ذَلِك الْقَائِل بِكَوْن الْعَالم حَادِثا فَالْحكم بِثُبُوت الْحُدُوث للْعَالم مُغَاير لثُبُوت الْحُدُوث لَهُ فَهَذَا الحكم الذهْنِي بالثبوت أَو الانتفاء أَمر يعبر عَنهُ فِي كل لُغَة بِلَفْظ خَاص بِهِ وَاخْتِلَاف الصِّيَغ والعبارات مَعَ كَون الحكم الذهْنِي أمرا وَاحِدًا يدل على أَن الحكم الذهْنِي أَمر مُغَاير لهَذِهِ الصِّيَغ والعبارات وَلِأَن هَذِه الصِّيَغ دَالَّة على ذَلِك الحكم وَالدَّال غير الْمَدْلُول ثمَّ نقُول هَذَا الحكم الذهْنِي غير الْعلم لِأَن الْجَاهِل بالشَّيْء قد يحكم بِهِ فَعلمنَا أَن هَذَا الحكم الذهْنِي مُغَاير للْعلم فَيكون المُرَاد من التَّصْدِيق هُوَ هَذَا الحكم الذهْنِي وَيعلم من هَذَا الْكَلَام أَن المُرَاد من التَّصْدِيق هَهُنَا هُوَ التَّصْدِيق الْمُقَابل للتصور وَاعْترض عَلَيْهِ صدر الشَّرِيعَة بِأَن ذَلِك غير كَاف فَإِن بعض الْكفَّار كَانُوا عَالمين برسالة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْله تَعَالَى {{الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم}} الْآيَة وَفرْعَوْن كَانَ عَالما برسالة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن خطاب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَهُ مُشِيرا إِلَى المعجزات الَّتِي أوتيها {{قَالَ لقد علمت مَا أنزل هَؤُلَاءِ إِلَّا رب السَّمَاوَات}} الْآيَة وَمَعَ ذَلِك كَانُوا كَافِرين وَلَو كَانَ ذَلِك كَافِيا لكانوا مُؤمنين لِأَن من صدق بِقَلْبِه فَهُوَ مُؤمن فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ شَرط إِجْرَاء الْأَحْكَام كَمَا هُوَ مَرْوِيّ عَن أبي حنيفَة وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن الْأَشْعَرِيّ بل المُرَاد بِهِ مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ وَهُوَ أَن ينْسب الصدْق إِلَى الْمخبر اخْتِيَارا قَالَ وَإِنَّمَا قيدنَا بِهَذَا لِأَنَّهُ إِن وَقع فِي الْقلب صدق الْمخبر ضَرُورَة كَمَا إِذا ادّعى النَّبِي النُّبُوَّة وَأظْهر المعجزة وَوَقع صدقه فِي قلب أحد ضَرُورَة من غير أَن ينْسب الصدْق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتِيَارا لَا يُقَال فِي اللُّغَة أَنه صدقه فَعلم أَن المُرَاد من التَّصْدِيق إِيقَاع نِسْبَة الصدْق إِلَى الْمخبر اخْتِيَار الَّذِي هُوَ الْكَلَام النَّفْسِيّ وَيُسمى عقد الْإِيمَان وَالْكفَّار الْعَالمُونَ برسالة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام إِنَّمَا لم يَكُونُوا مُؤمنين لأَنهم كذبُوا الرُّسُل فهم كافرون لعدم التَّصْدِيق لَهُم وَلقَائِل أَن يَقُول التَّصْدِيق بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ عين التَّصْدِيق الْمُقَابل للتصور لِأَن إِيقَاع نِسْبَة الصدْق إِلَى الْمخبر هُوَ الحكم بِثُبُوت الصدْق لَهُ وَهُوَ عين هَذَا التَّصْدِيق وَإِنَّمَا لم يكن الْكفَّار الْعَالمُونَ برسالة الرُّسُل مُؤمنين مَعَ حُصُول التَّصْدِيق لَهُم لِأَن من أنكر مِنْهُم رسالتهم أبطل تَصْدِيقه القلبي تَكْذِيبه اللساني وَمن لم ينكرها أبْطلهُ بترك الْإِقْرَار اخْتِيَارا لِأَن الْإِقْرَار شَرط إِجْرَاء الْأَحْكَامعلى رَأْي كَمَا مر وركن الْإِيمَان حَالَة الِاخْتِيَار على رَأْي كَمَا مر فَلَا يدل كفرهم على أَن هَذَا التَّصْدِيق غير كَاف وَلِهَذَا لَو حصل التَّصْدِيق لأحد وَمَات من سَاعَته فَجْأَة قبل الْإِقْرَار يكون مُؤمنا إِجْمَاعًا وَبَقِي هُنَا شَيْء آخر وَهُوَ أَن التَّصْدِيق مَأْمُور بِهِ فَيكون فعلا اختياريا والتصديق الْمُقَابل للتصور لَيْسَ باختياري كَمَا بَين فِي مَوْضِعه فَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل التَّصْدِيق فعلا من أَفعَال النَّفس الاختيارية أَو يُقيد بِأَن يكون حُصُوله اخْتِيَارا بِمُبَاشَرَة سَببه الْمعد لحصوله كَمَا قيد الْمُعْتَرض التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بذلك إِلَّا أَنه يلْزم على هَذَا اخْتِصَاص التَّصْدِيق بِأَن يكون علما صادرا عَن الدَّلِيل إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول احْتج الْمُحَقِّقُونَ بِوُجُوه مِنْهَا مَا يدل على أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق وَمِنْهَا مَا يدل على أَن الْإِيمَان بالاجتهاديات كاعتقاد كَونه عز وَجل مرئيا أَو غير مرئي وَنَحْوه غير وَاجِب وَمِنْهَا مَا يدل على صِحَة إِيمَان الْمُقَلّد وَعدم اخْتِصَاص التَّصْدِيق بِمَا يكون عَن دَلِيل الْقسم الأول ثَلَاثَة أوجه الأول أَن الْخطاب الَّذِي توجه علينا بِلَفْظ آمنُوا بِاللَّه إِنَّمَا هُوَ بِلِسَان الْعَرَب وَلم تكن الْعَرَب تعرف من لفظ الْإِيمَان فِيهِ إِلَّا التَّصْدِيق وَالنَّقْل عَن التَّصْدِيق لم يثبت فِيهِ إِذْ لَو ثَبت لنقل إِلَيْنَا تواترا واشتهر الْمَعْنى الْمَنْقُول إِلَيْهِ لتوفر الدَّوَاعِي على نَقله وَمَعْرِفَة ذَلِك الْمَعْنى لِأَنَّهُ من أَكثر الْأَلْفَاظ دورا على أَلْسِنَة الْمُسلمين فَلَمَّا لم ينْقل كَذَلِك عرفنَا أَنه بَاقٍ على معنى التَّصْدِيق الثَّانِي الْآيَات الدَّالَّة على أَن مَحل الْإِيمَان هُوَ الْقلب مثل قَوْله تَعَالَى {{أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان}} وَقَوله تَعَالَى {{من الَّذين قَالُوا آمنا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم}} وَيُؤَيِّدهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسامة حِين قتل من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَاعْتذر بِأَنَّهُ لم يقلهُ عَن اعْتِقَاد بل عَن خوف الْقَتْل هلا شققت عَن قلبه فَإِن قلت لَا يلْزم من كَون مَحل الْإِيمَان هُوَ الْقلب كَون الْإِيمَان عبارَة عَن التَّصْدِيق لجَوَاز كَونه عبارَة عَن الْمعرفَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ جهم بن صَفْوَان قلت لَا سَبِيل إِلَى كَونه عبارَة عَن الْمعرفَة لوَجْهَيْنِ الأول أَن لفظ الْإِيمَان فِي خطاب آمنُوا بِاللَّه مُسْتَعْمل فِي لِسَان الْعَرَب فِي التَّصْدِيق وَأَنه غير مَنْقُول عَنهُ إِلَى معنى آخر فَلَو كَانَ عبارَة عَن الْمعرفَة للَزِمَ صرفه عَمَّا يفهم مِنْهُ عِنْد الْعَرَب إِلَى غَيره من غير قرينَة وَذَلِكَ بَاطِل وَإِلَّا لجَاز مثله فِي سَائِر الْأَلْفَاظ وَفِيه إبِْطَال اللُّغَات وَلُزُوم تطرق الْخلَل إِلَى الدَّلَائِل السمعية وارتفاع الوثوق عَلَيْهَا وَهَذَا خلف الثَّانِي أَن أهل الْكتاب وَفرْعَوْن كَانُوا عارفين بنبوة مُحَمَّد ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام وَلم يَكُونُوا مُؤمنين لعدم التَّصْدِيق فَتعين كَونه عبارَة عَن التَّصْدِيق إِذْ لَا قَائِل بثالث الْوَجْه الثَّالِث أَن الْكفْر ضد الْإِيمَان وَلِهَذَا اسْتعْمل فِي مُقَابلَته قَالَ الله تَعَالَى {{فَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه}} وَالْكفْر هُوَ التَّكْذِيب والجحود وهما يكونَانِ بِالْقَلْبِ فَكَذَا مَا يضادهما إِذْ لَا تضَاد عِنْد تغاير المحلين فَثَبت أَن الْإِيمَان فعل الْقلب وَأَنه عبارَة عَن التَّصْدِيق لِأَن ضد التَّكْذِيب التَّصْدِيق فَإِن قلت جَازَ أَن يكون حُصُول التَّكْذِيب والتصديق بِاللِّسَانِ بِدُونِ التَّصْدِيق القلبي لَا وجودا وَلَا عدما أما وجودا فَفِي الْمُنَافِق وَأما عدما فَفِي الْمُكْره بِالْقَتْلِ على إِجْرَاء كلمة الْكفْر على لِسَانه إِذا كَانَ قلبه مطمئنا بِالْإِيمَان قَالَ الله تَعَالَى {{وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين}} نفي عَن الْمُنَافِقين الْإِيمَان مَعَ التَّصْدِيق اللساني لعدم التَّصْدِيق القلبي وَقَالَ تَعَالَى {{إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان}} أَبَاحَ للمكره التَّكْذِيب بِاللِّسَانِ عِنْد وجود التَّصْدِيق القلبي الْقسم الثَّانِي ثَمَانِيَة أوجه الأول وَهُوَ مَا يدل على أَن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ غير دَاخل فِيهِ مَا أَشَرنَا أَنه لَا يدل وجوده على وجود الْإِيمَان وَلَا عَدمه على عَدمه فَجعل شرطا لإجراء الْأَحْكَام لِأَن الأَصْل فِي الْأَحْكَام أَن تكون مَبْنِيَّة على الْأُمُور الظَّاهِرَة إِذا كَانَ أَسبَابهَا الْحَقِيقِيَّة خُفْيَة لَا يُمكن الِاطِّلَاع عَلَيْهَا إِلَّا بعسر وَأَن تُقَام هِيَ مقَامهَا كَمَا فِي السّفر مَعَ الْمَشَقَّة والتقاء الختانين مَعَ الْإِنْزَال فَكَذَلِك هَهُنَا لما كَانَ التَّصْدِيق القلبي الَّذِي هُوَ منَاط الْأَحْكَام الإسلامية أمرا بَاطِنا جعل دَلِيله الظَّاهِر وَهُوَ الْإِقْرَار بِالْقَلْبِ قَائِما مقَامه لِأَن الْمَوْضُوع للدلالة على الْمعَانِي الْحَاصِلَة فِي الْقلب إِذا قصد الْإِعْلَام بهَا على مَا هُوَ الأَصْل إِنَّمَا هِيَ الْعبارَة لَا الْإِشَارَة وَالْكِتَابَة وأمثالهما فَيحكم بِإِيمَان من تلفظ بكلمتي الشَّهَادَة سَوَاء تحقق مَعَه التَّصْدِيق القلبي أَو لَا وَيحكم بِكفْر من لم يتَلَفَّظ بهما مَعَ تمكنه سَوَاء كَانَ مَعَه التَّصْدِيق القلبي أَو لَا وَمن جعله ركنا فَإِنَّمَا جعله ركنا أَيْضا لدلالته على التَّصْدِيق لَا لخُصُوص كَونه إِقْرَارا أَلا ترى أَن الْكَافِر إِذا صلى بِجَمَاعَة يحكم بِإِسْلَامِهِ وتجري عَلَيْهِ أَحْكَام أهل الْإِيمَان عِنْد أبي حنيفَة وَأَصْحَابه خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَن الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة أَيْضا جعلت دَلِيلا على تحقق الْإِيمَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى صَلَاتنَا واستقبل قبلتنافَهُوَ منا أَي الصَّلَاة المختصة بِنَا وَهِي الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة بِخِلَاف الصَّلَاة مُنْفَردا وَسَائِر الْعِبَادَات لعدم اختصاصها بملتنا هَذَا كُله فِي الْإِيمَان الاستدلالي الَّذِي تجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَام وَأما الْإِيمَان الَّذِي يجْرِي بَين العَبْد وَبَين ربه فَإِنَّهُ يتَحَقَّق بِدُونِ الْإِقْرَار فِيمَن عرف الله تَعَالَى وَسَائِر مَا يجب الْإِيمَان بِهِ بِالدَّلِيلِ واعتقد ثُبُوتهَا وَمَات قبل أَن يجد من الْوَقْت قدر مَا يتَلَفَّظ بكلمتي الشَّهَادَة أَو وجده لكنه لم يتَلَفَّظ بهما فَإِنَّهُ يحكم بِأَنَّهُ مُؤمن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج من النَّار من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان وَهَذَا قلبه مَمْلُوء من الْإِيمَان فَكيف لَا يكون مُؤمنا فَإِن قيل يلْزم من هَذَا أَن لَا يكون الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ مُعْتَبرا فِي الْإِيمَان وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَنه مُعْتَبر وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه ركنا أَو شرطا قلت منع الْغَزالِيّ هَذَا الْإِجْمَاع وَحكم بِكَوْنِهِ مُؤمنا وَأَن الِامْتِنَاع عَن النُّطْق يجْرِي مجْرى الْمعاصِي الَّتِي يُؤْتى بهَا مَعَ الْإِيمَان وَمن كَلَامه يفهم جَوَاز ترك الْإِقْرَار حَالَة الِاخْتِيَار أَيْضا فِي الْجُمْلَة وَهُوَ بِمَعْنى ثَان لكَونه ركنا زَائِدا الثَّانِي أَنه يدل على أَن أَعمال سَائِر الْجَوَارِح غير دَاخِلَة فِيهِ لِأَنَّهُ عطف الْعَمَل الصَّالح على الْإِيمَان فِي قَوْله تَعَالَى {{إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كَانَت لَهُم جنَّات الفردوس نزلا}} وَقَوله {{الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ}} الْآيَة وَقَوله {{إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله}} الْآيَة فَهَذِهِ كلهَا تدل على خُرُوجه عَنهُ إِذْ لَو دخل فِيهِ يلْزم من عطفه عَلَيْهِ التّكْرَار من غير فَائِدَة الثَّالِث مقارنته بضد الْعَمَل الصَّالح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {{وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا}} الْآيَة وَوجه دلَالَته على الْمَطْلُوب أَنه لَا يجوز مُقَارنَة الشَّيْء بضد جزئه الرَّابِع قَوْله تَعَالَى {{الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم}} أَي لم يخلطوه بارتكاب الْمُحرمَات وَلَو كَانَت الطَّاعَة دَاخِلَة فِي الْإِيمَان لَكَانَ الظُّلم منفيا عَن الْإِيمَان لِأَن ضد جُزْء الشَّيْء يكون منفيا عَنهُ وَإِلَّا يلْزم اجْتِمَاع الضدين فَيكون عطف الاجتناب مِنْهَا عَلَيْهِ تَكْرَارا بِلَا فَائِدَة الْخَامِس أَنه تَعَالَى جعل الْإِيمَان شرطا لصِحَّة الْعَمَل قَالَ الله تَعَالَى {{وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله إِن كُنْتُم مُؤمنين}} وَقَالَ الله تَعَالَى {{وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن}} وَشرط الشَّيْء يكون خَارِجا عَن ماهيته السَّادِس أَنه تَعَالَى خَاطب عباده باسم الْإِيمَان ثمَّ كلفهم بِالْأَعْمَالِ كَمَا فِي آيَات الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْوُضُوء وَذَلِكَ يدل على خُرُوج الْعَمَل من مَفْهُوم الْإِيمَان وَإِلَّا يلْزم التَّكْلِيف بتحصيل الْحَاصِل السَّابِع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْتصر عِنْد سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْإِيمَان بِذكر التَّصْدِيق حَيْثُ قَالَ الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وبلقائه وَرُسُله وتؤمن بِالْبَعْثِ ثمَّ قَالَ فِي آخِره هَذَا جِبْرِيل جَاءَ يعلم النَّاس دينهم وَلَو كَانَ الْإِيمَان اسْما للتصديق مَعَ شَيْء آخر كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقصرا فِي الْجَواب وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام آتِيَا ليلبس عَلَيْهِم أَمر دينهم لَا ليعلمهم إِيَّاه الثَّامِن أَنه تَعَالَى أَمر الْمُؤمنِينَ بِالتَّوْبَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة}} وَقَوله تَعَالَى {{وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ}} وَهَذَا يدل على صِحَة اجْتِمَاع الْإِيمَان مَعَ الْمعْصِيَة لِأَن التَّوْبَة لَا تكون إِلَّا من الْمعْصِيَة وَالشَّيْء لَا يجْتَمع مَعَ ضد جزئه الْقسم الثَّالِث وَجه وَاحِد وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحكم بِإِيمَان من لم يخْطر بِبَالِهِ كَونه تَعَالَى عَالما بِذَاتِهِ أَو بِالْعلمِ أَو كَونه عَالما بالجزئيات على الْوَجْه الْكُلِّي أَو على الْوَجْه الجزئي وَلَو كَانَ التَّصْدِيق بأمثال ذَلِك مُعْتَبرا فِي تحقق الْإِيمَان لما حكم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِيمَان مثله الْقسم الرَّابِع وَجْهَان وتقريرهما مَوْقُوف على تَحْرِير الْمَسْأَلَة أَولا وَهِي متفرعة على إِطْلَاق التَّصْدِيق فِي تَعْرِيف الْإِيمَان فَنَقُول قَالَ أهل السّنة من اعْتقد أَرْكَان الدّين من التَّوْحِيد والنبوة وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج تقليدا فَإِن اعْتقد مَعَ ذَلِك جَوَاز وُرُود شُبْهَة عَلَيْهَا وَقَالَ لَا آمن وُرُود شُبْهَة يُفْسِدهَا فَهُوَ كَافِر وَإِن لم يعْتَقد جَوَاز ذَلِك بل جزم على ذَلِك الِاعْتِقَاد فقد اخْتلفُوا فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ أَنه مُؤمن وَإِن كَانَ عَاصِيا بترك النّظر وَالِاسْتِدْلَال المؤديين إِلَى معرفَة قَوَاعِد الدّين كَسَائِر فساق الْمُسلمين وَهُوَ فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى إِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَأدْخلهُ الْجنَّة وَإِن شَاءَ عذبه بِقدر ذَنبه وعاقبة أمره الْجنَّة لَا محَالة وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأهل الظَّاهِر وَعبد الله بن سعيد الْقطَّان والْحَارث بن أَسد وَعبد الْعَزِيز بن يحيى الْمَكِّيّ وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين وَقَالَ عَامَّة الْمُعْتَزلَة أَنه لَيْسَ بِمُؤْمِن وَلَا كَافِر وَقَالَ أَبُو هَاشم أَنه كَافِر فعندهم إِنَّمَا يحكم بإيمانه إِذا عرف مَا يجب الْإِيمَان بِهِ من أصُول الدّين بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ على وَجه يُمكنهُ مجادلة الْخُصُوم وَحل جَمِيع مَا يُورد عَلَيْهِ من الشّبَه حَتَّى إِذا عجز عَن شَيْءمن ذَلِك لم يحكم بِإِسْلَامِهِ وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ وَقوم من الْمُتَكَلِّمين لَا يسْتَحق أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْإِيمَان إِلَّا بعد أَن يعرف كل مَسْأَلَة من مسَائِل أصُول الدّين بِدَلِيل عَقْلِي غير أَن الشَّرْط أَن يعرف ذَلِك بِقَلْبِه سَوَاء أحسن الْعبارَة عَنهُ أَو لَا يَعْنِي لَا يشْتَرط أَن يقدر على التَّعْبِير عَن الدَّلِيل بِلِسَانِهِ ويبينه مُرَتبا موجها وَقَالُوا هَذَا وَإِن لم يكن مُؤمنا عندنَا على الْإِطْلَاق لكنه لَيْسَ بِكَافِر أَيْضا لوُجُود مَا يضاد الْكفْر فِيهِ وَهُوَ التَّصْدِيق وَقَالُوا وَإِنَّمَا قيدنَا الدَّلِيل بالعقلي لِأَنَّهُ لَا يجوز الِاسْتِدْلَال فِي إِثْبَات أصُول الدّين بِالدَّلِيلِ السمعي لِأَن ثُبُوت الدَّلِيل السمعي مَوْقُوف على ثُبُوت وجود الصَّانِع والنبوة فَلَو أثبت وجود الصَّانِع والنبوة بِهِ لزم الدّور وَالْمرَاد من التَّقْلِيد هُوَ اعْتِقَاد حقية قَول الْغَيْر على وَجه الْجَزْم من غير أَن يعرف دَلِيله وَإِذا عرف هَذَا جِئْنَا إِلَى بَيَان وَجْهي الْمَذْهَب الْأَصَح الأول أَن الْمُقَلّد مَأْمُور بِالْإِيمَان وَقد ثَبت أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق القلبي وَقد أَتَى بِهِ فَيكون مُؤمنا وَإِن لم يعرف الدَّلِيل وَنظر هَذَا الِاحْتِجَاج مَا روى أَن أَبَا حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لما قيل لَهُ مَا بَال أَقوام يَقُولُونَ يدْخل الْمُؤمن النَّار فَقَالَ لَا يدْخل النَّار إِلَّا الْمُؤمن فَقيل لَهُ وَالْكَافِر فَقَالَ كلهم مُؤمنُونَ يَوْمئِذٍ كَذَا ذكره فِي الْفِقْه الْأَكْبَر فقد جعل الْكفَّار مُؤمنين فِي الْآخِرَة لوُجُود التَّصْدِيق مِنْهُم وَالْكَافِر أَيْضا عِنْد الْمَوْت يصير مُؤمنا لِأَنَّهُ بمعاينة ملك الْمَوْت وأمارات عَذَاب الْآخِرَة يضْطَر إِلَى التَّصْدِيق إِلَّا أَن الْإِيمَان فِي الْآخِرَة وَعند مُعَاينَة الْعَذَاب لَا يُفِيد حُصُول ثَوَاب الْآخِرَة وَلَا ينْدَفع بِهِ عُقُوبَة الْكفْر وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى من قَول الْعلمَاء أَن إِيمَان الْيَأْس لَا يَصح أَي لَا ينفع وَلَا يقبل لَا أَنه لَا يتَحَقَّق إِذْ حَقِيقَة الْإِيمَان التَّصْدِيق وَهُوَ يتَحَقَّق إِذْ الْحَقَائِق لَا تتبدل بالأحوال وَإِنَّمَا يتبدل الِاعْتِبَار وَالْأَحْكَام الثَّانِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعد من صدقه فِي جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ من عِنْد الله مُؤمنا وَلَا يشْتَغل بتعليمه من الدَّلَائِل الْعَقْلِيَّة فِي الْمسَائِل الاعتقادية مِقْدَار مَا يسْتَدلّ بِهِ مستدل ويناظر بِهِ الْخُصُوم ويذب عَن حَرِيم الدّين وَيقدر على حل مَا يُورد عَلَيْهِ من الشّبَه وَلَا بتعليم كَيْفيَّة النّظر وَالِاسْتِدْلَال وتأليف القياسات الْعَقْلِيَّة وطرق المناظرة والإلزام وَكَذَا أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قبل إِيمَان من آمن من أهل الرِّدَّة وَلم يعلمهُمْ الدَّلَائِل الَّتِي يصيرون بهَا مستبصرين من طرق الْعقل وَكَذَا عمر رَضِي الله عَنهُ لما فتح سَواد الْعرَاق قبل هُوَ وعماله إِيمَان من كَانَ بهَا من الزط والأنباط وهما صنفان من النَّاس مَعَ قلَّة أذهانهم وبلادة أفهامهم وصرفهم أعمارهم فِي الفلاحة وَضرب المعاول وَكري الْأَنْهَار والجداول وَلَو لم يكن إِيمَان الْمُقَلّد مُعْتَبرا لفقد شَرطه وَهُوَ الِاسْتِدْلَال الْعقلِيّ لاشتغلوا بِأحد أَمريْن إِمَّا بِالْإِعْرَاضِ عَن قبُول إسْلَامهمْ أَو بِنصب مُتَكَلم حاذق بَصِير بالأدلة عَالم بكيفية المحاجة ليعلمهم صناعَة الْكَلَام حَتَّى يحكموا بإيمَانهمْ وَلما امْتَنعُوا عَن كل وَاحِد من هذَيْن الْأَمريْنِ وَامْتنع أَيْضا كل من قَامَ مقامهم إِلَى يَوْمنَا هَذَا عَن ذَلِك ظهر أَن مَا ذهب إِلَيْهِ الْخصم بَاطِل لِأَنَّهُ خلاف صَنِيع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الْعِظَام وَغَيرهم من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام النَّوْع الثَّالِث فِي أَن الْإِيمَان هَل يزِيد وَينْقص وَهُوَ أَيْضا من فروع اخْتلَافهمْ فِي حَقِيقَة الْإِيمَان فَقَالَ بعض من ذهب إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق أَن حَقِيقَة التَّصْدِيق شَيْء وَاحِد لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَقَالَ آخَرُونَ أَنه لَا يقبل النُّقْصَان لِأَنَّهُ لَو نقص لَا يبْقى إِيمَانًا وَلَكِن يقبل الزِّيَادَة لقَوْله تَعَالَى {{وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا}} وَنَحْوهَا من الْآيَات وَقَالَ الدَّاودِيّ سُئِلَ مَالك عَن نقص الْإِيمَان وَقَالَ قد ذكر الله تَعَالَى زِيَادَته فِي الْقُرْآن وَتوقف عَن نَقصه وَقَالَ لَو نقص لذهب كُله وَقَالَ ابْن بطال مَذْهَب جمَاعَة من أهل السّنة من سلف الْأمة وَخَلفهَا أَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص وَالْحجّة على ذَلِك مَا أوردهُ البُخَارِيّ قَالَ فإيمان من لم تحصل لَهُ الزِّيَادَة نَاقص وَذكر الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم هبة الله اللالكائي فِي كتاب شرح أصُول اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن الْإِيمَان يزِيد بِالطَّاعَةِ وَينْقص بالمعصية وَبِه قَالَ من الصَّحَابَة عمر بن الْخطاب وَعلي وَابْن مَسْعُود ومعاذ وَأَبُو الدَّرْدَاء وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وعمار وَأَبُو هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة وسلمان وَعبد الله بن رَوَاحَة وَأَبُو أُمَامَة وجندب بن عبد الله وَعُمَيْر بن حبيب وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمن التَّابِعين كَعْب الْأَحْبَار وَعُرْوَة وَعَطَاء وَطَاوُس وَمُجاهد وَابْن أبي مليكَة وَمَيْمُون بن مهْرَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن وَيحيى بن أبي كثير وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَأَيوب وَيُونُس وَابْن عون وَسليمَان التَّيْمِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو البحتري وَعبد الْكَرِيم الْجريرِي وَزيد بن الْحَارِث وَالْأَعْمَش وَمَنْصُور وَالْحكم وَحَمْزَة الزيات وَهِشَام بن حسان وَمَعْقِل بن عبيد الله الْجريرِي ثمَّ مُحَمَّد بن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح وَمَالك بن مغول ومفضل بن مهلهلوَأَبُو سعيد الْفَزارِيّ وزائدة وَجَرِير بن عبد الحميد وَأَبُو هِشَام عبد ربه وعبثر بن الْقَاسِم وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَابْن الْمُبَارك وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأَبُو عبيد بن سَلام وَأَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ والذهلي وَمُحَمّد بن أسلم الطوسي وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو دَاوُد وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وزائدة وَشُعَيْب بن حَرْب وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش والوليد بن مُسلم والوليد بن مُحَمَّد وَالنضْر بن شُمَيْل وَالنضْر بن مُحَمَّد وَقَالَ سهل بن متوكل أدْركْت ألف أستاذ كلهم يَقُول الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان أَن أهل السّنة وَالْجَمَاعَة على ذَلِك بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَالْبَصْرَة والكوفة وَالشَّام مِنْهُم عبد الله بن يزِيد الْمقري وَعبد الْملك الْمَاجشون ومطرف وَمُحَمّد بن عبيد الله الْأنْصَارِيّ وَالضَّحَّاك بن مخلد وَأَبُو الْوَلِيد وَأَبُو النُّعْمَان والقعنبي وَأَبُو نعيم وَعبيد الله بن مُوسَى وَقبيصَة وَأحمد بن يُونُس وَعَمْرو بن عون وَعَاصِم بن عَليّ وَعبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم وَالنضْر بن عبد الْجَبَّار وَابْن بكير وَأحمد بن صَالح وَأصبغ بن الْفرج وآدَم بن أبي إِيَاس وَعبد الْأَعْلَى بن مسْهر وَهِشَام بن عمار وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وحيوة بن شُرَيْح ومكي بن إِبْرَاهِيم وَصدقَة بن الْفضل ونظراؤهم من أهل بِلَادهمْ وَذكر أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن عمر فِي كتاب الْإِيمَان ذَلِك عَن خلق قَالَ وَأما توقف مَالك عَن القَوْل بِنُقْصَان الْإِيمَان فخشيه أَن يتَنَاوَل عَلَيْهِ مُوَافقَة الْخَوَارِج وَقَالَ رسته مَا ذاكرت أحدا من أَصْحَابنَا من أهل الْعلم مثل عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَسليمَان يَعْنِي ابْن حَرْب والْحميدِي وَغَيرهم إِلَّا يَقُولُونَ الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص وَكَذَا روى عَن عُمَيْر بن حبيب وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وَحَكَاهُ اللالكائي فِي كتاب السّنَن عَن وَكِيع وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز وَشريك وَأبي بكر بن أبي عَيَّاش وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة والحمادين وَأبي ثَوْر وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَقَالَ الإِمَام هَذَا الْبَحْث لَفْظِي لِأَن المُرَاد بِالْإِيمَان إِن كَانَ هُوَ التَّصْدِيق فَلَا يقبلهما وَإِن كَانَ الطَّاعَات فيقبلهما ثمَّ قَالَ الطَّاعَات مكملة للتصديق فَكل مَا قَامَ من الدَّلِيل على أَن الْإِيمَان لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان كَانَ مصروفا إِلَى أصل الْإِيمَان الَّذِي هُوَ التَّصْدِيق وكل مَا دلّ على كَون الْإِيمَان يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَهُوَ مَصْرُوف إِلَى الْكَامِل وَهُوَ مقرون بِالْعَمَلِ وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين الْحق أَن الْإِيمَان يقبلهما سَوَاء كَانَ عبارَة عَن التَّصْدِيق مَعَ الْأَعْمَال وَهُوَ ظَاهر أَو بِمَعْنى التَّصْدِيق وَحده لِأَن التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ هُوَ الِاعْتِقَاد الْجَازِم وَهُوَ قَابل للقوة والضعف فَإِن التَّصْدِيق بجسمية الشبح الَّذِي بَين أَيْدِينَا أقوى من التَّصْدِيق بجسميته إِذا كَانَ بَعيدا عَنَّا وَلِأَنَّهُ يبتدىء فِي التنزل من أجلى البديهيات كَقَوْلِنَا النقيضان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان ثمَّ ينزل إِلَى مَا دونه كَقَوْلِنَا الْأَشْيَاء المتساوية بِشَيْء وَاحِد مُتَسَاوِيَة ثمَّ إِلَى أجلى النظريات كوجود الصَّانِع ثمَّ إِلَى مَا دونه كَكَوْنِهِ مرئيا ثمَّ إِلَى أخفاها كاعتقاد أَن الْعرض لَا يبْقى زمانين وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين الْحق أَن التَّصْدِيق يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان بِوَجْهَيْنِ الأول الْقُوَّة والضعف لِأَنَّهُ من الكيفيات النفسانية وَهِي تقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان كالفرح والحزن وَالْغَضَب وَلَو لم يكن كَذَلِك يَقْتَضِي أَن يكون إِيمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفراد الْأمة سَوَاء وَأَنه بَاطِل إِجْمَاعًا وَلقَوْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {{وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي}} الثَّانِي التَّصْدِيق التفصيلي فِي إِفْرَاد مَا علم مَجِيئه بِهِ جُزْء من الْإِيمَان يُثَاب عَلَيْهِ ثَوَابه على تَصْدِيقه بِالْآخرِ وَقَالَ بَعضهم فِي هَذَا الْمقَام الَّذِي يُؤَدِّي إِلَيْهِ نَظَرِي أَنه يَنْبَغِي أَن يكون الْحق الْحقيق بِالْقبُولِ أَن الْإِيمَان بِحَسب التَّصْدِيق يزِيد بِزِيَادَة الكمية المعظمة وَهِي الْعدَد قبل تقرر الشَّرَائِع بِأَن يُؤمن الْإِنْسَان بجملة مَا ثَبت من الْفَرَائِض ثمَّ يثبت فرض آخر فَيُؤمن بِهِ أَيْضا ثمَّ وَثمّ فَيَزْدَاد إيمَانه أَو يُؤمن بحقية كل مَا جَاءَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِجْمَالا قبل أَن تبلغ إِلَيْهِ الشَّرَائِع تَفْصِيلًا ثمَّ تبلغه فَيُؤمن بهَا تَفْصِيلًا بَعْدَمَا آمن بِهِ إِجْمَالا فَيَزْدَاد إيمَانه فَإِن قلت يلْزم من هَذَا تَفْضِيل من آمن بعد تَقْرِير الشَّرَائِع على من مَاتَ فِي زمن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار لِأَن إِيمَان أُولَئِكَ أَزِيد من إِيمَان هَؤُلَاءِ قلت لَا نسلم أَن هَذِه الزِّيَادَة سَبَب التَّفْضِيل فِي الْآخِرَة وَسَنَد الْمَنْع أَن كل وَاحِد من هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ مُؤمن بِجَمِيعِ مَا يجب الْإِيمَان بِهِ بِحَسب زَمَانه وهما متساويان فِي ذَلِك وَأَيْضًا إِنَّمَا يلْزم تَفْضِيلهمْ على الصَّحَابَة بِسَبَب زِيَادَة عدد إِيمَانهم لَو لم يكن لإيمانهم تَرْجِيح بِاعْتِبَار آخر وَهُوَ قُوَّة الْيَقِين وَهُوَ مَمْنُوع لِأَن لإيمانهم تَرْجِيحا أَلا ترى إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو وزن إِيمَان أبي بكر مَعَ إِيمَان جَمِيع الْخلق لرجح إِيمَان أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَلَا ينقص الْإِيمَان بِحَسب الْعدَد قبل تقرر الشَّرَائِع وَلَا يلْزم ترك الْإِيمَان بِنَقص مَا يجب الْإِيمَان بِهِ وَيزِيد وَينْقصبِحَسب الْعدَد بعد تقرر الشَّرَائِع بتكرار التَّصْدِيق والتلفظ بكلمتي الشَّهَادَة مرّة بعد أُخْرَى بعد الذهول عَنهُ تَكْرَارا كثيرا أَو قَلِيلا وَيزِيد وَينْقص مُطلقًا أَي قبل تقرر الشَّرَائِع وَبعده بِحَسب الْكَيْفِيَّة أَي الْقُوَّة والضعف بِحَسب ظُهُور أَدِلَّة حقية الْمُؤمن بِهِ وخفائها وقوتها وضعفها وَقُوَّة اعْتِقَاد الْمُقَلّد فِي الْمُقَلّد وَضَعفه وروى عَن بعض الْمُحَقِّقين أَنه قَالَ الْأَظْهر أَن نفس التَّصْدِيق يزِيد بِكَثْرَة النّظر وتظاهر الْأَدِلَّة وَلِهَذَا يكون إِيمَان الصديقين والراسخين فِي الْعلم أقوى من إِيمَان غَيرهم بِحَيْثُ لَا تعتريهم الشُّبْهَة وَلَا يزلزل إِيمَانهم معَارض وَلَا تزَال قُلُوبهم منشرحة لِلْإِسْلَامِ وَإِن اخْتلفت عَلَيْهِم الْأَحْوَال النَّوْع الرَّابِع فِي أَن الْإِسْلَام مُغَاير للْإيمَان أَو هما متحدان فَنَقُول الْإِسْلَام فِي اللُّغَة الانقياد والإذعان وَفِي الشَّرِيعَة الانقياد لله بِقبُول رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتلفظ بكلمتي الشَّهَادَة والإتيان بالواجبات والانتهاء عَن الْمُنْكَرَات كَمَا دلّ عَلَيْهِ جَوَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سَأَلَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْإِسْلَام فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِسْلَام أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وَتُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان وَيُطلق الْإِسْلَام على دين مُحَمَّد يُقَال دين الْإِسْلَام كَمَا يُقَال دين الْيَهُودِيَّة والنصرانية قَالَ الله تَعَالَى {{إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذاق طعم الْإِيمَان من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فيهمَا فَذهب الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُمَا متغايران وَهُوَ الصَّحِيح وَذهب بعض الْمُحدثين والمتكلمين وَجُمْهُور الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام والإسمان مُتَرَادِفَانِ شرعا وَقَالَ الْخطابِيّ وَالصَّحِيح من ذَلِك أَن يُقيد الْكَلَام وَلَا يُطلق وَذَلِكَ أَن الْمُسلم قد يكون فِي بعض الْأَحْوَال دون بعض وَالْمُؤمن مُسلم فِي جَمِيع الْأَحْوَال فَكل مُؤمن مُسلم وَلَيْسَ كل مُسلم مُؤمنا وَإِذا حملت الْأَمر على هَذَا استقام لَك تَأْوِيل الْآيَات واعتدل القَوْل فِيهَا وَلم يخْتَلف شَيْء مِنْهَا وأصل الْإِيمَان التَّصْدِيق وأصل الْإِسْلَام الاستسلام والانقياد فقد يكون الْمَرْء مُسلما فِي الظَّاهِر غير منقاد فِي الْبَاطِن وَقد يكون صَادِقا بالباطن غير منقاد فِي الظَّاهِر قلت هَذِه إِشَارَة إِلَى أَن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا مُطلقًا كَمَا صرح بِهِ بعض الْفُضَلَاء وَالْحق أَن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا من وَجه لِأَن الْإِيمَان أَيْضا قد يُوجد بِدُونِ الْإِسْلَام كَمَا فِي شَاهِق الْجَبَل إِذا عرف الله بعقله وَصدق بِوُجُودِهِ ووحدته وَسَائِر صِفَاته قبل أَن تبلغه دَعْوَة نَبِي وَكَذَا فِي الْكَافِر إِذا اعْتقد جَمِيع مَا يجب الْإِيمَان بِهِ اعتقادا جَازِمًا وَمَات فَجْأَة قبل الْإِقْرَار وَالْعَمَل وَالْحَاصِل أَن بَيَان النِّسْبَة بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام بالمساواة أَو بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص مَوْقُوف على تَفْسِير الْإِيمَان فَقَالَ الْمُتَأَخّرُونَ هُوَ تَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا علم مَجِيئه بِهِ ضَرُورَة وَالْحَنَفِيَّة التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار والكرامية الْإِقْرَار وَبَعض الْمُعْتَزلَة الْأَعْمَال وَالسَّلَف التَّصْدِيق بالجنان وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالأركان فَهَذِهِ أَقْوَال خَمْسَة الثَّلَاثَة مِنْهَا بسيطة وَوَاحِد مركب ثنائي وَالْخَامِس مركب ثلاثي وَوجه الْحصْر أَنه إِمَّا بسيط أَو لَا والبسيط إِمَّا اعتقادي أَو قولي أَو عَمَلي وَغير الْبَسِيط إِمَّا ثنائي وَإِمَّا ثلاثي وَهَذَا كُله بِالنّظرِ إِلَى مَا عِنْد الله تَعَالَى أما عندنَا فالإيمان هُوَ بِالْكَلِمَةِ فَإِذا قَالَهَا حكمنَا بإيمانه اتِّفَاقًا بِلَا خلاف ثمَّ لَا تغفل أَن النزاع فِي نفس الْإِيمَان وَأما الْكَمَال فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من الثَّلَاثَة إِجْمَاعًا ثمَّ أَن الَّذين ذَهَبُوا إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام وَالْإِسْلَام مُتَرَادِفَانِ استدلوا على ذَلِك بِوُجُوه الأول أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِاللَّه وَالْإِسْلَام إِمَّا أَن يكون مأخوذا من التَّسْلِيم وَهُوَ تَسْلِيم العَبْد نَفسه لله تَعَالَى أَو يكون مأخوذا من الاستسلام وَهُوَ الانقياد وَكَيف مَا كَانَ فَهُوَ رَاجع إِلَى مَا ذكرنَا من تَصْدِيقه بِالْقَلْبِ واعتقاده أَنه تَعَالَى خالقه لَا شريك لَهُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {{وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ}} وَقَوله تَعَالَى {{إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}} بَين أَن دين الله هُوَ الْإِسْلَام وَأَن كل دين غير الْإِسْلَام غير مَقْبُول وَالْإِيمَان دين لَا محَالة فَلَو كَانَ غير الْإِسْلَام لما كَانَ مَقْبُولًا وَلَيْسَ كَذَلِك الثَّالِث لَو كَانَا متغايرين لتصور أَحدهمَا بِدُونِ الآخر ولتصور مُسلم لَيْسَ بِمُؤْمِن وَأجِيب عَن الأول بِأَنا لَا نسلم أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِاللَّه فَقَط وَإِلَّا لَكَانَ كثير من الْكفَّار مُؤمنين لتصديقهم بِاللَّه بل هُوَ تَصْدِيق الرَّسُول بِكُل مَا علم مَجِيئه بِهِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا مر وَلَئِن سلمنَا لَكِن لَا نسلم أَن التَّسْلِيم هَهُنَا بِمَعْنى تَسْلِيم العَبْد نَفسه لم لَا يجوز أَن يكون بِمَعْنى الاستسلام وَهُوَ الانقياد وَلِأَن أحد مَعَاني التَّسْلِيم الانقياد وَحِينَئِذٍ يلْزم تغايرهما لجَوَاز الانقياد ظَاهرا بِدُونِ تَصْدِيق الْقلب وَعَن الثَّانِي بِأَنا لَا نسلم أَن الْإِيمَان الَّذِي هُوَ التَّصْدِيق فَقَط دين بل الدّين إِنَّمَا يُقَال لمجموع الْأَركان الْمُعْتَبرَة فِي كل دين كالإسلامبتفسير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا يُقَال دين الْإِسْلَام وَلَا يُقَال دين الْإِيمَان وَهَذَا أَيْضا فرق آخر وَمعنى الْآيَة وَمن يبتغ دينا غير دين مُحَمَّد فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَعَن الثَّالِث بِأَن عدم تغايرهما بِمَعْنى عدم الانفكاك لَا يُوجب اتحادهما معنى وَأَيْضًا المُنَافِقُونَ كلهم مُسلمُونَ بالتفسير الْمَذْكُور غير مُؤمنين فقد وجد أَحدهمَا بِدُونِ الآخر ثمَّ أَنهم أولُوا الْآيَة بِأَن المُرَاد بأسلمنا استسلمنا أَي أنقذنا وَالْخَبَر بِأَن سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا كَانَ عَن الْإِسْلَام بل عَن شرائع الْإِسْلَام وأسندوا هَذَا إِلَى بعض الروَاة وَأجِيب بِأَن الاستسلام هَهُنَا يَنْبَغِي أَن يكون بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور فِي تَعْرِيف الْإِسْلَام وَإِلَّا لما تمكن المُنَافِقُونَ من دَعْوَى الْإِيمَان وَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَة فِي هَذَا التَّأْوِيل وَالْمَذْكُور فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا مَا ذكرنَا وَلَا تعارضه هَذِه الرِّوَايَة الغريبة الْمُخَالفَة للظَّاهِر قلت فِي إِثْبَات وحدة الْإِيمَان وَالْإِسْلَام صعوبة وعسر لأَنا لَو نَظرنَا إِلَى قَوْله تَعَالَى {{وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ}} لزم اتحدهما إِذْ لَو كَانَ الْإِيمَان غير الْإِسْلَام لم يقبل قطّ فَتعين أَن يكون عينه لِأَن الْإِيمَان هُوَ الدّين وَالدّين هُوَ الْإِسْلَام لقَوْله تَعَالَى {{إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}} فينتج أَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام وَلَو نَظرنَا إِلَى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سَأَلَهُ جِبْرِيل عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره وَالْإِسْلَام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت إِن اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا لزم تغايرهما بتصريح تفسيرهما وَلِأَن قَوْله تَعَالَى {{إِن الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات}} يدل على الْمُغَايرَة بَينهمَا لِأَن الْعَطف يَقْتَضِي تغاير الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ النَّوْع الْخَامِس فِي أَن الْإِيمَان هَل هُوَ مَخْلُوق أم لَا فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنه مَخْلُوق فَمنهمْ الْحَارِث المحاسبي وجعفر بن حَرْب وَعبد الله بن كلاب وَعبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ وَذكر عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث أَنهم قَالُوا الْإِيمَان غير مَخْلُوق وَأحسن مَا قيل فِيهِ مَا رُوِيَ عَن الْفَقِيه أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي أَنه قَالَ أَن الْإِيمَان إِقْرَار وهداية فالإقرار صنع العَبْد وَهُوَ مَخْلُوق وَالْهِدَايَة صنع الرب وَهُوَ غير مَخْلُوق النَّوْع السَّادِس فِي قرَان الْمَشِيئَة بِالْإِيمَان فَقَالَت طَائِفَة لَا بُد من قرانها وَحكى هَذَا عَن أَكثر الْمُتَكَلِّمين وَقَالَت طَائِفَة بجوازها وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة هُوَ الْمُخْتَار وَقَول أهل التَّحْقِيق وَقَالَت طَائِفَة بِجَوَاز الْأَمريْنِ قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة هُوَ حسن وَقَالَت الْحَنَفِيَّة لَا يَصح ذَلِك فَمن قَارن إيمَانه بِالْمَشِيئَةِ لم يَصح إيمَانه وَرووا مَا ذكر فِي كتاب أبي سعيد مُحَمَّد بن عَليّ بن مهْدي النقاش عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يرفعهُ من زعم أَن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص فقد خرج من أَمر الله وَمن قَالَ أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله فَلَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَام نصيب وَفِيه أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ الْإِيمَان ثَابت لَيْسَ بِهِ زِيَادَة وَلَا نقص نقصانه وزيادته كفر وَمن حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يرفعهُ من زعم أَن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص فزيادته نقص ونقصه كفر وَفِي كل ذَلِك نظر (النَّوْع السَّابِع) اتّفق أهل السّنة من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء والمتكلمين على مَا قَالَه النَّوَوِيّ أَن الْمُؤمن الَّذِي يحكم بِأَنَّهُ من أهل الْقبْلَة وَلَا يخلد فِي النَّار لَا يكون إِلَّا من اعْتقد بِقَلْبِه دين الْإِسْلَام اعتقادا جَازِمًا خَالِيا من الشكوك ونطق مَعَ ذَلِك بِالشَّهَادَتَيْنِ قَالَ فَإِن اقْتصر على أَحدهمَا لم يكن من أهل الْقبْلَة أصلا بل يخلد فِي النَّار إِلَّا أَن يعجز عَن النُّطْق لخلل فِي لِسَانه أَو لعدم التَّمَكُّن مِنْهُ لمعالجة الْمنية أَو لغير ذَلِك فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مُؤمنا بالاعتقاد من غير لفظ وَإِذا نطق بهما لم يشْتَرط مَعَهُمَا أَن يَقُول وَأَنا برىء من كل دين خَالف دين الْإِسْلَام على الْأَصَح إِلَّا أَن يكون من كفار يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاص الرسَالَة بالعرب وَلَا يحكم بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يتبرأ وَمن أَصْحَابنَا من اشْترط التبرىء مُطلقًا وَهُوَ غلط لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَمِنْهُم من استحبه مُطلقًا كالاعتراف بِالْبَعْثِ أما إِذا اقْتصر الْكَافِر على قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله وَلم يَقُول مُحَمَّد رَسُول الله فَالْمَشْهُور من مَذْهَبنَا وَمذهب الْجُمْهُور أَنه لَا يكون مُسلما وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يصير مُسلما وَيُطَالب بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِن أَبى جعل مُرْتَدا وَحجَّة الْجُمْهُور الرِّوَايَة السالفة وَهِي مُقَدّمَة على هَذِه لِأَنَّهَا زِيَادَة من ثِقَة وَلَيْسَ فِيهَا نفي للشَّهَادَة الثَّانِيَة وَإِنَّمَا أَن فِيهَا تَنْبِيها على الْأُخْرَى وأعرب القَاضِي حُسَيْن فَشرط فِي ارْتِفَاع السَّيْف عَنهُ أَن يقر بأحكامها مَعَ النُّطْق بهَا فَأَما مُجَرّد قَوْلهَا فَلَا وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ وَقَالَ النَّوَوِيّ اشْترط القَاضِي أَبُو الطّيب من أَصْحَابنَا التَّرْتِيب بَين كلمتي الشَّهَادَة فِي صِحَة الْإِسْلَام فَيقدم الْإِقْرَار بِاللَّه على الْإِقْرَار بِرَسُولِهِ وَلم أر من وَافقه وَلَا من خَالفه وَذكر الْحَلِيمِيّفِي منهاجه ألفاظا تقوم مقَام لَا إِلَه إِلَّا الله فِي بَعْضهَا نظر لانْتِفَاء ترادفها حَقِيقَة فَقَالَ وَيحصل الْإِسْلَام بقوله لَا إِلَه غير الله وَلَا إِلَه سوى الله أَو مَا عدا الله وَلَا إِلَه إِلَّا الرَّحْمَن أَو الباريء أَو لَا رَحْمَن أَو لَا باريء إِلَّا الله أَو لَا ملك أَو لَا رَازِق إِلَّا الله وَكَذَا لَو قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الْعَزِيز أَو الْعَظِيم أَو الْحَكِيم أَو الْكَرِيم وَبِالْعَكْسِ قَالَ وَلَو قَالَ أَحْمد أَبُو الْقَاسِم رَسُول الله فَهُوَ كَقَوْلِه مُحَمَّد (وَهُوَ قَول وَفعل وَيزِيد وَينْقص) أَي أَن الْإِيمَان قَول بِاللِّسَانِ وَفعل بالجوارح فَإِن قلت الْإِيمَان عِنْده قَول وَفعل واعتقاد فَكيف ذكر القَوْل وَالْفِعْل وَلم يذكر الِاعْتِقَاد الَّذِي هُوَ الأَصْل قلت لَا نزاع فِي أَن الِاعْتِقَاد لَا بُد مِنْهُ وَالْكَلَام فِي القَوْل وَالْفِعْل هَل هما مِنْهُ أم لَا فَلَا جلّ ذَلِك ذكر مَا هُوَ الْمُتَنَازع فِيهِ وَأجِيب أَيْضا بِأَن الْفِعْل أَعم من فعل الْجَوَارِح فَيتَنَاوَل فعل الْقلب وَفِيه نظر من وَجْهَيْن أَحدهمَا هُوَ أَن يُقَال لَا حَاجَة إِلَى ذكر القَوْل أَيْضا لِأَنَّهُ فعل اللِّسَان وَالْآخر أَن الِاعْتِقَاد من مقولة الانفعال أَو الْفِعْل وَفِيه تَأمل فَإِن قلت مَا وَجه من أعَاد الضَّمِير أَعنِي هُوَ إِلَى الْإِسْلَام قلت وَجهه أَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَاحِد عِنْد البُخَارِيّ فَإِذا كَانَ كِلَاهُمَا وَاحِدًا يجوز عود الضَّمِير إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا قَوْله يزِيد وَينْقص أَي الْإِيمَان وَالْإِسْلَام قبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان هَذَا على تَقْدِير دُخُول القَوْل وَالْفِعْل فِيهِ ظَاهر وَأما على تَقْدِير أَن يكون نفس التَّصْدِيق فَإِنَّهُ أَيْضا يزِيد وَينْقص أَي قُوَّة وضعفا أَو إِجْمَالا وتفصيلا أَو تعدادا بِحَسب تعدد الْمُؤمن بِهِ كَمَا حققناه فَمَا مضى وَهَذَا الَّذِي قَالَه البُخَارِيّ مَنْقُول عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَإِنَّهُ قَالَ الْإِيمَان قَول وَفعل يزِيد وَينْقص فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ إِبْرَاهِيم لَا تقل ينقص فَغَضب وَقَالَ اسْكُتْ يَا صبي بل ينقص حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْء قَالَ أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن يزِيد رسته حَدثنَا الْحميدِي حَدثنِي يحيى بن سليم الطَّائِفِي قَالَ سَأَلت عشرَة من الْفُقَهَاء فكلهم قَالُوا الْإِيمَان قَول وَعمل الثَّوْريّ وَهِشَام بن حسان وَابْن جريج وَمُحَمّد بن عَمْرو بن عُثْمَان والمثنى بن الصَّباح وَنَافِع بن عمر الجُمَحِي وَمُحَمّد بن مُسلم الطَّائِفِي وَمَالك بن أنس وفضيل بن عِيَاض وسُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ رسته وَحدثنَا بعض أَصْحَابنَا عَن عبد الرَّزَّاق قَالَ سَمِعت معمرا وَالْأَوْزَاعِيّ يَقُولَانِ الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص قَالَ الله تَعَالَى {{ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم وزدناهم هدى وَيزِيد الله الَّذِي اهتدوا هدى وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا}} وَقَوله {{أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا فَأَما الَّذين آمنُوا فزادتهم إِيمَانًا}} وَقَوله جلّ ذكره {{فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا}} وَقَوله تَعَالَى {{وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليما}} هَذِه ثَمَان آيَات ذكرهَا دَلِيلا على زِيَادَة الْإِيمَان وَقد قُلْنَا أَنه كثيرا مَا يسْتَدلّ لترجمة الْبَاب بِالْقُرْآنِ وَبِمَا وَقع لَهُ من سنة مُسندَة وَغَيرهَا أَو أثر من الصَّحَابَة أَو قَول للْعُلَمَاء وَنَحْو ذَلِك وَلَكِن ذكر هَذِه الْآيَات مَا كَانَ يُنَاسب إِلَّا فِي بَاب زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه فَإِن قلت الْآيَات دلّت على الزِّيَادَة فَقَط وَالْمَقْصُود بَيَان الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان كليهمَا قلت قَالَ الْكرْمَانِي كل مَا قبل الزِّيَادَة لَا بُد أَن يكون قَابلا للنقصان ضَرُورَة ثمَّ الْآيَة الأولى فِي سُورَة الْفَتْح وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {{هُوَ الَّذِي أنزل السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم وَللَّه جنود السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَكَانَ الله عليما حكيما}} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَي أنزل الله فِي قُلُوبهم السّكُون والطمأنينة بِسَبَب الصُّلْح والأمن ليعرفوا فضل الله تَعَالَى عَلَيْهِم بتيسير الْأَمْن بعد الْخَوْف والهدنة غب الْقِتَال فيزدادوا يَقِينا إِلَى يقينهم أَو أنزل فِيهَا السّكُون إِلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الشَّرَائِع ليزدادوا يَقِينا إِلَى يقينهم أَو أنزل فِيهَا السّكُون إِلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام من الشَّرَائِع ليزدادوا إِيمَانًا بالشرائع مَقْرُونا إِلَى إِيمَانهم وَهُوَ التَّوْحِيد وَعَن ابْن عَبَّاس أول مَا أَتَاهُم بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّوْحِيد فَلَمَّا آمنُوا بِاللَّه وَحده أنزل الصَّلَاة وَالزَّكَاة ثمَّ الْحَج ثمَّ الْجِهَاد فازدادوا إِيمَانًا إِلَى إِيمَانهم وَأنزل فِيهَا الْوَقار وَالْعَظَمَة لله وَلِرَسُولِهِ ليزدادوا باعتقاد ذَلِك إِيمَانًا إِلَى إِيمَانهم وَقيل أنزل الله فِيهِ الرَّحْمَة ليتراحموا فَيَزْدَاد إِيمَانهم الْآيَة الثَّانِيَة فِي سُورَة الْكَهْف وَهِي قَوْله تَعَالَى {{نَحن نقص عَلَيْك نبأهم بِالْحَقِّ إِنَّهُم فتية آمنُوا برَبهمْ وزدناهم هدى وربطنا على قُلُوبهم إِذْ قَامُوا}} الْآيَة {{نبأهم}} أَي خبرهم والفتية جمع فَتى وَالْهدى من هداه يهديه أَي دلَالَة موصلة إِلَى البغية وَهُوَ مُتَعَدٍّ والاهتداء لَازم قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ {{وزدناهم هدى}}بالتوفيق والتثبت {{وربطنا على قُلُوبهم}} وقوينا بِالصبرِ على هجر الأوطان وَالنَّعِيم والفرار بِالدّينِ إِلَى بعض الْغَيْر أَن وحشرناهم على الْقيام بِكَلِمَة الْحق والتظاهر بِالْإِسْلَامِ {{إِذْ قَامُوا}} بَين يَدي الْجَبَّار وَهُوَ دقيانوس من غير مبالاة بِهِ حِين عَاتَبَهُمْ على ترك عبَادَة الصَّنَم {{فَقَالُوا رَبنَا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض}} الْآيَة الثَّالِثَة فِي سُورَة مَرْيَم وَهِي قَوْله تَعَالَى {{وَيزِيد الله الَّذين اهتدوا هدى والباقيات الصَّالِحَات خير عِنْد رَبك ثَوابًا وَخير مردا}} أَي يزِيد الله المهتدين هِدَايَة بتوفيقه وَالْمرَاد من الْبَاقِيَات الصَّالِحَات أَعمال الْآخِرَة كلهَا وَقيل الصَّلَوَات وَقيل سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر أَي هِيَ خير ثَوابًا من مفاخرات الْكفَّار وَخير مرد أَي مرجعا وعاقبة الْآيَة الرَّابِعَة فِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي قَوْله تَعَالَى {{وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}} أَي زادهم الله هدى بالتوفيق {{وآتاهم تقواهم}} أعانهم عَلَيْهَا وَعَن السّديّ بَين لَهُم مَا يَتَّقُونَ وقريء وَأَعْطَاهُمْ الْآيَة الْخَامِسَة فِي سُورَة المدثر وَهِي قَوْله تَعَالَى {{وَمَا جعلنَا عدتهمْ إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا ليستيقين الَّذين أُوتُوا الْكتاب ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا}} أَي عدَّة الْمَلَائِكَة الَّذين يلون أَمر جَهَنَّم لأَنهم خلاف جنس الْمُعَذَّبين من الْجِنّ وَالْإِنْس فَلَا يَأْخُذهُمْ مَا يَأْخُذ المجانس من الرأفة والرقة وَلِأَنَّهُم أقوم خلق الله بِحَق الله وبالغضب لَهُ وَلِأَنَّهُم أَشد الْخلق بَأْسا وَأَقْوَاهُمْ بطشا وَالتَّقْدِير لقد جعلنَا عدتهمْ عدَّة من شَأْنهَا أَن يفتتن بهَا لأجل استيقان الْمُؤمنِينَ وحيرة الْكَافرين واستيقان أهل الْكتاب لِأَن عدتهمْ تِسْعَة عشر فِي الْكِتَابَيْنِ فَإِذا سمعُوا بِمِثْلِهَا فِي الْقُرْآن أيقنوا أَنه منزل من عِنْد الله وازداد الْمُؤْمِنُونَ إِيمَانًا لتصديقهم بذلك كَمَا صدقُوا سَائِر مَا أنزل الْآيَة السَّادِسَة فِي سُورَة بَرَاءَة من الله وَرَسُوله وَهِي قَوْله تَعَالَى {{وَإِذا مَا أنزلت سُورَة فَمنهمْ من يَقُول أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا فَأَما الَّذين آمنُوا فزادتهم إِيمَانًا وهم يستبشرون}} أَي فَمن الْمُنَافِقين من يَقُول بَعضهم لبَعض أَيّكُم زادته هَذِه السُّورَة إِيمَانًا إِنْكَار واستهزاء بِالْمُؤْمِنِينَ واعتقادهم زِيَادَة الْإِيمَان بِزِيَادَة الْعلم الْحَاصِل بِالْوَحْي وَالْعَمَل بِهِ الْآيَة السَّابِعَة فِي سُورَة آل عمرَان وَهِي قَوْله تَعَالَى {{الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل}} المُرَاد من النَّاس الأول نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ وَمن الثَّانِي أهل مَكَّة وروى أَن أَبَا سُفْيَان نَادَى عِنْد انْصِرَافه من أحد يَا مُحَمَّد موعدنا موسم بدر لقابل إِن شِئْت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شَاءَ الله فَلَمَّا كَانَ الْقَابِل خرج أَبُو سُفْيَان فِي أهل مَكَّة حَتَّى نزل من الظهْرَان فَألْقى الله الرعب فِي قلبه فَبَدَا لَهُ أَن يرجع فلقي نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ وَقد قدم مُعْتَمِرًا فَقَالَ يَا نعيم إِنِّي وَاعَدت مُحَمَّدًا أَن نَلْتَقِي بِمَوْسِم بدر وَأَن هَذَا عَام جَدب وَلَا يُصْلِحنَا إِلَّا عَام نرعى فِيهِ الشّجر وَنَشْرَب فِيهِ اللبان وَقد بدا لي وَلَكِن إِن خرج مُحَمَّد وَلم أخرج زَاده ذَلِك جَرَاءَة فَالْحق بِالْمَدِينَةِ فَثَبَّطَهُمْ وَلَك عِنْدِي عشر من الْإِبِل فَخرج نعيم فَوجدَ الْمُسلمين يَتَجَهَّزُونَ فَقَالَ لَهُم مَا هَذَا بِالرَّأْيِ أَتَوْكُم فِي دِيَاركُمْ وقراركم فَلم يفلت مِنْكُم أحد إِلَّا شريد أفتريدون أَن تخْرجُوا وَقد جمعُوا لكم عِنْد الْمَوْسِم فوَاللَّه لَا يفلت مِنْكُم أحد وَقيل مر بِأبي سُفْيَان ركب عبد الْقَيْس يُرِيدُونَ الْمَدِينَة لِلْمِيرَةِ فَجعل لَهُم حمل بعير من زبيب أَن ثبطوهم فكره الْمُسلمُونَ الْخُرُوج فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأخْرجَن وَلَو لم يخرج معي أحد فَخرج فِي سبعين رَاكِبًا وهم يَقُولُونَ حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل وَكَانَ مَعَهم تِجَارَات فباعرها وَأَصَابُوا خيرا ثمَّ انصرفوا إِلَى الْمَدِينَة سَالِمين غَانِمِينَ فَخرج أَبُو سُفْيَان إِلَى مَكَّة فَسمى أهل مَكَّة جَيْشه جَيش السويق وَقَالُوا إِنَّمَا خَرجْتُمْ لِتَشْرَبُوا السويق: الْآيَة الثَّامِنَة فِي سُورَة الْأَحْزَاب وَهِي قَوْله تَعَالَى {{وَلما رأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَاب قَالُوا هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله وَصدق الله وَرَسُوله وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليما}} هَذَا إِشَارَة إِلَى الْخطب وَالْبَلَاء قَوْله {{وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا}} أَي بِاللَّه وبمواعيده {{وتسليما}} لقضاياه وأقداره (وَالْحب فِي الله والبغض فِي الله من الْإِيمَان) وَالْحب مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ والبغض مَعْطُوف عَلَيْهِ وَقَوله من الْإِيمَان خَبره وَكلمَة فِي أَصْلهَا للظرفية وَلكنهَا هَهُنَا تقال للسَّبَبِيَّة أَي بِسَبَب طَاعَة الله تَعَالَى ومعصيته كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل وَقَوله فِي الَّتِي حبست الْهِرَّة فَدخلت النَّار فِيهَا أَي بِسَبَبِهَا وَمِنْه قَوْله {{فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ}} وَقَوله {{لمسكم فِيمَا أَفَضْتُم}} ثمَّ هَذِه الْجُمْلَة يجوز أَن تكون عطفا على مَا أضيف إِلَيْهِ الْبَاب فَتدخل فِي تَرْجَمَة الْبَاب كَأَنَّهُ قَالَ وَالْحب فِي الله من الْإِيمَان والبغض فِي الله من الْإِيمَان وَيجوز أَن يكون ذكرهَا لبَيَان إِمْكَان الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان كَذَلِك الْآيَات وروى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ إِلَىأبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْأَعْمَال الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا زيد بن الْحباب عَن الصَّعق بن حَرْب قَالَ حَدثنِي عقيل ابْن الْجَعْد عَن أبي إِسْحَق عَن سُوَيْد بن غَفلَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوثق عرى الْإِيمَان الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله وروى ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي فُضَيْل عَن اللَّيْث عَن عَمْرو بن مرّة عَن الْبَراء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوثق عرى الْإِسْلَام الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أعْطى لله وَمنع لله وَأحب لله وَأبْغض لله فقد اسْتكْمل الْإِيمَان وَقَالَ هَذَا حَدِيث مُنكر وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أحب لله وَأبْغض لله وَأعْطى لله وَمنع لله فقد اسْتكْمل الْإِيمَان (وَكتب عمر بن الْعَزِيز إِلَى عدي بن عدي إِن للْإيمَان فراض وَشَرَائِع وحدودا وسننا فَمن استكملها اسْتكْمل الْإِيمَان وَمن لم يستكملها لم يستكمل الْإِيمَان فَإِن أعش فسأبينها لكم حَتَّى تعملوا بهَا وَإِن أمت فَمَا أَنا على صحبتكم بحريص) الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع: الأول فِي تَرْجَمَة عمر وعدي أما عمر فَهُوَ ابْن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس الْأمَوِي الْقرشِي الإِمَام الْعَادِل أحد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين سمع عبد الله بن جَعْفَر وأنسا وَغَيرهمَا وَصلى أنس خَلفه قبل خِلَافَته ثمَّ قَالَ مَا رَأَيْت أحدا أشبه صَلَاة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا الْفَتى تولى الْخلَافَة سنة تسع وَتِسْعين وَمُدَّة خِلَافَته سنتَانِ وَخَمْسَة أشهر نَحْو خلَافَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَمَلَأ الأَرْض قسطا وعدلا وَأمه حَفْصَة بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ولد بِمصْر وَتُوفِّي بدير سمْعَان بحمص يَوْم الْجُمُعَة لخمس لَيَال بَقينَ من رَجَب سنة إِحْدَى وَمِائَة وَقَالَ القَاضِي جمال الدّين بن وَاصل وَالظَّاهِر عِنْدِي أَن دير سمْعَان هُوَ الْمَعْرُوف الْآن بدير النقيرة من عمل معرة النُّعْمَان فَإِن قَبره هُوَ هَذَا الْمَشْهُور وَأوصى أَن يدْفن مَعَه شَيْء كَانَ عِنْده من شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأظفاره وَقَالَ إِذا مت فَاجْعَلُوهُ فِي كفني فَفَعَلُوا ذَلِك وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل يرْوى فِي الحَدِيث أَن الله تَعَالَى يبْعَث على رَأس كل مائَة عَام من يصحح لهَذِهِ الْأمة دينهَا فَنَظَرْنَا فِي الْمِائَة الأولى فَإِذا هُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ النَّوَوِيّ فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء حمله الْعلمَاء فِي الْمِائَة الأولى على عمر وَالثَّانيَِة على الشَّافِعِي وَالثَّالِثَة على ابْن شُرَيْح وَقَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر هُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَالرَّابِعَة على ابْن أبي سهل الصعلوكي وَقيل القَاضِي الباقلاني وَقيل أَبُو حَامِد الإسفرايني وَفِي الْخَامِسَة على الْغَزالِيّ انْتهى وَقَالَ الْكرْمَانِي لَا مطمح لليقين فِيهِ فللحنفية أَن يَقُولُوا هُوَ الْحسن بن زِيَاد فِي الثَّانِيَة والطَّحَاوِي فِي الثَّالِثَة وأمثالهما وللمالكية أَنه أَشهب فِي الثَّانِيَة وهلم جرا وللحنابلة أَنه الْخلال فِي الثَّالِثَة والراغوني فِي الْخَامِسَة إِلَى غير ذَلِك وللمحدثين أَنه يحيى بن معِين فِي الثَّانِيَة وَالنَّسَائِيّ فِي الثَّالِثَة وَنَحْوهمَا ولأولي الْأَمر أَنه الْمَأْمُون والمقتدر والقادر وللزهاد أَنه مَعْرُوف الْكَرْخِي فِي الثَّانِيَة والشبلي فِي الثَّالِثَة وَنَحْوهمَا وَأَن تَصْحِيح الدّين متناول لجَمِيع أَنْوَاعه مَعَ أَن لَفْظَة من تحْتَمل التَّعَدُّد فِي الْمُصَحح وَقد كَانَ قبيل كل مائَة أَيْضا من يصحح وَيقوم بِأَمْر الدّين وَإِنَّمَا المُرَاد من انْقَضتْ الْمِائَة وَهُوَ حَيّ عَالم مشار إِلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى حَدِيث وَاحِد رَوَاهُ فِي الاستقراض من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْفلس وَفِي الروَاة أَيْضا عمر بن عبد الْعَزِيز بن عمرَان بن مِقْلَاص روى لَهُ النَّسَائِيّ فَقَط وَأما عدي فَهُوَ ابْن عدي بِفَتْح الْعين فيهمَا ابْن عميرَة بِفَتْح الْعين ابْن زُرَارَة بن الأرقم بن عمر بن وهب بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عدي أَبُو فَرْوَة الْكِنْدِيّ الْجَزرِي التَّابِعِيّ روى عَن أَبِيه وَعَمه الْعرس بن عميرَة وهما صحابيان وَعنهُ الحكم وَغَيره من التَّابِعين وَغَيرهم قَالَ البُخَارِيّ هُوَ سيد أهل الجزيرة وَيُقَال اخْتلفُوا فِي أَنه صَحَابِيّ أم لَا وَالصَّحِيح أَنه تَابِعِيّ وَسبب الِاخْتِلَاف أَنه روى أَحَادِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلَة فَظَنهُ بَعضهم صحابيا وَكَانَ عدي عَامل عمر بن عبد الْعَزِيز على الجزيرة والموصل وَاسْتِعْمَال عمر لَهُ يدل على أَنه لَا صُحْبَة لَهُ لِأَنَّهُ عَاشَ بعد عمر وَلم يبْق أحد من الصَّحَابَة إِلَى خِلَافَته وَتُوفِّي سنة عشْرين وَمِائَة وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ شَيْء وَلَا فِي التِّرْمِذِيّ الثَّانِي أَن هَذَا من تعاليق البُخَارِيّ ذكره بِصِيغَةالْجَزْم وَهُوَ حكم مِنْهُ بِصِحَّتِهِ وَأخرجه أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن يزِيد رسته فِي كتاب الْإِيمَان تأليفه فَقَالَ حَدثنَا ابْن مهْدي حَدثنَا جرير بن حَازِم عَن عِيسَى بن عَاصِم قَالَ كتب عمر رَضِي الله عَنهُ فَذكره وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن جرير بن حَازِم قَالَ حَدثنِي عِيسَى بن عَاصِم قَالَ حَدثنَا عدي بن عدي قَالَ كتب إِلَيّ عمر بن عبد الْعَزِيز أما بعد فَإِن الْإِيمَان فَرَائض وَشَرَائِع وحدود سنَن إِلَى آخِره وَلما فهم البُخَارِيّ من قَول عمر فَمن استكملها إِلَى آخِره أَي أَنه قَائِل بِأَنَّهُ يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان ذكره فِي هَذَا الْبَاب عقيب الْآيَات الْمَذْكُورَة وَقَالَ الْكرْمَانِي لقَائِل أَن يَقُول لَا يدل ذَلِك عَلَيْهِ بل على خِلَافه إِذْ قَالَ للْإيمَان كَذَا وَكَذَا فَجعل الْإِيمَان غير الْفَرَائِض وَأَخَوَاتهَا وَقَالَ استكملها أَي الْفَرَائِض وَنَحْوهَا لَا الْإِيمَان فَجعل الْكَمَال لما للْإيمَان لَا للْإيمَان قلت لَو وقف الْكرْمَانِي على رِوَايَة ابْن أبي شيبَة لما قَالَ ذَلِك لِأَن فِي رِوَايَته جعل الْفَرَائِض وَأَخَوَاتهَا عين الْإِيمَان على مَا لَا يخفى وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر هَهُنَا فَإِن الْإِيمَان فَرَائض نَحْو رِوَايَة ابْن أبي شيبَة وَقَالَ بَعضهم وبالأول جَاءَ الْمَوْصُول قلت جَاءَ الْمَوْصُول بِالْأولِ وَبِالثَّانِي جَمِيعًا على مَا ذكرنَا الثَّالِث فِي مَعْنَاهُ فَقَوله فَرَائض أَي أعمالا فَرِيضَة وَشَرَائِع أَي عقائد دينية وحدودا أَي منهيات مَمْنُوعَة وسننا أَي مندوبات قَالَ الْكرْمَانِي وَإِنَّمَا فسرناها بذلك ليتناول الاعتقاديات والأعمال والتروك وَاجِبَة ومندوبة وَلِئَلَّا يتَكَرَّر وَقَالَ ابْن المرابط الْفَرَائِض مَا فرض علينا من صَلَاة وَزَكَاة وَنَحْوهمَا والشرائع كالتوجه إِلَى الْقبْلَة وصفات الصَّلَاة وَعدد شهر رَمَضَان وَعدد جلد الْقَاذِف وَعدد الطَّلَاق إِلَى غير ذَلِك وَالسّنَن مَا أَمر بِهِ الشَّارِع من فَضَائِل الْأَعْمَال فَمن أَتَى بالفرائض وَالسّنَن وَعرف الشَّرَائِع فَهُوَ مُؤمن كَامِل قَوْله فسأبينها أَي فسأوضحها لكم إيضاحا يفهمهُ كل وَاحِد مِنْكُم فَإِن قلت كَيفَ أخر بَيَانهَا وَالتَّأْخِير عَن وَقت الْحَاجة غير جَائِز قلت أَنه علم أَنهم يعلمُونَ مقاصدها وَلكنه استظهر وَبَالغ فِي نصحهمْ وتنبيههم على الْمَقْصُود وعرفهم أَقسَام الْإِيمَان مُجملا وَأَنه سيذكرها مفصلا إِذا تفرغ لَهَا فقد يكون مَشْغُولًا بأهم من ذَلِك {{وَقَالَ إِبْرَهِيمُ وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي}} الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع الأول إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن آزر وَهُوَ تارح بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة فآزر اسْم وتارح لقب لَهُ وَقيل عَكسه قَالَ ابْن هِشَام هُوَ إِبْرَاهِيم بن تارح وَهُوَ آزر بن ناحور بن ساروح بن أرعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن أَخْنُوخ بن يرد بن مهلاييل بن قابن بن فانوش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا خلاف عِنْدهم فِي عدد هَذِه الْأَسْمَاء وسردها على مَا ذكرنَا وَإِن اخْتلفُوا فِي ضَبطهَا وَإِبْرَاهِيم اسْم عبراني قَالَ الْمَاوَرْدِيّ مَعْنَاهُ أَب رَحِيم وَكَانَ آز رمن أهل حران وَولد إِبْرَاهِيم بكوثا من أَرض الْعرَاق وَكَانَ إِبْرَاهِيم يتجر فِي الْبَز وَهَاجَر من أَرض الْعرَاق إِلَى الشَّام وَبلغ عمره مائَة وخمسا وَسبعين سنة وَقيل مِائَتي سنة وَدفن بِالْأَرْضِ المقدسة وقبره مَعْرُوف بقرية حبرون بِالْحَاء الْمُهْملَة وَهِي الَّتِي تسمى الْيَوْم ببلدة الْخَلِيل الثَّانِي أَن مَعْنَاهُ لِيَزْدَادَ وَهُوَ الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَهُ البُخَارِيّ وروى ابْن جرير الطَّبَرِيّ بِسَنَدِهِ الصَّحِيح إِلَى سعيد بن جُبَير قَالَ قَوْله {{لِيَطمَئِن قلبِي}} أَي يزْدَاد يقيني وَعَن مُجَاهِد قَالَ لِأَزْدَادَ إِيمَانًا إِلَى إيماني وَقيل بِالْمُشَاهَدَةِ كَأَن نَفسه طالبته بِالرُّؤْيَةِ والشخص قد يعلم الشَّيْء من جِهَة ثمَّ يَطْلُبهُ من أُخْرَى وَقيل لِيَطمَئِن قلبِي أَي إِذا سَأَلتك أجبتني وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن قلت كَيفَ قَالَ لَهُ أَو لم تؤمن وَقد علم أَنه أثبت النَّاس إِيمَانًا قلت ليجيب بِمَا أجَاب فِيهِ لما فِيهِ من الْفَائِدَة الجليلة للسامعين انْتهى قلت أَن فِيهِ فائدتين إِحْدَاهمَا وَهِي التَّفْرِقَة بَين علم الْيَقِين وَعين الْيَقِين فَإِن فِي عين الْيَقِين طمأنينة بِخِلَاف علم الْيَقِين وَالثَّانيَِة أَن لإدراك الشَّيْء مَرَاتِب مُخْتَلفَة قُوَّة وضعفا وأقصاها عين الْيَقِين فليطلبها الطالبون وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وبلى إِيجَاب لما بعد النَّفْي وَمَعْنَاهُ بلَى آمَنت وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي ليزِيد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضَّرُورَة علم الِاسْتِدْلَال وتظاهر الْأَدِلَّة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة وَالْيَقِين وَلِأَن علم الِاسْتِدْلَال يجوز مَعَه التشكيك بِخِلَاف الْعلم الضَّرُورِيّ فَأَرَادَ بطمأنينة الْقلب الْعلم الَّذِي لَا مجَال فِيهِ للتشكيك فَإِن قلت بِمَ تعلّقت اللَّام فِي لِيَطمَئِن قلت بِمَحْذُوف تَقْدِيره وَلَكِن سَأَلت ذَلِك إِرَادَة طمأنينة الْقلب الثَّالِث مَا قيل كَانَ الْمُنَاسب للسياق أَن يذكر هَذِه الْآيَة عِنْد سَائِر الْآيَات وَأجِيب بِأَن تِلْكَ الْآيَات دلّت على الزِّيَادَة صَرِيحًا وَهَذِهتلْزم الزِّيَادَة مِنْهَا ففصل بَينهمَا إشعارا بالتفاوت (وَقَالَ معَاذ اجْلِسْ بِنَا نؤمن سَاعَة) معَاذ بِضَم الْمِيم ابْن جبل بن عَمْرو بن أَوْس بن عايذ بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف والذال الْمُعْجَمَة ابْن عدي بن كَعْب بن عَمْرو بن أدّى بن سعد بن عَليّ بن أَسد بن ساردة بن تزيد بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق بن جشم بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ أسم وَهُوَ ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة وَشهد الْعقبَة الثَّانِيَة مَعَ السّبْعين من الْأَنْصَار ثمَّ شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَسَبْعَة وَخَمْسُونَ حَدِيثا اتفقَا على حديثين وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِثَلَاثَة وَانْفَرَدَ مُسلم بِحَدِيث وَاحِد روى عَنهُ عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو وَأَبُو قَتَادَة وَجَابِر وَأنس وَغَيرهم توفّي فِي طاعون عمواس بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْمِيم مَوضِع بَين الرملة وَبَيت الْمُقَدّس سنة ثَمَانِي عشرَة وَقيل سبع عشرَة وعمره ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَهَذَا الْأَثر أخرجه رسته عَن ابْن مهْدي حَدثنَا سُفْيَان عَن جَامع بن شَدَّاد عَن الْأسود بن هِلَال عَنهُ وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد الْهَاشِمِي عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء حَدثنَا وَكِيع عَن الْأَعْمَش ومسعر عَن جَامع بن شَدَّاد بِهِ قَوْله نؤمن سَاعَة لَا يُمكن حمله على أصل الْإِيمَان لِأَن معَاذًا كَانَ مُؤمنا وَأي مُؤمن فَالْمُرَاد زِيَادَة الْإِيمَان أَي اجْلِسْ حَتَّى نكثر وُجُوه دلالات الْأَدِلَّة الدَّالَّة على مَا يجب الْإِيمَان بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ نتذاكر الْخَيْر وَأَحْكَام الْآخِرَة وَأُمُور الدّين فَإِن ذَلِك إِيمَان وَقَالَ ابْن المرابط نتذاكر مَا يصدق الْيَقِين فِي قُلُوبنَا لِأَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى فَإِن قلت من هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ معَاذ اجْلِسْ بِنَا قلت قَالُوا هُوَ الْأسود بن هِلَال وروى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا وَكِيع قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن جَامع بن شَدَّاد عَن الْأسود بن هِلَال الْمحَاربي قَالَ قَالَ لي معَاذ اجْلِسْ بِنَا نؤمن سَاعَة يَعْنِي نذْكر الله فَإِن قلت روى ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي أُسَامَة عَن الْأَعْمَش عَن جَامع بن شَدَّاد عَن الْأسود بن هِلَال قَالَ كَانَ معَاذ يَقُول لرجل من إخوانه اجْلِسْ بِنَا فلنؤمن سَاعَة فيجلسان يتذاكران الله ويحمدانه انْتهى فَهَذَا يدل على أَن الَّذِي قَالَه معَاذ اجْلِسْ بِنَا نؤمن سَاعَة غير الْأسود بن هِلَال قلت يجوز أَن يكون قَالَ لَهُ مرّة وَقَالَ لغيره مرّة أُخْرَى فَافْهَم (وَقَالَ ابْن مَسْعُود الْيَقِين الْإِيمَان كُله) هُوَ عبد الله بن مَسْعُود بن غافل بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء ابْن حبيب بن شمخ بن مَخْزُوم وَيُقَال ابْن شمخ بن فار بن مَخْزُوم بن صاهلة بن كَاهِل بن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد بن هزيل بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نذار بن معد بن عدنان أَبُو عبد الرَّحْمَن الْهُذلِيّ وَأمه أم عبد بنت عبدود بن سَوَاء من هُذَيْل أَيْضا لَهَا صُحْبَة أسلم بِمَكَّة قَدِيما وَهَاجَر الهجرتين وَشهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صَاحب نعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يلْبسهُ إِيَّاهَا فَإِذا جلس أدخلها فِي ذراعه روى لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانمِائَة حَدِيث وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا اتفقَا مِنْهَا على أَرْبَعَة وَسِتِّينَ وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِأحد وَعشْرين وَمُسلم بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن بضع وَسِتِّينَ سنة وَقيل بِالْكُوفَةِ وَالْأول أصح وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان وَقيل الزبير وَقيل عمار بن يَاسر روى لَهُ الْجَمَاعَة وَأخرج هَذَا الْأَثر رسته بِسَنَد صَحِيح عَن أبي زُهَيْر قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن عَلْقَمَة عَنهُ قَالَ الصَّبْر نصف الْإِيمَان وَالْيَقِين الْإِيمَان كُله ثمَّ قَالَ وَحدثنَا عبد الرَّحْمَن قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان بِمثلِهِ وَأخرجه أَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد حَدِيثه مَرْفُوعا وَلَا يثبت رَفعه وروى أَحْمد فِي كتاب الزّهْد عَن وَكِيع عَن شريك عَن هِلَال عَن عبد الله بن حَكِيم قَالَ سَمِعت ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا ويقينا وفقها قَوْله الْيَقِين هُوَ الْعلم وَزَوَال الشَّك يُقَال مِنْهُ يقنت الْأَمر بِالْكَسْرِ يَقِينا وأيقنت واستيقنت وتيقنت كُله بِمَعْنى وَأَنا على يَقِين مِنْهُ وَذَلِكَ عبارَة عَن التَّصْدِيق وَهُوَ أصل الْإِيمَان فَعبر بِالْأَصْلِ عَن الْجَمِيع كَقَوْلِه الْحَج عَرَفَة يَعْنِي أصل الْحَج ومعظمه عَرَفَة وَفِيه دلَالَة على أَن الْإِيمَان يَتَبَعَّض لِأَن كلا وأجمعا لَا يُؤَكد بهما إِلَّا ذَوا جَزَاء يَصح افتراقها حسا أَو حكما فَعلم أَن للْإيمَان كلا وبعضا فَيقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَاعْلَم أَن الْيَقِين من الكيفيات النفسانية وَهُوَ فِي الإدراكات الْبَاطِنَة من قسم التصديقات الَّتِي متعلقها الْخَارِجِي لَا يحْتَمل النقيض بِوَجْه من الْوُجُوه وَهُوَ علم بِمَعْنى الْيَقِين(وَقَالَ ابْن عمر لَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة التَّقْوَى حَتَّى يدع مَا حاك فِي الصَّدْر) عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا الْقرشِي الْعَدو الْمَكِّيّ وَأمه وَأم أُخْته حَفْصَة زَيْنَب بنت مَظْعُون أُخْت عُثْمَان بن مَظْعُون أسلم بِمَكَّة قَدِيما مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير وَهَاجَر مَعَه وَلَا يَصح قَول من قَالَ أَنه أسلم قبل أَبِيه وَهَاجَر قبله واستصغر عَن أحد وَشهد الخَنْدَق وَمَا بعْدهَا وَهُوَ أحد السِّتَّة الَّذين هم أَكثر الصَّحَابَة رِوَايَة وَأحد العبادلة الْأَرْبَعَة وثانيهم ابْن عَبَّاس وثالثهم عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ ورابعهم عبد الله بن الزبير وَوَقع فِي مبهمات النَّوَوِيّ وَغَيرهَا أَن الْجَوْهَرِي أثبت ابْن مَسْعُود مِنْهُم وَحذف ابْن عَمْرو وَلَيْسَ كَمَا ذكره كَمَا ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى وَوَقع فِي شرح الرَّافِعِيّ فِي الْجِنَايَات عد ابْن مَسْعُود مِنْهُم وَحذف ابْن الزبير وَابْن عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ روى لَهُ ألفا حَدِيث وسِتمِائَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا اتفقَا مِنْهُمَا على مائَة وَسبعين حَدِيثا وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِأحد وَثَمَانِينَ وَمُسلم بِأحد وَثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكثر الصَّحَابَة رِوَايَة بعد أبي هُرَيْرَة مَاتَ بفخ بِالْفَاءِ وَالْخَاء الْمُعْجَمَة مَوضِع بِقرب مَكَّة وَقيل بِذِي طوى سنة ثَلَاث وَقيل أَربع وَسبعين سنة بعد قتل ابْن الزبير بِثَلَاثَة أشهر وَقيل بِسِتَّة عَن أَربع وَقيل سِتّ وَثَمَانِينَ سنة قَالَ يحيى بن بكير توفّي بِمَكَّة بعد الْحَج وَدفن بالمحصب وَبَعض النَّاس يَقُولُونَ بفخ قلت وَقيل بسرف وَكلهَا مَوَاضِع بِقرب مَكَّة بَعْضهَا أقرب إِلَى مَكَّة من بعض قَالَ الصغاني فخ وَادي الزَّاهِر وَصلى عَلَيْهِ الْحجَّاج وَفِي الصَّحَابَة أَيْضا عبد الله بن عمر حرمي يُقَال أَن لَهُ صُحْبَة يرْوى عَنهُ حَدِيث فِي الْوضُوء وَقد روى مُسلم معنى قَول ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا من حَدِيث النواس بن سمْعَان قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْبر وَالْإِثْم فَقَالَ الْبر حسن الْخلق وَالْإِثْم مَا حاك فِي نَفسك وكرهت أَن يطلع عَلَيْهِ النَّاس قَوْله التَّقْوَى هِيَ الخشية قَالَ الله تَعَالَى {{يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم واخشوا}} وَمثله فِي أول الْحَج وَالشعرَاء {{إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم نوح أَلا تَتَّقُون}} يَعْنِي أَلا تخشون الله وَكَذَلِكَ قَول هود وَصَالح وَلُوط وَشُعَيْب لقومهم وَفِي العنكبوت وَإِبْرَاهِيم {{إِذْ قَالَ لقوم اعبدوا الله واتقوه}} يَعْنِي اخشوه {{وَاتَّقوا الله حق تُقَاته}} {{وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى}} {{وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس}} وَحَقِيقَة التَّقْوَى أَن يقي نَفسه تعَاطِي مَا تسْتَحقّ بِهِ الْعقُوبَة من فعل أَو ترك وَتَأْتِي فِي الْقُرْآن على معَان الْإِيمَان نَحْو قَوْله تَعَالَى {{وألزمهم كلمة التَّقْوَى}} أَي التَّوْحِيد وَالتَّوْبَة نَحْو قَوْله تَعَالَى {{وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا}} أَي تَابُوا وَالطَّاعَة نَحْو {{أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون}} وَترك الْمعْصِيَة نَحْو قَوْله تَعَالَى {{وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا وَاتَّقوا الله}} أَي وَلَا تعصوه وَالْإِخْلَاص نَحْو قَوْله تَعَالَى {{فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب}} أَي من إخلاص الْقُلُوب فَإِن قلت مَا أَصله قلت أَصله من الْوِقَايَة وَهُوَ فرط الصيانة وَمِنْه المتقي اسْم فَاعل من وَقَاه الله فاتقى وَالتَّقوى والتقى وَاحِد وَالْوَاو مبدلة من الْيَاء وَالتَّاء مبدلة من الْوَاو إِذْ أَصله وقيا قلت الْيَاء واوا فَصَارَ وقوى ثمَّ أبدلت من الْوَاو تَاء فَصَارَ تقوى وَإِنَّمَا أبدلت من الْيَاء واوا فِي نَحْو تقوى وَلم تبدل فِي نَحْو ريا لِأَن ريا صفة وَإِنَّمَا يبدلون الْيَاء فِي فعلى إِذا كَانَ اسْما وَالْيَاء مَوضِع اللَّام كشروى من شريت وتقوى لِأَنَّهَا من التقية وَإِن كَانَت صفة تركوها على أَصْلهَا قَوْله حَتَّى يدع أَي يتْرك قَالَ الصرفيون وَأما توا ماضي يدع ويذر وَلَكِن جَاءَ {{مَا وَدعك رَبك}} بِالتَّخْفِيفِ قَوْله حاك بِالتَّخْفِيفِ من حاك يحيك وَيُقَال حك يحك وأحاك يحيك يُقَال مَا يحيك فِيهِ الملام أَي مَا يُؤثر وَقَالَ شمر الحائك الراسخ فِي قَلْبك الَّذِي يهمك وَقَالَ الْجَوْهَرِي حاك السَّيْف وأحاك بِمَعْنى يُقَال ضربه فَمَا حاك فِيهِ السَّيْف إِذا لم يعْمل فِيهِ فالحيك أَخذ القَوْل فِي الْقلب وَفِي بعض نسخ المغاربة صَوَابه مَا حك بتَشْديد الْكَاف وَفِي بعض نسخ العراقية مَا حاك بِالتَّشْدِيدِ من المحاكة وَقَالَ النَّوَوِيّ مَا حاك بِالتَّخْفِيفِ هُوَ مَا يَقع فِي الْقلب وَلَا ينشرح لَهُ صَدره وَخَافَ الْإِثْم فِيهِ وَقَالَ التَّيْمِيّ حاك فِي الصَّدْر أَي ثَبت فَالَّذِي يبلغ حَقِيقَة التَّقْوَى تكون نَفسه متيقنة للْإيمَان سَالِمَة من الشكوك وَقَالَ الْكرْمَانِي حَقِيقَة التَّقْوَى أَي الْإِيمَان لِأَن المُرَاد من التَّقْوَى وقاية النَّفس عَن الشّرك وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن بعض الْمُؤمنِينَ بلغُوا إِلَى كنه الْإِيمَان وَبَعْضهمْ لَا فَتجوز الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَفِي بعض الرِّوَايَات قَالَ لَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة الْإِيمَان بدل التَّقْوَى(وَقَالَ مُجَاهِد شرع لكم أوصيناك يَا مُحَمَّد وإياه دينا وَاحِدًا) مُجَاهِد هُوَ ابْن جُبَير بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره رَاء وَيُقَال جُبَير وَالْأول أصح المَخْزُومِي مولى عبد الله بن السَّائِب المَخْزُومِي وَقيل غَيره سمع ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأَبا هُرَيْرَة وَجَابِر أَو عبد الله بن عَمْرو وَغَيرهم قَالَ مُجَاهِد عرضت الْقُرْآن على ابْن عَبَّاس ثَلَاثِينَ مرّة وَاتَّفَقُوا على توثيقه وجلالته وَهُوَ إِمَام فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث مَاتَ سنة مائَة وَقيل إِحْدَى وَقيل اثْنَتَيْنِ وَقيل أَربع وَمِائَة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة بِمَكَّة وَهُوَ ساجد روى لَهُ الْجَمَاعَة وَأخرج أَثَره هَذَا عبد بن حميد فِي تَفْسِيره بِسَنَد صَحِيح عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظَة وصاه قَوْله وإياه يَعْنِي نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام أَي هَذَا الَّذِي تظاهرت عَلَيْهِ أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة من زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه هُوَ شرع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام الَّذين قبل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا هُوَ شرع نَبينَا لِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ {{شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى}} وَيُقَال جَاءَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام بِتَحْرِيم الْحَرَام وَتَحْلِيل الْحَلَال وَهُوَ أول من جَاءَ من الْأَنْبِيَاء بِتَحْرِيم الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات ونوح أول نَبِي جَاءَ بعد إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام وَقد قيل أَن الَّذِي وَقع فِي أثر مُجَاهِد تَصْحِيف وَالصَّوَاب أوصيناك يَا مُحَمَّد وأنبياءه وَكَيف يَقُول مُجَاهِد بإفراد الضَّمِير لنوح وَحده مَعَ أَن فِي السِّيَاق ذكر جمَاعَة قلت لَيْسَ بتصحيف بل هُوَ صَحِيح ونوح أفرد فِي الْآيَة وَبَقِيَّة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام عطفت عَلَيْهِ وهم داخلون فِيمَا وصّى بِهِ نوحًا وَكلهمْ مشتركون فِي هَذِه الْوَصِيَّة فَذكر وَاحِد مِنْهُم يُغني عَن الْكل على أَن نوحًا أقرب الْمَذْكُورين وَهُوَ أولى بِعُود الضَّمِير إِلَيْهِ فَافْهَم (وَقَالَ ابْن عَبَّاس شرعة ومنهاجا سَبِيلا وَسنة) يَعْنِي عبد الله بن عَبَّاس فسر قَوْله تَعَالَى {{شرعة ومنهاجا}} بالسبيل وَالسّنة وَقَالَ الْجَوْهَرِي النهج الطَّرِيق الْوَاضِح وَكَذَا الْمِنْهَاج والشرعة الشَّرِيعَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {{لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا}} والشريعة مَا شَرعه الله لِعِبَادِهِ من الدّين وَقد شرع لَهُم يشرع شرعا أَي سنّ فعلى هَذَا هُوَ من بَاب اللف والنشر الْغَيْر الْمُرَتّب وَفِي بعض النّسخ سنة وسبيلا فَهُوَ مُرَتّب وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة شرعة ومنهاجا قَالَ الدّين وَاحِد والشريعة مُخْتَلفَة وَقَالَ ابْن إِسْحَق قَالَ بَعضهم الشرعة الدّين والمنهاج الطَّرِيق وَقيل هما جَمِيعًا الطَّرِيق وَالطَّرِيق هُنَا الدّين وَلَكِن اللَّفْظ إِذا اخْتلف أَتَى بِهِ بِأَلْفَاظ يُؤَكد بهَا الْقِصَّة وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد شرعة مَعْنَاهَا ابْتِدَاء الطَّرِيق والمنهاج الطَّرِيق المستمر وآثر ابْن عَبَّاس هَذَا أخرجه الْأَزْهَرِي فِي تهذيبه عَن ابْن مَاهك عَن حَمْزَة عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَق عَن التَّمِيمِي يَعْنِي أربدة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِهِ فَإِن قلت فِي الْآيَتَيْنِ تعَارض لِأَن الْآيَة الأولى تَقْتَضِي اتِّحَاد شرعة الْأَنْبِيَاء وَالثَّانيَِة تَقْتَضِي أَن لكل نَبِي شرعة قلت لَا تعَارض لِأَن الِاتِّحَاد فِي أصُول الدّين والتعدد فِي فروعه فَعِنْدَ اخْتِلَاف الْمحل لَا يثبت التَّعَارُض (بَاب دعاؤكم إيمَانكُمْ) يَعْنِي فسر ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى {{قل لَهُ سَأَلتك عَن نسبه فَذكرت أَنه فِيكُم ذُو نسب فَكَذَلِك الرُّسُل تبْعَث فِي نسب قَومهَا وَسَأَلْتُك هَل قَالَ أحد مِنْكُم هَذَا القَوْل فَذكرت أَن لَا فَقلت لَو كَانَ أحد قَالَ هَذَا القَوْل قبله لَقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله وَسَأَلْتُك هَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك فَذكرت أَن لَا قلت فَلَو كَانَ من آبَائِهِ من ملك قلت رجل يطْلب ملك أَبِيه وَسَأَلْتُك هَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا يعبؤ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم}} فَقَالَ المُرَاد من الدُّعَاء الْإِيمَان فَمَعْنَى دعاؤكم إيمَانكُمْ وَأخرجه ابْن الْمُنْذر بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ أَنه قَالَ لَوْلَا دعاؤكم لَوْلَا إيمَانكُمْ وَقَالَ ابْن بطال لَوْلَا دعاؤكم الَّذِي هُوَ زِيَادَة فِي إيمَانكُمْ قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا الَّذِي قَالَه حسن لِأَن أصل الدُّعَاء النداء والاستغاثة فَفِي الْجَامِع سُئِلَ ثَعْلَب عَنهُ فَقَالَ هُوَ النداء وَيُقَال دَعَا الله فلَان بدعوة فَاسْتَجَاب لَهُ وَقَالَ ابْن سَيّده هُوَ الرَّغْبَة إِلَى الله تَعَالَى دَعَاهُ دُعَاء وَدَعوى حَكَاهَا سِيبَوَيْهٍ وَفِي الغريبين الدُّعَاء الْغَوْث وَقد دَعَا أَي اسْتَغَاثَ قَالَ تَعَالَى {{ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}} وَقَالَ بعض الشَّارِحين قَالَ البُخَارِيّ وَمعنى الدُّعَاء فِي اللُّغَة الْإِيمَان يَنْبَغِي أَن يثبت فِيهِ فَإِنِّي لم أره عِنْد أحد من أهل اللُّغَة وَقَالَ الْكرْمَانِي تَفْسِيره فِي الْآيَتَيْنِ يدل على أَنه قَابل للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان أَو أَنه سمى الدُّعَاء إِيمَانًا وَالدُّعَاء عمل وَاعْلَم أَن من قَوْله وَقَالَ ابْن مَسْعُود إِلَى هُنَا غير ظَاهر الدّلَالَة على الدَّعْوَى وَهُوَ مَوضِع بحث وَنظر وَقَالَ النَّوَوِيّ اعْلَم أَنه خَارج لم أكن أَظن أَنه مِنْكُم فَلَو أَنِّي أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ لتجشمت لقاءه وَلَو كنت عِنْده لغسلت عَن قَدَمَيْهِ ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بعث بِهِ دحْيَة إِلَى عَظِيم بصرى فَدفعهُ إِلَى هِرقل فقرأه فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحِم ن الرَّحِيم من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين وَيَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فقولو اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ آل عمرَان قَالَ أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفرغ من قِرَاءَة الْكتاب كثر عِنْده الصخب وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وأخرجنا فَقلت لِأَصْحَابِي حِين أخرجنَا لقد أَمر أَمر ابْن أبي كَبْشَة إِنَّه يخافه ملك بني الْأَصْفَر فَمَا زلت موقنا أَنه سَيظْهر حَتَّى أَدخل الله عَليّ الْإِسْلَام وَكَانَ ابْن الناظور صَاحب إيلياء وهرقل سقفا على نَصَارَى الشأم يحدث أَن هِرقل حِين قدم إيلياء أصبح يَوْمًا خَبِيث النَّفس فَقَالَ بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قَالَ ابْن الناظور وَكَانَ هِرقل حزاء ينظر فِي كثير من نسخ البُخَارِيّ هَذَا بَاب دعاؤكم إيمَانكُمْ إِلَى آخر الحَدِيث بعده وَهَذَا غلط فَاحش وَصَوَابه مَا ذَكرْنَاهُ أَولا وَهُوَ دعاؤكم إيمَانكُمْ وَلَا يَصح إِدْخَال بَاب هُنَا لوجوه. مِنْهَا أَنه لَيْسَ لَهُ تعلق بِمَا نَحن فِيهِ. وَمِنْهَا أَنه ترْجم أَولا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام وَلم يذكرهُقبل هَذَا وَإِنَّمَا ذكره بعده وَمِنْهَا أَنه ذكر الحَدِيث بعده وَلَيْسَ هُنَا مطابقا للتَّرْجَمَة وَقَالَ الْكرْمَانِي وَعِنْدنَا نُسْخَة مسموعة على الْفربرِي وَعَلَيْهَا خطة وَهُوَ هَكَذَا دعاؤكم إيمَانكُمْ بِلَا بَاب وَلَا وَاو قلت رَأَيْت نُسْخَة عَلَيْهَا خطّ الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي الشَّارِح وفيهَا بَاب دعاؤكم إيمَانكُمْ وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَعَلِيهِ مَشى شَيخنَا فِي شَرحه وَلَيْسَ ذَلِك بجيد لِأَنَّهُ لَيْسَ مطابقا للتَّرْجَمَة 1 - حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى قَالَ أخبرنَا حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن عِكْرِمَة بن خَالِد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَالْحج وَصَوْم رَمَضَان) هَذَا الحَدِيث هُوَ تَرْجَمَة الْبَاب وَقد ذكرنَا أَن الصَّحِيح أَنه لَيْسَ بَينه وَبَين قَوْله بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس بَاب آخر فَافْهَم وَقَالَ النَّوَوِيّ أَدخل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب لينبىء أَن الْإِسْلَام يُطلق على الْأَفْعَال وَأَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان قد يكون بِمَعْنى وَاحِد (بَيَان رِجَاله) وهم أَرْبَعَة الأول عبيد الله بن مُوسَى بن باذام بِالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة وَلَو لفظ فَارسي وَمَعْنَاهُ اللوز الْعَبْسِي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وتسكين الْبَاء الْمُوَحدَة مَوْلَاهُم الْكُوفِي الثِّقَة سمع الْأَعْمَش وخلقا من التَّابِعين وَعنهُ البُخَارِيّ وَأحمد وَغَيرهمَا وروى مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن رجل عَنهُ وَكَانَ عَالما بِالْقُرْآنِ رَأْسا فِيهِ توفّي بالإسكندرية سنة ثَلَاث عشرَة أَو أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف كَانَ عبيد الله يسمع ويروي أَحَادِيث مُنكرَة فضعف بذلك عِنْد كثير من النَّاس وَقَالَ النَّوَوِيّ وَقع فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من كتب أَئِمَّة الحَدِيث الِاحْتِجَاج بِكَثِير من المبتدعة غير الدعاة إِلَى بدعتهم وَلم تزل السّلف وَالْخلف على قبُول الرِّوَايَة مِنْهُم وَالِاسْتِدْلَال بهَا وَالسَّمَاع مِنْهُم وأسماعهم من غير إِنْكَار الثَّانِي حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان بن عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح الجُمَحِي الْمَكِّيّ الْقرشِي الثِّقَة الْحجَّة سمع عَطاء وَغَيره من التَّابِعين وَعنهُ الثَّوْريّ وَغَيره من الْأَعْلَام مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة روى لَهُ الْجَمَاعَة وَقد قَالَ قطب الدّين إِلَّا ابْن مَاجَه وَلَيْسَ بِصَحِيح بل روى لَهُ ابْن مَاجَه أَيْضا كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمزي الثَّالِث عِكْرِمَة بن خَالِد بن العَاصِي بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي الْمَكِّيّ الثِّقَة الْجَلِيل سمع ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَغَيرهمَا روى عَنهُ عَمْرو بن دِينَار وَغَيره من التَّابِعين مَاتَ بِمَكَّة بعد عَطاء وَمَات عَطاء سنة أَربع عشرَة أَو خمس عشرَة وَمِائَة والعاصي جده هُوَ أَخُو أبي جهل قَتله عمر رَضِي الله عَنهُ ببدر كَافِرًا وَهُوَ خَال عمر على قَول وَفِي الصَّحَابَة عِكْرِمَة ثَلَاثَة لَا رَابِع لَهُم ابْن أبي جهل المَخْزُومِي وَابْن عَامر الْعَبدَرِي وَابْن عبيد الْخَولَانِيّ وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من اسْمه عِكْرِمَة إِلَّا هَذَا وَعِكْرِمَة ابْن عبد الرَّحْمَن وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وروى مُسلم للأخير مَقْرُونا وَتكلم فِيهِ لرأيه وَعِكْرِمَة ابْن عمار أخرج لَهُ مُسلم فِي الْأُصُول وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ فِي كتاب الْبر والصلة قلت وَفِي طبقَة عِكْرِمَة بن خَالِد بن العَاصِي عِكْرِمَة بن خَالِد بن سَلمَة بن هِشَام بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَهُوَ ضَعِيف وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ وَهُوَ لم يرو عَن ابْن عمر وَيَنْبَغِي التَّنْبِيه لهَذَا فَإِنَّهُ مَوضِع الِاشْتِبَاه الرَّابِع عبد الله بن عمر وَقد ذكر عَن قريب (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة وَمِنْهَا أَن إِسْنَاده كلهم مكيون إِلَّا عبيد الله فَإِنَّهُ كُوفِي وَكله على شَرط السِّتَّة إِلَّا عِكْرِمَة بن خَالِد فَإِن ابْن مَاجَه لم يخرج لَهُ وَمِنْهَا أَنه من رباعيات البُخَارِيّ وَلمُسلم من الخماسيات فعلا البُخَارِيّ بِرَجُل (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير وَقَالَ فِيهِ وَزَاد عُثْمَان عَن ابْن وهب أَخْبرنِي فلَان وحيوة بن شُرَيْح عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه عَن حَنْظَلَة بِهِ وَعَن ابْن معَاذ عَن أَبِيه عَن عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عَن جده وَعَن ابْن نمير عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن سعد بن طَارق عَن سعد بن عبيد عَن ابْن عَمْرو عَن سهل بن عُثْمَان عَن يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن سعد بن طَارق بِهِ فَوَقع لمُسلم من جَمِيع طرقه خماسيا وللبخاري رباعيا كَمَا ذكرنَا وَزَاد فِي مُسلم فِي رِوَايَته عَنحَنْظَلَة قَالَ سَمِعت عِكْرِمَة بن خَالِد يحدث طاوسا أَن رجلا قَالَ لعبد الله بن عمر أَلا تغزو فَقَالَ إِنِّي سَمِعت فَذكر الحَدِيث وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ اسْم الرجل السَّائِل حَكِيم (بَيَان اللُّغَات) قَوْله بني من بنى يَبْنِي بِنَاء يُقَال بنى فلَانا بَيْتا من الْبُنيان وَيُقَال بنيته بِنَاء وَبنى بِكَسْر الْبَاء وَبنى بِالضَّمِّ وبنية قَوْله وإقام الصَّلَاة فعلة من صلى كَالزَّكَاةِ من زكى قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وكتبتها بِالْوَاو على لفظ المفخم وَحَقِيقَة صلى حرك الصلوين لِأَن الْمصلى يفعل ذَلِك قلت الصلوان تَثْنِيَة الصلا وَهُوَ مَا عَن يَمِين الذَّنب وشماله هَذَا أحد مَعَاني الصَّلَاة فِي اللُّغَة وَالثَّانيَِة الدُّعَاء قَالَ الْأَعْشَى (وقابلها الرّيح فِي دنها ... وَصلى على دنها وارتسم) وَالثَّالِثَة من صليت الْعَصَا بالنَّار إِذا لينتها وقومتها فالمصلى كَأَنَّهُ يسْعَى فِي تعديلها وإقامتها وَالرَّابِعَة من صليت الرجل النَّار إِذا أدخلته النَّار أَو من جعلته يصلاها أَي يلازمها فالمصلى يدْخل الصَّلَاة ويلازمها قَوْله وإيتاء الزَّكَاة أَي إعطائها من أَتَاهُ إيتَاء وَأما آتيته آتِيَا وإتيانا فَمَعْنَاه جِئْته وَالزَّكَاة فِي اللُّغَة عبارَة عَن الطَّهَارَة قَالَ تَعَالَى {{قد أَفْلح من تزكّى}} أَي تطهر وَعَن النَّمَاء يُقَال زكا الزَّرْع إِذا نما قَالَ الْجَوْهَرِي زكا الزَّرْع يزكو زكاء ممدودا أَي نما وَهَذَا الْأَمر لَا يزكو بفلان أَي لَا يَلِيق بِهِ وَيُقَال زكا الرجل يزكو زكوا إِذا تنعم وَكَانَ فِي خصب وزكى مَاله تَزْكِيَة إِذا أدّى عَنهُ زَكَاته وتزكى أَي تصدق وزكى نَفسه تَزْكِيَة مدحها وَفِي الشَّرِيعَة عبارَة عَن إيتَاء جُزْء من النّصاب الحولي إِلَى فَقير غير هاشمي ويراعى فِيهَا مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة وَذَلِكَ أَن المَال يطهر بهَا أَو يطهره صَاحبه أَو هِيَ سَبَب نمائه وزيادته قَوْله وَالْحج فِي اللُّغَة الْقَصْد وَأَصله من قَوْلك حججْت فلَانا أحجه حجا إِذا عدت إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى فَقيل حج الْبَيْت لِأَن النَّاس يأتونه فِي كل سنة وَمِنْه قَول المخبل السَّعْدِيّ (واشهد من عَوْف حؤولا كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا) يَقُول يأتونه مرّة بعد أُخْرَى لسودده والسب بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة شقة من كتَّان رقيقَة وَأَرَادَ بِهِ الْعِمَامَة هَهُنَا قَالَ الصغاني هَذَا الأَصْل ثمَّ تعورف اسْتِعْمَاله فِي الْقَصْد إِلَى مَكَّة حرسها الله تَعَالَى للنسك تَقول حججْت الْبَيْت أحجه حجا فَأَنا حَاج وَيجمع على حجج مِثَال بازل وبزل والحجج بِالْكَسْرِ الِاسْم وَالْحجّة الْمرة الْوَاحِدَة وَهَذَا من الشواذ لِأَن الْقيَاس بِالْفَتْح وَفِي الشَّرِيعَة هُوَ قصد مَخْصُوص فِي وَقت مَخْصُوص إِلَى مَكَان مَخْصُوص قَوْله وَصَوْم رَمَضَان الصَّوْم فِي اللُّغَة الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام وَقد صَامَ الرجل صوما وصياما وَقوم صَوْم بِالتَّشْدِيدِ وصيم أَيْضا وَرجل صومان أَي صَائِم وَصَامَ الْفرس صوما أَي قَامَ على غير اعتلاف قَالَ النَّابِغَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خيل صِيَام وخيل غير صَائِمَة ... تَحت العجاج وَأُخْرَى تعلك اللجما) وَصَامَ النَّهَار صوما إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة واعتدل وَالصَّوْم ركود الرّيح وَالصَّوْم السُّكُوت قَالَ تَعَالَى {{إِنِّي نذرت للرحمن صوما}} قَالَ ابْن عَبَّاس صمتا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة كل مُمْسك عَن طَعَام أَو كَلَام أَو سير فَهُوَ صَائِم وَالصَّوْم ذرق النعامة وَالصَّوْم الْبيعَة وَالصَّوْم شجر فِي لُغَة هُذَيْل وَفِي الشَّرِيعَة إمْسَاك عَن المفطرات الثَّلَاث نَهَارا مَعَ النِّيَّة وَتَفْسِير رَمَضَان قد مر مرّة (بَيَان الصّرْف) قَوْله بنى فعل مَاض مَجْهُول قَوْله وَأقَام الصَّلَاة أَصله أَقوام لِأَنَّهُ من أَقَامَ يُقيم حذفت الْوَاو فَصَارَ إقاما وَلَكِن الْقَاعِدَة أَن يعوض عَنْهَا التَّاء فَيُقَال إِقَامَة وَقَالَ أهل الصّرْف لزم الْحَذف والتعويض فِي نَحْو إِجَارَة واستجارة فَإِن قلت فَلم لم يعوض هَهُنَا قلت المُرَاد من التعويض هُوَ أَن يكون بِالتَّاءِ وَغَيرهَا نَحْو الْإِضَافَة فَإِن الْمُضَاف إِلَيْهِ هَهُنَا عوض عَن الْمَحْذُوف وَفِي التَّنْزِيل {{وأوحينا إِلَيْهِم فعل الْخيرَات وإقام الصَّلَاة}} قَوْله وإيتاء من آتى بِالْمدِّ (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله الْإِسْلَام مَرْفُوع لإسناد بني إِلَيْهِ وَقد نَاب عَن الْفَاعِل وَقَوله على يتَعَلَّق بقوله بني قَوْله خمس أَي خمس دعائم وَصرح بِهِ عبد الرَّزَّاق فِي رِوَايَته أَو قَوَاعِد أَو خِصَال ويروي خَمْسَة وَهَكَذَا رِوَايَة مُسلم وَالتَّقْدِير خَمْسَة أَشْيَاء أَو أَرْكَان أَو أصُول وَيُقَال إِنَّمَا حذف الْهَاء لكَون الْأَشْيَاء لم تذكر كَقَوْلِه تَعَالَى {{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا}} أَي عشرَة أَشْيَاء وَكَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ رَمَضَان فَأتبعهُ سِتا وَنَحْو ذَلِك قلت ذَلِك النُّحَاة أَن أَسمَاء الْعدَد إِنَّمَا يكون تذكيرها بِالتَّاءِ وتأنيثها بِسُقُوط التَّاء إِذا كَانَ الْمُمَيز مَذْكُورا أما إِذا لم يذكر فَيجوز الْأَمر أَن قَوْلهشَهَادَة مجرور لِأَنَّهُ بدل من قَوْله خمس بدل الْكل من الْكل وَيجوز رَفعه على أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي وَهِي شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَيجوز نَصبه على تَقْدِير أَعنِي شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَوْله أَن بِالْفَتْح مُخَفّفَة من المثقلة وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَوْله وإقام بِالْجَرِّ عطف على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَمَا بعده عطف عَلَيْهِ (بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان) قَوْله بني إِنَّمَا طوى ذكر الْفَاعِل لشهرته وَفِيه الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ شبه الْإِسْلَام بمبنى لَهُ دعائم فَذكر الْمُشبه وطوى ذكر الْمُشبه بِهِ وَذكر مَا هُوَ من خَواص الْمُشبه بِهِ وَهُوَ الْبناء وَيُسمى هَذَا اسْتِعَارَة ترشيحية وَيجوز أَن يكون اسْتِعَارَة تمثيلية بِأَن تمثل حَالَة الْإِسْلَام مَعَ أَرْكَانه الْخَمْسَة بِحَالَة خباء أُقِيمَت على خَمْسَة أعمدة وقطبها الَّذِي تَدور عَلَيْهِ الْأَركان هُوَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَبَقِيَّة شعب الْإِيمَان كالأوتاد للخباء وَيجوز أَن تكون الِاسْتِعَارَة تَبَعِيَّة بِأَن تقدر الِاسْتِعَارَة فِي بني والقرينة الْإِسْلَام شبه ثبات الْإِسْلَام واستقامته على هَذِه الْأَركان بِبِنَاء الخباء على الأعمدة الْخَمْسَة ثمَّ تسري الِاسْتِعَارَة من الْمصدر إِلَى الْفِعْل وَقد علمت أَن الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة تقع أَولا فِي المصادر ومتعلقات مَعَاني الْحُرُوف ثمَّ تسري فِي الْأَفْعَال وَالصِّفَات والحروف وَالْأَظْهَر أَن تكون اسْتِعَارَة مكنية بِأَن تكون الِاسْتِعَارَة فِي الْإِسْلَام والقرينة بني على التخيل بِأَن شبه الْإِسْلَام بِالْبَيْتِ ثمَّ خيل كَأَنَّهُ بَيت على الْمُبَالغَة ثمَّ أطلق الْإِسْلَام على ذَلِك المخيل ثمَّ خيل لَهُ مَا يلازم الْبَيْت الْمُشبه بِهِ من الْبناء ثمَّ أثبت لَهُ مَا هُوَ لَازم الْبَيْت من الْبناء على الِاسْتِعَارَة التخييلية ثمَّ نسب إِلَيْهِ ليَكُون قرينَة مَانِعَة من إِرَادَة الْحَقِيقَة قَوْله وإقام الصَّلَاة كِنَايَة عَن الْإِتْيَان بهَا بشروطها وأركانها قَوْله وإيتاء الزَّكَاة فِيهِ شَيْئَانِ أَحدهمَا إِطْلَاق الزَّكَاة الَّذِي هُوَ فِي الأَصْل مصدر أَو اسْم مصدر على المَال الْمخْرج للْمُسْتَحقّ وَالْآخر حذف أحد المفعولين للْعلم بِهِ لِأَن الإيتاء مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين وَالتَّقْدِير إيتَاء الزَّكَاة مستحقيها قَوْله وَالْحج فِيهِ حذف أَيْضا أَي وَحج الْبَيْت وَالْألف وَاللَّام فِيهِ بدل من الْمُضَاف إِلَيْهِ قَوْله وَصَوْم رَمَضَان فِيهِ حذف أَيْضا أَي وَصَوْم شهر رَمَضَان فَإِن قلت مَا الْإِضَافَة فيهمَا قلت إِضَافَة الحكم إِلَى سَببه لِأَن سَبَب الْحَج الْبَيْت وَلِهَذَا لَا يتَكَرَّر لعدم تكَرر الْبَيْت والشهر يتَكَرَّر فيتكرر الصَّوْم (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول يفهم من ظَاهر الحَدِيث أَن الشَّخْص لَا يكون مُسلما عِنْد ترك شَيْء مِنْهَا لَكِن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن العَبْد لَا يكفر بترك شَيْء مِنْهَا وَقتل تَارِك الصَّلَاة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد إِنَّمَا هُوَ حدا لَا كفرا وَإِن كَانَ رُوِيَ عَن أَحْمد وَبَعض الْمَالِكِيَّة كفرا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ترك صَلَاة مُتَعَمدا فقد كفر مَحْمُول على الزّجر والوعيد أَو مؤول أَي إِذا كَانَ مستحلا أَو المُرَاد كفران النِّعْمَة الثَّانِي أَن هَذِه الْأَشْيَاء الْخَمْسَة من فروض الْأَعْيَان لَا تسْقط بِإِقَامَة الْبَعْض عَن البَاقِينَ الثَّالِث فِيهِ جَوَاز إِطْلَاق رَمَضَان من غير ذكر شهر خلافًا لمن منع ذَلِك على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى (الأسئلة والأجوبة) الأول مَا قيل مَا وَجه الْحصْر فِي هَذِه الْخَمْسَة وَأجِيب بِأَن الْعِبَادَة إِمَّا قولية وَهِي الشَّهَادَة أَو غير قولية فَهِيَ إِمَّا تركي وَهُوَ الصَّوْم أَو فعلي وَهُوَ إِمَّا بدني وَهُوَ الصَّلَاة أَو مَالِي وَهُوَ الزَّكَاة أَو مركب مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَج الثَّانِي مَا قيل مَا وَجه التَّرْتِيب بَينهَا وَأجِيب بِأَن الْوَاو لَا تدل على التَّرْتِيب وَلَكِن الْحِكْمَة فِي الذّكر أَن الْإِيمَان أصل للعبادات فَتعين تَقْدِيمه ثمَّ الصَّلَاة لِأَنَّهَا عماد الدّين ثمَّ الزَّكَاة لِأَنَّهَا قرينَة الصَّلَاة ثمَّ الْحَج للتغليظات الْوَارِدَة فِيهِ وَنَحْوهَا فبالضرورة يَقع الصَّوْم آخرا الثَّالِث مَا قيل الْإِسْلَام هُوَ الْكَلِمَة فَقَط وَلِهَذَا يحكم بِإِسْلَام من تلفظ بهَا فَلم ذكر الْأَخَوَات مَعهَا وَأجِيب تَعْظِيمًا لإخوانها وَقَالَ النَّوَوِيّ حكم الْإِسْلَام فِي الظَّاهِر يثبت بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنَّمَا أضيف إِلَيْهِمَا الصَّلَاة وَنَحْوهَا لكَونهَا أظهر شَعَائِر الْإِسْلَام وَأَعْظَمهَا وبقيامه بهَا يتم إِسْلَامه وَتَركه لَهَا يشْعر بانحلال قيد انقياده أَو اختلاله الرَّابِع مَا قيل فعلي هَذَا التَّقْدِير الْإِسْلَام هُوَ هَذِه الْخَمْسَة والمبني لَا بُد أَن يكون غير الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ وَأجِيب بِأَن الْإِسْلَام عبارَة عَن الْمَجْمُوع وَالْمَجْمُوع غير كل وَاحِد من أَرْكَانه الْخَامِس مَا قيل الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة مَبْنِيَّة على الشَّهَادَة إِذْ لَا يَصح شَيْء مِنْهَا إِلَّا بعد الْكَلِمَة فالأربعة مَبْنِيَّة وَالشَّهَادَة مَبْنِيّ عَلَيْهَا فَلَا يجوز إدخالها فِي سلك وَاحِد وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا مَحْذُور فِي أَن يبْنى أَمر على أَمر ثمَّ الْأَمر أَن يكون عَلَيْهِمَا شَيْء آخر وَيُقَال لَا نسلم أَن الْأَرْبَعَة مَبْنِيَّة على الْكَلِمَة بل صِحَّتهَا مَوْقُوفَة عَلَيْهَا وَذَلِكَ غير معنى بِنَاء الْإِسْلَام على الْخمس وَقَالَ التَّيْمِيّ قَوْله بني الْإِسْلَام على خمس كَانَ ظَاهره أَن الْإِسْلَام مَبْنِيّ علىهَذِه وَإِنَّمَا هَذِه الْأَشْيَاء مَبْنِيَّة على الْإِسْلَام لِأَن الرجل مَا لم يشْهد لَا يُخَاطب بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة وَلَو قَالَهَا فَإنَّا نحكم فِي الْوَقْت بِإِسْلَامِهِ ثمَّ إِذا أنكر حكما من هَذِه الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة المبنية على الْإِسْلَام حكمنَا بِبُطْلَان إِسْلَامه إِلَّا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ بَيَان أَن الْإِسْلَام لَا يتم إِلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاء ووجودها مَعَه جعله مَبْنِيا عَلَيْهَا وَلِهَذَا الْمَعْنى سوى بَينهَا وَبَين الشَّهَادَة وَإِن كَانَت هِيَ الْإِسْلَام بِعَيْنِه وَقَالَ الْكرْمَانِي حَاصِل كَلَامه أَن الْمَقْصُود من الحَدِيث بَيَان كَمَال الْإِسْلَام وَتَمَامه فَلذَلِك ذكر هَذِه الْأُمُور مَعَ الشَّهَادَة لَا نفس الْإِسْلَام وَهُوَ حسن لَكِن قَوْله ثمَّ إِذا أنكر حكما من هَذِه حكمنَا بِبُطْلَان إِسْلَامه لَيْسَ من الْبَحْث إِذْ الْبَحْث فِي فعل هَذِه الْأُمُور وَتركهَا لَا فِي إنكارها وَكَيف وإنكار كل حكم من أَحْكَام الْإِسْلَام مُوجب للكفر فَلَا معنى للتخصيص بِهَذِهِ الْأَرْبَعَة قلت اسْتِدْرَاك الْكرْمَانِي لَا وَجه لَهُ فَافْهَم السَّادِس مَا قيل لم لم يذكر الْإِيمَان بالأنبياء وَالْمَلَائِكَة وَغير ذَلِك مِمَّا تضمنه سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أُجِيب بِأَن المُرَاد بِالشَّهَادَةِ تَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا جَاءَ بِهِ فيستلزم جَمِيع مَا ذكر من المعتقدات السَّابِع مَا قيل لم لم يذكر فِيهِ الْجِهَاد أُجِيب بِأَنَّهُ لم يكن فرض وَقيل لِأَنَّهُ من فروض الكفايات وَتلك فَرَائض الْأَعْيَان قَالَ الدَّاودِيّ لما فتحت مَكَّة سقط فرض الْجِهَاد على من يعد من الْكفَّار وَهُوَ فرض على من يليهم وَكَانَ أَولا فرضا على الْأَعْيَان وَقيل هُوَ مَذْهَب ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة إِلَّا أَن ينزل الْعَدو فيأمر الإِمَام بِالْجِهَادِ وَجَاء فِي البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث فِي التَّفْسِير أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عمر مَا حملك على أَن تحج عَاما وتعتمر عَاما وتترك الْجِهَاد وَفِي بَعْضهَا فِي أَوله أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عمر أَلا نغزو قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بني الْإِسْلَام على خمس الحَدِيث فَهَذَا يدل على أَن ابْن عمر كَانَ لَا يرى فرضيته إِمَّا مُطلقًا كَمَا نقل عَنهُ أَو فِي ذَلِك الْوَقْت وَجَاء هُنَا بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَجَاء فِي بعض طرقه على أَن يوحد الله وَفِي أُخْرَى على أَن يعبد الله وَيكفر بِمَا دونه بدل الشَّهَادَة قَالَ بَعضهم جَاءَت الأولى على نقل اللَّفْظ وَمَا عَداهَا على الْمَعْنى وَقد اخْتلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ جَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى من الْعَالم بمواقع الْأَلْفَاظ وتركيبها وَأما من لَا يعرف ذَلِك فَلَا خلاف فِي تَحْرِيمه عَلَيْهِ وَجَاء هَهُنَا وَالْحج وَصَوْم رَمَضَان بِتَقْدِيم الْحَج وَفِي طَرِيقين لمُسلم وَفِي بعض الطّرق بِتَقْدِيم رَمَضَان وَفِي بَعْضهَا فَقَالَ رجل الْحَج وَصِيَام رَمَضَان وَقَالَ ابْن عمر لَا صِيَام رَمَضَان وَالْحج هَكَذَا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاخْتلف النَّاس فِي الْجمع بَين الرِّوَايَات فَقَالَ الْمَازرِيّ تحمل مشاحة ابْن عمر على أَنه كَانَ لَا يرى رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَإِن أَدَّاهُ بِلَفْظ يحْتَمل أَو كَانَ يرى الْوَاو توجب التَّرْتِيب فَتجب الْمُحَافظَة على اللَّفْظ لِأَنَّهُ قد تتَعَلَّق بِهِ أَحْكَام وَقيل أَن ابْن عمر رَوَاهُ على الْأَمريْنِ وَلكنه لما رد عَلَيْهِ الرجل قَالَ لَا ترد على مَا لَا علم لَك بِهِ كَمَا رَوَاهُ فِي أَحدهمَا وَقيل يحْتَمل أَنه كَانَ نَاسِيا لِلْأُخْرَى عِنْد الْإِنْكَار وَمِنْهُم من قَالَ الصَّوَاب تَقْدِيم الصَّوْم وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى وهم لإنكار ابْن عمر وزجره عِنْد ذكرهَا واستضعف هَذَا بِأَنَّهُ يجر إِلَى توهين الرِّوَايَة الصَّحِيحَة وطر وَاحْتِمَال الْفساد عِنْد فَتحه لأَنا لَو فتحنا هَذَا الْبَاب لارتفع الوثوق بِكَثِير من الرِّوَايَات إِلَّا الْقَلِيل وَلِأَن الرِّوَايَتَيْنِ فِي الصَّحِيح وَلَا تنَافِي بَينهمَا كَمَا تقدم من جَوَاز رِوَايَة الْأَمريْنِ قَالَ القَاضِي وَقد يكون رد ابْن عمر الرجل إِلَى تَقْدِيم رَمَضَان لِأَن وجوب صَوْم رَمَضَان نزل فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وفريضة الْحَج فِي سنة سِتّ وَقيل تسع بِالْمُثَنَّاةِ فجَاء لفظ ابْن عمر على نسقها فِي التَّارِيخ وَالله أعلم وَقَالَ ابْن صَلَاح مُحَافظَة ابْن عمر على مَا سَمعه حجَّة لمن قَالَ بترتيب الْوَاو قلت لِلْجُمْهُورِ أَن يجيبوا عَن ذَلِك بِأَن تَقْدِيم الصَّوْم لتقدم زَمَنه كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي قَوْله واستضعف هَذَا إِلَى آخِره نظر وَقد وَقع فِي رِوَايَة ابْني عوَانَة فِي مستخرجه على مُسلم عكس مَا وَقع فِي الصَّحِيح وَهُوَ أَن ابْن عمر قَالَ للرجل اجْعَل صِيَام رَمَضَان آخِرهنَّ كَمَا سَمِعت وَأجَاب عَنهُ ابْن صَلَاح بقوله لَا تقاوم هَذِه رِوَايَة مُسلم وَقَالَ النَّوَوِيّ بِأَن الْقَضِيَّة لِرجلَيْنِ فَإِن قلت مَا تَقول فِي الرِّوَايَة الَّتِي اقتصرت على إِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ قلت إِمَّا اكْتِفَاء بِذكر إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى لدلالتها عَلَيْهَا وَإِمَّا لتقصير من الرَّاوِي فَزَاد عَلَيْهِ غَيره فَقبلت زِيَادَته فَافْهَم وَالرجل الْمَرْدُود عَلَيْهِ تَقْدِيمه الْحَج اسْمه يزِيد بن بشر السكْسكِي ذكره الْخَطِيب فِي الْأَسْمَاء المبهمة لَهُ 3 - (بَاب أُمُورِ الإِيمَانِ) وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {{لَيْسَ البِرَّ أنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشْرِقِ والمغْرِبِ ولكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْم الآخِرِ والمَلائِكَةِ والكِتَابِ والنَّبِيينَ وَآتى المَال عَلَى حُبّهِ ذَوِي القُرْبى واليَتَامَى والمَساكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وأقَامَ الصَّلاَةَ وأتَى الزَّكَاةَ والمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا والصَّابرينَ فِي البَأْسَاءِ والضَّرَاءِ وحِينَ البَأْسِ أُولئِكَ الذَينَ صَدَقُوا وأُولَئكَ هُمُ المتَّقُونَ}} (الْبَقَرَة: 177) {{قَدْ أفْلَحَ المؤمِنُونَ}} (الْمُؤْمِنُونَ: 1) الآيَةَ. أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أُمُور الْإِيمَان، فَيكون ارْتِفَاع: بَاب، على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَالْمرَاد بالأمور هِيَ: الْإِيمَان، لِأَن الْأَعْمَال عِنْده هِيَ: الْإِيمَان، فعلى هَذَا، الْإِضَافَة فِيهِ بَيَانِيَّة، وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير: بَاب الْأُمُور الَّتِي للْإيمَان فِي تَحْقِيق حَقِيقَته وتكميل ذَاته، فعلى هَذَا، الْإِضَافَة بِمَعْنى: اللَّام، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَاب أَمر الْإِيمَان، بِالْإِفْرَادِ على إِرَادَة الْجِنْس؛ وَقَالَ ابْن بطال: التَّصْدِيق أول منَازِل الْإِيمَان، والاستكمال إِنَّمَا هُوَ بِهَذِهِ الْأُمُور. وَأَرَادَ البُخَارِيّ الاستكمال، وَلِهَذَا بوب أبوابه عَلَيْهِ فَقَالَ: بَاب أُمُور الْإِيمَان؛ و: بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان، و: بَاب الصَّلَاة من الْإِيمَان، و: بَاب الزَّكَاة من الْإِيمَان. وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْأَبْوَاب كلهَا الرَّد على المرجئة الْقَائِلين، بِأَن الْإِيمَان قَول بِلَا عمل، وتبيين غلطهم ومخالفتهم الْكتاب وَالسّنة. وَقَالَ الْمَازرِيّ: اخْتلف النَّاس فِيمَن عصى الله من أهل الشَّهَادَتَيْنِ: فَقَالَت المرجئة: لَا تضر الْمعْصِيَة مَعَ الْإِيمَان، وَقَالَت الْخَوَارِج: تضره بهَا وَيكفر بهَا، وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: يخلد بهَا فَاعل الْكَبِيرَة وَلَا يُوصف بِأَنَّهُ مُؤمن وَلَا كَافِر، لَكِن يُوصف بِأَنَّهُ فَاسق: وَقَالَت الأشعرية: بل هُوَ مُؤمن وَأَن عذب، وَلَا بُد من دُخُوله الْجنَّة. قَوْله: (وَقَول الله عز وَجل) بِالْجَرِّ عطف على الْأُمُور. فَإِن قلت: مَا الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْآيَة والتبويب؟ قلت: لِأَن الْآيَة حصرت الْمُتَّقِينَ على أَصْحَاب هَذِه الصِّفَات والأعمال، فَعلم مِنْهَا أَن الْإِيمَان الَّذِي بِهِ الْفَلاح والنجاة الْإِيمَان الَّذِي فِيهِ هَذِه الْأَعْمَال الْمَذْكُورَة، وَكَذَلِكَ الْآيَة الْأُخْرَى، وَهِي قَوْله: {{قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت إِيمَانهم فَإِنَّهُم غير ملومين فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك فَأُولَئِك هم العادون}} (الْمُؤْمِنُونَ: 1 7) وَذكر الْأُخْرَى فِي كتاب الشَّرِيعَة من حَدِيث المَسْعُودِيّ، عَن الْقَاسِم، عَن أبي ذَر، رَضِي الله عَنهُ: (أَن رجلا سَأَلَهُ عَن الْإِيمَان فَقَرَأَ عَلَيْهِ: {{لَيْسَ بِالْبرِّ}} (الْبَقَرَة: 177)) الْآيَة. فَقَالَ الرجل: لَيْسَ عَن الْبر سَأَلتك، فَقَالَ أَبُو ذَر: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلتنِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ كَمَا قَرَأت عَلَيْك، فَأبى أَن يرضى كَمَا أَبيت أَن ترْضى، فَقَالَ: ادن مني، فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ الْمُؤمن الَّذِي يعْمل حَسَنَة فتسره، ويرجو ثَوَابهَا، وَإِن عمل سَيِّئَة تسؤوه وَيخَاف عَاقبَتهَا. قَوْله: {{لَيْسَ الْبر}} (الْبَقَرَة: 177) أَي: لَيْسَ الْبر كه أَن تصلوا وَلَا تعملوا غير ذَلِك. {{وَلَكِن الْبر}} (الْبَقَرَة: 177) بر {{من آمن بِاللَّه}} (الْبَقَرَة: 177) الْآيَة كَذَا قدره سِيبَوَيْهٍ. وَقَالَ الزّجاج: وَلَكِن ذَا الْبر، فَحذف الْمُضَاف كَقَوْلِه {{هم دَرَجَات عِنْد الله}} (آل عمرَان: 163) أَي: ذَوُو دَرَجَات، وَمَا قدره سِيبَوَيْهٍ أولى، لِأَن الْمَنْفِيّ هُوَ الْبر، فَيكون هُوَ الْمُسْتَدْرك من جنسه. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ، رَحمَه الله: البراسم للخير، وَلكُل فعل مرضِي وَفِي (الغريبين) الْبر: الاتساع فِي الْإِحْسَان وَالزِّيَادَة مِنْهُ. وَقَالَ السّديّ: {{لن تنالوا الْبر حَتَّى تتفقوا}} (آل عمرَان: 92) يَعْنِي: الْجنَّة وَالْبر: أَيْضا: الصِّلَة وَهُوَ اسْم جَامع للخير كُله، وَفِي (الْجَامِع) و (الْجَمْرَة) : الْبر ضد العقوق، وَفِي (مثلث) ابْن السَّيِّد: الْإِكْرَام، كَذَا نَقله عَنهُ فِي (الواعي) : وَذكر ابْن عديس عَنهُ: الْبر، بِالْكَسْرِ: الْخَيْر. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الخطابُ لأهل الْكتاب، لِأَن الْيَهُود تصلي قبل الْمغرب إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَالنَّصَارَى قبل الْمشرق، وَذَلِكَ أَنهم أَكْثرُوا الْخَوْض فِي أَمر الْقبْلَة حِين تحول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْكَعْبَة، وَزعم كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ أَن الْبر التَّوَجُّه، إِلَى قبلته، فَرد عَلَيْهِم وَقَرَأَ: {{لَيْسَ الْبر}} (الْبَقَرَة: 177) بِالنّصب على أَنه خبر مقدم، وَقَرَأَ عبد الله: {{بِأَن توَلّوا}} على إِدْخَال الْبَاء على الْخَبَر للتَّأْكِيد. وَعَن الْمبرد: لَو كنت مِمَّن يقْرَأ الْقُرْآن لقرأت: {{وَلَكِن الْبر}} بِفَتْح الْبَاء، وقرىء وَلَكِن الْبَار، وَقَرَأَ ابْن عَامر وَنَافِع: وَلَكِن الْبر، بِالتَّخْفِيفِ {{وَالْكتاب}} (الْبَقَرَة: 177) جنس كتاب الله تَعَالَى، أَو الْقُرْآن: {{على حبه}} (الْبَقَرَة: 177) مَعَ حب المَال وَالشح بِهِ، وَقيل: على حب الله، وَقيل: على حب الإيتاء، وَقدم ذَوي الْقُرْبَى لِأَنَّهُ أَحَق، وَالْمرَاد: الْفُقَرَاء مِنْهُم لعدم الالتباس: {{والمسكين}} (الْبَقَرَة: 177) الدَّائِم السّكُون إِلَى النَّاس، لِأَنَّهُ لَا شَيْء لَهُ كالمسكير: الدَّائِم السكر. {{وَابْن السَّبِيل}} (الْبَقَرَة: 177) الْمُسَافِر الْمُنْقَطع، وَجعل ابْنا للسبيل لملازمته لَهُ، كَمَا يُقَال: للص الْقَاطِع: ابْن الطَّرِيق، وَقيل: هُوَ الضَّيْف لِأَن السَّبِيل ترعف بِهِ {{والسائلين}} (الْبَقَرَة: 177) المستطعمين. {{وَفِي الرّقاب}} (الْبَقَرَة: 177) وَفِي معاونة المكاتبين حَتَّى يفكوا رقابهم، وَقيل: فِي ابتياع الرّقاب وإعتاقها، وَقيل: فِي فك الْأُسَارَى والموفونعطف على من: آمن، وَأخرج الصابرين مَنْصُوبًا على الِاخْتِصَاص والمدح إِظْهَارًا لفضل الصَّبْر فِي الشدائد، ومواطن الْقِتَال على سَائِر الْأَعْمَال، وقرىء: والصابرون، وقرىء: والموفين وَالصَّابِرِينَ {{والبأساء}} (الْبَقَرَة: 177) الْفقر والشدة وَالضَّرَّاء وَالْمَرَض والزمانة قَوْله: {{قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ}} (الْمُؤْمِنُونَ: 1) الْآيَة: هَذِه آيَة أُخْرَى، ذكر الْآيَتَيْنِ لاشتمالهما على أُمُور الْإِيمَان، وَالْبَاب مبوب عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لم يقل: وَقَول الله عز وَجل {{قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ}} (الْمُؤْمِنُونَ: 1) كَمَا قَالَ فِي أول الْآيَة الأولى، وَقَول الله عز وَجل: {{لَيْسَ الْبر}} (الْبَقَرَة: 177) الخ لعدم الالتباس فِي ذَلِك، وَاكْتفى أَيْضا بِذكرِهِ فِي الأولى، وَقَالَ بَعضهم: ذكره بِلَا أَدَاة عطف، والحذف جَائِز، وَالتَّقْدِير: وَقَول الله عز وَجل: {{قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ}} (الْمُؤْمِنُونَ: 1) قلت: الْحَذف غير جَائِز، وَلَئِن سلمنَا فَذَاك فِي بَاب الشّعْر، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَيحْتَمل أَن يكون تَفْسِيرا لقَوْله: المتقون هم الموصوفون بقوله: {{قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ}} (الْمُؤْمِنُونَ: 1) إِلَى آخرهَا. قلت: لَا يَصح هَذَا أَيْضا. لِأَن الله تَعَالَى ذكر فِي هَذِه الْآيَة من وصفوا بالأوصاف الْمَذْكُورَة فِيهَا، ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِم بقوله: {{وَأُولَئِكَ هم المتقون}} (الْبَقَرَة: 177) بَين أَن هَؤُلَاءِ الموصوفين هم المتقون، فَأَي شَيْء يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى تَفْسِير الْمُتَّقِينَ فِي هَذِه الْآيَة حَتَّى يفسرهم بقوله: {{قد أَفْلح}} (الْمُؤْمِنُونَ: 1) الخ، وَرُبمَا كَانَ يُمكن صِحَة هَذِه الدَّعْوَى لَو كَانَت الْآيَتَانِ متواليتين، فبينهما آيَات عديدة، بل سور كَثِيرَة، فَكيف يكون هَذَا من بَاب التَّفْسِير وَهَذَا كَلَام مستبعد جدا. قَوْله: (الْآيَة) يجوز فِيهَا: النصب، على معنى إقرأ الْآيَة: و: الرّفْع، على معنى الْآيَة بِتَمَامِهَا على أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر. قَوْله: {{أَفْلح}} أَي: دخل فِي الْفَلاح، وَهُوَ فعل لَازم، والفلاح الظفر بالمراد، وَقيل: الْبَقَاء فِي الْخَيْر. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يُقَال: أفلحه أجاره إِلَى الْفَلاح، وَعَلِيهِ قِرَاءَة طَلْحَة بن مصرف: أَفْلح للْبِنَاء للْمَفْعُول، وَعنهُ أفلحوا على أكلوني البراغيث، أَو على الْإِبْهَام وَالتَّفْسِير: (والخشوع فِي الصَّلَاة) خشيَة الْقلب (واللغو) مَا لَا يَعْنِيك من قَول أَو فعل كاللعب والهزل، وَمَا توجب الْمُرُوءَة إلغاءه وإطراحه. قَوْله: {{فاعلون}} (الْمُؤْمِنُونَ: 1) أَي: مؤدون. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: هلا قيل: من ملكت؟ قلت: لِأَنَّهُ أُرِيد من جنس الْعُقَلَاء مَا يجرى مجْرى غير الْعُقَلَاء. وهم الْإِنَاث.
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
Narrated Ibn 'Abbas: Allah's Messenger (ﷺ) was the most generous of all the people, and he used to reach the peak in generosity in the month of Ramadan when Gabriel met him. Gabriel used to meet him every night of Ramadan to teach him the Qur'an. Allah's Messenger (ﷺ) was the most generous person, even more generous than the strong uncontrollable wind (in readiness and haste to do charitable deeds)
Telah menceritakan kepada kami [Abdan] dia berkata, telah mengabarkan kepada kami [Abdullah] telah mengabarkan kepada kami [Yunus] dari [Az Zuhri] dan dengan riwayat yang sama, telah menceritakan pula kepada kami [Bisyir bin Muhammad] berkata, telah mengabarkan kepada kami [Abdullah] berkata, telah mengabarkan kepada kami [Yunus] dan [Ma'mar] dari [Az Zuhri] seperti lainnya berkata, telah mengabarkan kepada kami [Ubaidullah bin Abdullah] dari [Ibnu 'Abbas] berkata, bahwa Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam adalah manusia yang paling lembut terutama pada bulan Ramadlan ketika malaikat Jibril 'Alaihis Salam menemuinya, dan adalah Jibril 'Alaihis Salam mendatanginya setiap malam di bulan Ramadlan, dimana Jibril 'Alaihis Salam mengajarkan Al Qur'an. Sungguh Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam jauh lebih lembut daripada angin yang berhembus
İbni Abbas r.a.'dan şöyle rivayet edilmiştir: Allah Resulü (Sallallahu aleyhi ve Sellem) insanların en cömerti idi. En cömert olduğu zaman da Ramazan ayında Cebrail ile buluştuğu zamandır. Cebrail Ramazan ayının her gecesinde Nebi (s.a.v.) ile buluşarak onunla Kur'ân'ı müzâkere îderdi. Gerçekten Allah Resulü esen rüzgârdan daha cömertti
ہم کو عبدان نے حدیث بیان کی، انہیں عبداللہ بن مبارک نے خبر دی، ان کو یونس نے، انہوں نے زہری سے یہ حدیث سنی۔ (دوسری سند یہ ہے کہ) ہم سے بشر بن محمد نے یہ حدیث بیان کی۔ ان سے عبداللہ بن مبارک نے، ان سے یونس اور معمر دونوں نے، ان دونوں نے زہری سے روایت کی پہلی سند کے مطابق زہری سے عبیداللہ بن عبداللہ نے، انہوں نے ابن عباس رضی اللہ عنہما سے یہ روایت نقل کی کہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سب لوگوں سے زیادہ جواد ( سخی ) تھے اور رمضان میں ( دوسرے اوقات کے مقابلہ میں جب ) جبرائیل علیہ السلام آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے ملتے بہت ہی زیادہ جود و کرم فرماتے۔ جبرائیل علیہ السلام رمضان کی ہر رات میں آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے ملاقات کرتے اور آپ صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ قرآن کا دورہ کرتے، غرض نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم لوگوں کو بھلائی پہنچانے میں بارش لانے والی ہوا سے بھی زیادہ جود و کرم فرمایا کرتے تھے۔
ইবনু ‘আব্বাস (রাঃ) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম ছিলেন সর্বশ্রেষ্ঠ দানশীল রমাযানে তিনি আরো অধিক দানশীল হতেন, যখন জিবরীল (আঃ) তাঁর সঙ্গে সাক্ষাৎ করতেন। আর রমাযানের প্রতি রাতেই জিবরীল (আঃ) তাঁর সাথে দেখা করতেন এবং তাঁরা একে অপরকে কুরআন তিলাওয়াত করে শোনাতেন। নিশ্চয়ই আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম রহমতের বায়ু অপেক্ষাও অধিক দানশীল ছিলেন। (১৯০২, ৩২২০, ৩৫৫৪, ৪৯৯৭; মুসলিম ৪৩/১২ হাঃ ৩২০৮, আহমাদ ৩৬১৬, ৩৪২৫) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ৫, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)
இப்னு அப்பாஸ் (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் மக்களிலேயே அதிகமாக வாரி வழங்குபவர்களாகத் திகழ்ந்தார்கள். (வானவர்) ஜிப்ரீல் (அலை) அவர்கள் ரமளான் மாதத்தில் தம்மைச் சந்திக்கின்ற வேளையில், நபியவர்கள் இன்னும் அதிகமாக வாரி வழங்குபவர்களாக இருந்தார்கள். ஜிப்ரீல் (அலை) அவர்கள் ரமளானின் ஒவ்வோர் இரவிலும் நபி (ஸல்) அவர்களைச் சந்தித்துக்கொண்டிருந்தார்கள். அப்போது (அதுவரை அருளப்பெற்ற) குர்ஆனை ஜிப்ரீல் (அலை) அவர்கள் நபி (ஸல்) அவர்களுக்கு நினைவுபடுத்துவார்கள். அப்போது அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் தொடர்ந்து வீசும் மழைக் காற்றைவிட அதிகமாக நல்லதை வாரி வழங்குபவர்களாக இருந்தார்கள். இந்த ஹதீஸ் மூன்று அறிவிப்பாளர்தொடர்களில் வந்துள்ளது. அத்தியாயம் :