• 745
  • عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ "

    حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا

    الجرس: الجرس : هو الجرس المعروف والجُلْجُل والناقوس وكان يُعلَّق على الدَّوابّ
    فيفصم: يفصم : يقلع
    يتمثل: يتمثل : يتصور ويتشبه بهيئة وصورة معينة
    فأعي: وعى : حفظ وفهم وأدرك وحوى
    أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ،
    حديث رقم: 3068 في صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة
    حديث رقم: 4407 في صحيح مسلم كتاب الْفَضَائِلِ بَابُ عَرَقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَرْدِ وَحِينَ يَأْتِيهِ
    حديث رقم: 3725 في جامع الترمذي أبواب المناقب باب ما جاء كيف كان ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
    حديث رقم: 929 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الافتتاح جامع ما جاء في القرآن
    حديث رقم: 930 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الافتتاح جامع ما جاء في القرآن
    حديث رقم: 483 في موطأ مالك كِتَابُ الْقُرْآنِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ
    حديث رقم: 24772 في مسند أحمد ابن حنبل حَدِيثُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
    حديث رقم: 24724 في مسند أحمد ابن حنبل حَدِيثُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
    حديث رقم: 25665 في مسند أحمد ابن حنبل حَدِيثُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
    حديث رقم: 38 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْوَحْيِ ذِكْرُ وَصْفِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 988 في السنن الكبرى للنسائي الْعَمَلُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ
    حديث رقم: 7715 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ ثَوَابُ الْقُرْآنِ كَيْفَ نُزُولُ الْوَحْيِ
    حديث رقم: 989 في السنن الكبرى للنسائي الْعَمَلُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ
    حديث رقم: 10687 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ
    حديث رقم: 3269 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ الْحَارِثُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ
    حديث رقم: 3268 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ الْحَارِثُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ
    حديث رقم: 12478 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ النِّكَاحِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَا خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 251 في مسند الحميدي مسند الحميدي أَحَادِيثُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
    حديث رقم: 23 في مسند عائشة مسند عائشة وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
    حديث رقم: 55 في مسند عائشة مسند عائشة عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ
    حديث رقم: 467 في الطبقات الكبير لابن سعد المجلد الأول ذِكْرُ شِدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 1494 في المنتخب من مسند عبد بن حميد المنتخب من مسند عبد بن حميد مِنْ مُسْنَدِ الصِّدِّيقَةِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَعَنْ
    حديث رقم: 973 في الشريعة للآجري كِتَابُ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ بِأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ بَابُ ذِكْرِ كَيْفَ كَانَ يَنْزِلُ الْوَحْيُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
    حديث رقم: 1148 في شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة للالكائي بَابُ جُمَّاعِ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَابْتِدَاءِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ وَفَضَائِلِهِ وَمُعْجِزَاتِهِ سِيَاقُ مَا رَوَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ ، وَصِفَتِهِ ، وَأَنَّهُ بُعِثَ وَأُنْزِلَ إِلَيْهِ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً
    حديث رقم: 166 في دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي ذِكْرِ بَدْءِ الْوَحْيِ وَكَيْفِيَّةِ تَرَائِي الْمَلَكِ وَإِلْقَائِهِ الْوَحْيَ إِلَيْهِ وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ إِلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ سَأَلَ عَنْهَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

    [2] الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث بَدْء الْوَحْي قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ هُوَ التِّنِّيسِيُّ كَانَ نَزَلَ تِنِّيسَ مِنْ عَمَلِ مِصْرَ وَأَصْلُهُ دِمَشْقِيٌّ وَهُوَ مِنْ أَتْقَنِ النَّاسِ فِي الْمُوَطَّأِ كَذَا وَصَفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَوْلُهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وأزواجه أمهاتهم أَيْ فِي الِاحْتِرَامِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِلتَّغْلِيبِ وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهَا أُمُّ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الرَّاجِحِ قَوْلُهُ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ هُوَ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو أَبِي جَهْلٍ شَقِيقُهُ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةوَاسْتُشْهِدَ فِي فُتُوحِ الشَّامِ قَوْلُهُ سَأَلَ هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ حَضَرَتْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ فَأَخْرَجُوهُ فِي مُسْنَدِ عَائِشَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَارِثُ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ بَعْدُ فَيَكُونُ مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَحْكُومٌ بِوَصْلِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ سَأَلْتُ وَعَامِرٌ فِيهِ ضَعْفٌ لَكِن وجدت لَهُ مُتَابعًا عِنْد بن مَنْدَهْ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ صِفَةَ الْوَحْيِ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ حَامِلِهِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَى الْوَحْيِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ حَقِيقَةٌ مِنْ وَصْفِ حَامِلِهِ وَاعْتَرَضَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَإِنَّمَا الْمُنَاسب لكيف بَدْءِ الْوَحْيِ الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ لِكَيْفِيَّةِ إِتْيَانِ الْوَحْيِ لَا لِبَدْءِ الْوَحْيِ اه قَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ السُّؤَالُ عَنْ كَيْفِيَّةِ ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ أَوْ عَنْ كَيْفِيَّةِ ظُهُورِ الْوَحْيِ فَيُوَافِقُ تَرْجَمَةَ الْبَابِ قُلْتُ سِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِإِتْيَانِهِ بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمُنَاسَبَةَ تَظْهَرُ مِنَ الْجَوَابِ لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى انْحِصَارِ صِفَةِ الْوَحْيِ أَوْ صِفَةِ حَامِلِهِ فِي الْأَمْرَيْنِ فَيَشْمَلُ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ وَأَيْضًا فَلَا أَثَرَ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ هُنَا وَلَوْ لَمْ تَظْهَرِ الْمُنَاسَبَةُ فَضْلًا عَنْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ الْبَدَاءَةَ بِالتَّحْدِيثِ عَنْ إِمَامَيِ الْحِجَازِ فَبَدَأَ بِمَكَّةَ ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَدِينَةِ وَأَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَتَعَلَّقَ جَمِيعُ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِبَدْءِ الْوَحْيِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ وَبِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْوَحْيَ إِلَيْهِ نَظِيرُ الْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ نَاسَبَ تَقْدِيمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَهُوَ صِفَةُ الْوَحْيِ وَصِفَةُ حَامِلِهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْوَحْيَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ لَا تَبَايُنَ فِيهِ فَحَسُنَ إِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ عَقِبَ حَدِيثِ الْأَعْمَالِ الَّذِي تَقَدَّمَ التَّقْدِيرُ بِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَقْوَى تَعَلُّقٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَحْيَانًا جَمْعُ حِينٍ يُطْلَقُ عَلَى كَثِيرِ الْوَقْتِ وَقَلِيلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُجَرَّدُ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْقَاتًا يَأْتِينِي وَانْتَصَبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَعَامِلُهُ يَأْتِينِي مُؤَخَّرٌ عَنْهُ وَلِلْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامٍ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ يَأْتِي الْمَلَكُ أَيْ كُلُّ ذَلِك حالتان فذكرهما وروى بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ كَانَ الْوَحْيُ يَأْتِينِي عَلَى نَحْوَيْنِ يَأْتِينِي بِهِ جِبْرِيلُ فَيُلْقِيهِ عَلَيَّ كَمَا يُلْقِي الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ فَذَاكَ يَنْفَلِتُ مِنِّي وَيَأْتِينِي فِي بَيْتِي مِثْلَ صَوْتِ الْجَرَسِ حَتَّى يُخَالِطَ قَلْبِي فَذَاكَ الَّذِي لَا يَنْفَلِتُ مِنِّي وَهَذَا مُرْسَلٌ مَعَ ثِقَةِ رِجَالِهِ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّ الْمَلَكَ قَدْ تَمَثَّلَ رَجُلًا فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَلَمْ يَنْفَلِتَ مِنْهُ مَا أَتَاهُ بِهِ كَمَا فِي قِصَّةِ مَجِيئِهِ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ وَفِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ وَأُورِدَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ أَنَّ الْوَحْيَ مُنْحَصِرٌ فِي الْحَالَتَيْنِ حَالَاتٌ أُخْرَى إِمَّا مِنْ صِفَةِ الْوَحْيِ كَمَجِيئِهِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَالنَّفْثِ فِي الرُّوْعِ وَالْإِلْهَامِ وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ وَالتَّكْلِيمِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِمَّا مِنْ صِفَةِ حَامِلِ الْوَحْيِ كَمَجِيئِهِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ وَرُؤْيَتِهِ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ سَدَّ الْأُفُقَ وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْحَصْرِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُمَا وَحَمْلُهُمَا عَلَى الْغَالِبِ أَوْ حَمْلُ مَا يُغَايِرُهُمَا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ السُّؤَالِ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضَ لِصِفَتَيِ الْمَلَكِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِنُدُورِهِمَا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ كَذَلِكَ إِلَّا مَرَّتَيْنِ أَوْ لَمْ يَأْتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِوَحْيٍ أَوْ أَتَاهُ بِهِ فَكَانَ عَلَى مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِهَا صِفَةَ الْوَحْي لاصفة حَامِلِهِ وَأَمَّا فُنُونُ الْوَحْيِ فَدَوِيُّ النَّحْلِ لَا يُعَارِضُ صَلْصَلَةَ الْجَرَسِ لِأَنَّ سَمَاعَ الدَّوِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَاضِرِينَ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ يُسْمَعُ عِنْدَهُ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَالصَّلْصَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَبَّهَهُ عُمَرُ بَدَوِيِّ النَّحْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّامِعِينَ وَشَبَّهَهُ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلْصَلَةِ الْجَرَسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَامِهِ وَأَمَّا النَّفْثُ فِي الرُّوْعِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ فَإِذَا أَتَاهُ الْمَلَكُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ نَفَثَ حِينَئِذٍ فِي رُوْعِهِ وَأَمَّا الْإِلْهَامُ فَلَمْ يَقَعِ السُّؤَالُ عَنْهُ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ صِفَةِ الْوَحْيِ الَّذِي يَأْتِي بِحَامِلٍ وَكَذَا التَّكْلِيمُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِوَأما الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فَقَالَ بن بَطَّالٍ لَا تَرِدُ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ عَنِ النَّاسِ لِأَنَّ الرُّؤْيَا قَدْ يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ اه وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَإِنْ كَانَتْ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَهِيَ بِاعْتِبَارِ صِدْقِهَا لَا غَيْرُ وَإِلَّا لَسَاغَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُسَمَّى نَبِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَقَعَ عَمَّا فِي الْيَقَظَةِ أَوْ لِكَوْنِ حَالِ الْمَنَامِ لَا يَخْفَى عَلَى السَّائِلِ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَوْ كَانَ ظُهُورُ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ أَيْضا على الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين لاغير قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَأْتِيهِ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ نَوْعًا فَذَكَرَهَا وَغَالِبُهَا مِنْ صِفَاتِ حَامِلِ الْوَحْيِ وَمَجْمُوعُهَا يَدْخُلُ فِيمَا ذُكِرَ وَحَدِيثُ إِنَّ رُوحَ الْقُدس نفث فِي روعي أخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا فِي الْقَنَاعَةِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيق بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَالصَّلْصَلَةُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ فِي الْأَصْلِ صَوْتُ وُقُوعِ الْحَدِيدِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ صَوْتٍ لَهُ طَنِينٌ وَقِيلَ هُوَ صَوت متدارك لايدرك فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَالْجَرَسُ الْجُلْجُلُ الَّذِي يُعَلَّقُ فِي رُؤُوس الدَّوَابِّ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْجَرْسِ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْحِسُّ.
    وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْجَرَسُ نَاقُوسٌ صَغِيرٌ أَوْ سَطْلٌ فِي دَاخِلِهِ قِطْعَةُ نُحَاسٍ يُعَلَّقُ مَنْكُوسًا عَلَى الْبَعِيرِ فَإِذَا تَحَرَّكَ تَحَرَّكَتِ النُّحَاسَةُ فَأَصَابَتِ السَّطْلَ فَحَصَلَتِ الصَّلْصَلَةُ اه وَهُوَ تَطْوِيلٌ لِلتَّعْرِيفِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَقَوْلُهُ قِطْعَةُ نُحَاسٍ مُعْتَرَضٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَكَذَا الْبَعِيرُ وَكَذَا قَوْلُهُ مَنْكُوسًا لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ هُوَ وَضْعُهُ الْمُسْتَقِيمُ لَهُ فَإِنْ قِيلَ الْمَحْمُودُ لَا يُشَبَّهُ بِالْمَذْمُومِ إِذْ حَقِيقَةُ التَّشْبِيهِ إِلْحَاقُ نَاقِصٍ بِكَامِلٍ وَالْمُشَبَّهُ الْوَحْيُ وَهُوَ مَحْمُودٌ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ صَوْتُ الْجَرَسِ وَهُوَ مَذْمُومٌ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْهُ وَالتَّنْفِيرِ مِنْ مُرَافَقَةِ مَا هُوَ مُعَلَّقٌ فِيهِ وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّهُ لَا تَصْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا فَكَيْفَ يُشَبَّهُ مَا فَعَلَهُ الْمَلَكُ بِأَمْرٍ تَنْفِرُ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي التَّشْبِيهِ تَسَاوِي الْمُشَبَّهِ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الصِّفَاتِ كُلِّهَا بَلْ وَلَا فِي أَخَصِّ وَصْفٍ لَهُ بَلْ يَكْفِي اشْتِرَاكُهُمَا فِي صِفَةٍ مَا فَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ الْجِنْسِ فَذَكَرَ مَا أَلِفَ السَّامِعُونَ سَمَاعَهُ تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِهِمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْتَ لَهُ جِهَتَانِ جِهَةُ قُوَّةٍ وَجِهَةُ طَنِينٍ فَمِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ وَمِنْ حَيْثُ الطَّرَبُ وَقَعَ التَّنْفِيرُ عَنْهُ وَعُلِّلَ بِكَوْنِهِ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ وَقَعَ بَعْدَ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ نَظَرٌ قِيلَ وَالصَّلْصَلَةُ الْمَذْكُورَةُ صَوْتُ الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ يَسْمَعُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُهُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ وَقِيلَ بَلْ هُوَ صَوْتُ حَفِيفِ أَجْنِحَةِ الْمَلَكِ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَقْرَعَ سَمْعَهُ الْوَحْيُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَانٌ لِغَيْرِهِ وَلَمَّا كَانَ الْجَرَسُ لَا تَحْصُلُ صَلْصَلَتُهُ إِلَّا مُتَدَارِكَةً وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْآلَات وَسَيَأْتِي كَلَام بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا الْحَدِيثَ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَأٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوَحْيَ كُلَّهُ شَدِيدٌ وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ أَشَدُّهَا وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْفَهْمَ مِنْ كَلَامِ مِثْلِ الصَّلْصَلَةِ أَشْكَلُ مِنَ الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الرَّجُلِ بِالتَّخَاطُبِ الْمَعْهُودِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْقَائِلِ وَالسَّامِعِ وَهِيَ هُنَا إِمَّا بِاتِّصَافِ السَّامِعِ بِوَصْفِ الْقَائِلِ بِغَلَبَةِ الرُّوحَانِيَّةِ وَهُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَإِمَّا بِاتِّصَافِ الْقَائِلِ بِوَصْفِ السَّامِعِ وَهُوَ الْبَشَرِيَّةُ وَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ بِلَا شَكٍّ.
    وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ الْعَظِيمَ لَهُ مُقَدِّمَاتٌ تُؤْذِنُ بِتَعْظِيمِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ كَانَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً قَالَ.
    وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِ لِيَسْتَجْمِعَ قَلْبَهُ فَيَكُونُ أَوْعَى لِمَا سَمِعَ اه وَقِيلَ إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَةُ وَعِيدٍ أَوْ تَهْدِيدٍ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْقُرْآنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِي قِصَّةِ لَابِسِ الْجُبَّةِ الْمُتَضَمِّخِ بِالطِّيبِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَيَغِطُّ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الشِّدَّةُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشَقَّةِ من زِيَادَة الزلفى والدرجات قَوْله فَيفْصم بِفَتْح أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُقْلِعُ وَيَتَجَلَّى مَا يَغْشَانِي وَيُرْوَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي ذَرٍّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الصَّادعَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَأَصْلُ الْفَصْمِ الْقَطْعُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى لَا انفصام لَهَا وَقِيلَ الْفَصْمُ بِالْفَاءِ الْقَطْعُ بِلَا إِبَانَةٍ وَبِالْقَافِ الْقَطْعُ بِإِبَانَةٍ فَذَكَرَ بِالْفَصْمِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَلَكَ فَارَقَهُ لِيَعُودَ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا بَقَاءُ الْعُلْقَةِ قَوْلُهُ وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ أَيِ الْقَوْلَ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَفِيهِ إِسْنَادُ الْوَحْيِ إِلَى قَوْلِ الْمَلَكِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَمَّنْ قَالَ مِنَ الْكُفَّارِ إِن هَذَا الا قَول الْبشر لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْوَحْيَ وَيُنْكِرُونَ مَجِيءَ الْمَلَكِ بِهِ قَوْلُهُ يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا التَّمَثُّلُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمِثْلِ أَيْ يَتَصَوَّرُ وَاللَّامُ فِي الْمَلَكِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ جِبْرِيلُ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ يَتَشَكَّلُ بِشَكْلِ الْبَشَرِ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمَلَائِكَةُ أَجْسَامٌ عُلْوِيَّةٌ لَطِيفَةٌ تَتَشَكَّلُ أَيَّ شَكْلٍ أَرَادُوا وَزعم بعض الفلاسفة أَنَّهَا جَوَاهِر روحانية ورجلا مَنْصُوبٌ بِالْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ يَتَمَثَّلُ مِثْلَ رَجُلٍ أَوْ بِالتَّمْيِيزِ أَوْ بِالْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ هَيْئَةَ رَجُلٍ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَمَثُّلُ جِبْرِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَفْنَى الزَّائِدَ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ أَزَالَهُ عَنْهُ ثمَّ يُعِيدهُ إِلَيْهِ بعد وَجزم بن عَبْدِ السَّلَامِ بِالْإِزَالَةِ دُونَ الْفَنَاءِ وَقَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُهَا مُوجِبًا لِمَوْتِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْجَسَدُ حَيًّا لِأَنَّ مَوْتَ الْجَسَدِ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَقْلًا بَلْ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ خَلْقِهِ وَنَظِيرُهُ انْتِقَالُ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ إِلَى أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ.
    وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لاينحصر الْحَال فِيهِ بل يجوز أَن يكون الَّاتِي هُوَ جِبْرِيلَ بِشَكْلِهِ الْأَصْلِيِّ إِلَّا أَنَّهُ انْضَمَّ فَصَارَ عَلَى قَدْرِ هَيْئَةِ الرَّجُلِ وَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ عَادَ إِلَى هَيْئَتِهِ وَمِثَالُ ذَلِكَ الْقُطْنُ إِذَا جُمِعَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُنْتَفِشًا فَإِنَّهُ بِالنَّفْشِ يَحْصُلُ لَهُ صُورَةٌ كَبِيرَةٌ وَذَاتُهُ لَمْ تَتَغَيَّرَ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ وَالْحَقُّ أَنَّ تَمَثُّلَ الْمَلَكِ رَجُلًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاتَهُ انْقَلَبَتْ رَجُلًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِتِلْكَ الصُّورَةِ تَأْنِيسًا لِمَنْ يُخَاطِبَهُ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ الْقدر الزَّائِد لايزول وَلَا يَفْنَى بَلْ يَخْفَى عَلَى الرَّائِي فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ فَيُكَلِّمُنِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فَيُعَلِّمُنِي بِالْعَيْنِ بَدَلَ الْكَافِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ بِالْكَافِ وَكَذَا لِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ فَأَعِي مَا يَقُولُ زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ أَهْوَنُهُ عَلَيَّ وَقَدْ وَقَعَ التَّغَايُرُ فِي الْحَالَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي الأول وَقَدْ وَعَيْتُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَهُنَا فَأَعِي بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّ الْوَعْيَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْفَصْمِ وَفِي الثَّانِي حَصَلَ حَالَ الْمُكَالَمَةِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلِ قَدْ تَلَبَّسَ بِالصِّفَاتِ الْمَلَكِيَّةِ فَإِذَا عَادَ إِلَى حَالَتِهِ الْجِبِلِّيَّةِ كَانَ حَافِظًا لِمَا قِيلَ لَهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ عَلَى حَالَتِهِ الْمَعْهُودَةِ قَوْلُهُ قَالَتْ عَائِشَةُ هُوَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ كَمَا يَسْتَعْمِلُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا وَحَيْثُ يُرِيدُ التَّعْلِيقُ يَأْتِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مَالِكٍ مَفْصُولًا عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فَصَلَهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ وَنُكْتَةُ هَذَا الِاقْتِطَاعِ هُنَا اخْتِلَافُ التَّحَمُّلِ لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَتْ عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَارِثِ وَفِي الثَّانِي أَخْبَرَتْ عَمَّا شَاهَدَتْ تَأْيِيدًا لِلْخَبَرِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ لَيَتَفَصَّدُ بِالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَصْدِ وَهُوَ قَطْعُ الْعِرْقِ لِإِسَالَةِ الدَّمِ شُبِّهَ جَبِينُهُ بِالْعِرْقِ الْمَفْصُودِ مُبَالَغَةً فِي كَثْرَةِ الْعَرَقِ وَفِي قَوْلِهَا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ دِلَالَةٌ عَلَى كَثْرَةِ مُعَانَاةِ التَّعَبِ وَالْكَرْبِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَهُوَ كَثْرَةُ الْعَرَقِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِوُجُودِ أَمْرٍ طَارِئٍ زَائِدٍ عَلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ وَقَوْلُهُ عرقا بِالنّصب على التَّمْيِيز زَاد بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ وَإِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ فَيَضْرِبُ حِزَامَهَا مِنْ ثِقَلِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ حَكَى الْعَسْكَرِيُّ فِي التَّصْحِيفِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ قَرَأَ لَيَتَقَصَّدُ بِالْقَافِ ثُمَّ قَالَ الْعَسْكَرِيُّ إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ تَقَصَّدَ الشَّيْءُ إِذَا تَكَسَّرَ وَتَقَطَّعَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا التَّصْحِيفِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُؤْتَمِنُ السَّاجِيُّ بِالْفَاءِ قَالَ فَأَصَرَّ عَلَى الْقَاف وَذكر الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة بن طَاهِر عَنبن نَاصِر أَنه رد على بن طَاهِرٍ لَمَّا قَرَأَهَا بِالْقَافِ قَالَ فَكَابَرَنِي قُلْتُ وَلَعَلَّ بن طَاهِرٍ وَجَّهَهَا بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ لِطَلَبِ الطُّمَأْنِينَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الْيَقِينِ وَجَوَازُ السُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَا أَقْسَامٍ يَذْكُرُ الْمُجِيبُ فِي أَوَّلِ جَوَابِهِ مَا يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ وَالله أعلم

    [2] باب
    حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ -رضي الله عنه- سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ - وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ - فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ».

    قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. [الحديث أطرافه في: 3215].
    وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي المنزل الدمشقي الأصل المتوفى سنة ثمان عشرة ومائتين وفي يوسف تثليث السين مع الهمز وتركه ومعناه بالعبرانية جميل الوجه، (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحيّ إمام دار الهجرة بل إمام الأئمة المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام القرشي التابعي المتوفى سنة خمس وأربعين ومائة ببغداد (عن أبيه) أبي عبد الله عروة المدني أحد الفقهاء السبعة المتوفى سنة أربع وتسعين (عن عائشة) بالهمز وعوام المحدّثين يبدلونها ياء (أم المؤمنين رضي الله عنها) قال الله تعالى: {{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}} [الأحزاب: 6] أي في الاحترام والإكرام والتوقير والإعظام وتحريم نكاحهن لا في جواز الخلوة والمسافرة وتحريم نكاح بناتهن، وكذا النظر في الأصح. وبه جزم الرافعي وإن سمى بعض العلماء بناتهنّ أخوات المؤمنين كما هو منصوص الشافعي في المختصر فهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم، قال في الفتح: وإنما قيل للواحدة منهن أم المؤمنين للتغليب وإلا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح، وحاصله أن النساء يدخلن في جمع المذكر السالم تغليبًا، لكن صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أنا أم رجالكم لا أم نسائكم، قال ابن كثير: وهو أصح الوجهين والله أعلم، وتوفيت عائشة بنت أبي بكر الصديق بعد الخمسين إما سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان في رمضان، وعاشت خمسًا وستين سنة وتوفي عنها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي بنت ثماني عشرة، وأقامت في صحبته تسع، وقيل ثمان سنين وخمسة أشهر، ولعائشة في البخاري مائتان واثنان وأربعون حديثًا. (أن الحرث بن هشام) بغير ألف بعد الحاء في الكتابة تخفيفًا، المخزومي أحد فضلاء الصحابة ممن أسلم يوم الفتح المستشهد في فتح الشام سنة خمس عشرة (رضي الله عنه سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك فيكون من مسندها، وأن يكون الحرث أخبرها بذلك فيكون من مرسل الصحابة وهو محكوم بوصله عند الجمهور، (فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي)؟ أي صفة الوحي نفسه أو صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك، وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله، (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالفاء قبل القاف، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أحيانًا) أي أوقاتًا وهو نصب على الظرفية وعامله (يأتيني) مؤخر عنه أي يأتيني الوحي إتيانًا (مثل صلصلة الجرس) أو حالاً، أي يأتيني ْمشابّها صوته صلصلة الجرس وهو بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة والجرس بالجيم والمهملة الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب، قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي، وقيل: صوت حفيف أجنحة الملك. والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه متسع لغيره (وهو أشده عليّ) وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات (فيفصم عني) الوحي والملك، بفتح المثناة التحتية وسكون الفاء وكسر المهملة، كذا لأبي الوقت من فصم يفصم من باب ضرب يضرب، والمراد قطع الشدة أي يقلع وينجلي ما يغشاني من الكرب والشدة، ويروى فيفصم بضم الياء وكسر الصاد من أفصم المطر إذا أقلع، رباعي قال في المصابيح: وهي لغة قليلة، وفي رواية أخرى في اليونينية فيفصم بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول والفاء عاطفة والفصم القطع من غير بينونة، فكأنه قال: إن الملك يفارقني ليعود إليّ (وقد وعيت) بفتح العين أي فهمت وجمعت وحفظت (عنه) عن الملك (ما قال) أي القول الذي قاله فحذف العائد وكل من الضميرين المجرور والمرفوع يعود على الملك المفهوم مما تقدم. فإن قلت: صوت الجرس مذموم لصحة النهي عنه كما في مسلم وأبي داود وغيرهما، فكيف يشبه به ما يفعله الملك به مع أن الملائكة تنفر عنه؟ أجيب: بأنه يلزم من التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما. والمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبًا لإفهامهم. والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوّة وجهة طنين، فمن حيث القوّة وقع التشبيه به ومن حيث الطنين وقع التنفير عنه. وقال الإمام فضل الله التوريشتي بضم الفوقية وسكون الواو بعدها راء فموحدة مكسورتان ثم شين محجمة ساكنة ففوقية مكسورة لما سئل عليه الصلاة والسلام عن كيفية الوحى، وكان من المسائل العويصة التي لا يماط نقاب التعزز عن وجهها لكل أحد، ضرب لها في الشاهد مثلا بالصوت المتدارك الذي يسمع ولا يفهم منه شيء تنبيهًا على أن إتيانها يرد على القلب في هيبة الجلال وأبّهة الكبرياء، فتأخذ هيبة الخطاب حين ورودها بمجامع القلب، ويلاقي من ثقل القول ما لا علم له به بالقول مع وجود ذلك، فإذا سرّي عنه وجد القول المنزل بينًا ملقى في الروع واقعًا موقع المسموع، وهذا معنى فيفصم عني وقد وعيت، وهذا الضرب من الوحي شبيه بما يوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: إذا قضى الله في السماء أمرًا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العليّ الكبير اهـ. وقد روى الطبراني وابن أبي عاصم من حديث النوّاس بن سمعان مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة أو رعدة شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع أهل السماء صعقوا وخرّوا سجّدًا فيكون أوّلهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به إلى الملائكة، كلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا قال الحق فينتهي به حيث أمره الله من السماء والأرض". وروى ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماء صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون، وعند ابن أبي حاتم عن العوفي عن ابن عباس وقتادة أنهما فسّرا آية {{إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}}[سبأ: 23] بابتداء إيحاء الله إلى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى. وفي كتاب العظمة لأبي الشيخ عن وهيب بن الورد، قال: بلغني أن أقرب الخلق من الله تعالى إسرافيل العرش على كاهله، فإذا نزل الوحي دلي لوح من تحت العرش فيقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فيدعو جبريل فيرسله، فإذا كان يوم القيامة أُتيِ به ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح؟ فيقول: بلغت جبريل، فيدعى جبريل ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل الأثر الخ. على أن العلم بكيفية الوحي سر من الأسرار التي لا يدركها العقل، وسماع الملك وغيره من الله تعالى ليس بحرف أو صوت بل يخلق الله تعالى للسامع علمًا ضروريًا فكما أن كلامه تعالى ليس من جنس كلام البشر فسماعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سماع الأصوات، وإنما كان هذا الضرب من الوحي أشد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غيره لأنه كان يردّ فيه من الطبائع البشرية إلى الأوضاع الملكية فيوحي إليه كما يوحي إلى الملائكة كما ذكر في حديث أبي هريرة وغيره، بخلاف الضرب الآخر الذي أشار إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: (وأحيانًا يتمثل) أي يتصور (لي) لأجلي، فاللام تعليلية، (الملك) جبريل. (رجلاً) أي مثل رجل كدحية أو غيره، فالنصب على المصدرية، أي يتمثل تمثل رجل أو هيئة رجل فيكون حالاً، قال البدر الدماميني: وقد صرح بعضهم بأنه حال ولم يؤوله بمشتق وهو متجه لدلالة رجل هنا على الهيئة بدون تأويل اهـ. وتعقب بأن الحال في المعنى خبر عن صاحبه، فيلزم أن يصدق عليه، والرجل لا يصدق على الملك، وقول الكرماني وغيره إنه تمييز. قال في المصابيح: الظاهر أنهم أرادوا تمييز النسبة لا تمييز المفرد إذ الملك لا إبهام فيه، ثم قال: فإن قلت تمييز النسبة لا بدّ أن يكون محوّلاً عن الفاعل كتصبب زيد عرقًا أي عرق زيد، أو المفعول نحو {{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا}} [القمر: 12] أي عيون الأرض، وذلك هنا غير متأتٍّ. وأجاب بأن هذا أمر غالب لا دائم بدليل امتلأ الإناء ماء. قال: ولو قيل بأن يتمثل هنا أجري مجرى يصير لدلالته على التحوّل والانتقال من حالة إلى أخرى، فيكون رجلاً خبرًا كما ذهب إليه ابن مالك في تحوّل وأخواته لكان وجهًا، لكن قد يقال: إن معنى يتمثل يصير مثال رجل، ومع التصريح بذلك يمتنع أن يكون رجلاً خبرًا له فتأمله اهـ. وقيل: النصب على المفعولية على تضمين يتمثل معنى يتخذ، أي الملك رجلاً مثالاً لكن قال العيني: إنه بعيد من جهة المعنى. والملائكة كما قال المتكلمون أجسام علوية لطيفة تتشكل في أيّ شيء أرادوا، وزعم بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية، والحق أن تمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه، والظاهر أن القدر الزائد لا يفنى بل يخفى على الرائي فقط، ولأبي الوقت يتمثل لي الملك على مثال رجل (فيكلمني فأعي ما يقول) أي الذي يقوله فالعائد محذوف والفاء في الكلمتين للعطف المشير للتعقيب. وقد وقع التغاير بين قوله: وقد وعيت بلفظ الماضي، وفأعي بلفظ المضارع، لأن الوعي في الأوّل حصل قبل الفصم، ولا يتصوّر بعده، وفي الثاني في حالة المكالمة ولا يتصوّر قبلها. أو أنه في الأوّل قد تلبس بالصفات الملكية فإذا عاد إلى حالته الجبلية كان حافظًا لما قيل له فأخبر عن الماضي، بخلاف الثاني فإنه على حالته المعهودة. وليس المراد حصر الوحي في هاتين الحالتين بل الغالب مجيئه عليهما. وأقسام الوحي الرؤيا الصادقة ونزول إسرافيل أوّل البعثة كما ثبت في الطرق الصحاح أنه عليه الصلاة والسلام وكّل به إسرافيل فكان يتراءى له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء، ثم وكل به جبريل وكان يأتيه في صورة رجل، وفي صورة دحية، وفي صورته التي خلق عليها مرتين، وفي صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، وعورض بأن ظاهره أنه إنما جاء سائلاً عن شرائع الإسلام ولم يبلغ فيه وحيًا اهـ. وفي مثل صلصلة الجرس والوحي إليه فوق السموات من فرض الصلاة وغيرها بلا واسطة، وإلقاء الملك في روعه من غير أن يراه، واجتهاده عليهالسلام فإنه صواب قطعًا وهو قريب من سابقه، إلاّ أن هذا مسبب عن النظر والاجتهاد، لكن يعكر عليه أن ظاهر كلام الأصوليين أن اجتهاده عليه الصلاة والسلام والوحي قسمان ومجيء ملك الجبال مبلغًا له عن الله تعالى أنه أمره أن يطيعه. وفي تفسير ابن عادل أن جبريل نزل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة وعشرين ألف مرة، وعلى آدم اثنتي عشرة مرة، وعلى إدريس أربعًا، وعلى نوح خمسين، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة، وعلى موسى أربعمائة، وعلى عيسى عشرًا كذا قاله والعهدة عليه. (قالت عائشة رضي الله عنها) أي وبالإسناد السابق بحذف حرف العطف كما هو مذهب بعض النحاة وصرح به ابن مالك وهو عادة المصنف في المسند المعطوف، وبإثباته في التعليق، وحينئذ فيكون مسندًا، ويحتمل أن يكون من تعاليقه، وتكون النكتة في قول عائشة هذا اختلاف التحمل، لأنها في الأوّل، أخبرت عن مسألة الحرث، وفي الثاني عما شاهدته تأييدًا للخبر الأوّل. ونفى بعضهم أن يكون هذا من التعاليق ولم يقم عليه دليلاً. وتعقب الحذف بأن الأصل في العطف أن يكون بالأداة. وما نص عليه ابن مالك غير مشهور وخلاف ما عليه الجمهور. ومقول عائشة (ولقد رأيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والواو للقسم واللام للتأكيد أي: والله لقد أبصرته (ينزل) بفتح أوّله وكسر ثالثه، ولأبي ذر والأصيلي ينزل بالضم والفتح (عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الوحي في اليوم الشديد البرد) الشديد صفة جرت على غير من هي له لأنه صفة البرد لا اليوم (فيفصم) بفتح المثناة التحتية وكسر الصاد، ولأبوي ذر والوقت فيفصم بضمها وكسر الصاد من أفصم الرباعيّ وهي لغة قليلة، وقال في الفتح ويروى بضم أوّله وفتح الصاد على البناء للمجهول، وهي في اليونينية أيضًا أي يقلع (عنه، وإن جبينه ليتفصد) بالفاء والصاد المهملة المشدّدة أي ليسيل (عرقًا) بفتح الرأء من كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي، إذ أنه أمر طارىء زائد على الطباع البشرية، وإنما كان ذلك كذلك ليبلو صبره فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوّة. وأما ما ذكر من أن يتقصد بالقاف فتصحيف لم يرو، والجبين غير الجبهة وهو فوق الصدغ والصدغ ما بين العين والأُذن، فللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة، والمراد والله أعلم أن جبينيه معًا يتفصدان. فإن قلت: فلم أفرده؟ أجيب: بأن الإفراد يجوز أن يعاقب التثنية في كل اثنين يغني أحدهما عن الآخر كالعينين والأُذنين. تقول: عينه حسنة وأنت تريد أن عينيه جميعًا حسنتان قاله في المصابيح. والعرق: رشح الجلد. وقال في الإمتاع: جعل الله تعالى لأنبيائه عليهم السلام الانسلاخ من حالة البشرية إلى حالة الملكية في حالة الوحي، فطرة فطرهم عليها، وجبلة صوّرهم فيها ونزّههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بما ركب في غرائزهم من العصمة والاستقامة، فإذا انسلخوا عن بشريتهم وتلقوا في ذلك ما يتلقونه عاجوا على المدارك البشرية لحكمة التبليغ للعباد، فتارة يكون الوحي كسماع دوي كأنه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الذي ألقي إليه. فلا ينقضي الدوي إلا وقد وعاه وفهمه. وتارة يتمثل له الملك الذي يلقى إليه رجلاً فيكلمه ويعي ما يقوله. والتلقي من الملك والرجوع إلى البشرية وفهمه ما ألقي إليه كله كأنه في لحظة واحدة بل أقرب من لمح البصر، ولذا سمي وحيًا لأن الوحي في اللغة الإسراع كما مرّ. وفي التعبير عن الوعي في الأولى بصيغة الماضي وفي الثانية بالمضارع لطيفة من البلاغة، وهي أن الكلام جاء مجيء التمثيل لحالتي الوحي، فتمثلت حالته الأولى بالدوي الذي هو غير كلام. وإخبار أن الوعي والفهم يتبعه عقب انقضائه عند تصوير انفصال العبارة عن الوحي بالماضي المطابق للانقضاء والانقطاع. وتمثل الملك في الحالة الثانية برجل يخاطبه ويتكلم: فناسب التعبير بالمضارع المقتضي للتجدّد وفي حالتي الوحي على الجبلة صعوبة وشدة، ولذا كان يحدث عنه في تلك الحالة من الغيبة والغطيط ما هو معروف، لأن الوحي مفارقة البشرية إلى الملكية فيحدث عنه شدة من مفارقة الذات ذاتها، وقد يفضي بالتدريج شيئًا فشيئًا إلى بعض السهولة بالنظر إلى ما قبله،ولذلك كانت تنزل نجوم القرآن وسوره وآياته حين كان بمكة أقصر منها وهو بالمدينة. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه تابعيان والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في بدء الخلق ومسلم في الفضائل وبه قال.

    [2] (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا أَن الْحَرْث بن هِشَام رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله كَيفَ يَأْتِيك الْوَحْي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْيَانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وَهُوَ أشده عَليّ فَيفْصم عني وَقد وعيت عَنهُ مَا قَالَ وَأَحْيَانا يتَمَثَّل لي الْملك رجلا فيكلمني فأعي مَا يَقُول قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَلَقَد رَأَيْته ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي الْيَوْم الشَّديد الْبرد فَيفْصم عَنهُ وَإِن جَبينه ليتفصد عرقا) لما كَانَ الْبَاب معقودا لبَيَان الْوَحْي وكيفيته شرع بِذكر الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهِ غير أَنه قدم حَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ تَنْبِيها على أَنه قصد من تصنيف هَذَا الْجَامِع التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى فَإِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُشْتَمل على الْهِجْرَة وَكَانَت مُقَدّمَة النُّبُوَّة فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هجرته إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى الْخلْوَة بمناجاته فِي غَار حراء فَهجرَته إِلَيْهِ كَانَت ابْتِدَاء فَضله عَلَيْهِ باصطفائه ونزول الْوَحْي عَلَيْهِ مَعَ التأييد الإلهي والتوفيق الرباني (بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول عبد الله بن يُوسُف الْمصْرِيّ التنيسِي وَهُوَ من أجل من روى الْمُوَطَّأ عَن مَالك رَحمَه الله تَعَالَى سمع الْأَعْلَام مَالِكًا وَاللَّيْث بن سعد وَنَحْوهمَا وَعنهُ الْأَعْلَام يحيى بن معِين والذهلي وَغَيرهمَا وَأكْثر عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقَالَ كَانَ أثبت الشاميين. وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَن رجل عَنهُ وَلم يخرج لَهُ مُسلم مَاتَ بِمصْر سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ البُخَارِيّ لَقيته بِمصْر سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَمِنْه سمع البُخَارِيّ الْمُوَطَّأ عَن مَالك وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة عبد الله بن يُوسُف سواهُ ونسبته إِلَى تنيس بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالنُّون الْمَكْسُورَة الْمُشَدّدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة بَلْدَة بِمصْر سَاحل الْبَحْر وَالْيَوْم خراب سميت بتنيس بن حام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصله من دمشق ثمَّ نزل بتنيس. وَفِي يُوسُف سِتَّة أوجه ضم السِّين وَفتحهَا وَكسرهَا مَعَ الْهمزَة وَتركهَا وَهُوَ اسْم عبراني وَقيل عَرَبِيّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ لَو كَانَ عَرَبيا لانصرف لخلوه عَن سَبَب آخر سوى التَّعْرِيف فَإِن قلت فَمَا تَقول فِيمَن قَرَأَ يُوسُف بِكَسْر السِّين أَو يُوسُف بِفَتْحِهَا هَل يجوز على قِرَاءَته أَن يُقَال هُوَ عَرَبِيّ لِأَنَّهُ على وزن الْمُضَارع الْمَبْنِيّ للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول من آسَف وَإِنَّمَا منع الصّرْف للتعريف وَوزن الْفِعْل قلت لَا لِأَن الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة قَامَت بِالشَّهَادَةِ على أَن الْكَلِمَة أَعْجَمِيَّة فَلَا تكون تَارَة عَرَبِيَّة وَتارَة أَعْجَمِيَّة وَنَحْو يُوسُف يُونُس رويت فِيهِ هَذِه اللُّغَات الثَّلَاث وَلَا يُقَال هُوَ عَرَبِيّ لِأَنَّهُ فِي لغتين مِنْهَا بِوَزْن الْمُضَارع من آنس وأونس ثمَّ الَّذين ذَهَبُوا إِلَى أَنه عَرَبِيّ قَالُوا اشتقاقه من الأسف وَهُوَ الْحزن والأسيف وَهُوَ العَبْد وَقد اجْتمعَا فِي يُوسُف النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَلذَلِك سمي يُوسُف وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لما سَمَّاهُ يُوسُف لم يُلَاحظ فِيهِ هَذَا الْمَعْنى بل الصَّحِيح على مَا قُلْنَا أَنه عبراني وَمَعْنَاهُ جميل الْوَجْه فِي لغتهم الثَّانِي من الرِّجَال الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى إِمَام دَار الْهِجْرَة وَهُوَ مَالك بن أنس بن مَالك بن أبي عَامر بن عَمْرو بن الْحَارِث بن غيمان بن خثيل بن عَمْرو بن الْحَارِث وَهُوَ ذُو أصبح الأصبحي الْحِمْيَرِي أَبُو عبد الله الْمدنِي وعدادهم فِي بني تَمِيم بن مرّة من قُرَيْش حلفاء عُثْمَان بن عبيد الله التَّيْمِيّ أخي طَلْحَة بن عبيد الله وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الدولقي أَخذ مَالك عَن تِسْعمائَة شيخ مِنْهُم ثَلَاثمِائَة من التَّابِعين وسِتمِائَة من تابعيهم مِمَّن اخْتَارَهُ وارتضى دينه وفهمه وقيامه بِحَق الرِّوَايَة وشروطها وسكنت النَّفس إِلَيْهِ وَترك الرِّوَايَة عَن أهل دين وَصَلَاح لَا يعْرفُونَ الرِّوَايَة وَمن الْأَعْلَام الَّذين روى عَنْهُم إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة الْمَقْدِسِي وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وثور بن زيد الديلمي وجعفر بن مُحَمَّد الصَّادِق وَحميد الطَّوِيل وَرَبِيعَة ابْن أبي عبد الرَّحْمَن وَزيد بن أسلم وَسَعِيد المَقْبُري وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَالزهْرِيّ وَنَافِع مولى ابْن عمر وَهِشَام بن عُرْوَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الزبير الْمَكِّيّ وَعَائِشَةبنت سعد بن أبي وَقاص وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي طَبَقَات الْفُقَهَاء وَفِي مَنَاقِب أبي حنيفَة أَن مَالك بن أنس كَانَ يسْأَل أَبَا حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَيَأْخُذ بقوله وَبَعْضهمْ ذكر أَنه كَانَ رُبمَا سمع مِنْهُ متنكرا وَذكروا أَيْضا أَن أَبَا حنيفَة سمع مِنْهُ أَيْضا وَمن الْأَعْلَام الَّذين رووا عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَات قبله وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَمَات قبله وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل وَعبد الله بن الْمُبَارك وَعبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَعبد الله بن مسلمة القعْنبِي وَعبد الله بن جريج وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وقتيبة بن سعيد وَاللَّيْث بن سعد وَهُوَ من أقرانه وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَهُوَ من شُيُوخه وَقيل لَا يَصح وَهُوَ الْأَصَح وروى عَنهُ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أحد مشايخه روى عَنهُ وَأخذ عَنهُ الْعلم وَأما الَّذين رووا عَنهُ الْمُوَطَّأ وَالَّذين رووا عَنهُ مسَائِل الْآي فَأكْثر من أَن يحصوا قد بلغ فيهم أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب جمعه فِي ذَلِك نَحْو ألف رجل وَأخذ الْقِرَاءَة عرضا عَن نَافِع بن أبي نعيم وَقَالَ البُخَارِيّ أصح الْأَسَانِيد مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ ابْن معِين كل من روى عَنهُ مَالك ثِقَة إِلَّا أَبَا أُميَّة وَقَالَ غير وَاحِد هُوَ أثبت أَصْحَاب نَافِع وَالزهْرِيّ وَعَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا جَاءَك الحَدِيث عَن مَالك فَشد بِهِ يَديك وَإِذا جَاءَ الْأَثر فمالك النَّجْم وَعنهُ مَالك بن أنس معلمي وَعنهُ أَخذنَا الْعلم وَعنهُ قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ أَقمت عِنْد مَالك بن أنس ثَلَاث سِنِين وكسرا وَكَانَ يَقُول أَنه سمع مِنْهُ لفظا أَكثر من سَبْعمِائة حَدِيث وَكَانَ إِذا حَدثهمْ عَن مَالك امْتَلَأَ منزله وَكثر النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى يضيق بهم الْموضع وَإِذا حَدثهمْ عَن غير مَالك من شُيُوخ الْكُوفِيّين لم يجئه إِلَّا الْيَسِير. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وَكَانَ مَالك شعرًا شَدِيد الْبيَاض ربعَة من الرِّجَال كَبِير الرَّأْس أصلع وَكَانَ لَا يخضب وَكَانَ يلبس الثِّيَاب العدنية الْجِيَاد وَيكرهُ خلق الثِّيَاب ويعيبه وَيَرَاهُ من الْمثلَة وَهُوَ أَيْضا من الْعلمَاء الَّذين ابتلوا فِي دين الله. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ ضرب مَالك بن أنس سبعين سَوْطًا لأجل فَتْوَى لم توَافق غَرَض السُّلْطَان وَيُقَال سعى بِهِ إِلَى جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَهُوَ ابْن عَم أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَقَالُوا لَهُ إِنَّه لَا يرى إِيمَان بيعتكم هَذِه لشَيْء فَغَضب جَعْفَر ودعا بِهِ وجرده وضربه بالسياط ومدت يَده حَتَّى انخلع كتفه وارتكب مِنْهُ أمرا عَظِيما توفّي لَيْلَة أَربع عشرَة من صفر وَقيل من ربيع الأول سنة تسع وَسبعين وَمِائَة وَصلى عَلَيْهِ عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس أَمِير الْمَدِينَة يَوْمئِذٍ وَدفن بِالبَقِيعِ وزرنا قَبره غير مرّة نسْأَل الله تَعَالَى العودة ومولده فِي ربيع الأول سنة أَربع وَتِسْعين وفيهَا ولد اللَّيْث بن سعد أَيْضا وَكَانَ حمل بِهِ فِي الْبَطن ثَلَاث سِنِين وَلَيْسَ فِي الروَاة مَالك بن أنس غير هَذَا الإِمَام وَغير مَالك بن أنس الْكُوفِي روى عَنهُ حَدِيث وَاحِد عَن هانىء بن حرَام وَقيل حرَام وَوهم بَعضهم فَأدْخل حَدِيثه فِي حَدِيث الإِمَام نبه عَلَيْهِ الْخَطِيب فِي كِتَابه الْمُتَّفق والمفترق وَهُوَ أحد الْمذَاهب السِّتَّة المبتدعة وَالثَّانِي الإِمَام أَبُو حنيفَة مَاتَ بِبَغْدَاد سنة خمسين وَمِائَة عَن سبعين سنة وَالثَّالِث الشَّافِعِي مَاتَ بِمصْر سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ عَن أَربع وَخمسين سنة وَالرَّابِع أَحْمد بن حَنْبَل مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ عَن ثَمَانِينَ سنة بِبَغْدَاد وَالْخَامِس سُفْيَان الثَّوْريّ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة وَالسَّادِس دَاوُد بن عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ مَاتَ سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ عَن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة بِبَغْدَاد وَهُوَ إِمَام الظَّاهِرِيَّة وَقد جمع الإِمَام أَبُو الْفضل يحيى بن سَلامَة الخصكفي الْخَطِيب الشَّافِعِي الْقُرَّاء السَّبْعَة فِي بَيت وائمة الْمذَاهب فِي بَيت فَقَالَ (جمعت لَك الْقُرَّاء لما أردتهم ... بِبَيْت ترَاهُ للأئمة جَامعا) (أَبُو عَمْرو عبد الله حَمْزَة عَاصِم ... عَليّ وَلَا تنس الْمَدِينِيّ نَافِعًا) (وَإِن شِئْت أَرْكَان الشَّرِيعَة فاستمع ... لتعرفهم فاحفظ إِذا كنت سَامِعًا) (مُحَمَّد والنعمان مَالك أَحْمد ... وسُفْيَان وَاذْكُر بعد دَاوُد تَابعا) الثَّالِث هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الْقرشِي الْأَسدي أَبُو الْمُنْذر وَقيل أَبُو عبد الله أحد الْأَعْلَام تَابِعِيّ مدنِي رأى ابْن عمر وَمسح بِرَأْسِهِ ودعا لَهُ وجابرا وَغَيرهمَا ولد مقتل الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمَات بِبَغْدَاد سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة روى لَهُ الْجَمَاعَة وَلم نَعْرِف أحدا شَاركهُ فِي اسْمه مَعَ اسْم أَبِيه الرَّابِع أَبُو عبد اللهعُرْوَة وَالِد هِشَام الْمَذْكُور الْمدنِي التَّابِعِيّ الْجَلِيل الْمجمع على جلالته وإمامته وَكَثْرَة علمه وبراعته وَهُوَ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة وهم هُوَ وَسَعِيد بن الْمسيب وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَسليمَان بن يسَار وخارجة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء ثمَّ الْجِيم بن زيد بن ثَابت وَفِي السَّابِع ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن. الثَّانِي سَالم بن عبد الله بن عمر. الثَّالِث أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام وعَلى القَوْل الْأَخير جمعهم الشَّاعِر (أَلا إِن من لَا يَقْتَدِي بأئمة ... فقسمته ضيزى من الْحق خَارِجَة) (فخذهم عبيد الله عُرْوَة قَاسم ... سعيد أَبُو بكر سُلَيْمَان خَارِجَة) وَأم عُرْوَة أَسمَاء بنت الصّديق وَقد جمع الشّرف من وُجُوه فَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صهره وَأَبُو بكر جده وَالزُّبَيْر وَالِده وَأَسْمَاء أمه وَعَائِشَة خَالَته ولد سنة عشْرين وَمَات سنة أَربع وَتِسْعين وَقيل سنة ثَلَاث وَقيل تسع. روى لَهُ الْجَمَاعَة وَلَيْسَ فِي السِّتَّة عُرْوَة بن الزبير سواهُ وَلَا فِي الصَّحَابَة أَيْضا الْخَامِس أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا تكنى بِأم عبد الله كناها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِابْن أُخْتهَا عبد الله بن الزبير وَقيل بسقط لَهَا وَلَيْسَ بِصَحِيح وَعَائِشَة مَأْخُوذَة من الْعَيْش وَحكى عيشة لُغَة فصيحة وَأمّهَا أم رُومَان بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا زَيْنَب بنت عَامر وَهِي أم عبد الرَّحْمَن أخي عَائِشَة أَيْضا مَاتَت سنة سِتّ فِي قَول الْوَاقِدِيّ وَالزُّبَيْر وَهُوَ الْأَصَح تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقيل بِثَلَاث وَقيل بِسنة وَنصف أَو نَحْوهَا فِي شَوَّال وَهِي بنت سِتّ سِنِين وَقيل سبع وَبنى بهَا فِي شَوَّال أَيْضا بعد وقْعَة بدر فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة أَقَامَت فِي صحبته ثَمَانِيَة أَعْوَام وَخَمْسَة أشهر وَتُوفِّي عَنْهَا وَهِي بنت ثَمَانِي عشرَة وَعَاشَتْ خمْسا وَسِتِّينَ سنة وَكَانَت من أكبر فُقَهَاء الصَّحَابَة وَأحد السِّتَّة الَّذين هم أَكثر الصَّحَابَة رِوَايَة رُوِيَ لَهَا ألفا حَدِيث وَمِائَتَا حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على مائَة وَأَرْبَعَة وَسبعين حَدِيثا وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بأَرْبعَة وَخمسين وَمُسلم بِثمَانِيَة وَخمسين رَوَت عَن خلق من الصَّحَابَة وروى عَنْهَا جماعات من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ قريب من الْمِائَتَيْنِ مَاتَت بعد الْخمسين إِمَّا سنة خمس أَو سِتّ أَو سبع أَو ثَمَان فِي رَمَضَان وَقيل فِي شَوَّال وَأمرت أَن تدفن لَيْلًا بعد الْوتر بِالبَقِيعِ وَصلى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهل هِيَ أفضل من خَدِيجَة بنت خويلد فِيهِ خلاف فَقَالَ بَعضهم عَائِشَة أفضل وَقَالَ آخَرُونَ خَدِيجَة أفضل وَبِه قَالَ القَاضِي وَالْمُتوَلِّيّ وَقطع ابْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي وَآخَرُونَ وَهُوَ الْأَصَح وَكَذَلِكَ الْخلاف مَوْجُود هَل هِيَ أفضل أم فَاطِمَة وَالأَصَح أَنَّهَا أفضل من فَاطِمَة وَسمعت بعض أساتذتي الْكِبَار أَن فَاطِمَة أفضل فِي الدُّنْيَا وَعَائِشَة أفضل فِي الْآخِرَة وَالله أعلم وَجُمْلَة من فِي الصَّحَابَة اسْمه عَائِشَة عشرَة عَائِشَة هَذِه وَبنت سعد وَبنت حز وَبنت الْحَارِث القريشية وَبنت أبي سُفْيَان الأشهلية وَبنت عبد الرَّحْمَن بن عتِيك زَوْجَة ابْن رِفَاعَة وَبنت عُمَيْر الْأَنْصَارِيَّة وَبنت مُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة أم عبد الْملك بن مَرْوَان وَبنت قدامَة بن مَظْعُون وَعَائِشَة من الأوهام وَإِنَّمَا هِيَ بنت عجرد وَسمعت ابْن عَبَّاس وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من اسْمه عَائِشَة من الصَّحَابَة سوى الصديقة وَفِيهِمَا عَائِشَة بنت طَلْحَة بن عبيد الله عَن خَالَتهَا عَائِشَة أصدقهَا مُصعب ألف ألف وَكَانَت بديعة جدا وَفِي البُخَارِيّ عَائِشَة بنت سعد بن أبي وَقاص تروي عَن أَبِيهَا وَفِي ابْن مَاجَه عَائِشَة بنت مَسْعُود بن العجماء العدوية عَن أَبِيهَا وعنها ابْن أَخِيهَا مُحَمَّد بن طَلْحَة وَلَيْسَ فِي مَجْمُوع الْكتب السِّتَّة غير ذَلِك وَثمّ عَائِشَة بنت سعد أُخْرَى بصرية تروي عَن الْحسن (فَإِن قلت) مَا أصل قَوْلهم فِي عَائِشَة وَغَيرهَا من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم الْمُؤمنِينَ قلت أَخَذُوهُ من قَوْله تَعَالَى {{وأزواجه أمهاتهم}} وَقَرَأَ مُجَاهِد وَهُوَ أَب لَهُم وَقيل أَنَّهَا قِرَاءَة أبي بن كَعْب وَهن أُمَّهَات فِي وجوب احترامهن وَبرهن وَتَحْرِيم نِكَاحهنَّ لَا فِي جَوَاز الْخلْوَة والمسافرة وَتَحْرِيم نِكَاح بناتهن وَكَذَا النّظر فِي الْأَصَح وَبِه جزم الرَّافِعِيّ وَمُقَابِله حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَهل يُقَال لأخوتهن أخوال الْمُسلمين ولأخواتهن خالات الْمُؤمنِينَ ولبناتهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ فِيهِ خلاف عِنْد الْعلمَاء وَالأَصَح الْمَنْع لعدم التَّوْقِيف وَوجه مُقَابِله أَنه مُقْتَضى ثُبُوت الأمومة وَهُوَ ظَاهر النَّص لكنه مؤول قَالُوا وَلَا يُقَال آباؤهن وأمهاتهن أجداد الْمُؤمنِينَ وجداتهم وَهل يُقَال فِيهِنَّ أُمَّهَات الْمُؤْمِنَات فِيهِ خلاف وَالأَصَح أَنه لَا يُقَال بِنَاء على الْأَصَح أَنَّهُنَّ لَا يدخلن فِي خطاب الرِّجَال وَعَن عَائِشَة رَضِيالله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت أَنا أم رجالكم لَا أم النِّسَاء وَهل يُقَال للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو الْمُؤمنِينَ فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح الْجَوَاز وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي أَيْضا أَي فِي الْحُرْمَة وَمعنى قَوْله تَعَالَى {{مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم}} لصلبه وَعَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق أَنه لَا يُقَال أَبونَا وَإِنَّمَا يُقَال هُوَ كأبينا لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِنَّمَا أَنا لكم كالوالد السَّادِس الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم أَخُو أبي جهل لِأَبَوَيْهِ وَابْن عَم خَالِد بن الْوَلِيد شهد بَدْرًا كَافِرًا فَانْهَزَمَ وَأسلم يَوْم الْفَتْح وَحسن إِسْلَامه وَأَعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين مائَة من الْإِبِل قتل باليرموك سنة خمس عشرَة وَكَانَ شريفا فِي قومه وَله اثْنَان وَثَلَاثُونَ ولدا مِنْهُم أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة على قَول وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة الْحَارِث بن هِشَام إِلَّا هَذَا وَإِلَّا الْحَارِث بن هِشَام الْجُهَنِيّ روى عَنهُ المصريون ذكره ابْن عبد الْبر وَقَالَ بعض الشَّارِحين هَذَا الحَدِيث أدخلهُ الْحفاظ فِي مُسْند عَائِشَة دون الْحَارِث وَلَيْسَ لِلْحَارِثِ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ رِوَايَة وَإِنَّمَا لَهُ رِوَايَة فِي سنَن ابْن مَاجَه فَقَط وعده ابْن الْجَوْزِيّ فِيمَن روى من الصَّحَابَة حديثين مُرَاده فِي غير الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة فِي الصَّحِيحَيْنِ من اسْمه الْحَارِث غير الْحَارِث بن ربعي أبي قَتَادَة على أحد الْأَقْوَال فِي اسْمه والْحَارث بن عَوْف أبي وَاقد اللَّيْثِيّ وهما بكنيتهما أشهر وَأما خَارج الصَّحِيحَيْنِ فجماعات كَثِيرُونَ فَوق الْمِائَة وَالْخمسين قلت أَدخل الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده الْحَارِث بن هِشَام فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن عَامر بن صَالح عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة عَن الْحَارِث بن هِشَام قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث وَاعْلَم أَن الْحَارِث قد يكْتب بِلَا ألف تَخْفِيفًا وَهِشَام بِكَسْر الْهَاء وبالشين الْمُعْجَمَة (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن رِجَاله كلهم مدنيون خلا شيخ البُخَارِيّ. وَمِنْهَا أَن فِيهِ تابعيا عَن تَابِعِيّ. وَمِنْهَا أَن قَوْلهَا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تكون عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا حَضرته وَالْآخر أَن يكون الْحَارِث أخْبرهَا بذلك فعلى الأول ظَاهر الِاتِّصَال وعَلى الثَّانِي مُرْسل صَحَابِيّ وَهُوَ فِي حكم الْمسند. وَمِنْهَا أَن فِي الأول حَدثنَا عبد الله وَفِي الثَّانِي أخبرنَا مَالك والبواقي بِلَفْظَة عَن الْمُسَمَّاة بالعنعنة قَالَ القَاضِي عِيَاض لَا خلاف أَنه يجوز فِي السماع من لفظ الشَّيْخ أَن يَقُول السَّامع فِيهِ حَدثنَا وَأخْبرنَا وأنبأنا وسمعته يَقُول وَقَالَ لنا فلَان وَذكر فلَان وَإِلَيْهِ مَال الطَّحَاوِيّ وَصحح هَذَا الْمَذْهَب ابْن الْحَاجِب وَنقل هُوَ وَغَيره عَن الْحَاكِم أَنه مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الْمُحدثين مِنْهُم الزُّهْرِيّ وَمَالك وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَيحيى الْقطَّان وَقيل أَنه قَول مُعظم الْحِجَازِيِّينَ والكوفيين وَقَالَ آخَرُونَ بِالْمَنْعِ فِي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ إِلَّا مُقَيّدا مثل حَدثنَا فلَان قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأخْبرنَا قِرَاءَة عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْمُبَارك وَأحمد بن حَنْبَل وَيحيى بن يحيى التَّمِيمِي وَالْمَشْهُور عَن النَّسَائِيّ وَصَححهُ الْآمِدِيّ وَالْغَزالِيّ وَهُوَ مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين وَقَالَ آخَرُونَ بِالْمَنْعِ فِي حَدثنَا وَالْجَوَاز فِي أخبرنَا وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَمُسلم بن الْحجَّاج وَجُمْهُور أهل الْمشرق وَنقل عَن أَكثر الْمُحدثين مِنْهُم ابْن جريج وَالْأَوْزَاعِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن وهب وَقيل أَنه أول من أحدث هَذَا الْفرق بِمصْر وَصَارَ هُوَ الشَّائِع الْغَالِب على أهل الحَدِيث وَالْأَحْسَن أَن يُقَال فِيهِ أَنه اصْطِلَاح مِنْهُم أَرَادوا التَّمْيِيز بَين النَّوْعَيْنِ وخصصوا قِرَاءَة الشَّيْخ بحدثنا لقُوَّة إشعاره بالنطق والمشافهة وَاخْتلف فِي المعنعن فَقَالَ بَعضهم هُوَ مُرْسل وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الجماهير أَنه مُتَّصِل إِذا أمكن لِقَاء الرَّاوِي الْمَرْوِيّ عَنهُ وَقَالَ النَّوَوِيّ ادّعى مُسلم إِجْمَاع الْعلمَاء على أَن المعنعن وَهُوَ الَّذِي فِيهِ فلَان عَن فلَان: مَحْمُول على الِاتِّصَال وَالسَّمَاع إِذا أمكن لِقَاء من أضيفت العنعنة إِلَيْهِم بَعضهم بَعْضًا يَعْنِي مَعَ براءتهم من التَّدْلِيس وَنقل أَي مُسلم عَن بعض أهل عصره أَنه قَالَ لَا يحمل على الِاتِّصَال حَتَّى يثبت أَنَّهُمَا التقيا فِي عمرهما مرّة فَأكْثر وَلَا يَكْفِي إِمْكَان تلاقيهما وَقَالَ هَذَا قَول سَاقِط وَاحْتج عَلَيْهِ بِأَن المعنعن مَحْمُول على الِاتِّصَال إِذا ثَبت التلاقي مَعَ احْتِمَال الْإِرْسَال وَكَذَا إِذا أمكن التلاقي قَالَ النَّوَوِيّ وَالَّذِي رده هُوَ الْمُخْتَار الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ البُخَارِيّ وَغَيره وَقد زَاد جمَاعَة عَلَيْهِ فَاشْترط الْقَابِسِيّ أَن يكون قد أدْركهُ إدراكا بَينا وَأَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ طول الصُّحْبَة بَينهمَا (بَيَان تعدد الحَدِيث وَمن أخرجه غَيره) قد رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي بده الْخلق عَن فَرْوَة عَن عَليّ بن مسْهر عَنهمام. وَرَوَاهُ مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن ابْن عُيَيْنَة عَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة وَعَن ابْن نمير عَن أبي بشر عَنهُ (بَيَان اللُّغَات) قَوْله الْوَحْي قد فسرناه فِيمَا مضى ولنذكر هَهُنَا أقسامه وصوره أما أقسامه فِي حق الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فعلى ثَلَاثَة أضْرب أَحدهَا سَماع الْكَلَام الْقَدِيم كسماع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِنَصّ الْقُرْآن وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَحِيح الْآثَار الثَّانِي وَحي رِسَالَة بِوَاسِطَة الْملك الثَّالِث وَحي تلق بِالْقَلْبِ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي أَي فِي نَفسِي وَقيل كَانَ هَذَا حَال دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَالْوَحي إِلَى غير الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَعْنى الإلهام كالوحي إِلَى النَّحْل وَأما صوره على مَا ذكره السُّهيْلي فسبعة الأولى الْمَنَام كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث الثَّانِيَة أَن يَأْتِيهِ الْوَحْي مثل صلصلة الجرس كَمَا جَاءَ فِيهِ أَيْضا الثَّالِثَة أَن ينفث فِي روعه الْكَلَام كَمَا مر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور آنِفا وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيره فِي قَوْله تَعَالَى {{أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا}} وَهُوَ أَن ينفث فِي روعه بِالْوَحْي الرَّابِعَة أَن يتَمَثَّل لَهُ الْملك رجلا كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث وَقد كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَة دحْيَة قلت اخْتِصَاص تمثله بِصُورَة دحْيَة دون غَيره من الصَّحَابَة لكَونه أحسن أهل زَمَانه صُورَة وَلِهَذَا كَانَ يمشي متلثما خوفًا أَن يفتتن بِهِ النِّسَاء الْخَامِسَة أَن يتَرَاءَى لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي صورته الَّتِي خلقهَا الله تَعَالَى لَهُ بستمائة جنَاح ينتشر مِنْهَا اللُّؤْلُؤ والياقوت السَّادِسَة أَن يكلمهُ الله تَعَالَى من وَرَاء حجاب إِمَّا فِي الْيَقَظَة كليلة الْإِسْرَاء أَو فِي النّوم كَمَا جَاءَ فِي التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا أَتَانِي رَبِّي فِي أحسن صُورَة فَقَالَ فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى الحَدِيث وَحَدِيث عَائِشَة الْآتِي ذكره فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ اقْرَأ ظَاهره أَن ذَلِك كَانَ يقظة وَفِي السِّيرَة. فَأَتَانِي وَأَنا نَائِم وَيُمكن الْجمع بِأَنَّهُ جَاءَ أَولا مناما تَوْطِئَة وتيسيرا عَلَيْهِ وترفقا بِهِ. وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مكث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة خمس عشرَة سنة يسمع الصَّوْت وَيرى الضَّوْء سبع سِنِين وَلَا يرى شَيْئا وثماني سِنِين يُوحى إِلَيْهِ السَّابِعَة وَحي إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا جَاءَ عَن الشّعبِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل بِهِ إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام فَكَانَ يتَرَاءَى لَهُ ثَلَاث سِنِين ويأتيه بِالْكَلِمَةِ من الْوَحْي وَالشَّيْء ثمَّ وكل بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي مُسْند أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن الشّعبِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت عَلَيْهِ النُّبُوَّة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة فقرن بنبوته إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث سِنِين فَكَانَ يُعلمهُ الْكَلِمَة وَالشَّيْء وَلم ينزل الْقُرْآن فَلَمَّا مَضَت ثَلَاث سِنِين قرن بنبوته جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَنزل الْقُرْآن على لِسَانه عشْرين سنة عشرا بِمَكَّة وَعشرا بِالْمَدِينَةِ فَمَاتَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَأنكر الْوَاقِدِيّ وَغَيره كَونه وكل بِهِ غير جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ أَكثر مَا كَانَ فِي الشَّرِيعَة مِمَّا أوحى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على لِسَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله أَحْيَانًا جمع حِين وَهُوَ الْوَقْت يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير قَالَ الله تَعَالَى {{هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر}} أَي مُدَّة من الدَّهْر قَالَ الْجَوْهَرِي الْحِين الْوَقْت والحين الْمدَّة وَفُلَان يفعل كَذَا أَحْيَانًا وَفِي الْأَحَايِين. وَالْحَاصِل أَن الْحِين يُطلق على لَحْظَة من الزَّمَان فَمَا فَوْقه وَعند الْفُقَهَاء الْحِين وَالزَّمَان يَقع على سِتَّة أشهر حَتَّى لَو حلف لَا يكلمهُ حينا أَو زَمَانا أَو الْحِين أَو الزَّمَان فَهُوَ على سِتَّة أشهر قَالُوا لِأَن الْحِين قد يُرَاد بِهِ الزَّمَان الْقَلِيل وَقد يُرَاد بِهِ أَرْبَعُونَ سنة قَالَ الله تَعَالَى {{هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر}} أَي أَرْبَعُونَ سنة وَقد يُرَاد بِهِ سِتَّة أشهر قَالَ الله تَعَالَى {{تؤتي أكلهَا كل حِين}} قلت هَذَا إِذا لم ينْو شَيْئا أما إِذا نوى شَيْئا فَهُوَ على مَا نَوَاه لِأَنَّهُ حَقِيقَة كَلَامه قَوْله مثل صلصلة الجرس الصلصلة بِفَتْح الصادين الْمُهْمَلَتَيْنِ الصَّوْت المتدارك الَّذِي لَا يفهم أول وهلة. وَيُقَال هِيَ صَوت كل شَيْء مصوت كصلصلة السلسلة وَفِي الْعباب صلصلة اللجام صَوته إِذا ضوعف. وَقَالَ الْخطابِيّ يُرِيد أَنه صَوت متدارك يسمعهُ وَلَا يشْتَبه أول مَا يقرع سَمعه حَتَّى يفهمهُ من بعد وَقَالَ أَبُو عَليّ الهجري فِي أَمَالِيهِ الصلصلة للحديد والنحاس والصفر ويابس الطين وَمَا أشبه ذَلِك صَوته. وَفِي الْمُحكم صل يصل صليلا وصلصل وتصلصل صلصلة وتصلصلا صَوت فَإِن توهمت تَرْجِيع صَوت قلت صلصل وتصلصل. وَقَالَ القَاضِي الصلصلة صَوت الْحَدِيد فِيمَا لَهُ طنين وَقيل معنى الحَدِيث هُوَ قُوَّة صَوت حفيف أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة لتشغله عَن غيرذَلِك وَيُؤَيِّدهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى كَأَنَّهُ سلسلة على صَفْوَان أَي حفيف الأجنحة والجرس بِفَتْح الرَّاء هُوَ الجلجل الَّذِي يعلق فِي رَأس الدَّوَابّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي الجرس شبه ناقوس صَغِير أَو صطل فِي دَاخله قِطْعَة نُحَاس مُعَلّق منكوسا على الْبَعِير فَإِذا تحرّك تحركت النحاسة فأصابت الصطل فَتحصل صلصلة والعامة تَقول جرص بالصَّاد وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة اجْتمع فِيهَا الصَّاد وَالْجِيم إِلَّا الصمج وَهُوَ الْقنْدِيل وَأما الجص فمعرب قَالَ ابْن دُرَيْد اشتقاقه من الجرس أَي الصَّوْت والحس وَقَالَ ابْن سَيّده الجرس والجرس والجرس الْأَخِيرَة عَن كرَاع الْحَرَكَة وَالصَّوْت من كل ذِي صَوت وَقيل الجرس بِالْفَتْح إِذا أفرد فَإِذا قَالُوا مَا سَمِعت لَهُ حسا وَلَا جرسا كسروا فاتبعوا اللَّفْظ بِاللَّفْظِ قَالَ الصغاني قَالَ ابْن السّكيت الجرس والجرس الصَّوْت وَلم يفرق وَقَالَ اللَّيْث الجرس مصدر الصَّوْت المجروس والجرس بِالْكَسْرِ الصَّوْت نَفسه وجرس الْحَرْف نَغمَة الصَّوْت والحروف الثَّلَاثَة لَا جروس لَهَا أَعنِي الْوَاو وَالْيَاء وَالْألف اللينة وَسَائِر الْحُرُوف مجروسة قَوْله فَيفْصم فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات الأولى وَهِي أفصحها بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَإِسْكَان الْفَاء وَكسر الصَّاد وَقَالَ الْخطابِيّ مَعْنَاهُ يقطع ويتجلى مَا يَغْشَانِي مِنْهُ قَالَ وأصل الفصم الْقطع وَمِنْه {{لَا انفصام لَهَا}} وَقيل أَنه الصدع بِلَا إبانة وبالقاف قطع بإبانة فَمَعْنَى الحَدِيث أَن الْملك فَارقه ليعود الثَّانِيَة بِضَم أَوله وَفتح ثالثه وَهِي رِوَايَة أبي ذَر الْهَرَوِيّ قلت هُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع الثلاثي فَافْهَم الثَّالِثَة بِضَم أَوله وَكسر الثَّالِثَة من أفصم الْمَطَر إِذا أقلع وَهِي لُغَة قَليلَة قلت هَذَا من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ وَمِنْه أفصمت عَنهُ الْحمى قَوْله وَقد وعيت بِفَتْح الْعين أَي فهمت وجمعت وحفظت قَالَ صَاحب الْأَفْعَال وعيت الْعلم حفظته ووعيت الْأذن سَمِعت وأوعيت الْمَتَاع جمعته فِي الْوِعَاء وَقَالَ ابْن القطاع وأوعيت الْعلم مثل وعيته وَقَوله تَعَالَى {{وَالله أعلم بِمَا يوعون}} أَي بِمَا يضمرون فِي قُلُوبهم من التَّكْذِيب وَقَالَ الزّجاج بِمَا يحملون فِي قُلُوبهم فَهَذَا من أوعيت الْمَتَاع قَوْله يتَمَثَّل أَي يتَصَوَّر مُشْتَقّ من الْمِثَال وَهُوَ أَن يتَكَلَّف أَن يكون مِثَالا لشَيْء آخر وشبيها لَهُ قَوْله الْملك جسم علوي لطيف يتشكل بِأَيّ شكل شَاءَ وَهُوَ قَول أَكثر الْمُسلمين وَقَالَت الفلاسفة الْمَلَائِكَة جَوَاهِر قَائِمَة بأنفسها لَيست بمتحيزة الْبَتَّةَ فَمنهمْ من هِيَ مستغرقة فِي معرفَة الله تَعَالَى فهم الْمَلَائِكَة المقربون وَمِنْهُم مدبرات هَذَا الْعَالم إِن كَانَت خيرات فهم الْمَلَائِكَة الأرضية وَإِن كَانَت شريرة فهم الشَّيَاطِين قَوْله رجلا قَالَ فِي الْعباب الرجل خلاف الْمَرْأَة وَالْجمع رجال ورجالات مثل جمال وجمالات وَقَالَ الْكسَائي جمعُوا رجلا رجلة مثل عنبة وأراجل قَالَ أَبُو ذُؤَيْب الْهُذلِيّ (أهم بنيه صيفهم وشتاؤهم ... وَقَالُوا تعد واغز وسط الأراجل) يَقُول أهمتهم نَفَقَة صيفهم وشتائهم وَقَالُوا لأبيهم تعد أَي انْصَرف عَنَّا وتصغير الرجل رجيل ورويجل أَيْضا على غير قِيَاس كَأَنَّهُ تَصْغِير راجل وَمِنْه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفْلح الرويجل إِن صدق فَإِن قلت هَل يُطلق على الْمُؤَنَّث من هَذِه الْمَادَّة قلت نعم قيل الْمَرْأَة رجلة أنْشد أَبُو عَليّ وَغَيره (خرقوا جيب فَتَاتهمْ ... لم يراعوا حُرْمَة الرجلة) وَفِي شرح الْإِيضَاح اسْتشْهد بِهِ أَبُو عَليّ على قَوْله الرجلة مؤنث الرجل وَقَول الْفُقَهَاء الرجل كل ذكر من بني آدم جَاوز حد الْبلُوغ منقوض بِهِ وبإطلاق الرجل على الصَّغِير أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى {{وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة}} قَوْله وَإِن جَبينه الجبين طرف الْجَبْهَة وللإنسان جبينان يكتنفان الْجَبْهَة وَيُقَال الجبين غير الْجَبْهَة وَهُوَ فَوق الصدغ وهما جبينان عَن يَمِين الْجَبْهَة وشمالها قَوْله ليتفصد بِالْفَاءِ وَالصَّاد الْمُهْملَة أَي يسيل من التفصد وَهُوَ السيلان وَمِنْه الفصد وَهُوَ قطع الْعرق لإسالة الدَّم قَوْله عرقا بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ الرُّطُوبَة الَّتِي تترشح من مسام الْبدن (بَيَان الصّرْف) قَوْله أشده عَليّ الأشد أفعل التَّفْضِيل من شدّ يشد قَوْله فَيفْصم من فَصم يفصم فصما من بَاب ضرب يضْرب وَلما كَانَت الْفَاء من الْحُرُوف الرخوة قَالَت الاشتقاقيون الفصم هُوَ الْقطع بِلَا إبانة وَالْقَاف لما كَانَت من الْحُرُوف الشَّدِيدَة والقلقلة الَّتِي فِيهَا ضغط وَشدَّة قَالُوا القصم بِالْقَافِ هُوَ الْقطع بإبانة واعتبروا فِي المعنين الْمُنَاسبَة قَوْله الْملك أَصله ملأك تركت الْهمزَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال واشتقاقه من الألوكة وَهِي الرسَالَة يُقَال ألكني إِلَيْهِ أَي أَرْسلنِي وَمِنْه سمى الْملك لِأَنَّهُ رَسُول من الله تَعَالَى وَجمعه مَلَائِكَة قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الْمَلَائِكَة جمع ملأك على وزن الأَصْل كالشمائل جمعشمأل وإلحاق التَّاء لتأنيث الْجمع قلت إِنَّمَا قَالَ كَذَلِك حَتَّى لَا يظنّ أَنه جمع ملك لِأَن وَزنه فعل وَهُوَ لَا يجمع على فعائل وَلَكِن أَصله ملأك وَلما أُرِيد جمعه رد إِلَى أَصله كَمَا أَن الشَّمَائِل وَهِي الرِّيَاح جمع شمأل بِالْهَمْز فِي الأَصْل لَا جمع شمال لِأَن فعالا لَا يجمع على فعائل وَفِي الْعباب الألوك والألوكة والمالكة وَالْمَالِك الرسَالَة وَإِنَّمَا سميت الرسَالَة الألوكة لِأَنَّهَا تولك فِي الْفَم من قَول الْعَرَب الْفرس يألك اللجام ألكا أَي يعلكه علكا وَقَالَ ابْن عباد قد يكون الألوك الرَّسُول وَقَالَ الصغاني والتركيب يدل على تحمل الرسَالَة قَوْله وعيت من وعاه إِذا حفظه يعيه وعيا فَهُوَ واع وَذَاكَ موعى وَأذن وَاعِيَة (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله رَسُول الله مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول سَأَلَ وَقَوله الْوَحْي بِالرَّفْع فَاعل يَأْتِيك قَوْله أَحْيَانًا نصب على الظّرْف وَالْعَامِل فِيهِ قَوْله يأتيني مُؤَخرا قَوْله مثل بِالنّصب قَالَ الْكرْمَانِي هُوَ حَال أَي يأتيني مشابها صَوته صلصلة الجرس قلت وَيجوز أَن يكون صفة لمصدر مَحْذُوف أَي يأتيني إتيانا مثل صلصلة الجرس وَيجوز فِيهِ الرّفْع من حَيْثُ الْعَرَبيَّة لَا من حَيْثُ الرِّوَايَة وَالتَّقْدِير هُوَ مثل صلصلة الجرس قَوْله وَهُوَ أشده الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله فَيفْصم عطف على قَوْله يأتيني وَالْفَاء من جملَة حُرُوف الْعَطف كَمَا علم فِي موضعهَا وَلَكِن تفِيد ثَلَاثَة أُمُور التَّرْتِيب إِمَّا معنوي كَمَا فِي قَامَ زيد فعمرو وَإِمَّا ذكري وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل نَحْو {{فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ}} والتعقيب وَهُوَ فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ والسببية وَذَلِكَ غَالب فِي العاطفة جملَة أَو صفة نَحْو {{فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ}} و {{لآكلون من شجر من زقوم فمالؤن مِنْهَا الْبُطُون فشاربون عَلَيْهِ من الْحَمِيم}} قَوْله وَقد وعيت الْوَاو للْحَال وَقد علم أَن الْمَاضِي إِذا وَقع حَالا يجوز فِيهِ الْوَاو وَتَركه وَلكنه لَا بُد من قد إِمَّا ظَاهِرَة أَو مقدرَة وَهَهُنَا جَاءَ بِالْوَاو وبقد ظَاهِرَة والمقدرة بِلَا وَاو نَحْو قَوْله تَعَالَى {{أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ}} وَالتَّقْدِير قد حصرت قَوْله مَا قَالَ جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول لقَوْله وَقد وعيت وَكلمَة مَا مَوْصُولَة وَقَوله قَالَ جملَة صلتها والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره مَا قَالَه وَاعْلَم أَن الْجُمْلَة لَا حَظّ لَهَا من الْإِعْرَاب إِلَّا إِذا وَقعت موقع الْمُفْرد وَذَلِكَ بِحكم الاستقراء فِي سِتَّة مَوَاضِع خبر الْمُبْتَدَأ وَخبر بَاب إِن وَخبر بَاب كَانَ وَالْمَفْعُول الثَّانِي من بَاب حسبت وَصفَة النكرَة وَالْحَال قَوْله وَأَحْيَانا عطف على أَحْيَانًا الأولى قَوْله الْملك بِالرَّفْع فَاعل لقَوْله يتَمَثَّل قَوْله لي اللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل أَي لأجلي وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى عِنْد أَي يتَمَثَّل عِنْدِي الْملك رجلا كَمَا فِي قَوْلك كتبت لخمس خلون قَوْله رجلا نصب على أَنه تَمْيِيز قَالَه أَكثر الشُّرَّاح وَفِيه نظر لِأَن التَّمْيِيز مَا يرفع الْإِبْهَام المستقر عَن ذَات مَذْكُورَة أَو مقدرَة فَالْأول نَحْو عِنْدِي رَطْل زيتا وَالثَّانِي نَحْو طَابَ زيد نفسا قَالُوا وَالْفرق بَينهمَا أَن زيتا رفع الْإِبْهَام عَن رَطْل ونفسا لم يرفع إبهاما لَا عَن طَابَ وَلَا عَن زيد إِذْ لَا إِبْهَام فيهمَا بل رفع إِبْهَام مَا حصل من نسبته إِلَيْهِ وَهَهُنَا لَا يجوز أَن يكون من الْقسم الأول وَهُوَ ظَاهر وَلَا من الثَّانِي لِأَن قَوْله يتَمَثَّل لَيْسَ فِيهِ إِبْهَام وَلَا فِي قَوْله الْملك وَلَا فِي نِسْبَة التمثل إِلَى الْملك فَإِذن قَوْلهم هَذَا نصب على التَّمْيِيز غير صَحِيح بل الصَّوَاب أَن يُقَال أَنه مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَأَن الْمَعْنى يتَصَوَّر لي الْملك تصور رجل فَلَمَّا حذف الْمُضَاف الْمَنْصُوب بالمصدرية أقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَأَشَارَ الْكرْمَانِي إِلَى جَوَاز انتصابه بالمفعولية إِن ضمن تمثل معنى اتخذ أَي اتخذ الْملك رجلا مِثَالا وَهَذَا أَيْضا بعيد من جِهَة الْمَعْنى على مَا لَا يخفى وَإِلَى انتصابه بالحالية ثمَّ قَالَ فَإِن قلت الْحَال لَا بُد أَن يكون دَالا على الْهَيْئَة وَالرجل لَيْسَ بهيئة قلت مَعْنَاهُ على هَيْئَة رجل انْتهى. قلت الْأَحْوَال الَّتِي تقع من غير المشتقات لَا تؤول بِمثل هَذَا التَّأْوِيل وَإِنَّمَا تؤول من لَفظهَا كَمَا فِي قَوْلك هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ رطبا وَالتَّقْدِير متبسرا ومترطبا وَأَيْضًا قَالُوا الِاسْم الدَّال على الِاسْتِمْرَار لَا يَقع حَالا وَإِن كَانَ مشتقا نَحْو أسود وأحمر لِأَنَّهُ وصف ثَابت فَمن عرف زيدا عرف أَنه أسود وَأَيْضًا الْحَال فِي الْمَعْنى خبر عَن صَاحبه فَيلْزم أَن يصدق عَلَيْهِ وَالرجل لَا يصدق على الْملك قَوْله فيكلمني الْفَاء فِيهِ وَفِي قَوْله فأعي للْعَطْف المشير إِلَى التعقيب قَوْله مَا يَقُول جملَة فِي مَحل النصب على أَنه مفعول لقَوْله فأعي والعائد إِلَى الْمَوْصُول مَحْذُوف تَقْدِيره مَا يَقُوله قَوْله قَالَت عَائِشَة يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون مَعْطُوفًا على الْإِسْنَاد الأول بِدُونِ حرف الْعَطف كَمَا هُوَ مَذْهَب بعض النُّحَاة صرح بِهِ ابْن مَالك فَحِينَئِذٍ يكون حَدِيث عَائِشَة مُسْندًا وَالْآخر أَن يكون كلَاما بِرَأْسِهِ غير مشارك للْأولِ فعلى هَذَا يكون هَذَا من تعليقات البُخَارِيّ قد ذكره تَأْكِيدًا بِأَمْر الشدَّة وتأييدالَهُ على مَا هُوَ عَادَته فِي تراجم الْأَبْوَاب حَيْثُ يذكر مَا وَقع لَهُ من قُرْآن أَو سنة مساعدا لَهَا وَنفى بَعضهم أَن يكون هَذَا من التَّعَالِيق وَلم يقم عَلَيْهِ دَلِيلا فنفيه منفي إِذْ الأَصْل فِي الْعَطف أَن يكون بالأداة وَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن مَالك غير مَشْهُور بِخِلَاف مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور قَوْله وَلَقَد رَأَيْت الْوَاو للقسم وَاللَّام للتَّأْكِيد وَقد للتحقيق وَرَأَيْت بِمَعْنى أَبْصرت فَلذَلِك اكْتفى بمفعول وَاحِد قَوْله ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي جملَة وَقعت حَالا وَقد علم أَن الْمُضَارع إِذا كَانَ مثبتا وَوَقع حَالا لَا يسوغ فِيهِ الْوَاو وَإِن كَانَ منفيا جَازَ فِيهِ الْأَمر أَن قَوْله الشَّديد صفة جرت على غير من هِيَ لَهُ لِأَنَّهُ صفة الْبرد لَا الْيَوْم قَوْله فَيفْصم عطف على قَوْله ينزل قَوْله عرقا نصب على التَّمْيِيز (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله كَيفَ يَأْتِيك الْوَحْي فِيهِ مجَاز عَقْلِي وَهُوَ إِسْنَاد الْإِتْيَان إِلَى الْوَحْي كَمَا فِي أنبت الرّبيع البقل لِأَن الإنبات لله تَعَالَى لَا للربيع وَهُوَ إِسْنَاد الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ إِلَى ملابس لَهُ غير مَا هُوَ لَهُ عِنْد الْمُتَكَلّم فِي الظَّاهِر وَيُسمى هَذَا الْقسم أَيْضا مجَازًا فِي الْإِسْنَاد وَأَصله كَيفَ يَأْتِيك حَامِل الْوَحْي فأسند إِلَى الْوَحْي للملابسة الَّتِي بَين الْحَامِل والمحمول وَفِيه من المؤكدات وَاو الْقسم أكدت بِهِ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَوْله وَهُوَ أشده عَليّ وَلَام التَّأْكِيد وَقد الَّتِي وَضعهَا للتحقيق فِي مثل هَذَا الْموضع كَمَا فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {{قد أَفْلح من زكاها}} وَذَلِكَ لِأَن مرادها الْإِشَارَة إِلَى كَثْرَة معاناته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّعَب وَالْكرب عِنْد نزُول الْوَحْي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ الْوَحْي يجد لَهُ مشقة ويغشاه الكرب لثقل مَا يلقى عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {{إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا}} وَلذَلِك كَانَ يَعْتَرِيه مثل حَال المحموم كَمَا رُوِيَ أَنه كَانَ يَأْخُذهُ عِنْد الْوَحْي الرحضاء أَي البهر والعرق من الشدَّة وَأكْثر مَا يُسمى بِهِ عرق الْحمى وَلذَلِك كَانَ جَبينه يتفصد عرقا كَمَا يفصد وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك ليبلو صبره وَيحسن تأديبه فيرتاض لاحْتِمَال مَا كلفه من أعباء النُّبُوَّة وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي حَدِيث يعلى بن أُميَّة فَأدْخل رَأسه فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محمر الْوَجْه وَهُوَ يغط ثمَّ سرى عَنهُ وَمِنْه فِي حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ نَبِي الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أنزل عَلَيْهِ كرب لذَلِك وَتَربد وَجهه وَفِي حَدِيث الْإِفْك قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَأَخذه مَا كَانَ يَأْخُذهُ من البرحاء عِنْد الْوَحْي حَتَّى أَنه لينحدر مِنْهُ مثل الجمان من الْعرق فِي الْيَوْم الشاتي من ثقل القَوْل الَّذِي أنزل عَلَيْهِ قلت الرحضاء بِضَم الرَّاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وبالضاد الْمُعْجَمَة الممدودة الْعرق فِي أثر الْحمى والبهر بِالضَّمِّ تتَابع النَّفس وبالفتح الْمصدر قَوْله يغط من الغطيط وَهُوَ صَوت يُخرجهُ النَّائِم مَعَ نَفسه قَوْله تَرَبد بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة أَي تغير لَونه قَوْله البرحاء بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة الممدودة وَهُوَ شدَّة الكرب وَشدَّة الْحمى أَيْضا قَوْله مثل الجمان بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْمِيم جمع جمانة وَهِي حَبَّة تعْمل من فضَّة كالدرة (بَيَان الْبَيَان) فِيهِ اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ وَهُوَ أَن يكون الْوَحْي مشبها بِرَجُل مثلا ويضاف إِلَى الْمُشبه الْإِتْيَان الَّذِي هُوَ من خَواص الْمُشبه بِهِ والاستعارة بِالْكِنَايَةِ أَن يكون الْمَذْكُور من طرفِي التَّشْبِيه هُوَ الْمُشبه وَيُرَاد بِهِ الْمُشبه بِهِ هَذَا الَّذِي مَال إِلَيْهِ السكاكي وَإِن نظر فِيهِ الْقزْوِينِي وَفِيه تَشْبِيه الجبين بالعرق المفصود مُبَالغَة فِي كَثْرَة الْعرق وَلذَلِك وَقع عرقا تمييزا لِأَنَّهُ توضيح بعد إِبْهَام وتفصيل بعد إِجْمَال وَكَذَلِكَ يدل على الْمُبَالغَة بَاب التفعل لِأَن أَصله وضع للْمُبَالَغَة وَالتَّشْدِيد وَمَعْنَاهُ أَن الْفَاعِل يتعانى ذَلِك الْفِعْل ليحصل بمعاناته كتشجع إِذْ مَعْنَاهُ اسْتعْمل الشجَاعَة وكلف نَفسه إِيَّاهَا ليحصلها (الأسئلة والأجوبة) الأول مَا قيل أَن السُّؤَال عَن كَيْفيَّة إتْيَان الْوَحْي وَالْجَوَاب على النَّوْع الثَّانِي من كَيْفيَّة الْحَامِل للوحي وَأجِيب بِأَنا لَا نسلم أَن السُّؤَال عَن كَيْفيَّة إتْيَان الْوَحْي بل عَن كَيْفيَّة حامله وَلَئِن سلمنَا فبيان كَيْفيَّة الْحَامِل مشْعر بكيفية الْوَحْي حَيْثُ قَالَ فيكلمني أَي تَارَة يكون كالصلصلة وَتارَة يكون كلَاما صَرِيحًا ظَاهر الْفَهم وَالدّلَالَة قلت بل نسلم أَن السُّؤَال عَن كَيْفيَّة إتْيَان الْوَحْي لِأَن بِلَفْظَة كَيفَ يسْأَل عَن حَال الشَّيْء فَإِذا قلت كَيفَ زيد مَعْنَاهُ أصحيح أم سقيم وَالْجَوَاب أَيْضا مُطَابق لِأَنَّهُ قَالَ أَحْيَانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس غَايَة مَا فِي الْبَاب أَن الْجَواب عَن السُّؤَال مَعَ زِيَادَة لِأَن السَّائِل سَأَلَ عَن كَيْفيَّة إتْيَان الْوَحْي وَبَينه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله يأتيني مثل صلصلة الجرس مَعَ بَيَان حَامِل الْوَحْي أَيْضا بقوله وَأَحْيَانا يتَمَثَّل لي الْملك رجلا فيكلمني وَإِنَّمَا زَاد على الْجَواب لِأَنَّهُ رُبمَا فهم من السَّائِل أَنه يعود يسْأَل عَن كَيْفيَّة حَامِل الْوَحْي أَيْضا فَأَجَابَهُعَن ذَلِك قبل أَن يحوجه إِلَى السُّؤَال فَافْهَم الثَّانِي مَا قيل لم قَالَ فِي الأول وعيت مَا قَالَ بِلَفْظ الْمَاضِي وَفِي الثَّانِي فأعي مَا يَقُول بِلَفْظ الْمُضَارع وَأجِيب بِأَن الوعي فِي الأول حصل قبل الفصم وَلَا يتَصَوَّر بعده وَفِي الثَّانِي الوعي حَال المكالمة وَلَا يتَصَوَّر قبلهَا أَو لِأَنَّهُ كَانَ الوعي فِي الأول عِنْد غَلَبَة التَّلَبُّس بِالصِّفَاتِ الملكية فَإِذا عَاد إِلَى حَالَته الجبلية كَانَ حَافِظًا فَأخْبر عَن الْمَاضِي بِخِلَاف الثَّانِي فَإِنَّهُ على حَالَته الْمَعْهُودَة أَو يُقَال لَفْظَة قد تقرب الْمَاضِي إِلَى الْحَال وأعي فعل مضارع للْحَال فَهَذَا لما كَانَ صَرِيحًا يحفظه فِي الْحَال وَذَلِكَ. يقرب من أَن يحفظه إِذْ يحْتَاج فِيهِ إِلَى استثبات الثَّالِث مَا قيل أَن أَبَا دَاوُد قد روى من حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ كُنَّا نسْمع عِنْده مثل دوِي النَّحْل وَهَهُنَا يَقُول مثل صلصلة الجرس وَبَينهمَا تفَاوت وَأجِيب بِأَن ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابَة وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. الرَّابِع مَا قيل كَيفَ مثل بصلصلة الجرس وَقد كره صحبته فِي السّفر لِأَنَّهُ مزمار الشَّيْطَان كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَصَححهُ ابْن حبَان وَقيل كرهه لِأَنَّهُ يدل على أَصْحَابه بِصَوْتِهِ وَكَانَ يحب أَن لَا يعلم الْعَدو بِهِ حَتَّى يَأْتِيهم فَجْأَة حَكَاهُ ابْن الْأَثِير قلت يحْتَمل أَن تكون الْكَرَاهَة بعد إخْبَاره عَن كَيْفيَّة الْوَحْي. الْخَامِس مَا قيل ذكر فِي هَذَا الحَدِيث حالتين من أَحْوَال الْوَحْي وهما مثل صلصلة الجرس وتمثل الْملك رجلا وَلم يذكر الرُّؤْيَا فِي النّوم مَعَ إِعْلَامه لنا أَن رُؤْيَاهُ حق. أُجِيب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الرُّؤْيَا الصَّالِحَة قد يشركهُ فِيهَا غَيره بِخِلَاف الْأَوَّلين وَالْآخر لَعَلَّه علم أَن قصد السَّائِل بسؤاله مَا خص بِهِ وَلَا يعرف إِلَّا من جِهَته وَقَالَ بَعضهم كَانَ عِنْد السُّؤَال نزُول الْوَحْي على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِذْ الْوَحْي على سَبِيل الرُّؤْيَا إِنَّمَا كَانَ فِي أول الْبعْثَة لِأَن أول مَا بدىء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْوَحْي الرُّؤْيَا ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث وَقيل ذَلِك فِي سِتَّة أشهر فَقَط وَقَالَ آخَرُونَ كَانَت الْمَوْجُودَة من الرُّؤْيَا بعد إرْسَال الْملك منغمرة فِي الْوَحْي فَلم تحسب وَيُقَال كَانَ السُّؤَال عَن كَيْفيَّة الْوَحْي فِي حَال الْيَقَظَة السَّادِس مَا قيل مَا وَجه الْحصْر فِي الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين أُجِيب بِأَن سنة الله لما جرت من أَنه لَا بُد من مُنَاسبَة بَين الْقَائِل وَالسَّامِع حَتَّى يَصح بَينهمَا التحاور والتعليم والتعلم فَتلك الْمُنَاسبَة إِمَّا باتصاف السَّامع بِوَصْف الْقَائِل بِغَلَبَة الروحانية عَلَيْهِ وَهُوَ النَّوْع الأول أَو باتصاف الْقَائِل بِوَصْف السَّامع وَهُوَ النَّوْع الثَّانِي. السَّابِع مَا قيل مَا الْحِكْمَة فِي ضربه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَواب بِالْمثلِ الْمَذْكُور أُجِيب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ معتنيا بالبلاغة مكاشفا بالعلوم الغيبية وَكَانَ يوفر على الْأمة حصتهم بِقدر الاستعداد فَإِذا أُرِيد أَن ينبئهم بِمَا لَا عهد لَهُم بِهِ من تِلْكَ الْعُلُوم صاغ لَهَا أَمْثِلَة من عَالم الشَّهَادَة ليعرفوا بِمَا شاهدوه مَا لم يشاهدوه فَلَمَّا سَأَلَهُ الصَّحَابِيّ عَن كَيْفيَّة الْوَحْي وَكَانَ ذَلِك من الْمسَائِل الغويصة ضرب لَهَا فِي الشَّاهِد مثلا بالصوت المتدارك الَّذِي يسمع وَلَا يفهم مِنْهُ شَيْء تَنْبِيها على أَن إتيانها يرد على الْقلب فِي لبسة الْجلَال فَيَأْخُذ هَيْبَة الْخطاب حِين وُرُودهَا بِمَجَامِع الْقُلُوب ويلاقي من ثقل القَوْل مَا لَا علم لَهُ بالْقَوْل مَعَ وجود ذَلِك فَإِذا كشف عَنهُ وجد القَوْل الْمنزل بَينا فَيلقى فِي الروع وَاقعا موقع المسموع وَهَذَا معنى قَوْله فَيفْصم عني وَهَذَا الضَّرْب من الْوَحْي شَبيه بِمَا يُوحى إِلَى الْمَلَائِكَة على مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا قضى الله فِي السَّمَاء أمرا ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها خضعانا لقَوْله كَأَنَّهَا سلسلة على الْحجر) فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير) . هَذَا. وَقد تبين لنا من هَذَا الحَدِيث أَن الْوَحْي كَانَ يَأْتِيهِ على صفتين أولاهما أَشد من الْأُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يرد فيهمَا من الطباع البشرية إِلَى الأوضاع الملكية فيوحى إِلَيْهِ كَمَا يُوحى إِلَى الْمَلَائِكَة وَالْأُخْرَى يرد فِيهَا الْملك إِلَى شكل الْبشر وشاكلته وَكَانَت هَذِه أيسر الثَّامِن مَا قيل من المُرَاد من الْملك فِي قَوْله يتَمَثَّل لي الْملك رجلا أُجِيب بِأَنَّهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن اللَّام فِيهِ للْعهد وَلقَائِل أَن يَقُول لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ قرن بنبوته ثَلَاث سِنِين كَمَا ذكرنَا فَإِن عورض بِأَن إسْرَافيل لم ينزل الْقُرْآن قطّ وَإِنَّمَا كَانَ ينزل بِالْكَلِمَةِ من الْوَحْي أُجِيب بِأَنَّهُ لم يذكر هَهُنَا شَيْء من نزُول الْقُرْآن وَإِنَّمَا الْملك الَّذِي نزل بِالْقُرْآنِ هُوَ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الْآتِي حَيْثُ قَالَ فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ لَهُ اقْرَأ الحَدِيث وَلَقَد حضرت يَوْمًا مجْلِس حَدِيث بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ فِيهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء لَا سِيمَا من المنتسبين إِلَى معرفَة علم الحَدِيث فَقَرَأَ القارىء من أول البُخَارِيّ حَتَّى وصل إِلَى قَوْله فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ لَهُ اقْرَأ فسألتهم عَن الْملك من هُوَ فَقَالُوا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقلت مَا الدَّلِيل على ذَلِك من النَّقْل فتحيروا ثمَّ تصدى وَاحِد مِنْهُم فَقَالَ لَا نعلم ملكا نزل عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةوَالسَّلَام غير جِبْرِيل قلت قد نزل عَلَيْهِ إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث سِنِين كَمَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده كَمَا ذَكرْنَاهُ فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ قَالَ الله عز وَجل {{نزل بِهِ الرّوح الْأمين}} أَي بِالْقُرْآنِ وَالروح الْأمين هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. قلت قد سمي بِالروحِ غير جِبْرِيل قَالَ الله تَعَالَى {{يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا}} وَعَن ابْن عَبَّاس هُوَ ملك من أعظم الْمَلَائِكَة خلقا فأفحم عِنْد ذَلِك فَقلت جِبْرِيل قد تميز عَنهُ بِصفة الْأَمَانَة لِأَن الله تَعَالَى سَمَّاهُ أَمينا وسمى ذَلِك الْملك روحا فَقَط على أَنه قد روى عَن الشّعبِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك أَن المُرَاد بِالروحِ فِي قَوْله تَعَالَى {{يَوْم يقوم الرّوح}} هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ من أَيْن علمنَا أَن المُرَاد من الرّوح الْأمين هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قلت بتفسير الْمُفَسّرين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتفسيرهم مَحْمُول على السماع لِأَن الْعقل لَا مجَال فِيهِ على أَن من جملَة أَسبَاب الْعلم الْخَبَر الْمُتَوَاتر وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار من لدن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا أَن الَّذِي نزل بِالْقُرْآنِ على نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام من غير نَكِير مُنكر وَلَا رد راد حَتَّى عرف بِذكر أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى. وَرُوِيَ أَن عبد الله بن صوريا من أَحْبَار فدك حَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَهُ عَمَّن يهْبط عَلَيْهِ بِالْوَحْي فَقَالَ جِبْرِيل فَقَالَ ذَاك عدونا وَلَو كَانَ غَيره لآمَنَّا بك وَقد عَادَانَا مرَارًا وأشدها أَنه أنزل على نَبينَا أَن بَيت الْمُقَدّس سيخربه بخْتنصر فَبَعَثنَا من يقْتله فَلَقِيَهُ بِبَابِل غُلَاما مِسْكينا فَدفع عَنهُ جِبْرِيل وَقَالَ إِن كَانَ ربكُم أمره بِهَلَاكِكُمْ فَإِنَّهُ لَا يسلطكم عَلَيْهِ وَإِن لم يكن إِيَّاه فعلى أَي حق تَقْتُلُونَهُ فَنزل قَوْله تَعَالَى {{قل من كَانَ عدوا لجبريل}} الْآيَة وَرُوِيَ أَنه كَانَ لعمر رَضِي الله عَنهُ أَرض بِأَعْلَى الْمَدِينَة وَكَانَ مَمَره على مدارس الْيَهُود فَكَانَ يجلس إِلَيْهِم وَيسمع كَلَامهم فَقَالُوا يَا عمر قد أَحْبَبْنَاك وَإِنَّا لَنَطْمَع فِيك فَقَالَ وَالله لَا أُجِيبكُم لِحُبِّكُمْ وَلَا أَسأَلكُم لِأَنِّي شَاك فِي ديني وَإِنَّمَا أَدخل عَلَيْكُم لِأَزْدَادَ بَصِيرَة فِي أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأرى إثارة فِي كتابكُمْ ثمَّ سَأَلَهُمْ عَن جِبْرِيل فَقَالُوا ذَلِك عدونا يطلع مُحَمَّدًا على أَسْرَارنَا وَهُوَ صَاحب كل خسف وَعَذَاب وَيُؤَيّد مَا ذكرنَا مَا رُوِيَ مَرْفُوعا إِذا أَرَادَ الله أَن يوحي بِالْأَمر تكلم بِالْوَحْي أخذت السَّمَاء مِنْهُ رَجْفَة أَو قَالَ رعدة شَدِيدَة خوفًا من الله تَعَالَى فَإِذا سمع ذَلِك أهل السَّمَوَات صعقوا وخروا لله سجدا فَيكون أول مَا يرفع رَأسه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فيكلمه من وحيه بِمَا أَرَادَ ثمَّ يمر جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على الْمَلَائِكَة كلما مر على سَمَاء سَأَلَهُ ملائكتها مَاذَا قَالَ رَبنَا يَا جِبْرِيل {{قَالَ الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير}} فَيَقُولُونَ كلهم مثل مَا قَالَ جِبْرِيل فينتهي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ أمره الله تَعَالَى. التَّاسِع مَا قيل كَيفَ كَانَ سَماع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْملك الْوَحْي من الله تَعَالَى أُجِيب بِأَن الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ وَسَمَاع النَّبِي وَالْملك عَلَيْهِمَا السَّلَام الْوَحْي من الله تَعَالَى بِغَيْر وَاسِطَة يَسْتَحِيل أَن يكون بِحرف أَو صَوت لَكِن يكون بِخلق الله تَعَالَى للسامع علما ضَرُورِيًّا بِثَلَاثَة أُمُور بالمتكلم وَبِأَن مَا سَمعه كَلَامه وبمراده من كَلَامه وَالْقُدْرَة الأزلية لَا تقصر عَن اضطرار النَّبِي وَالْملك إِلَى الْعلم بذلك وكما أَن كَلَامه تَعَالَى لَيْسَ من جنس كَلَام الْبشر فسماعه الَّذِي يخلقه لعَبْدِهِ لَيْسَ من جنس سَماع الْأَصْوَات وَلذَلِك عسر علينا فهم كَيْفيَّة سَماع مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لكَلَامه تَعَالَى الَّذِي لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت كَمَا يعسر على الأكمه كَيْفيَّة إِدْرَاك الْبَصَر للألوان أما سَمَاعه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيحْتَمل أَن يكون بِحرف وَصَوت دَال على معنى كَلَام الله تَعَالَى فالمسموع الْأَصْوَات الْحَادِثَة وَهِي فعل الْملك دون نفس الْكَلَام وَلَا يكون هَذَا سَمَاعا لكَلَام الله تَعَالَى من غير وَاسِطَة وَإِن كَانَ يُطلق عَلَيْهِ أَنه سَماع كَلَام الله تَعَالَى وَسَمَاع الْأمة من الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كسماع الرَّسُول من الْملك وَطَرِيق الْفَهم فِيهِ تَقْدِيم الْمعرفَة بِوَضْع اللُّغَة الَّتِي تقع بهَا المخاطبة وَحكي الْقَرَافِيّ خلافًا للْعُلَمَاء فِي ابْتِدَاء الْوَحْي هَل كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ينْقل لَهُ ملك عَن الله عز وَجل أَو يخلق لَهُ علم ضَرُورِيّ بِأَن الله تَعَالَى طلب مِنْهُ أَن يَأْتِي مُحَمَّدًا أَو غَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسُورَة كَذَا أَو خلق لَهُ علما ضَرُورِيًّا بِأَن يَأْتِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فينقل مِنْهُ كَذَا. الْعَاشِر مَا قيل مَا حَقِيقَة تمثل جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَهُ رجلا أُجِيب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن الله تَعَالَى أفنى الزَّائِد من خلقه ثمَّ أَعَادَهُ عَلَيْهِ وَيحْتَمل أَن يُزِيلهُ عَنهُ ثمَّ يُعِيدهُ إِلَيْهِ بعد التَّبْلِيغ نبه على ذَلِك إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأما التَّدَاخُل فَلَا يَصح على مَذْهَب أهل الْحق. الْحَادِي عشر مَا قيل إِذا لَقِي جِبْرِيل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي صُورَة دحْيَة فَأَيْنَ تكون روحه فَإِن كَانَ فِي الْجَسَد الَّذِي لَهُ سِتّمائَة جنَاح فَالَّذِي أَتَى لَا روح جِبْرِيل وَلَا جسده وَإِن كَانَ فِي هَذَاالَّذِي هُوَ فِي صُورَة دحْيَة فَهَل يَمُوت الْجَسَد الْعَظِيم أم يبْقى خَالِيا من الرّوح المنتقلة عَنهُ إِلَى الْجَسَد الْمُشبه بجسد دحْيَة. أُجِيب بِأَنَّهُ لَا يبعد أَن لَا يكون انتقالها مُوجب مَوته فَيبقى الْجَسَد حَيا لَا ينقص من مُفَارقَته شَيْء وَيكون انْتِقَال روحه إِلَى الْجَسَد الثَّانِي كانتقال أَرْوَاح الشُّهَدَاء إِلَى أَجْوَاف طير خضر وَمَوْت الأجساد بمفارقة الْأَرْوَاح لَيْسَ بِوَاجِب عقلا بل بعادة أجراها الله تَعَالَى فِي بني آدم فَلَا يلْزم فِي غَيرهم. الثَّانِي عشر مَا قيل مَا الْحِكْمَة فِي الشدَّة الْمَذْكُورَة. أُجِيب لِأَن يحسن حفظه أَو يكون لابتلاء صبره أَو للخوف من التَّقْصِير. وَقَالَ الْخطابِيّ هِيَ شدَّة الامتحان ليبلو صبره وَيحسن تأديبه فيرتاض لاحْتِمَال مَا كلف من أعباء النُّبُوَّة أَو ذَلِك لما يستشعره من الْخَوْف لوُقُوع تَقْصِير فِيمَا أَمر بِهِ من حسن ضَبطه أَو اعْتِرَاض خلل دونه وَقد أنزل عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا ترتاع لَهُ النُّفُوس ويعظم بِهِ وَجل الْقُلُوب فِي قَوْله تَعَالَى {{وَلَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين}} . الثَّالِث عشر مَا قيل مَا وَجه سُؤال الصَّحَابَة عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن كَيْفيَّة الْوَحْي أُجِيب بِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لطلب الطُّمَأْنِينَة فَلَا يقْدَح ذَلِك فيهم وَكَانُوا يسألونه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن الْأُمُور الَّتِي لَا تدْرك بالحس فيخبرهم بهَا وَلَا يُنكر ذَلِك عَلَيْهِم. (استنباط الْأَحْكَام وَهُوَ على وُجُوه. الأول فِيهِ إِثْبَات الْمَلَائِكَة ردا على من أنكرهم من الْمَلَاحِدَة والفلاسفة. الثَّانِي فِيهِ أَن الصَّحَابَة كَانُوا يسألونه عَن كثير من الْمعَانِي وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يجمعهُمْ وَيُعلمهُم وَكَانَت طَائِفَة تسْأَل وَأُخْرَى تحفظ وَتُؤَدِّي وتبلغ حَتَّى أكمل الله تَعَالَى دينه. الثَّالِث فِيهِ دلَالَة على أَن الْملك لَهُ قدرَة على التشكل بِمَا شَاءَ من الصُّور.


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:2 ... ورقمه عند البغا:2 ]
    - باب{{منِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاتَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ}} [الروم:31]قال تعالى: {{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}} [الروم: 30] .فأمره بإقامة وجهه، وهو إخلاص قصده وعزمه وهمه للدين الحنيف، وهو الدين القيم، وهو فطرة الله التي فطر العباد عليها، فإن الله ركب في قلوب عباده كلهم قبول توحيده والإخلاص له، وإنما يغيرهم عن ذلك تعليم من عملهم الخروج عنه.ولما كان الخطاب له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تدخل فيه أمته معه قال بعد ذلك {{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}} ، فجعل ذلك حالا له ولأمته، وهو إنابتهم إليه، ويعني به: رجوعهم إليه، وأمرهم بتقواه، والتقوى تتضمن فعل جميع الطاعات وترك المعاصي والمخالفات.وخص من ذلك إقام الصلاة، فلم يذكر من أعمال الجوارح باسمه الخاص سواها، والمراد بإقامتها: الاتيان بها قائمة على وجهها التام،
    وفي ذلك دليل على شرف الصلاة وفضلها، وأنها اهم أعمال الجوارح.ومن جملة إقامتها المأموربه: المحافظه على مواقيتها، فمن صلى الصلاة لغير مواقيتها التي وقتها الله فلم يقم الصلاة، بل ضيعها وفرط فيها وسها عنها.قال ابن عباس في قوله تعالى {{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ}} [المائدة:55] ، قال: يقيمون الصلاة بفرضها.وقال قتادة: إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها وسجودها.وقال مقاتل بن حيان: إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القران فيها، والتشهد، والصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهذا إقامتها.خرجه كله ابن أبي حاتم.ولهذا مدح سبحانه الذين هم على صلاتهم يحافظون والذين هم
    على صلاتهم دائمون، وقد فسره ابن مسعود وغيره بالمحافظة على مواقيتها، وفسره بذلك مسروق والنخعي وغيرهما.وقيل لابن مسعود: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن: {{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}} [المعارج:23] و {{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}} [المعارج:34] ؟ قال: ذاك على مواقيتها. قيل له: ما كنا نرى ذلك إلا على تركها، قال: تركها الكفر.خرجه ابن أبي حاتم ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما.وكذلك فسر سعد بن أبي وقاص ومسروق وغيرهما السهو عن الصلاة بالسهو عن مواقيتها.وروي عن سعد مرفوعا، والموقوف أصح
    قال البخاري - رحمه الله -:

    شروح صوتية للحديث

    حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ـ رضى الله عنها ـ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ ـ رضى الله عنه ـ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْىُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ‏ "‏ أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ ـ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَىَّ ـ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ ‏"‏‏.‏ قَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْىُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا‏.‏

    Narrated 'Aisha: (the mother of the faithful believers) Al-Harith bin Hisham asked Allah's Messenger (ﷺ) "O Allah's Messenger (ﷺ)! How is the Divine Inspiration revealed to you?" Allah's Messenger (ﷺ) replied, "Sometimes it is (revealed) like the ringing of a bell, this form of Inspiration is the hardest of all and then this state passes off after I have grasped what is inspired. Sometimes the Angel comes in the form of a man and talks to me and I grasp whatever he says." 'Aisha added: Verily I saw the Prophet (ﷺ) being inspired divinely on a very cold day and noticed the sweat dropping from his forehead (as the Inspiration was over)

    Telah menceritakan kepada kami [Abdullah bin Yusuf] berkata, telah mengabarkan kepada kami [Malik] dari [Hisyam bin 'Urwah] dari [bapaknya] dari [Aisyah] Ibu Kaum Mu'minin, bahwa Al Harits bin Hisyam bertanya kepada Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam: "Wahai Rasulullah, bagaimana caranya wahyu turun kepada engkau?" Maka Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam menjawab: "Terkadang datang kepadaku seperti suara gemerincing lonceng dan cara ini yang paling berat buatku, lalu terhenti sehingga aku dapat mengerti apa yang disampaikan. Dan terkadang datang Malaikat menyerupai seorang laki-laki lalu berbicara kepadaku maka aku ikuti apa yang diucapkannya". Aisyah berkata: "Sungguh aku pernah melihat turunnya wahyu kepada Beliau shallallahu 'alaihi wasallam pada suatu hari yang sangat dingin lalu terhenti, dan aku lihat dahi Beliau mengucurkan keringat

    Mu’minlerin annesi Aişe r.anha şöyle demiştir: Haris bin Hişam r.a. Resulullah sallallahu aleyhi ve sellem`den: "Ya Resullallah, sana vahiy nasıl gelir?" diye sordu. Resulullah (Sallallahu aleyhi ve Sellem) buyurdu ki: Bazen bana çıngırak sesi şeklinde gelir ki benim üzerimde en şiddetli olanı budur. Sonra bu halin şiddeti üzerimden kalktığında ben vahyi ezberlemiş olurum. Bazen de melek bana insan şeklinde gelir ve benimle konuşur. Ben onun söylediğini ezberlerim". Hz. Aişe şöyle demiştir: "Ben soğuğun şiddetli olduğu günde vahyin ona indirildiğini görmüşümdür. Bu halin şiddeti üzerinden kalkarken alnından terler boşalırdı. Tekrarı: 3215 İZAHI İÇİN BURAYA TIKLA

    ہم کو عبداللہ بن یوسف نے حدیث بیان کی، ان کو مالک نے ہشام بن عروہ کی روایت سے خبر دی، انہوں نے اپنے والد سے نقل کی، انہوں نے ام المؤمنین عائشہ صدیقہ رضی اللہ عنہا سے نقل کی آپ نے فرمایا کہ ایک شخص حارث بن ہشام نامی نے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے سوال کیا تھا کہ یا رسول اللہ! آپ پر وحی کیسے نازل ہوتی ہے؟ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ وحی نازل ہوتے وقت کبھی مجھ کو گھنٹی کی سی آواز محسوس ہوتی ہے اور وحی کی یہ کیفیت مجھ پر بہت شاق گذرتی ہے۔ جب یہ کیفیت ختم ہوتی ہے تو میرے دل و دماغ پر اس ( فرشتے ) کے ذریعہ نازل شدہ وحی محفوظ ہو جاتی ہے اور کسی وقت ایسا ہوتا ہے کہ فرشتہ بشکل انسان میرے پاس آتا ہے اور مجھ سے کلام کرتا ہے۔ پس میں اس کا کہا ہوا یاد رکھ لیتا ہوں۔ عائشہ رضی اللہ عنہا کا بیان ہے کہ میں نے سخت کڑاکے کی سردی میں نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کو دیکھا ہے کہ آپ صلی اللہ علیہ وسلم پر وحی نازل ہوئی اور جب اس کا سلسلہ موقوف ہوا تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم کی پیشانی پسینے سے شرابور تھی۔

    উম্মুল মু’মিনীন ‘আয়িশাহ (রাঃ) হতে বর্ণিত। হারিস ইবনু হিশাম (রাঃ) আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -কে জিজ্ঞেস করলেন, ‘হে আল্লাহর রাসূল! আপনার নিকট ওয়াহী কিরূপে আসে?’ আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম বললেনঃ [কোন কোন সময় তা ঘণ্টা বাজার মত আমার নিকট আসে। আর এটি-ই আমার উপর সবচেয়ে বেদনাদায়ক হয় এবং তা শেষ হতেই মালাক (ফেরেশতা) যা বলেন আমি তা মুখস্থ করে নেই, আবার কখনো মালাক মানুষের রূপ ধারণ করে আমার সাথে কথা বলেন। তিনি যা বলেন আমি তা মুখস্থ করে নেই।] ‘আয়িশাহ (রাঃ) বলেন, আমি তীব্র শীতের সময় ওয়াহী নাযিলরত অবস্থায় তাঁকে দেখেছি। ওয়াহী শেষ হলেই তাঁর ললাট হতে ঘাম ঝরে পড়ত। (৩২১৫; মুসলিম ৪৩/২৩, হাঃ ২৩৩৩, আহমাদ ২৫৩০৭, ২৬২৫৮) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ২, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    இறைநம்பிக்கையாளர்களின் அன்னை ஆயிஷா (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: ஹாரிஸ் பின் ஹிஷாம் (ரலி) அவர்கள் அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்களிடம், “அல்லாஹ்வின் தூதரே! தங்க ளுக்கு வேத அறிவிப்பு (வஹீ) எப்படி வருகின்றது?” என்று கேட்டார்கள். அதற்கு அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள், “சில வேளைகளில் மணி ஓசையைப் போன்று எனக்கு வேத அறிவிப்பு (வஹீ) வரும். இவ்வாறு வருவது எனக்கு மிகவும் கடினமாக இருக்கும். மணி ஓசை மூலம் அவர் (வானவர்) கூறியதை நான் மனனமிட்டுக்கொண்ட நிலையில் அது என்னைவிட்டு விலகிவிடும். இன்னும் சில வேளைகளில், வானவர் ஒரு மனிதரைப் போன்று எனக்குக் காட்சியளித்து என்னுடன் உரையாடுவார். அப்போது அவர் கூறுவதை நான் நினைவிலிருத்திக்கொள்வேன்” என்று பதிலளித்தார்கள். மேலும், ஆயிஷா (ரலி) அவர்கள் கூறினார்கள்: அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்களுக்கு, கடுமையான குளிர்வீசும் நாளில் வேதஅறிவிப்பு (வஹீ) வருவதை நான் பார்த்துள்ளேன். வேதஅறிவிப்பு நின்ற பின் அவர்களது நெற்றியிலிருந்து வியர்வை சொட்டும்.5 அத்தியாயம் :