حديث رقم: 14381

حَدَّثَنَا أَبِي ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدٍ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ الدِّمَشْقِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمِ الْأَنْطَاكِيِّ ، قَالَ : كُلُّ نَفْسٍ مَسْئُولَةٌ فَمُرْتَهَنَةٌ أَوْ مُخَلَّصَةٌ وَفِكَاكُ الرُّهُونِ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ ، فَإِذَا أُغْلِقَتِ الرُّهُونُ أُكِّدَتِ الدُّيُونُ ، وَإِذَا أُكِّدَتِ الدُّيُونِ اسْتَوْجَبُوا السُّجُونَ

حديث رقم: 14382

حَدَّثَنَا أَبِي ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ ، قَالَ : ارْجِعْ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ عَلَى شُرُورِ هَذِهِ الْأَنْفُسِ وَمُخَالَفَةِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ وَمُجَاهَدَةِ هَذَا الْعَدُوِّ ، وَاشْتَغِلْ بِهِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ ، خَائِفًا مِنْ عِقَابِهِ رَاجِيًا لِثَوَابِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ دَرَجَةِ الصِّدْقِ أَنْ تَنَالَهَا عَقَبَةُ الْكَذِبِ أَنْ تَقْطَعَهَا ، فَاسْتَعِنْ عَلَى قَطْعِهَا بِالْخَوْفِ الْحَاجِزِ وَبِصِدْقِ الْمُنَاجَاةِ لِلِاضْطِرَارِ بِقَلْبٍ مُوجَعٍ مِنْ ذَلِكَ يَصْفُو الْقَلْبُ وَيَكْثُرُ تَيَقُّظُهُ وَتَتَسَوَّرُ عَلَيْهِ طَوَارِقُ الْأَحْزَانِ وَتَقِلُّ فِيهِ الْغَفْلَةُ وَالْعَيْنُ الَّذِي يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْخَوْفُ وَالشُّكْرُ وَمَخْرَجُ الشُّكْرِ مِنَ الْيَقِينِ عَزِيزٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ

حديث رقم: 14383

حَدَّثَنَا أَبِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَمُحَمَّدٌ ، قَالُوا : أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيِّ ، قَالَ : تَلَذَّذَتِ الْجَوَارِحُ بِذِكْرِهَا ، وَهَشَّتِ الْأَبْدَانُ لِاسْتِمَاعِهَا وَوَضَحَتِ الْعُقُولُ حَقَائِقَهَا ، وَهَانَ عَلَى الْمَسَامِعِ وَعْيُهَا ، مُسْتَأْنِسَةٌ إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الْمُوقِنِينَ ، مُطْمَئِنَّةٌ إِلَيْهَا أَنْفَسُ الْمُتَّقِينَ وَالِهَةٌ عَلَيْهَا أَبْصَارُ الْمُتَفَكِّرِينَ ، قَنِعَةٌ بِهَا قُلُوبُ الْمُسْتَبْصِرِينَ ، مُتَنَاهِيَةٌ إِلَيْهَا أَوْهَامُ الْمُتَوَهِّمِينَ سَاكِنَةٌ إِلَيْهَا فِكَرُ النَّاظِرِينَ ، مُسْتَبْشِرَةٌ بِهَا إِخْلَاصُ الصِّدِّيقِينَ كَلِمَةً خَفَّ عَلَى الْقُلُوبِ مَحْمَلُهَا ، وَلَانَ عَلَى الْجَوَارِحِ مَلْفَظُهَا ، وَسَلُسَ عَلَى الْأَلْسُنِ تَرْدَادُهَا ، وَعَذُبَ عَلَى اللَّهَوَاتِ مَقَالَتُهَا ، وَبَرَدَ عَلَى الْأَكْبَادِ لَذَاذَتُهَا

حديث رقم: 14384

حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ وَأَبُو بَكْرٍ ، قَالُوا : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُخْتَارِ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ ، أَنَّهُ قَالَ : احْذَرْ هَذَا الْوَعِيدَ ، وَخُذْ فِي الْمُحَاسَبَةِ ، وَاعْقِلْ دَرَجَتَكَ ، وَلَا تَزْهُو عِنْدَ الْخَلَائِقِ بِكَثْرَةِ تِقَيَاتِكَ وَجَوْهَرُكَ جَوْهَرُ الْفَضَائِحِ ، وَسِيمَاكَ سِيمَا الْأَبْرَارِ ، وَاسْتَحِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَضْيِيعِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ لَا تَسْتَحْيِيكَ الْخَزَنَةُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي عَذَابِكَ ، فَإِنَّ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ تُغْضِبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ مَا لَا تَغْضَبُ أَنْتَ لِلَّهِ عَلَى نَفْسِكَ فِي مَعْصِيَتِكَ إِيَّاهُ ، فَاسْتَحِ مِنْ قَبُولِكَ مِنْ نَفْسِكَ دَعْوَاهَا الصِّدْقَ وَقَدِ افْتُضِحَتْ عِنْدَكَ وَبَانَ جَوْهَرُهَا مِنْ خَالِصِ ضَمِيرِهَا بِإِيثَارِهَا مَحَجَّةَ الْكَذِبِ عَلَى مَحَجَّةِ الصِّدْقِ ، وَلْيَصِحَّ عَدَاوَتُكَ إِيَّاهَا وَلْيَكُنْ لَكَ فِي الْحَقِّ حَظٌّ وَنَصِيبٌ كَامِلٌ بِإِقْرَارِكَ لِلَّهِ عَلَيْهَا بِكَذِبِهَا وَكُنْ سَخِينَ الْعَيْنِ عَلَى مَا ظَهَرَ لَكَ مِنْهَا ، وَلْتَكُنْ عِنْدَكَ فِي عِدَادِ الْمُسْتَدْرَجِينَ وَأَجْرُهَا فِي مِيزَانِ الْكَذَّابِينَ ، فَإِنَّهُ حُكِي عَنْ عُزَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ : إِلَهَ الْبَرِيَّةِ ، إِنِّي لَأَعُدُّ نَفْسِي مَعَ أَنْفُسِ الْكَذَّابِينَ الظَّالِمِينَ وَرُوحِي مَعَ أَرْوَاحِ الْهَلْكَى وَبَدَنِي مَعَ أَبْدَانِ الْمُعَذَّبِينَ

حديث رقم: 14385

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيُّ ، قَالَ : إِذَا صَارَتِ الْمُعَامَلَةَ إِلَى الْقَلْبِ اسْتَرَاحَتِ الْجَوَارِحُ

حديث رقم: 14386

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ ، قَالَ : هَذِهِ غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ أَصْلِحْ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرْ لَكَ فِيمَا مَضَى

حديث رقم: 14387

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ ، ثنا أَحْمَدُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ ، قَالَ : قَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لِابْنِهِ عَلِيٍّ : يَا بُنَيَّ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ مُطِيعٌ لِصُّرْصُرِ بْنِ صُرَاصِرِ الْحُشِّ أَطْوَعُ لِلَّهِ مِنْكَ - يَعْنِي بِالصَّرْصَرِ الَّذِي يَصِيحُ بِاللَّيْلِ

حديث رقم: 14388

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ ، ثنا أَحْمَدُ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيَّ ، يَقُولُ : مَا أَغْبِطُ أَحَدًا إِلَّا مَنْ عَرَفَ مَوْلَاهُ وَاشْتَهَى أَنْ لَا أَمُوتَ حَتَّى أَعْرِفَهُ مَعْرِفَةَ الْعَارِفِينَ الَّذِينَ يَسْتَحْيونَهُ لَا مَعْرِفَةَ التَّصْدِيقِ

حديث رقم: 14389

حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ، قَالَا : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الطَّرَسُوسِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ ، يَقُولُ : أُحِبُّ أَنْ لَا أَمُوتَ حَتَّى أَعْرِفَ مَوْلَايَ ، وَقَالَ لِي : يَا أَبَا أَحْمَدَ : لَيْسَ الْمَعْرِفَةُ الْإِقْرَارُ بِهِ وَلَكِنِ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي إِذَا عَرَفْتَ اسْتَحْيَيْتَ

حديث رقم: 14390

حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُحَمَّدٍ قَالَا : ثنا إِبْرَاهِيمُ ، ثنا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ ، يَقُولُ : الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي حَرْفَيْنِ قُلْتُ : وَمَا هُمَا ؟ قَالَ : تُزْوَى عَنْكَ الدُّنْيَا وَيُمَنُّ عَلَيْكَ بِالْقُنُوعِ ، وَيُصْرَفُ عَنْكَ وُجُوهُ النَّاسِ وَيُمَنُّ عَلَيْكَ بِالرِّضَى

حديث رقم: 14391

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيَّ ، يَقُولُ : لَيْسَ شَيْءٌ خَيْرًا مِنْ أَنْ لَا تُمْتَحَنَ بِالدُّنْيَا أَيْ لَا تَتَعَرَّضَ لَهَا

حديث رقم: 14392

سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ خَالِي عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ : أَنْفَعُ الْيَقِينِ مَا عَظُمَ فِي عَيْنِكَ مَا بِهِ قَدْ أَيْقَنْتَ ، وَصَغُرَ فِي عَيْنِكَ مَا دُونَ ذَلِكَ ، وَأَثْبَتُ الْخَوْفِ مَا حَجَزَكَ عَنِ الْمَعَاصِي وَأَطَالَ مِنْكَ الْحُزْنَ عَلَى مَا قَدْ فَاتَ وَأَلْزَمَكَ الْفِكْرَ فِي بَقِيَّةِ عُمُرِكَ وَخَاتِمَةِ أَمْرِكَ ، وَأَنْفَعُ الرَّجَاءِ مَا سَهَّلَ عَلَيْكَ الْعَمَلَ لِإِدْرَاكِ مَا تَرْجُو ، وَأَلْزَمُ الْحَقِّ إِنْصَافُكَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكِ وَقَبُولُكَ الْحَقَّ مِمَّنْ هُوَ دُونَكَ ، وَأَنْفَعُ الصِّدْقِ أَنْ تُقِرَّ لِلَّهِ بِعُيُوبِ نَفْسِكَ ، وَأَنْفَعُ الْإِخْلَاصِ مَا نَفَى عَنْكَ الرِّيَاءَ وَالتَّزَيُّنَ ، وَأَنْفَعُ الْحَيَاءِ أَنْ تَسْتَحِيَ أَنْ تَسْأَلَهُ مَا تُحِبُّ وَتَأْتِيَ مَا يَكْرَهُ ، وَأَنْفَعُ الشُّكْرِ أَنْ تَعْرِفَ مِنْهُ مَا سُتِرَ عَلَيْكَ مِنْ مَسَاوِيكَ فَلَمْ يُطْلِعْ أَحَدًا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ عَلَيْكَ

حديث رقم: 14393

سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ : أَنْفَعُ الصِّدْقِ مَا نَفَى عَنْكَ الْكَذِبِ فِي مَوَاطِنِ الصِّدْقِ ، وَأَنْفَعُ التَّوَكُّلِ مَا وَثَقْتَ بِضَمَانِهِ وَأَحْسَنْتَ طَلِبَتَهُ ، وَأَنْفَعُ الْغِنَى مَا نَفَى عَنْكَ الْفَقْرَ وَخَوْفَ الْفَقْرِ ، وَأَنْفَعُ الْفَقْرِ مَا كُنْتَ فِيهِ مُتَجَمِّلًا وَبِهِ رَاضِيًا ، وَأَنْفَعُ الْحَزْمِ مَا طَرَحْتَ بِهِ التَّسْوِيفَ لِلْعَمَلِ عِنْدَ إِمْكَانِ الْفُرْصَةِ وَانْتِهَازِ الْبُغْيَةِ فِي أَيَّامِ الْمُهْلَةِ وَعِنْدَ غَفْلَةِ أَهْلِ الْغِرَّةِ ، وَأَنْفَعُ الصَّبْرِ مَا قَوَّاكَ عَلَى خِلَافِ هَوَاكَ وَلَمْ يَجِدِ الْجَزَعُ فِيكَ مَسَاغًا ، وَأَنْفَعُ الْأَعْمَالِ مَا سَلِمْتَ مِنْ آفَاتِهَا وَكَانَتْ مِنْكَ مَقْبُولَةً ، وَأَنْفَعُ الْأَنَاءَةِ وَالتُّؤَدَةِ حُسْنُ التَّدْبِيرِ وَالْفِكْرِ وَالنَّظَرِ أَمَامَ الْعَمَلِ فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْمَعْرِفَةَ بِثَوَابِ الْعَمَلِ فَيَحْتَمِلُ لِلثَّوَابِ مُؤْنَةَ الْعَمَلِ وَيَغْبِطُ يَوْمَ الْمُجَازَاةِ ، وَأَنْفَعُ الْعَمَلِ مَا ضَرَّ جَهْلُهُ وَازْدَادَ بِمَعْرِفَتِهِ وَجَعًا وَكُنْتَ بِهِ عَامِلًا . وَأَنْفَعُ التَّوَاضُعِ مَا أَذْهِبَ عَنْكَ الْكِبْرَ وأماتَ عَنْكَ الْغَضَبَ ، وَأَنْفَعُ الْكَلَامِ مَا وَافَقَ الْحَقَّ . وَأَنْفَعُ الصَّمْتِ مَا صَمَتَّ عَمَّا إِذَا نَطَقْتَ بِهِ عَظُمْتَ فَعِشْتَ ، وَأَضَرُّ الْكَلَامِ مَا كَانَ الصَّمْتُ خَيْرًا لَكَ مِنْهُ ، وَأَلْزَمُ الْحَقِّ أَنْ تُلْزِمَ نَفْسَكَ بِأَدَاءِ مَا ألْزَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ خِلَافُ هَوَاكَ . وَتُلْزِمُ وَالِدَيْكَ وَوَلَدَكَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ فَأَلْزِمْهُمْ مِنَ الْحَقِّ ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ خِلَافُ هَوَاكَ وَخِلَافُ أَهْوَائِهِمْ . وَأَنْفَعُ الْعِلْمِ مَا رَدَّ عَنْكَ الْجَهْلَ وَالسَّفَهَ . وَأَنْفَعُ الْإِيَاسِ مَا أَمَاتَ مِنْكَ الطَّمَعَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ . فَإِنَّهُ مِفْتَاحُ الذُّلِّ وَاخْتِلَاسُ الْعَقْلِ وَأََخْلَاقُ الْمُرُوءَاتِ وَتَدْنِيسُ الْعِرْضِ وَذَهَابُ الْعِلْمِ ، وَرَدُّكَ إِلَى الِاعْتِصَامِ بِرَبِّكَ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ . وَأَفْضَلُ الْجِهَادِ مُجَاهَدَتُكَ نَفْسَكَ فَتَرُدَّهَا إِلَى قَبُولِ الْحَقِّ ، وَأَوْجَبُ الْأَعْدَاءِ مُجَاهَدَةُ أَقْرَبِهِمْ مِنْكَ دُنُوًّا وَأَخْفَاهُمْ عَنْكَ شَخْصًا وَأَعْظَمُهُمْ لَكَ عَدَاوَةً مَعَ دُنُوِّهِ مِنْكَ وَمَنْ يُحَرِّضُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ عَلَيْكَ . وَهُوَ إِبْلِيسُ الْمُوَكَّلُ بِوَسْوَاسِ الْقُلُوبِ ، فَلَهُ فَلْتَشْتَدَّ عَدَاوَتُكَ وَلَا تَكُونَنَّ أَصْبِرَ عَلَى مُجَاهَدَتِكَ لِهَلَكَتِكَ مِنْكَ عَلَى صَبْرِكَ عَلَى مُجَاهَدَتِهِ لِيَخَافَكَ فَإِنَّهُ ، أَضْعَفُ مِنْكَ رُكْنًا فِي قُوَّتِهِ وَأَقَلَّ ضَرَرًا فِي كَثْرَةِ شَرِّهِ إِذَا أَنْتَ اعْتَصَمْتَ بِاللَّهِ . وَأَضَرُّ الْمَعَاصِي عَلَيْكَ إِعْمَالُكَ الطَّاعَاتِ بِالْجَهْلِ ، لِأَنَّ إِعْمَالَكَ الْمَعَاصِي لَا تَرْجُو لَهَا ثَوَابًا بَلْ تَخَافُ عَلَيْهَا عِقَابًا ، وَإِعْمَالُكَ الطَّاعَاتِ بِالْجَهْلِ فَاسِدَةٌ تُلْتَمَسُ لَهَا ، وَقَدِ اسْتَوْجَبَتْ لَهَا عِقَابًا فَكَمْ بَيْنَ ذَنْبٍ يُخَافُ فِيهِ الْعُقُوبَةُ ، وَالْخَوْفُ طَاعَةٌ ، وَبَيْنَ ذَنْبٍ أَنْتَ فِيهِ آمِنٌ مِنَ الْعُقُوبَةِ ؟ وَالْأَمْنُ مِنْ مَعْصِيَةٌ . قُلْتُ : فَمَا تَقُولُ فِي الْمُشَاوَرَةِ ؟ قَالَ : لَا تَثِقَنَّ فِيهَا بِغَيْرِ الْأَمِينِ . قُلْتُ : فَمَا تَقُولُ فِي الْمَشُورَةِ ؟ قَالَ : انْظُرْ فِيهَا لِنَفْسِكَ بَدْءًا كَيْفَ تَسْلَمُ مِنْ كَلَامِكَ ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ أُلْهِمْتَ رُشْدَكَ فَتَتَّقِي وَتُوَثِّقُ . قُلْتُ : فَمَا تَرَى فِي الْأُنْسِ بِالنَّاسِ ، قَالَ : إِنْ وَجَدْتَ عَاقِلًا مَأْمُونًا فَأْنَسْ بِهِ وَاهْرُبْ مِنْ سَائِرِهِمْ كَهَرَبِكَ مِنَ السِّبَاعِ . قُلْتُ : فَمَا أَفْضَلُ مَا أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : تَرْكُ مَعَاصِيهِ الْبَاطِنَةِ . قُلْتُ : فَمَا بَالُ الْبَاطِنَةِ أَوْلَى مِنَ الظَّاهِرَةِ ؟ قَالَ : لِأَنَّكَ إِذَا اجْتَنَبْتَ الْبَاطِنَةَ بَطَلَتِ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ . قُلْتُ : فَمَا أَضَرُّ الْمَعَاصِي ؟ قَالَ : مَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَأَضَرُّ مِنْهَا مَا ظَنَنْتَ أَنَّهَا طَاعَةٌ وَهِيَ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ . قُلْتُ : فَأَيُّ الْمَعَاصِي أَنْفَعُ لِي ؟ قَالَ : مَا جَعَلْتَهَا نُصْبَ عَيْنَيْكَ فَأَطَلْتَ الْبُكَاءَ عَلَيْهَا إِلَى مُفَارَقَتِكَ الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ تَعُدْ فِي مِثْلَهَا وَذَلِكَ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ . قُلْتُ : فَمَا أَضَرُّ الطَّاعَاتِ لِي ؟ قَالَ : مَا نَسِيتَ بِهَا مَسَاوِيكَ وَجَعَلْتَهَا نُصْبَ عَيْنَيْكَ إِدْلَالًا بِهَا ، وَأَمْنًا وَاغْتِرَارًا مِنْكَ مِنْ خَوْفِ مَا قَدْ جَنَيْتَ وَذَلِكَ لِلْعُجْبِ . قُلْتُ : فَأَيُّ الْمَوَاضِعِ أَخْفَى لِشَخْصِي ؟ قَالَ : صَوْمَعَتُكَ وَدَاخِلُ بَيْتِكَ . وَقُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَسْلَمْ فِي بَيْتِي ؟ قَالَ : فَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ تَلْحَقْ بِكَ فِيْهَا شَهْوَةٌ وَتُحِيطُ بِكَ فِتْنَةٌ ، قُلْتُ : فَمَا أَنْفَعُ لُطْفِ اللَّهِ لِي ؟ قَالَ : إِذَا عَصَمَكَ مِنْ مَعَاصِيهِ وَوَفَّقَكَ لِطَاعَتِهِ ، قُلْتُ : هَذَا مُجْمِلٌ أَعْطِنِي تَفْسِيرًا أَوْضَحَ مِنْهُ ، قَالَ : نَعَمْ إِذَا أَعَانَكَ بِثَلَاثٍ : عَقْلٌ يَكْفِيكَ مُؤْنَةَ هَوَاكَ ، وَعِلْمٌ يَكْفِيكَ جَهْلَكَ ، وَغِنًى يُذْهِبُ عَنْكَ خَوْفَ الْفَقْرِ

حديث رقم: 14394

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْأَنْطَاكِيَّ ، يَقُولُ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَهْلَ الطَّاعَةِ قَدْ قَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الْأَعْمَالِ لَطِيفِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يَسْتَدِيمُونَ بِهَا صَالِحَ الْأَعْمَالِ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِمْ مَأْخَذُهُ وَصَيَّرُوا أَعْمَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا وَلَيْلَةً وَاحِدَةً ، كُلَّمَا مَضَتِ اسْتَأْنَفُوا النِّيَّةَ وَطَلَبُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ حُسْنَ الصُّحْبَةِ لِيَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَكُلَّمَا مَضَى عَنْهُمْ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ رَاقَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا عَلَى جَمِيلِ الطَّاعَةِ كَانَ عِنْدَهُمْ غُنْمًا وَذَكَرُوا الْيَوْمَ الْمَاضِيَ فَسُّرُوا بِهِ وَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ لِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ فَأَطْرَحُوا شُغْلَ الْقَلْبِ بِانْقِضَاءِ تَذَكُّرِ غَدٍ ، وَأَعْمَلُوا أَبْدَانَهُمْ وَجَوَارِحَهُمْ وَفَرَّغُوا لَهُ قُلُوبَهُمْ فَقَصُرَتْ عِنْدَهُمُ الْآمَالُ وَقَرُبَتْ مِنْهُمُ الْآجَالُ وَتَبَاعَدَتْ أَسْبَابُ وَسَاوِسِ الدُّنْيَا مِنْ قُلُوبِهِمْ ، وَعَظُمَ شُغْلُ الْآخِرَةِ فِي صُدُورِهِمْ ، وَنَظَرُوا إِلَى الْآخِرَةِ بِعَيْنٍ بَصِيرَةٍ وَتَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَعْمَالٍ زَاكِيَةٍ ، وَاسْتَقَامَتْ لَهُمُ السِّيرَةُ حَتَّى وَجَدُوا حَلَاوَةَ الطَّاعَةِ فِي الدُّنْيَا حِينَ سَاعَدَتْهُمُ الزِّيَادَةُ فِي التَّقْوَى فَقَرَّتْ بِالْخَوْفِ أَعْيُنَهُمْ ، وَتَنَعَّمُوا بِالْحُزْنِ فِي عِبَادَتِهِمْ حَتَّى نَحَلَتْ أَجْسَامُهُمْ وَبَلِيَتْ أَجْسَادُهُمْ وَيَبِسَتْ عَلَى عِظَامِهِمْ جُلُودُهُمْ ، وَقَلَّ مَعَ الْمَخْلُوقِينَ كَلَامُهُمْ ، وَتَلَذَّذُوا بِمُنَاجَاةِ خَالِقِهِمْ ، فَقُلُوبُهُمْ بِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ مُتَعَلِّقَةٌ ، وَذِكْرُهُمْ بَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ مُقْبِلَةٌ مُدْبِرَةٌ ، أَبْدَانُهُمْ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ عَارِيَةٌ فَعَمُوا عَنِ الدُّنْيَا وَصَمُّوا عَنْهَا وَعَنْ أَهْلِهَا وَمَا فِيهَا ، وَضَحَ لَهُمْ أَمْرُ الْآخِرَةِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا ، فَتَخَلَّصَ إِلَى ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لِتَذِلَّ لَهُمُ الْأَنْفُسُ وَتَخْضَعَ لَهُمُ الْجَوَارِحُ ، فَاجْتَهَدَ قَوْمٌ فِي الصَّلَاةِ لِدَوَامِ الْخُشُوعِ عَلَيْهِمْ ، وَاجْتَهَدَ قَوْمٌ فِي الصَّوْمِ لِهُدُوِّ الْجَوَارِحِ عَنْهُمْ ، وَاجْتَهَدَ قَوْمٌ فِي تَرْكِ الشَّهَوَاتِ وَطَلَبِ الْفَوْزِ وَذَلِكَ مِنْ رِيَاضَةِ الْأَنْفُسِ حَتَّى أَفْضَوْا بِالْأَنْفُسِ إِلَى الْجُوعِ وَنُحُولِ الْجِسْمِ

حديث رقم: 14395

حَدَّثَنَا أَبِي ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيِّ ، قَالَ : إِنَّ الْحُكَمَاءَ نَظَرُوا إِلَى الدُّنْيَا بِعَيْنِ الْقِلَا إِذْ صَحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ حِكْمَتَهُمْ ، وَنَظَرُوا إِلَى الْآخِرَةِ بِأَعْيُنِ قُلُوبِهِمْ فَصَيَّرُوا الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ مَعْبَرًا يَجُوزُونَ عَلَيْهَا لَا حَاجَةَ لَهُمْ فِي الْإِقَامَةِ فِيهَا ، وَالْآخِرَةَ مَنْزِلًا لَا يُرِيدُونَ بِهَا بَدَلًا وَلَا عَنْهَا حِوَلًا ، فَسَرَحَتْ أَحْوَالُهُمْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ وَاتَّخَذُوا لِلْمَكْرُوهِ فِي جَنْبِ اللَّهِ تَعَالَى جُنَّةً ، هُمُومُهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ وَقُلُوبُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ . نَظَرُوا بِأَعْيُنِ الْقُلُوبِ وَاسْتَرْبَحُوا دَلَالَاتِ الْعُقُولِ عَلَى جَلْبِ الْهُدَى ، نَظَرُوا بِأَعْيُنِ قُلُوبِهِمْ إِلَى الْآخِرَةِ فَأَيْقَنُوا وَاسْتَبْصَرُوا وَنَظَرُوا بِأَعْيُنِ الْوجُوهِ إِلَى الدُّنْيَا فَاعْتَبَرُوا وَانْزَجَرُوا فَاسْتَصْغَرُوا مَا أَحَاطَتْ بِهِ أَعْيَنُ الْوجُوهِ مِنَ الدُّنْيَا وَاسْتَعْظَمُوا مَا أَحَاطَتْ بِهِ عَيْنُ الْقُلُوبِ مِنْ مُلْكِ الْآخِرَةِ

حديث رقم: 14396

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيِّ ، قَالَ : إِنِّي أَدْرَكْتُ مِنَ الْأَزْمِنَةِ زَمَانًا عَادَ فِيهِ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَعَادَ وَصْفُ الْحَقِّ فِيهِ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ، إِنْ نَزَعْتَ فِيهِ إِلَى عَالِمٍ وَجَدْتَهُ مَفْتُونًا بِالدُّنْيَا يُحِبُّ التَّعْظِيمَ وَالرِّيَاسَةَ ، وَإِنْ نَزَعْتَ إِلَى عَابِدٍ وَجَدْتَهُ جَاهِلًا فِي عِبَادَتِهِ مَجْذُومًا صَرِيعًا عَدُوُّهُ إِبْلِيسُ قَدْ صَعِدَ بِهِ إِلَى أَعْلَى سَطْحٍ فِي الْعِبَادَةِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِأَدْنَاهَا فَكَيْفَ لَهُ بِأَعْلَاهَا ، وَسَائِرُ ذَلِكَ مِنَ الرِّعَاعِ فَقَبِيحٌ أَعْوَجُ وَذِئَابٌ مُخْتَلِسَةٌ وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ وَثَعَالِبُ جَارِيَةٌ . هَذَا وَصْفُ عُيُونِ مِثْلِكَ فِي زَمَانِكَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ وَدُعَاةِ الْحِكْمَةِ ، وَذَلِكَ أَنِّي لَسْتُ أَرَى عَالِمًا إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ ، بَعِيدًا غَوَّرَ فِطْنَتَهُ لِمَضَرَّتِهِ لِأُمُورِ دُنْيَاهُ مُتَّبِعًا هَوَاهُ مُعْجَبًا بِرَأْيهِ شَحِيحًا عَلَى دُنْيَاهُ سَمْحًا بِدِينِهِ ، مُتَعَزِّمًا بِمَذْمُومِ الْقَضَاءِ مُعَانِقًا لِهَوَاهُ فِيمَا يَرْضَى غَيْرَ مُتَنَقِّلٍ عَمَّا يَكْرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ بَلْ مُسْتَزِيدًا مِنْ أَنْوَاعِ الْفِتْنَةِ وَالْبَلَاءِ ، مُحْتَمِلًا شَقَاءَ الدُّنْيَا بِالشَّهْوَةِ قَاسِيًا قَلْبُهُ ، عَظِيمَةٌ غَفْلَتُهُ عَمَّا خُلِقَ لَهُ ، مُسْتَبْطِئًا لِمَا يُدْعَى مِمَّا قَدْ ضُمِنَ لَهُ ، غَيْرُ وَاثِقٍ بِاللَّهِ ، مَفْقُودٌ مِنْهُ خَوْفُ مَا قَدِ اسْتَوْجَبَ بِهِ النَّارَ ، مُعْتَرِضٌ لِلْمَوْتِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ ، مَشْغُوفٌ بِدُنْيَاهُ ، غَافِلٌ عَنْ آخِرَتِهِ عَاشِقٌ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ زَاهِدٌ فِيمَا نُدِبَ إِلَيْهِ مِنَ الشوقِ . فَكَمَا أَنَّهُ ضَعُفَ يَقِينُهُ فِيمَا يَتَشَوَّقُ إِلَيْهِ كَذَلِكَ كَانَ أَمْنُهُ عِنْدَ الْوَعِيدِ ، فَعِنْدَهَا كَانَ نَاسِيًا لِذُنُوبِهِ ذَاكِرًا مَحَاسِنَهُ قَدْ صَيَّرَهَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَآثَامَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، دَاخِلًا فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ، مَشْغُوفًا بِالدُّنْيَا لَا يُقْنِعُهُ قَلِيلُهَا وَلَا يُشْبِعُهُ كَثِيرُهَا وَلَا يَسْعَى وَلَا يَكْدَحُ إِلَّا لَهَا ، وَلَا يَفْرَحُ وَلَا يَتَزَيَّنُ إِلَّا لَهَا وَلَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ إِلَّا لَهَا ، رَاضٍ بِحَظِّهِ بِقَلِيلِ حَظِّهِ الْمَتْرُوكِ التَّنَقُّلِ عَنْهُ مِنْ كَثِيرِ حَظِّهِ مِنْ آخِرَتِهِ ، بَلْ رَاضٍ بِحَظِّهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ حَظِّهِ مِنْ خَالِقِهِ ، خَائِفٌ مِنْ فَقْرٍ بَدَأَ مِنْهُ ، آمِنٌ مِنْ مَعَاصٍ قَدْ قَدَّمَهَا وَعُقُوبَاتٍ قَدِ اسْتَحَقَّهَا ، مُتَزَيِّنٌ لِلْخَلَائِقِ بِمَا يُسْقِطُهُ عِنْدَ خَالِقِهِ ، مُؤْيَسٌ مِنْهُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ . مَتُحَرِّزُونَ يَتَزَيَّنُونَ بِالْكَلَامِ فِي الْمَجَالِسِ يَتَكَبَّرُونَ فِي مَوَاطِنِ الْغَضَبِ عِنْدَ خِلَافِ الْهَوَى ، ذِئَابٌ أَقْرَانٌ عِنْدَ مُمَارَسَةِ الدُّنْيَا طُلْسٌ دُجْرٌ جَرَائِزَهٌ . فَالطَّمَعُ الْكَاذِبُ يَسْتَمِيلُهُ وَالْهَوَى الْمُرْدِي يُخْلِقُ مُرُوءَتَهُ وَيَسْلُبُهُ نُورَ إِسْلَامِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَقِيقَةِ خَوْفٍ فَنَزَعَ بِهِ الِامْتِحَانُ إِلَى جَوْهَرِهِ وَطِبَاعِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . فَتَعَقَّلِ الْآنَ وَصِفْ مَنْ هَذَا ؟ وَصِفْ عُيُونَ مِلَّتِكَ فِي زَمَانِكَ ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ . وَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ، وَلَهُمْ أَوْجَبُ الثَّوَابِ ، ثُمَّ نَبَّهَهُمْ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِي قَسْمِ الْعُقُولِ ، وَلَمْ يَعْذُرْ بِالتَّقْصِيرِ مَنْ ضَيَّعَ شُكْرَهُ وَآثَرَ هَوَاهُ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْهَوَى فَجَعَلَهُ ضِدًّا لِلْعَقْلِ ، وَجَعَلَ لِلْعَقْلِ شَكْلًا وَهُوَ الْعِلْمُ ، وَالْهَوَى وَالْبَاطِلُ شَكْلَانِ مُؤْتَلِفَانِ قَرِينَانِ يَدْعُوانِ إِلَى مَذْمُومِ الْعَوَاقِبِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، هَيْهَاتَ يَا أَهْلَ الْعُقُولِ مَنِ الَّذِي يَحْظَرُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَوَاهِبَهُ ، وَمَنْ الَّذِي يَمْنَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْحَةً فَيَجِبُ عَنْهُ وَمَنِ الَّذِي يَمْنَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا فَيُوجَدُ عِنْدَهُ ؟ هَلْ لِلْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَاجَةٍ بَعْدَ تَرْكِيبِ جَوَارِحِهِمْ ؟ الْخَيْرُ لِلثَّوَابِ وَالشَّرُّ لِلْعِقَابِ ، فَحَرَكَاتُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي ، فَخَلَقَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْأَسْبَابَ بِلَا شَرْحِ تَرْجَمَةٍ مِنَّا جَعَلَهَا بِقُدْرَتِهِ أَضْدَادًا وَلَمْ يَدَعْ مُسْتَغْلَقًا إِلَّا جَعَلَ لَهُ مِفْتَاحًا ، وَلَا شَكْلًا إِلَّا جَعَلَ عَلَيْهِ تِبْيَانًا وَاضِحًا . فَلَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَ لِلْخَيْرِ أَسْبَابًا لَا يَسْتَطِيِعُ الْعِبَادُ أَنْ يَصِلُوا إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ إِلَّا بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ ، وَهِيَ حَاجِزَةٌ عَنِ الْمَعَاصِي ، إِذْ أَسْكَنَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَلْبَ مَنْ أَحَبَّهُ وَاسْتَعْمَلَهُ بِهِ

حديث رقم: 14397

حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ يُوسُفَ ، يَقُولُ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ : اسْتَكْثِرْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِكَ قَلِيلَ الرِّزْقِ تَخَلُّصًا إِلَى الشُّكْرِ وَاسْتَقْلِلْ مِنْ نَفْسِكَ لِلَّهِ كَثِيرَ الطَّاعَةِ ازْدِرَاءً عَلَى النَّفْسِ وَتَعَرُّضًا لِلْعَفْوِ ، وَارْفَعْ عَنْكَ حَاضِرًا لَيْسَ بِحَاضِرِ الْعِلْمِ بِخَالِصِ الْعَمَلِ ، وَتَحَرَّزْ فِي خَالِصِ الْعَمَلِ مِنْ عَظِيمِ الْغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّيَقُّظِ ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّيَقُّظِ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ ، وَاحْذَرْ خَفِيَّ التَّزَيُّنِ بِحَاضِرِ الْحَيَاءِ ، وَاتَّقِ مُجَازَفَةَ الْهَوَى بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ ، وَقِفْ عِنْدَ غَلَبَتِهِ عَلَيْكَ لِاسْتِرْشَادِ الْعِلْمِ وَاسْتَبْقِ خَالِصَ الْأَعْمَالِ لِيَوْمِ الْجَزَاءِ وَانْزِلْ بِسَاحَةِ الْقَنَاعَةِ بِاتِّقَاءِ الْحِرْصِ ، وَارْفَعْ عَظِيمَ الْحِرْصِ بِإِيثَارِ الْقَنَاعَةِ ، وَاسْتَجْلِبْ حَلَاوَةَ الزُّهْدِ بِقِصَرِ الْأَمَلِ ، وَاقْطَعْ أَسْبَابَ الطَّمَعِ بِصِحَّةِ الْإِيَاسِ ، وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ الْقَلْبِ بِصِحَّةِ التَّفْوِيضِ ، وَأَطْفِئْ نَارَ الطَّمَعِ بِبَرْدِ الْإِيَاسِ ، وَسُدَّ سَبِيلَ الْعُجْبِ بِمَعْرِفَةِ النَّفْسِ ، وَاطْلُبْ رَاحَةَ الْبَدَنِ بِإِجْمَامِ الْقَلْبِ ، وَتَخَلَّصْ إِلَى إِجْمَامِ الْقَلْبِ بِقِلَّةِ الْخُلَطَاءِ وَتَرْكِ الطَّلَبِ ، وَتَعَرَّضْ لِرِقَّةِ الْقَلْبِ بِدَوَامِ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الذِّكْرِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُولِ ، وَاسْتَجْلِبْ نُورَ الْقَلْبِ بِدَوَامِ الْحُزْنِ ، وَاسْتَفْتِحْ بَابَ الْحُزْنِ بِطُولِ الْفِكْرِ ، وَالْتَمِسْ وُجُودَ الْفِكْرِ فِي مَوَاطِنِ الْخَلَوَاتِ وَتَحَرَّزْ مِنْ إِبْلِيسَ بِالْخَوْفِ الصَّادِقِ بِمُخَالَفَةِ هَوَاكَ ، وَإِيَّاكَ وَالرَّجَاءَ الْكَاذِبَ فَإِنَّهُ يُوقِعُكَ فِي الْخَوْفِ الْكَاذِبِ ، وَامْزُجِ الرَّجَاءَ الصَّادِقَ بِالْخَوْفِ الصَّادِقِ ، وَتَزَيَّنْ لِلَّهِ بِالصِّدْقِ فِي الْأَعْمَالِ ، وَتَحَبَّبْ إِلَيْهِ بِتَعْجِيلِ الِانْتِقَالِ ، وَإِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ فَإِنَّهُ بَحْرٌ يَغْرَقَ فِيهِ الْهَلْكَى ، وَإِيَّاكَ وَالْغَفْلَةَ فَمِنْهَا سَوَّادُ الْقَلْبِ ، وَإِيَّاكَ وَالتَّوَانِيَ فِيمَا لَا عُذْرَ فِيهِ فَإِلَيْهِ مَلْجَأُ النَّادِمِينَ ، وَاسْتَرْجِعْ بِسَالِفِ الذُّنُوبِ شِدَّةَ النَّدَمِ وَكَثْرَةَ الِاسْتِغْفَارِ ، وَتَعَرَّضْ لِعَفْوِ اللَّهِ بِحُسْنِ الْمُرَاجَعَةِ وَاسْتَعِنْ عَلَى حُسْنِ الْمُرَاجَعَةِ بِخَالِصِ الدُّعَاءِ وَالْمُنَاجَاةِ ، وَتَخَلَّصْ إِلَى عَظِيمِ الشُّكْرِ بِاسْتِكْثَارِ قَلِيلِ الرِّزْقِ وَاسْتِقْلَالِ كَثِيرِ الطَّاعَةِ ، وَاسْتَجْلِبِ زِيَادَةَ النِّعَمِ بِعَظِيمِ الشُّكْرِ ، وَاسْتَدِمْ عَظِيمَ الشُّكْرِ بِخَوْفِ زَوَالِ النِّعَمِ ، وَاطْلُبْ بَهَاءَ الْعِزَّ بِإِمَاتَةِ الطَّمَعِ ، وَادْفَعْ ذُلَّ الطَّمَعِ بِعِزِّ الْإِيَاسِ ، وَاسْتَجْلِبْ عِزَّ الْإِيَاسِ بِبُعْدِ الْهِمَّةِ ، وَاسْتَعِنْ عَلَى بُعْدِ الْهِمَّةِ بِقِصَرِ الْأَمَلِ ، وَبَادِرْ بِانْتِهَازِ الْبُغْيَةِ عِنْدَ إِمْكَانِ الْفُرْصَةِ بِخَوْفِ فَوَاتِ الْإِمْكَانِ ، وَلَا إِمْكَانَ كَالْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مَعَ صِحَّةِ الْأَبْدَانِ ، وَأُحَذِّرُكَ سَوْفَ فَإِنَّ دُونَهُ مَا يَقْطَعُ بِكَ عَنْ بُغْيَتِكَ ، وَإِيَّاكَ وَالثِّقَةَ بِغَيْرِ الْمَأْمُونِ فَإِنَّ لِلشَّرِّ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْغِذَاءِ ، وَلَا عَمَلَ كَطَلَبِ السَّلَامَةِ ، وَلَا سَلَامَةَ كَسَلَامَةِ الْقَلْبِ ، وَلَا عَقْلَ كَمُخَالَفَةِ الْهَوَى ، وَلَا عِزَّ كَعِزِّ الْيَأْسِ ، وَلَا خَوْفَ كَخَوْفٍ حَاجِزٍ وَلَا رَجَاءَ كَرَجَاءٍ مُعِينٍ ، وَلَا فَقْرٍ كَفَقْرِ الْقَلْبِ ، وَلَا غِنًى كَغِنَى النَّفْسِ ، وَلَا قُوَّةَ كَغَلَبَةِ الْهَوَى ، وَلَا نُورَ كَنُورِ الْيَقِينِ ، وَلَا يَقِينَ كَاسْتِصْغَارِكَ الدُّنْيَا ، وَلَا مَعْرِفَةَ كَمَعْرِفَةِ نَفْسِكَ ، وَلَا نِعْمَةَ كَالْعَافِيَةِ ، وَلَا عَافِيَةَ كَمُسَاعَدَةِ التَّوْفِيقِ ، وَلَا شَرَفَ كَبُعْدِ الْهِمَّةِ ، وَلَا زُهْدَ كَقِصَرِ الْأَمَلِ ، وَلَا حِرْصَ كَالْمُنَافَسَةِ فِي الدَّرَجَاتِ ، وَلَا عَدْلَ كَالْإِنْصَافِ ، وَلَا تَعَدِّيَ كَالْجَوْرِ ، وَلَا جَوْرَ كَمُوَافَقَةِ الْهَوَى ، وَلَا طَاعَةَ كَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ ، وَلَا مُصِيبَةَ كَعَدَمِ الْعَقْلِ ، وَلَا عَدَمَ عَقْلٍ كَقِلَّةِ الْيَقِينِ ، وَلَا قِلَّةَ يَقِينٍ كَفَقْدِكَ الْخَوْفَ ، وَلَا فَقْدَ خَوْفٍ كَقِلَّةِ الْحُزْنِ عَلَى فَقْدِكَ الْخَوْفَ ، وَلَا مُصِيبَةَ كَاسْتِهَانَتِكَ بِذَنْبِكَ وَرِضَاكَ بِالْحَالَةِ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا ، وَلَا مُشَاهَدَةَ كَالْيَقِينِ ، وَلَا فَضِيلَةَ كَالْجِهَادِ ، وَلَا جِهَادَ كَمُجَاهَدَةِ هَذِهِ النَّفْسِ ، وَلَا غَلَبَةَ كَغَلَبَةِ الْهَوَى وَلَا قُوَّةَ كَرَدِّ الْغَضَبِ وَلَا مَعْصِيَةَ كَحُبِّ الْبَقَاءِ ، وَإِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا لِمَنْ أَحَبَّ الْبَقَاءَ وَلَا ذُلَّ كَالطَّمَعِ . وَإِيَّاكَ وَالتَّفْرِيطَ عِنْدَ إِمْكَانِ الْفُرْصَةِ فَإِنَّهُ مَيْدَانٌ يَجْرِي لِأَهْلِهِ بِالْحَسَرَاتِ ، وَالْعُقُولُ مَعَادِنُ لِلرَّأْيِ ، وَالْعِلْمُ دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِيَارِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ بِإِقْبَالِ مَوَارِدِهَا وَتَصَرُّفِ مَصَادِرِهَا ، وَالتَّزَيُّنُ اسْمٌ لِمَعَانٍ ثَلَاثَةٍ : فَمُتَزَيِّنٌ بِعِلْمٍ وَمُتَزَيِّنٌ بِجَهْلٍ ، وَمُتَزَيِّنٌ بِتَرْكِ التَّزَيُّنِ وَهُوَ أَعْمَقُهَا وَأَحَبُّهَا إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْعَالِمِ

حديث رقم: 14398

حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ، قَالَا : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْطَاكِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيَّ ، يَقُولُ : إِنِّي تَبَحَّرْتُ الْعُلُومَ وَجَرَّبْتُ الْأُصُولَ وَأَدَمْتُ الْفِكْرَ وَأُلْهِمْتُ الِاعْتِبَارَ ، وَعَنِيتُ بِالْأَذْكَارِ ، وَطَالَعْتُ الْحِكْمَةَ ، - وَدَارَسْتُ الْمَوْعِظَةَ ، وَتَدَبَّرْتُ الْقَوْلَ بِالْمَعْقُولِ ، وَصَرَفْتُ الْمَعَانِيَ بِالذِّهْنِ فَلَمْ أَجِدْ مِنَ الْعِلْمِ عِلْمًا وَلَا لِلصَّدْرِ أَشْفَى وَلَا لِلْهَمِّ أَتْقَى وَلَا لِلْقَلْبِ أَحْيَى وَلَا لِلْخَيْرِ أَجْلُبَ ، وَلَا لِلشَّرِّ أذْهَبَ ، وَلَا عَلَى الْقَلْبِ أَغْلَبَ ، وَلَا بِالْعَبْدِ أَوْلَى مِنْ عِلْمِ مَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ وَتَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ بِآخِرَتِهِ ، لِيَصِحَّ الْخَوْفُ مِنْ عِقَابِهِ ، وَالرَّجَاءُ لِثَوَابِهِ ، وَالشُّكْرُ عَلَى نِعَمِهِ ، وَالْفِكَرُ لَيْسَتْ لَهَا غَايَةٌ ، وَالْإِلْهَامُ لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَبِدَلَالَاتِ الْعُقُولِ عَلِمْتُ الْعَزْمَ ، وَبِقُوَّةِ الْعَزْمِ يُقْهَرُ الْهَوَى ، وَإِنَّمَا يُوصَلُ إِلَى حَقَائِقِ الْأَخْبَارِ بِالْعِنَايَةِ وَالتَّفَهُّمِ وَالتَّدَبُّرِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِحُّ الْإِيقَانُ وَتَصِحُّ الْأَعْمَالُ ، وَإِلَّا كَانَتْ أَعْمَالَ الِارْتِيَابِ . لَيْسَ الْمَلِكُ مَنْ تَابَعَ هَوَاهُ وَنَالَ مُلْكَ الدُّنْيَا ، بَلِ الْمَلِكُ مَنْ مَلَكَ هَوَاهُ وَاسْتَصْغَرَ مُلْكَ الدُّنْيَا

حديث رقم: 14399

حَدَّثَنَا أَبِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَا : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيُّ : عَرَضَ لِلْخَلَائِقِ عَارِضٌ مِنَ الْهَوَى أَقْعَدَ الْمُرِيدَ وَأَلْهَى الْعَاقِلَ فَلَا الْعَاقِلُ عَرَفَ دَاءَهُ وَلَا الْمُرِيدُ طَلَبَ دَوَاءَهُ . وَمَنِ اسْتَعْصَمَ بِاللَّهِ عُصِمَ وَمَنْ عُصِمَ حُجِبَ عَنِ الْمَعَاصِي ، وَمَنْ تَوَقَّى وُقِيَ ، وَمَنِ الْتَمَسَ الْعَافِيَةَ عُوفِيَ ، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ إِلَى نَفْسِهِ حُجِبَ عَنِ الطَّاعَةِ وَغَلَبَةِ الْهَوَى فَسُلِكَ بِهِ سَبِيلَ الرَّدَى وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ السُّؤَالَ وَالسُّؤَالُ مِفْتَاحُ الْإِجَابَةِ ، وَالْكَرِيمُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ ، وَأَكْثَرُ مِنَنِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ قَبْلَ السُّؤَالِ ، اسْتَغْنِ عَمَّنْ عَدَلَ عَنْكَ بِوَجْهِهِ ، وَخَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ لَا يُفِيقُ ، وَلَا تَحْجُبِ النُّصْحَ عَنْ مستفيقٍ ، وَاقْصِدْ لِقَلْبِكَ قَصْدَ الطَّرِيقِ ، وَاحْبِسْ لِسَانَكَ حَبْسَ الْمَضِيقِ ، وَالْقَ الصَّدِيقَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ ، وَعَامِلِ اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، وَحَاسِبِ النَّفْسَ بِالْحِسَابِ الدَّقِيقِ . مَا بَالُ أَعْمَالِ الْآخِرَةِ لَا تَبِينُ فِينَا ، وَغُلِبْنَا بَالسَّهْوِ مِنَّا وَالْغَفْلَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيهَا ، وَإِنَّمَا وَضَحَ وَصَحَّ أَنَّ مُطَالَبَتَنَا الدُّنْيَا مِنْ تَقْصِيرِنَا ، وَمَطَالَبَتَنَا آمَالَ الْآخِرَةِ فَالًا مِنْ نَقْصِهَا ، وَأَوَّلُ دَرَجَاتِ الْعِلْمِ الْخَوْفُ مِنْ فَوَاتِ الْآمَالِ ، وَمَنْ أُعْجِبَ بِعَمَلٍ حَرِصَ أَنْ يُتِمَّهُ ، وَمَنْ رَأَى ثَوَابَهُ أَحَبَّ أَنْ يُتْقِنَهُ ، وَمَنْ تَآخَى الْحِكْمَةَ شُغِلَ عَمَّا سِوَاهَا ، وَمَنْ قَرَّ عَيْنًا بِشَيْءٍ لَهَجَ بِذِكْرِهِ ، وَالْأَقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ إِلَى يَوْمِ تَلْقَاهَا ، وَكُلُّ نَفْسٍ رَهِينَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاهَا ، وَالنَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ فَالمُسْتَمِعُ غَائِبٌ وَالسَّائِلُ مُتَغَيِّبٌ ، وَالْمُجِيبُ مُتَكَلِّفٌ ، أَدْنَى الرِّضَى يُزِيلُ أَعْمَالَهُمْ وَأَدْنَى السَّخَطِ يُزِيلُ كُلَّ إِحْسَانٍ عِنْدَهُمْ ، وَالْعُجْبُ يَمْحَقُ الْعِبَادَةَ ، وَيُزْرِي مِنَ الْعَقْلِ ، وَمَا وَجَدْتُ فَقْرًا أَضَرَّ مِنَ الْجَهْلِ ، وَلَا مَالًا أَعْدَمَ مِنَ الْعَقْلِ ، وَالْخَوْفُ يُكْسِبُ الْوَرَعَ ، وَالْيَقِينُ يُكْسِبُ الْخَوْفَ ، وَصِحَّةُ التَّرْكِيبُ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ يُكْسِبُ الْيَقِينَ ، وَالْمُشَاوَرَةُ تَجْتَلِبُ الْمُظَاهَرَةَ ، وَالتَّدْبِيرُ دَلِيلٌ عَلَى عَقْلِ الْعَاقِلِ ، وَصِحَّةُ الْوَرَعِ مِنْ عَلَامَاتِ الْخَوْفِ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ يَجْتَلِبُ كَرَمَ الْحَسَبِ ، وَسُوءُ الْخُلُقِ يُشِينُ ذَوِي الْأَحْسَابِ ، وَمَنْ عَقَلَ أَيْقَنَ ، وَمَنْ أَيْقَنَ خَافَ ، وَمَنْ خَافَ صَبَرَ ، وَمَنْ صَبَرَ وَرَعَ ، وَمَنْ وَرَعَ أَمْسَكَ عَنِ الشُّبُهَاتِ وَنَفَى الْحِرْصَ . فَعِنْدَ ذَلِكَ دَارَتْ رَحَى الْعَبْدِ بِأَعْمَالِ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ ، وَمَنْ سُحِقَ عَقْلُهُ ضَعُفَ يَقِينُهُ ، وَمَنْ ضَعُفَ يَقِينُهُ فُقِدَ مِنْهُ خَوْفُهُ ، وَظَهَرَ مِنْهُ أَمْنُهُ وَمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَمْنُهُ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ ، وَمَنْ كَثُرَتْ مِنْهُ غَفْلَتُهُ قَسَا مِنْهُ قَلْبُهُ ، وَمَنْ قَسَا مِنْهُ قَلْبُهُ لَمْ يَنْجَحْ فِيهِ مَوْعِظَةٌ وَغَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ دُنْيَاهُ ، وَكَثُرَتْ فِيهِ أَعْمَالُ آخِرَتِهِ بِلَا حَقِيقَةِ خَوْفٍ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ

حديث رقم: 14400

حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ ، يَقُولُ : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ : كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَخِيهِ : أَمَّا بَعْدُ فَاطْلُبْ مَا يَعْنِيكَ بِتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيكَ ، فَإِنَّ فِي تَرْكِ مَا لَا يَعْنِيكَ دَرَكٌ لِمَا يَعْنِيكَ . قَالَ : وَكَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَخِيهِ : أَمَّا بَعْدُ ، فَاللَّهَ اللَّهَ اسْمَعْ أُحَدِّثْكَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعِ الْمُتَوَاضِعِينَ بِقَدْرِ تَوَاضُعِهِمْ وَلَكِنْ بِقَدْرِ كَرَمِهِ وَجُودِهِ ، وَلَمْ يُفْرِحِ الْمَحْزُونِينَ بِقَدْرِ حُزْنِهِمْ وَلَكِنْ بِقَدْرِ رَأَفْتِهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَمَا ظَنُّكَ بِالتَّوَّابِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَتَوَدَّدُ إِلَى مَنْ يُؤْذِي بِهِ فَكَيْفَ بِمَنْ يُؤْذَى فِيهِ ؟ وَمَا ظَنُّكَ بِالتَّوَّابِ الرَّحِيمِ الْكَرِيمِ الَّذِي يَتُوبُ عَلَى مَنْ يُعَادِيهِ فَكَيْفَ بِمَنْ يُعَادَى فِيهِ ، وَالَّذِي يَتَفَضَّلُ عَلَى مَنْ يَسْخَطُهُ وَيُؤْذِيهِ فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَرَضَّاهُ وَيَخْتَارُ سَخَطَ الْعِبَادِ فِيهِ

حديث رقم: 14401

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيَّ يَقُولُ : أَشَرُّ مُكْنَةِ الرَّجُلِ الْبَذَاءُ - وَهُوَ الْوَقِيعَةُ مِنْهُ وَهِيَ الْغِيبَةُ - وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنَالُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةً فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ بَلْ يُبْغِضُهُ عَلَيْهِ الْمُتَّقُونَ وَيَهْجُرُهُ الْغَافِلُونَ وَتَجْتَنِبُهُ الْمَلَائِكَةُ وَتَفْرَحُ بِهِ الشَّيَاطِينُ . وَيُقَالُ إِنَّهَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ وَتَنْقُضُ الْوضُوءَ وَتُحْبِطُ الْأَعْمَالَ وَتُوجِبُ الْمَقْتَ . وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ قَرِينَتَانِ وَمَخْرَجُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْبَغْيِ ، وَالنَّمَّامُ قَاتِلٌ ، وَالْمُغْتَابُ آكِلُ الْمَيْتَةِ ، وَالْبَاغِي مُسْتَكْبِرٌ ، ثَلَاثَتُهُمْ وَاحِدٌ وَوَاحِدُهُمْ ثَلَاثَةٌ ، فَإِذَا عَوَّدَ نَفْسَهُ ذَلِكَ رَفَعَهُ إِلَى دَرَجَةِ الْبُهْتَانِ فَيَصِيرُ مُغْتَابًا مُبَاهِتًا كَذَّابًا ، فَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ صَارَ مُجَانِبًا لِلْإِيمَانِ . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ : وَلَا يَكْسِبُ بِالْغِيبَةِ تَعْجِيلَ ثَنَاءٍ ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ رِئَاسَةً ، وَلَا يَصِلُ بِهِ إِلَى مَزِيَّةٍ فِي دُنْيَا مِنْ مُطْعِمٍ أَوْ مَلْبَسٍ وَلَا مَالٍ ، وَهُوَ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ مَنْقُوصٌ ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ سَفِيهٌ ، وَعِنْدَ الْأُمَنَاءِ خَائِنٌ ، وَعِنْدَ الْجُهَّالِ مَذْمُومٌ . وَلَا يَحْتَمِلُهُ فِي نَقْصٍ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ ، وَمَا وَجَدْتُ فِي الشَّرِّ نَوْعًا أَكْثَرَ مِنْهُ ضَرَرًا فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ وَلَا أَقَلَّ نَفْعًا وَلَا أَظْهَرَ جَهْلًا وَلَا أَعْظَمَ وِزْرًا مِنْ مُكَتَسِبِيهِ ، يُبْغِضُهُ عَلَيْهِ الْمُتَّقُونَ وَيَحْذَرُهُ الْفَاسِقُونَ وَيَهْجُرُهُ الْعَاقِلُونَ . وَالْغِيبَةُ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ مُعَانٍ ، وَرَابِعُهُمَا كَبِيرَةٌ تُنْبِتُ عَيْبَ غَيْرِكَ فِي الْقَلْبِ فَتَكْرَهُ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ خَوْفَ عَادِيَةٍ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ تَذْكُرَ بِاللِّسَانِ وَتَكْرَهَ أَنْ تَذْكُرَ اسْمَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ ، وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ فِي الْقَلْبِ وَالْعَفْوُ . وَذِكْرُ الْغِيبَةِ بِاللِّسَانِ فَإِمَّا إِظْهَارُكَ اسْمَ الرَّجُلِ فَالْغِيبَةُ الْمُصَرِّحَةُ الَّتِي لَمْ يُبْقِ صَاحِبُهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى جُلَسَائِهِ . فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ رَقَى مِنْهُ إِلَى دَرَجَةِ الْبُهْتَانِ ، فَذَكَرَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ فَصَارَ مُبَاهِتًا مُغْتَابًا تَمَامًا كَاذِبًا بَاغِيًا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُجَانِبٌ لِلْيَقِينِ مُثْبِتٌ لِلشَّكِّ . وَاعْلَمْ أَنَّ مَخْرَجَ الْغِيبَةِ مِنْ تُزَكِّيَةِ النَّفْسِ ، وَمِنْ شِدَّةِ رِضَى صَاحِبِهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا اغْتَبْتَهُ بِمَا لَمْ تَرَ فِيكَ مِثْلَهُ أَوْ شَكْلَهُ ، وَلَمْ يُغْتَبْ بِشَيْءٍ إِلَّا مَا احْتَمَلْتَ لِنَفْسِكَ مِنَ الْعَيْبِ أَكْثَرَ مِمَّا اغْتَبْتَ إِنْ كُنْتَ جَاهِلًا بِكَثْرَةِ عُيُوبِ نَفْسِكَ ، أَوْ كُنْتَ عَارِفًا بِهَا ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُهَا مِنْكَ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ وَلَوْ عَلِمْتَ أَنَّ فِيكَ مِنَ النُّقْصَانِ أَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُ أَنْ تُنْقَصَ بِهِ لَحَجَزَكَ ذَلِكَ عَنْ غِيبَةِ غَيْرِكَ وَلَاسْتَحْيَيْتَ أَنْ تَغْتَابَ غَيْرَكَ بِمَا فِيكَ مِنَ الْعُيُوبِ ، إِذَا عَرَفْتَ وَأَنْتَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا فَجُرْمُكَ أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِ غَيْرِكَ . وَإِنَّمَا يُسَاعِدُكَ عَلَى الْقَبُولِ مِنْكَ مَنْ هُوَ أَعْمَى قَلْبًا مِنْكَ بِمَعْرِفَةِ عُيُوبِ نَفْسِهِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا اجْتَرَأْتَ عَلَى ذِكْرِ عَيْبِ غَيْرِكَ عِنْدَهُ . فَاحْذَرِ الْغِيبَةَ كَمَا تَحْذَرُ عَظِيمَ الْبَلَاءِ ، فَإِنَّ الْغِيبَةَ إِذَا ثَبَتَتْ فِي الْقَلْبِ وَأَذِنَ صَاحِبُهَا فِي احْتِمَالِهَا بِالرِّضَى لِسُكُونِهَا حَتَّى تُوَسِّعَ لِأَخَوَاتِهَا مَعَهَا فِي الْمَسْكَنِ ، وَأَخَوَاتُهَا : النَّمِيمَةُ وَالْبَغْيُ وَسُوءُ الظَّنِّ وَالْبُهْتَانُ الْعَظِيمُ وَالْكَذِبُ . فَاحْذَرْهَا فَإِنَّهَا مُزْرِيَةٌ فِي الدُّنْيَا بِصَاحِبِهَا ، وَمُخْزِيَةٌ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، لِأَنَّ الْغِيبَةَ حَرَامٌ فِي التَّنْزِيلِ فَمَنْ صَحَّتْ فِيهِ الْغِيبَةُ صَحَّ فِيهِ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مُجَانِبَانِ لِلْإِيمَانِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ وَدَمَهُ وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السُّوءِ . وَإِنَّمَا الظَّنُّ فِي الْقَلْبِ دُونَ الْإِظْهَارِ فَكَيْفَ بِمَنْ يُظْهِرُ مَا فِي الْقَلْبِ بِاللِّسَانِ مَا يُعَارِضُ بِهِ عَيْبَ غَيْرِهِ بِمَا يَعْرِفُ مِنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ ، فَهُوَ رِضًى مِنْهُ بِعُيُوبِهَا ، فَإِنْ هَمَّتِ النَّفْسُ بِعُيُوبِ غَيْرِهَا فَرُدَّهَا إِلَى عُيُوبِ نَفْسِكَ لِأَنَّكَ إِنْ لَقِيتَ عَالِمًا نَاصِحًا فَاسْتَشَرْتَهُ فِي أَمْرٍ فِي أَيِّ الْمَوَاضِعِ أَنْزِلُ وَأَسْكُنُ ؟ قَالَ : اذْهَبْ وَاتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ وَاحْمِلْ أَمْرَكَ ، قَالَ : فَجَعَلْتُ أَسْتَزِيدُهُ فَلَا يَزِيدُنِي

حديث رقم: 14402

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيُّ ، قَالَ : كَتَبَ أَخٌ لِعُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ : أَمَّا بَعْدُ يَا أَخِي كَيْفَ أَنْتَ وَكَيْفَ حَالُكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يُونُسُ : سَأَلْتَنِي عَنْ حَالِي وَأُخْبِرُكَ أَنَّ نَفْسِيَ قَدْ ذَلَّتْ لِي بِصَوْمِ يَوْمٍ بَعِيدِ الطَّرَفَيْنِ شَدِيدِ الْحَرِّ وَلَنْ تَذِلَّ لِي بِتَرْكِ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ

حديث رقم: 14403

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيَّ ، يَقُولُ : إِذَا صَارَتِ الَعَامِلَةُ إِلَى الْقَلْبِ ارْتَاحَتِ الْجَوَارِحُ

حديث رقم: 14404

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُكْتِبُ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ ، ثنا أَبُو حَاتِمٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيَّ يَقُولُ : مَا مِنْ عَافِيَةٍ إِلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَهَا عَفْوٌ لَوْلَا الْعَفْوُ لَجَاءَتِ الْبَلِيَّةُ

حديث رقم: 14405

حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ، قَالَا : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْأَنْطَاكِيَّ ، يَقُولُ : إِنَّهُ مَنْ عَرَفَ الْمَعْبُودَ بِخَالِصِ التَّوْحِيدِ وَعَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْمُلْكِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْعَدْلِ وَتَظَاهُرِ النِّعَمِ وَجَمِيلِ الْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ وَكَرَمِ الصَّفْحِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْمَنِّ وَالْعَطَاءِ وَجَمِيلِ أَفْعَالِهِ فعَبَدَهُ دُونَ الْمَخْلُوقِينَ وَقَنَعَ بِكِفَايَتِهِ وَرَضِيَ مِنْ عَظِيمِ عِقَابِهِ وَأَلِيمِ عَذَابِهِ إِمَّا بِسَبِيلِ رَجَاءٍ لِعَظِيمِ ثَوَابِهِ وَجَزِيلِ جَزَائِهِ ، وَأَمَّا عَلَى سَبِيلِ شُكْرِ مُكَافَأَةٍ لِنِعَمِ جَنَابِهِ وَكَرِيمِ مَآبِهِ ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ مَحَبَّةٍ وَشَوْقٍ إِلَيْهِ لِحُسْنِ أَيَادِيهِ وَجَمِيلِ إِحْسَانِهِ لِتَوَاتُرِ نَعْمَائِهِ وَعَظِيمِ عَطَائِهِ . وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ حُبٍّ مِنْ جَمِيلِ سَتْرِهِ وَكَرِيمِ صَفْحِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ يَمْلِكُ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ وَالْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ وَالنُّشُورَ بِأَنْ تَخْرُجَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ تَوْحِيدِهِ مِنْ صِحَّةِ التَّرْكِيبِ وَحُجَّةِ الْمَعْقُودِ وَفَضِيلَةِ الْإِلْهَامِ فِي الْمَلَكُوتِ وَدِلَالَةِ الْعِلْمِ وَمُسَاعَدَةِ التَّوْفِيقِ وَعِنَايَةِ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَالتَّدْبِيرِ لِلِاخْتِبَارِ وَالْفِكْرِ فِي الِاعْتِبَارِ وَطَنِ الْأَذْكَارِ وَغَائِصِ الْفَهْمِ . وَنَفَاذُ مَعْرِفَةِ الْإِلْهَامِ فِي الْمَلَكُوتِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّنْزِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ }} فَفِيمَا ذَكَرْنَا آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ مِنَ الْعُقَلَاءِ ، فَقَدْ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى أُولِي الْأَلْبَابِ لِلتَّدْبِيرِ وَالِاعْتِبَارِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ شَوَاهِدِ آثَارِ قُدْرَتِهِ لِيَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَخَالِصِ تَوْحِيدِهِ وَلُطْفِ صُنْعِهِ بِأَنَّهُ بَارِئُ الْبَرَايَا . وَأَمَّا مَا نُدِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْفِكْرِ مِنْ بَعْدِ قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ }} قَالَ : {{ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }} فَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ : حَالَةٌ مَحْمُودَةٌ وَحَالَتَانِ مَذْمُومَتَانِ : الْحَالَةُ الْمَحْمُودَةُ مَا دَخَلَ إِلَيْهِ اللُّطْفُ وَدَلَّكَ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالْعِلْمُ . وَالْحَالَتَانِ المَذْمُومَتَانِ : الْغَفْلَةُ وَالْأَمْنُ . وَالحَوَاسُّ خَمْسٌ وَسَادِسُهَا الْمَلِكُ وَهُوَ الْقَلْبُ . فَالحَوَاسُّ الْمُؤَدِّيَةُ لِلْأَخْبَارِ فَعَلَى قَدْرِ مَا أَدَّتِ الحَوَاسُّ مِنَ الْأَخْبَارِ يَكُونُ تَدْبِيرُ الْمَلِكِ ، وَمَنْ خَافَ ضَرَرَ أَحْوَالِ الْغَفْلَةِ مِنْ قَلْبِهِ أَكْثَرَ التَّفَقُّدَ مِنْ قَلْبِهِ ، وَمَنْ عَرَضَ أَحْوَالَهُ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ تَكْذِبْهُ صِحَّةُ النَّظَرِ ، وَمَنْ قَدَّمَ النَّظَرَ أَمَامَ الْبَصَرِ أَفَادَهُ النَّظَرُ بَصَرًا . قُلْتُ : وَمَا مَعْنَى النَّظَرِ ؟ قَالَ : تَدَبُّرُ الْخَيْرِ إِذَا وَرَدَ وَمَعْرِفَتُهُ إِذَا صَدَرَ . قُلْتُ : فَإِذَا أَفَادَهُ النَّظَرُ بَصَرًا يَكُونُ مَاذَا ؟ قَالَ : يُصْبِحُ بِالنَّظَرِ بَصِيرًا فَيُوضِّحُ لَهُ الْبَصَرُ الْيَقِينَ بمَحْمُودِ الْعَوَاقِبِ فَيَحْتَمِلُ لِذَلِكَ مَئُونَةَ الْعَمَلِ قَبْلَ ابْتِغَاءِ الثَّوَابِ . وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يُوقِفَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يُؤَمِّلُ وَيَسْتَجِرَّهَا فِي يَوْمِهَا وَيُبَصِّرُهَا مَا يَرْتَجِيهِ فِي غَدِهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تُلْقِي إِلَيْهِ نَفْسُهُ مَعَاذِيرَ الْعَجْزِ عِنْدَمَا صَدَقَهَا الْعَبْدُ . فَالْحَلِيمُ لَا يُخْدَعُ ، وَالْعَاقِلُ لَا يَغُشُّ نَفْسَهُ ، وَمَنْ فَكَّرَ أُلْهِمَ ، وَمَنْ أُلْهِمَ اسْتَحْكَمَ الْأُمُورَ وَالْعَقْلَ ، وَفِي الْعِنَايَةِ هَمٌّ وَفِي الْفَرَحِ تَحْصِيلُ الْأَعْمَالِ وَسُرُورُ الْأَبْرَارِ ، وَلِكُلِّ شَرٍّ مَظَانٌّ يَعْقُبُ فِيهِ السُّرُورُ عِنْدَهُ أَوِ الْهُمُومُ ، بِإِغْفَالِ الْحَذَرِ تُصَابُ الْمَقَاتِلُ ، وَمَنْ أَمْكَنَ عَدُوَّهُ بِسِلَاحِ نَفْسِهِ قُتِلَ ، فَفُطِرَتِ النُّفُوسُ عَلَى قَبُولِ الْحَقِّ فَعَارَضَهَا الْهَوَى فَاسْتَمَالَهَا فَآثَرَتِ الْحَقَّ بِالدَّعْوى وَآثَرَتِ أَعْمَالَهَا بِالْهَوَى . وَلَا يُسْتَحَقُّ الْمَأْمُولُ بِالشَّكِّ ، وَإِنَّمَا يُوصِلُ إِلَى فَهْمِ الْمَعْرِفَةِ أَجْنَاسُهَا ، كَمَا يَصِلُ التَّاجِرُ إِلَى أَرْبَاحِ الثِّيَابِ بِمَعْرِفَةِ أَصْنَافِهَا ، وَبِقُوَّةِ الْعَزْمِ يُقْهَرُ الْهَوَى ، وَلَا يَصِلُ إِلَى الشَّيْءِ بِضِدِّهِ وَلَا يَكُونُ مَنْ تَرَكَ الشَّيْءَ أَخَذَهُ عَلَى قَدْرِ الْيَقِينِ يَتَعَطَّلُ وَيَضْمَحِلُّ الشَّكُّ ، وَبِأَدْنَى الشَّكِّ يَضْمَحِلُّ الْيَقِينُ ، وَاسْتَقَرَّ مَنَارُ الْهُدَى بِالْأَنْبِيَاءِ ، وَقَامَتْ حِجَجُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأُوِلِي الْعُقُولِ ، فَآخِذٌ بِحَظِّهِ وَمُضَيِّعٌ لِنَفْسِهِ ، فَلَا حَمْدَ لِآخِذٍ وَلَا عُذْرَ لِتَارِكٍ ، فَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كِتَابُهُ

حديث رقم: 14406

حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ، قَالَا : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْأَنْطَاكِيِّ ، قَالَ : اعْلَمْ أَنَّ الْجَاهِلَ مَنْ قَلَّ صَبْرُهُ عَلَى عِلَاجِ عَدُوِّهِ لِنَجَاتِهِ بَلْ سَاعَدَ عَدُوَّهُ عَلَى مُجَاهَدَتِهِ ، فَذَلِكَ أَهْلٌ أَنْ يَضْحَكَ بِهِ الضَّاحِكُونَ ، وَالْكَلَامُ كَثِيرٌ مَوْجُودٌ وَجَوْهَرُهُ عَزِيزٌ مَفْقُودٌ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْكَثِيرَ الَّذِي يُحْتَاجُ مِنْهُ الْقَلِيلُ ، وَالْأَعْمَالُ كَثِيرَةٌ وَالصِّدْقُ فِي الْأَعْمَالِ قَلِيلٌ ، وَالْأَشْجَارُ كَثِيرَةٌ وَطَيِّبُ ثَمَرَتِهَا قَلِيلٌ ، وَالْبِشْرُ كَثِيرٌ وَأَهْلُ الْعُقُولِ قَلِيلٌ ، فَاسْتَدْرِكْ مَا قَدْ فَاتَ بِمَا بَقِيَ ، وَاسْتَصْلِحْ مَا قَدْ فَسَدَ فِيمَا بَقِيَ أَوْ وَضَحَ ، وَبَادِرْ فِي مُهْلَتِكَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالْكَظْمِ ، وَأَعِدَّ الْجَوَّابَ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَدْ وَجَدْتُكَ تُعِدُّ الْجَوَابَاتِ لِحُكَّامِ الدُّنْيَا قَبْلَ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاكَ ، فَمَاذَا أَعْدَدْتَ مِنَ الْجَوَابَاتِ لِحَكَمِ السَّمَاءِ مِنْ صِدْقِ الْجَوَابَاتِ ؟ وَتَقَدَّمْ فِي الِاجْتِهَادِ لِتَدْفَعَ بِهِ خَطَرَ الِاعْتِذَارِ فَإِنَّكَ عَسَيْتَ لَا يُقْبَلُ مِنْكَ الْمَعْذِرَةُ مَعَ إِحَاطَةِ الْحُجَجِ بِكَ وَشَهَادَاتِ الْعِلْمِ عَلَيْكَ وَاعْتِرَافِ الْعُقُولِ بِالِاسْتِهَانَةِ لِمَنْ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ ، فَاحْذَرْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَافِيَكَ الْأَمْرُ عَلَى عِظَمِ غَفْلَتِكَ فَيَفُوتَكَ إِصْلَاحُ مَا قَدْ فَاتَ مَعَ هُمُومِ الدُّنْيَا مَا هُوَ آتٍ مِنْ قَبْلِ الْإِيَاسِ مِنْكَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْأَجَلِ وَالْأَخْذِ بِالْكَظْمِ مَعَ زَوَالِ النِّعَمِ حِينَ لَا يُوصَلُ إِلَّا إِلَى النَّدَامَةِ ، فَيَا لَهَا مِنْ حَسْرَةٍ إِنْ عَقَلْتَ الْحَسْرَةَ ، وَيَا لَهَا مِنْ مَوْعِظَةٍ لَوْ صَادَفَتْ مِنَ الْقُلُوبِ حَيَاةً . وَأَنَا مُوصِيكَ وَنَفْسِي مِنْ بَعْدُ بِوَصِيَّةٍ إِنْ قَبِلْتَ عِشْتَ فِي الدُّنْيَا حَكِيمًا مُؤَدِّبًا فِيهَا سَلِيمًا وَخَرَجْتَ مِنَ الدُّنْيَا فَقِيرًا مُغْتَبِطًا فِيهَا مَغْبُوطًا وَفِي الْآخِرَةِ مُتَوَّجًّا مَلِكًا

حديث رقم: 14407

حَدَّثَنَا أَبِي ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ حَمْزَةَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيَّ ، يَقُولُ : كَفَى بِالْعَبْدِ عَارًا أَنْ يَدَّعِيَ دَعْوَةً ثُمَّ لَا يُحَقِّقُهَا بِفِعْلِهِ ، أَوْ يَجْعَلَ لِغَيْرِ رَبِّهِ مِنْ قَلْبِهِ نَصِيبًا ، أَوْ يَسْتَوْحِشَ مَعَ ذِكْرِهِ حَتَّى يُرِيدَ بِهِ بَدَلًا . يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِتَصْحِيحِ ضَمِيرِهِ وَيَعْلَمَ مَعَ مَنْ مُعَامَلَتُهُ وَمَا يَطْلُبُ ، وَمِمَّنْ يَهْرُبُ ، فَإِنَّهُ إِذَا عَرَفَ ذَلِكَ طَلَبَ مِنْ نَفْسِهِ الْحَقَائِقَ وَلَمْ يَلْقَ رَبَّهُ كَالعَبْدِ الْآبِقِ

حديث رقم: 14408

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ ، قَالَ أَنْشِدْنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ الْقُرَشِيُّ قَالَ : أَنْشِدْنِي أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ لِنَفْسِهِ : أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّفْسَ يُرْدِيكَ شَرُّهَا وَأَنَّكَ مَأْخُوذٌ بِمَا كُنْتَ سَاعِيَا فَمَنْ ذَا يُرِيدُ الْيَوْمَ لِلنَّفْسِ حِكْمَةً وَعِلْمًا يَزِيدُ الْعَقْلَ لِلصَّدْرِ شَافِيَا هَلُمَّ إِلَيَّ الْآنَ إِنْ كُنْتَ طَالِبًا سَبِيلَ هُدًى أَوْ كُنْتَ لِلْحَقِّ بَاغِيَا فَعِنْدِي مِنَ الْأَنْبَاءِ عِلْمُ مُجِرِّبٍ فَمِنْهُ بِإِلْهَامٍ وَمِنْهُ سَمَاعِيَا أُخْبِرُ أَخْبَارًا تَقَادَمَ عَهْدُهَا وَكَيْفَ بَدَأ الْإِسْلَامُ إِذْ كَانَ بَادِيَا وَكَيْفَ نَمَى حَتَّى اسْتَتَمَّ كَمَالُهُ وَكَيْفَ ذَوَى إِذْ صَارَ كَالثَّوْبِ بَالِيَا وَمِنْ بَعْدِ ذَا عِنْدِي مِنَ الْعِلْمِ جَوْهَرٌ يُفِيدُكَ عِلْمًا إِنْ وَعَيْتَ كَلَامِيَا وَعِلْمًا غَزِيرًا جَالِي الرَّيْنَ وَالصَّدَى عَنِ الْقَلْبِ حَتَّى يَتْرُكَ الْقَلْبَ صَافِيَا فَصُبْحٌ صَحِيحٌ مُحْكَمُ الْقَوْلِ وَاضِحٌ أَعَزُّ مِنَ الْيَاقُوتِ وَالدُّرِّ غَالِيَا فَأَصْبَحْتُ بِالتَّوْفِيقِ لِلْحَقِّ وَاضِحًا وَذَاكَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ مَاضِيَا لِأَنِّي فِي دَهْرٍ تَغَرَّبَ وَصْفُهُ فَصَارَ غَرِيبًا مُوحِشُ الْأَهْلِ قَاصِيَا فَأَحْوُجُ مَا كُنَّا إِلَى وَصْفِ دِينِنَا وَوَصْفِ دَلَالَاتِ الْعُقُولِ زَمَانِيَا عَجَائِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ كِلَيْهِمَا فَإِنْ كُنْتَ سَمَّاعًا بَدَا الْقَلْبُ وَاعِيًا فَقَدْ نَدَبَ الْإِسْلَامَ أَحْمَدُ نَدْبَةً كَمَا نَدَبَ الْأَمْوَاتَ ذُو الشَّجْوِ شَاجِيَا فَأَوَّلُ مَا أَبْدَأُ فَبِالْحَمْدِ لِلَّذِي بَرَانِي لِلْإِسْلَامِ إِذْ كَانَ بَارِيَا وَصَيَّرَنِي إِذْ شَاءَ مِنْ نَسْلِ آدَمٍ وَلَمْ أَكُ شَيْطَانًا مِنَ الْجِنِّ عَاتِيَا وَلَوْ شَاءَ مِنْ إِبْلِيسَ صَيَّرَ مَخْرَجِي فَكُنْتُ مُضِلًّا جَاحِدَ الْحَقِّ طَاغِيَا وَلَكِنَّهُ قَدْ كَانَ بِاللُّطْفِ سَابِقًا وَإِذْ لَمْ أَكُنْ حَيًّا عَلَى الْأَرْضِ مَاشِيَا وَصَيَّرَنِي مِنْ بَعْدُ فِي دِينِ أَحْمَدٍ وَعَلَّمَنِي مَا غَابَ عَنْهُ سَؤَالِيَا وَفَهَّمَنِي نُورًا وَعِلْمًا وَحِكْمَةً فَشُكْرِي لَهُ فِي الشَّاكِرِينَ مُوَازِيَا فَمِنْ أَجْلِ ذَا أَرْجُوهُ إِذْ كَانَ نَاظِرًا لِضَعْفِي وَجَهْلِي فِي الْمَلَائِمِ حَالِيَا وَمِنْ أَجْلِ ذَا أَرْجُوهُ إِذْ كَانَ غَافِرًا وَمِنْ أَجْلِ ذَا قَدْ صَحَّ مِنِّي رَجَائِيَا وَمِنْ أَجْلِ ذَا أَرْجُوهُ إِذْ لَمْ يُكَافِنِي وَلَكِنْ بِلُطْفٍ مِنْهُ كَانَ ابْتِدَائِيَا فَلَوْ كُنْتُ ذَا عَقْلٍ لَمَا قَدْ رَجَوْتُهُ لَقَدْ كُنْتُ ذَا خَوْفٍ وَشُكْرِي مُحَاذِيَا وَلَوْ كُنْتُ أَرْجُوهُ لِحُسْنِ صَنِيعِهِ شَكَرْتُ فَصَحَّ الْآنَ مِنِّي حَيَائِيَا فَشُكْرِي لَهُ إِذْ صُيِّرْتُ بِالْحَقِّ عَالِمًا وَلِلشَّرِّ وَصَّافًا لِلْخَيْرِ وَاصِيَا وَمِنْ بَعْدِ ذَا وَصْفِي لِنَفْسِي وَطَبْعِهَا وَوَصْفِي غَيْرِي إِذْ عَرَفْتُ ابْتِدَائِيَا فَهَذَا مِنَ الْأَنْبَاءِ وَصْفُ غَرَائِبٍ فَمَنْ كَانَ وَصَفَ لَكَانَ بِجَالِيَا فَكَيْفَ بِهِ إِذْ كَانَ بِالْحَقِّ عَالِمًا فَهَيْهَاتَ لَا يُنْجِيهِ إِلَّا الْفَيَافِيَا وَذَاكَ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ آثَرُوا الْهَوَى عَلَى الْحَقِّ سِرًّا ثُمَّ جَهْرًا عَلَانِيَا فَهَذَا زَمَانُ الشَّرِّ فَاحْذَرْ سَبِيلَهُ فَإِنَّ سَبِيلَ الشَّرِّ يُرْدِي الْمَهَاوِيَا سَيَأْتِيكَ مِنْ أَنْبَائِهِ وَصْفُ خَابِرٍ كَلَامٌ بِتَحْبِيرٍ وَوَصْفِ قَوَافِيَا يَقُولُونَ لِي اهْجُرْ هَوَاكَ وَإِنَّمَا أَكَدُّ وَأَسْعَى أَنْ أُقِيمَ هَوَائِيَا وَنَفْسَكَ جَاهِدْهَا وَإِنِّي لَمَائِلٌ إِلَيْهَا فَمَا أَنْ دَارٌ إِلَّا تَنَائِيَا وَكَيْفَ أُطِيقُ الْيَوْمَ أَنْ أَهْجُرَ الْهَوَى وَقَدْ مَلَّكَتْهُ النَّفْسُ مِنِّي زِمَامِيَا تَقُودُنِي الْأَيَّامُ فِي كُلِّ مِحْنَةٍ لَدَى طَبْعٍ يَبْدُو يُهَيِّجُ ذَاتِيَا فَأَصْبَحْتُ مَأْسُورًا لَدَى النَّفْسِ وَالْهَوَى يَشُدَّانِ مِنِّي مَا اسْتَطَاعَا وَثَاقِيَا

حديث رقم: 14409

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ خَذْلَمٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي كِتَابِهِ ثنا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحُنَيْنِيَّ ، يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ ، يَقُولُ : كَانَ نَافِعٌ يُجَالِسُ زِيَادَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ فَمَاتَ زِيَادٌ فَكَانَ نَافِعٌ يَمُرُّ بِنَا فَنَقُولُ : أَلَا نُوَسِّعُ لَكَ رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ : فَيَأْبَى وَيَقُولُ : اتَّقُوا هَذِهِ الْمَجَالِسَ