حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ ، ح . وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ رَوْحٍ ، ح . وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِي ، قَالُوا : ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ الصَّبَّاحُ الزَّعْفَرَانِيُّ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا سَنَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا أَشْهُرًا ثُمَّ خَرَجَ وَكَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ ، وَكَانَ خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ لَفْظُ أَبِي الطِّيبِ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ ، سَمِعْتُ الرَّبِيعَ ، يَقُولُ : مَاتَ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : مَوْلِدُ الشَّافِعِيِّ بِغَزَّةَ أَوْ عَسْقَلَانَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ الْجَوْهَرِيُّ ، بِمِصْرَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، قَالَ : قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ : وُلِدْتُ بِغَزَّةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَحُمِلْتُ إِلَى مَكَّةَ وَأَنَا ابْنُ سَنَتَيْنِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، قَالَ : مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ : مَاتَ جَدِّي بِمِصْرَ ، وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَزْدِيَّةً مِنَ الْأَزْدِ ، وَكَانَ يَنْزِلُ بِمَكَّةَ الثنصة بِأَسْفَلِ مَكَّةَ ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أُمَّ وَلَدِهِ الَّتِي أَوْلَدَهَا حَمِدَةَ بِنْتَ نَافِعِ بْنِ عَنْبَسَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْقَاضِي الْجُرْجَانِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : مَاتَ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ سَنَةٍ
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا : ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، قَالَ : وُلِدَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَمَاتَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ ، وَعَاشَ أَرْبَعًا وَخَمْسِينَ سَنَةً
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : تُوُفِّيَ الشَّافِعِيُّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى الْمَغْرِبِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ ، وَدَفَنَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَانْصَرَفْنَا ، فَرَأَيْنَا هِلَالَ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ : قَالَ الرَّبِيعُ : لَمَّا كَانَ مَعَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ مَاتَ الشَّافِعِيُّ قَالَ لَهُ ابْنُ عَمِّهِ يَعْقُوبُ : نَنْزِلُ حَتَّى نُصَلَّى ؟ قَالَ : تَجْلِسُونَ تَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ نَفْسِي ؟ فَنَزَلْنَا ثُمَّ صَعَدْنَا فَقُلْنَا لَهُ : صَلَّيْتَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ . قَالَ : نَعَمْ , فَاسْتَسْقَى ، وَكَانَ شِتَاءٌ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَمِّهِ : امْزِجُوهُ بِالْمَاءِ السَّخِنِ ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا ، بِرُبِّ السَّفَرْجَلِ . وَتُوُفِّيَ مَعَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ يَعْنِي أَنْهَ اسْتَعْمَلَ الْخِضَابَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ سَعِيدٍ الْحَمْزَاوِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنَوْيِهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى يَقُولُ : مَاتَ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، كَانَ يَخْضِبُ مَا فِي لِحْيَتِهِ مِنَ الْبَيَاضِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَاصِمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيَّ ، يَقُولُ : جَالَسْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ وَسَمِعْتُ مِنْ كَلَامِهِ ، وَكَانَ يَخْضِبُ لِحْيَتَهُ قَلِيلًا ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً
سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ أَحْمَدَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيَّ ، يَقُولُ : حَضَرَتُ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ وَحَضَرَتُ جَنَازَةَ ابْنِ وَهْبٍ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رَوْحٍ الْبَغْدَادِيُّ ، ثَنَا الزَّعْفَرَانِيُّ ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ الْجَارُودِ ، قَالَ : كَانَ سِنُّ أَبِي وَسِنُّ الشَّافِعِيِّ وَاحِدًا فَنَظَرْنَا فِي سِنِّهِ ، فَإِذَا هُوَ يَوْمَ مَاتَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : حَفِظْتُ الْمُوَطَّأَ قَبْلَ أَنْ آتِيَ مَالِكًا فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ لِي : اطْلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ . فَقُلْتُ : لَا عَلَيْكَ أَنْ تَسْتَمِعَ لِقِرَاءَتِي فَإِنْ أَعْجَبَتْكَ ، وَإِلَّا طَلَبْتُ مَنْ يَقْرَأُ فَقَالَ لِي : اقْرَأْ ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمِصْرِيُّ ، ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : أَتَيْتُ مَالِكًا ، وَقَدْ حَفِظْتُ الْمُوَطَّأَ ، فَقَالَ لِي : اطْلُبْ مَنْ يَقْرَأُ ، قُلْتُ : لَا عَلَيْكَ أَنْ تَسْتَمِعَ قِرَاءَتِي ، فَإِنْ خِفْتُ عَلَيْكَ ، وَإِلَّا طَلَبْتُ مَنْ يَقْرَأُ لِي فَقَالَ لِيَ : اقْرَأْ ، فَقَرَأْتُ لِنَفْسِي ، فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : أَتَيْتُ مَالِكًا ، وَأَنَا ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ؛ لَأَقْرَأَ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأَ فَاسْتَصْغَرَنِي فَذَكَرَ مِثْلَهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ، يَقُولُ : جِئْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ ، فَاسْتَأْذَنَتُ عَلَيْهِ فَدَخَلْتُ ، وَكُنْتُ أُرِيدُ أَنِ اسْمَعَ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ ، فَقُلْتُ : إِنْ جَعَلْتَهُ فِي أَوَّلٍ خَشِيتُ أَنْ سَيُبْطِلُهَ ، وَلَا يحَدِّثُنِي ، وَإِنْ جَعَلْتُهُ فِي آخِرٍ خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ ، فَأَخَذْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ حَدِيثٍ ، فَلَمَّا مَرَّتْ عَشَرَةٌ قَالَ : حَسْبُكَ فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : مَا نَظَرْتُ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ إِلَّا ازْدَدْتُ فَهْمًا
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَامِعٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ سَعِيدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : مَا كِتَابٌ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَنْفَعُ مِنْ كِتَابِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : لَوْلَا مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ لَذَهَبَ عِلْمُ الْحِجَازِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي رَجَاءَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : إِذَا جَاءَ مَالِكٌ فَمَالِكٌ كَالنَّجْمِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مَنْصُورٍ ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ خَلَفٍ الْبَزَّازُ أَبُو مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ حُسَيْنًا الْكَرَابِيسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : كُنْتُ امْرَأً أَكْتُبُ الشَّعْرَ فَآتِي الْبَوَادِيَ فَأَسْمَعُ مِنْهُمْ ، قَالَ : فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَخَرَجْتُ مِنْهَا ، وَأَنَا أَتَمَثَّلُ بِشَعْرٍ لِلَبِيدٍ ، وَأَضْرِبُ وَحْشِيَّ قَدَمَيَّ بِالسَّوْطِ , فَضَرَبَنِي رَجُلٌ مِنْ وَرَائِي مِنَ الْحَجَبَةِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمَّ ابْنُ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا ، مَا الشَّعْرُ ؟ هَلِ الشَّعْرُ إِذَا اسْتَحْكَمْتَ فِيهِ إِلَّا قَصَدْتَ مُعَلِّمًا ؟ تَفَقَّهْ يُعَلِّمْكَ اللَّهُ . قَالَ : فَنَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلَامِ ذَلِكَ الْحَجَبِيِّ ، قَالَ : وَرَجَعْتُ إِلَى مَكَّةَ ، وَكَتَبْتُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَكْتُبَ ثُمَّ كُنْتُ أُجَالِسُ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ الزَّنْجِيَّ ، ثُمَّ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، فَكَتَبْتُ مُوَطَّأَهُ فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ، تَأْتِي بِرَجُلٍ يَقْرَأُهُ عَلِيَّ فَتَسْمَعُ ، فَقُلْتُ : أَقْرَأُ عَلَيْكَ فَتَسْمَعُ إِلَى كَلَامِي . فَقَالَ لِي اقْرَأْ ، فَلَمَّا سَمِعَ قِرَاءَتِي أَذِنَ ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَتُ كِتَابَ السِّيَرِ فَقَالَ لِي : اطْوِهِ يَا ابْنَ أَخِي ، تَفَقَّهْ تَعْلُ . قَالَ : فَجِئْتُ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَكَلَّمْتُهُ أَنْ يُكَلِّمَ بَعْضَ أَهْلِنَا فَيُعْطِيَنِي شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ كَانَ بِي مِنَ الْفَقْرِ وَالفَاقَةِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ ، فَقَالَ لِي مُصْعَبٌ : أَتَيْتُ فُلَانًا ، فَكَلَّمْتُهُ فَقَالَ لِي : تُكَلِّمُنِي فِي رَجُلٍ كَانَ مِنَّا فَخَالَفَنَا ؟ قَالَ : فَأَعْطَانِي مِائَةَ دِينَارٍ ، وَقَالَ لِي مُصْعَبٌ : إِنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أُصَيِّرَ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا فَتَخْرُجُ مَعَنَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُعَوِّضَكَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ يُقْرِضُكَ ؟ قَالَ : فَخَرَجَ قَاضِيًا عَلَى الْيَمَنِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ ، فَلَمَّا صِرْنَا بِالْيَمَنِ وَجَالَسْنَا النَّاسَ ، كَتَبَ مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ إِلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ : إِنْ أَرَدْتَ الْيَمَنَ لَا يَفْسُدُ عَلَيْكَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدَيْكِ فَأَخْرِجْ عَنْهُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ ، وَذَكَرَ أَقْوَامًا مِنَ الطَّالِبِيِّينَ قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيَّ حَمَّادًا الْعَزِيزِيَّ ، فَأُوثِقْتُ بِالْحَدِيدِ ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى هَارُونَ قَالَ : فَأُدْخِلْتُ عَلَى هَارُونَ . قَالَ : فَأُخْرِجْتُ مِنْ عِنْدِهِ . قَالَ : وَقَدِمْتُ وَمَعِي خَمْسُونَ دِينَارًا . قَالَ : وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَوْمَئِذٍ بِالرَّقَّةِ ، قَالَ فَأَنْفَقْتُ تِلْكَ الْخَمْسِينَ دِينَارًا عَلَى كُتُبِهِمْ ، قَالَ : فَوَجَدْتُ مَثَلَهُمْ ، وَمَثَلَ كُتُبِهِمْ مَثَلَ رَجُلٍ كَانَ عِنْدَنَا يُقَالُ لَهُ فَرُّوخٌ ، وَكَانَ يَحْمِلُ الدُّهْنَ فِي زِقٍّ لَهُ ، فَكَانَ إِذَا قِيلَ لَهُ : عِنْدَكَ فُرْشُنَانُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَإِنْ قِيلَ لَهُ : عِنْدَكَ زَنْبَقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَإِنْ قِيلَ : عِنْدَكَ حَبْرٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَإِذَا قِيلَ لَهُ أَرِنِي - وَلِلزِّقِّ رُءُوسٌ كَثِيرَةٌ - فَيُخْرُجُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الرُّءُوسِ ، وَإِنَّمَا هِيَ دُهْنٌ وَاحِدٌ . وَكَذَلِكَ وَجَدْتُ كِتَابَ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّمَا يَقُولُ : كِتَابُ اللَّهِ ، وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ عَلَيْهٍ السَّلَامِ ، وَإِنَّمَا هُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ . قَالَ : فَسَمِعْتُ مَا لَا أُحْصِيهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ : إِنْ تَابَعَكُمُ الشَّافِعِيُّ فَمَا عَلَيْكُمْ مِنْ حِجَازِيٍّ كُلْفَةٌ بَعْدَهُ ، فَجِئْتُ يَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ هَمًّا وَغَمًّا مِنْ سَخَطِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَزَادِي قَدْ نَفِدَ . قَالَ : فَلَمَّا أَنْ جَلَسْتُ إِلَيْهِ أَقْبَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَطْعُنُ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْهِجْرَةِ ، فَقُلْتُ : عَلَى مَنْ تَطْعَنُ عَلَى الْبَلَدِ أَمْ عَلَى أَهْلِهِ . وَاللَّهِ لَئِنْ طَعَنْتَ عَلَى أَهْلِهِ إِنَّمَا تَطْعَنُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَإِنْ طَعَنْتَ عَلَى الْبَلْدَةِ فَإِنَّهَا بَلْدَتُهُمُ الَّتِي دَعَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يبَارَكَ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ ، وَحَرَّمَهُ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَكَّةَ ، لَا يُقْتَلُ صَيْدُهَا عَلَى أَيِّهِمْ تَطْعَنُ ؟ فَقَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَطْعَنَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ أَوْ عَلَى بَلْدَتِهِ ، وَإِنَّمَا أَطْعَنُ عَلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ , فَقُلْتُ : مَا هُوَ ؟ فَقَالَ : الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ ، فَقُلْتُ لَهُ : وَلِمَ طَعَنْتَ ؟ قَالَ : فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ : فَكُلُّ خَبَرٍ يَأْتِيكَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ أَتُسْقِطُهُ ؟ قَالَ : فَقَالَ كَذَا يَجِبُ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ ؟ قَالَ : فَتَفَكَّرَ سَاعَةً فَقُلْتُ لَهُ : أَجِبْ ، فَقَالَ : لَا تَجِبُ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : هَذَا مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ ، لَمَ قُلْتَ : إِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؟ قَالَ : فَقَالَ : لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا وَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ . قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَأَخْبَرَنِي عَنِ الشَّاهِدَيْنِ ؛ حَتْمٌ مِنَ اللَّهِ ؟ قَالَ : فَمَا تُرِيدُ مِنْ ذَا ؟ قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : لَئِنْ زَعَمَتَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ حَتْمٌ مِنَ اللَّهِ لَا غَيْرَ ، كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقُولَ : إِذَا زَنَى زَانٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا رَجَمْتُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مِحْصَنٍ جَلَدْتُهُ . قَالَ : لَيْسَ هُوَ حَتْمًا مِنِ اللَّهِ . قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِذَا لَمْ يَكُنْ حَتْمًا مِنَ اللَّهِ فَتُنَزَّلُ الْأَحْكَامُ مَنَازِلَهَا فِي الزِّنَا أَرْبَعًا ، وَفِي غَيْرِهِ شَاهِدَيْنِ ، وَفِي غَيْرِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ . وَإِنَّمَا أَعْنَى فِي الْقَتْلِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ قَتْلًا وَقَتْلًا أَعْنِي بِشَهَادَةِ الزِّنَا ، وَأَعْنِي بِشَهَادَةِ الْقَتْلِ ، فَكَانَ هَذَا قَتْلًا ، وَهَذَا قَتْلًا ، غَيْرَ أَنَّ أَحْكَامَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ ، فَكَذَلِكَ كُلُّ حُكْمٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنْهَا بِأَرْبَعٍ ، وَمِنْهَا بِشَاهِدَيْنِ ، وَمِنْهَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَمِنْهَا بِشَاهِدٍ وَالْيَمِينِ ، فَرَأَيْتُكَ تَحْكُمُ بِدُونِ هَذَا ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَمَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ ؟ فَقَالَ : أَصْحَابِي يَقُولُونَ فِيهِ : مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرِّجَالِ ، وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلنِّسَاءِ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : أَبِكِتَابِ اللَّهِ هَذَا أَمْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَمَا تَقُولُ فِي الرَّجُلَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْحَائِطِ . قَالَ : فَقَالَ : فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ نَنْظُرُ إِلَى الْعَقْدِ مِنْ أَيْنَ هُوَ إِلَيْنَا فَأَحْكُمُ لِصَاحِبِهِ ، قَالَ : فَقُلْتُ : أَبِكِتَابِ اللَّهِ هَذَا أَمْ بِسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قُلْتُ : فَمَا تَقُولُ فِي رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا حُصٌّ فَيَخْتَلِفَانِ ، لِمَنْ تَحْكُمُ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ ؟ قَالَ : أَنْظُرُ إِلَى مَعَاقِدِهِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ هُوَ ، فَأَحْكُمُ لَهُ ، قُلْتُ : بِكِتَابِ اللَّهِ هَذَا أَمْ بِسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَمَا تَقُولُ فِي وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ يَحْضُرُهَا إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ الْقَابِلَةُ ، وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا ؟ فَقَالَ لِي : الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا نَقْبَلُهَا ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : هَذَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قَالَ : ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : أَتَعْجَبُ مِنْ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَحَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَحَكَمَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْعِرَاقِ ، وَقَضَى وَحَكَمَ بِهِ شُرَيْحٌ ؟ قَالَ : وَرَجُلٌ مِنْ وَرَائِي يَكْتُبُ أَلْفَاظِي ، وَأَنَا لَا أَعْلَمُ قَالَ : فَأُدْخِلَ عَلَى هَارُونَ ، وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَقَالَ هَرْثَمَةُ بْنُ أَعْيَنَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا - فَقَالَ : اقْرَأْهُ عَلَيَّ ثَانِيًا ، قَالَ : فَأَنْشَأَ هَارُونُ يَقُولُ : صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَعَلَّمُوا مِنْ قُرَيْشٍ ، وَلَا تُعَلِّمُوهَا ، قَدِّمُوا قُرَيْشًا ، وَلَا تَقَدَّمُوهَا مَا أُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَعْلَمُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : فَرَضِيَ عَنِّي وَأَمَرَ لِي بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ . قَالَ : فَخَرَجَ بِهِ هَرْثَمَةُ ، وَقَالَ لِي بِالشَّرْطِ : هَكَذَا ، فَاتَّبَعْتُهُ فَحَدَّثَنِي بِالْقَصَّةِ ، وَقَالَ لِي : قَدْ أَمَرَ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَقَدْ أَضَفْنَا إِلَيْهِ مِثْلَهُ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا مَلَكْتُ قَبْلَهَا أَلْفَ دِينَارٍ إِلَّا فِي ذَاكَ الْوَقْتِ . قَالَ : وَكُنْتُ رَجُلًا أَسْتَتْبِعُ فَأَغْنَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْ مُصْعَبٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرٍ أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ - فِي طَرِيقِ مِصْرَ - قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِدْرِيسَ ، - وَرَّاقُ الْحُمَيْدِيِّ - عَنِ الشَّافِعِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّي وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَا تُعْطِي الْمُعَلِّمَ ، وَكَانَ الْمُعَلِّمُ قَدْ رَضِيَ مِنِّي أَخْلُفُهُ إِذَا قَامَ ، فَلَمَّا خَتَمْتُ الْقُرْآنَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَكُنْتُ أُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ ، فَأَحْفَظُ الْحَدِيثَ ، أَوِ الْمَسْأَلَةَ ، وَكَانَ مَنْزِلُنَا بِمَكَّةَ فِي شِعْبِ الْخَيْفِ ، فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْعَظْمِ يَلُوحُ فَأَكْتُبُ فِيهِ الْحَدِيثَ وَالْمَسْأَلَةَ ، وَكَانَتْ لَنَا جَرَّةٌ قَدِيمَةٌ فَإِذَا امْتَلَأَ الْعَظْمُ طَرَحْتُهُ فِي الْجَرَّةِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَوْحٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيَّ ، يَذْكُرُ عَنِ الشَّافِعِيِّ ، قَالَ : طَلَبْتُ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ خِفَّةِ ذَاتِ يَدٍ ، كُنْتُ أُجَالِسُ النَّاسَ ، وَأَتَحَفَّظُ ، ثُمَّ اشْتَهَيْتُ أَنْ أُدَوِّنَ ، وَكَانَ مَنْزِلُنَا بِمَكَّةَ بِقُرْبِ شِعْبِ الْخَيْفِ ، فَكُنْتُ أَجْمَعُ الْعِظَامَ ، وَالْأَكْتَافَ فَأَكْتُبُ فِيهَا حَتَّى امْتَلَأَ مِنْ دَارِنَا ذَلِكَ جِبَابٌ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنٍ ، ثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا اشْتَدَّ عَلِيَّ مَوْتُ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِثْلُ مَوْتِ ابْنِ أَبِي ذِيبٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ : مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَدْرَكَهُمَا حَتَّى تَأَسَّفَ عَلَيْهِمَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ الْجَوْهَرِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : صَاحِبُنَا أَعْلَمُ أَمْ صَاحِبُكُمْ . قُلْتُ : تُرِيدُ الْمُكَابَرَةَ أَوِ الْإِنْصَافُ ؟ قَالَ : بَلِ الْإِنْصَافُ قَالَ : قُلْتُ : فَمَا الْحِجَّةُ عِنْدَكُمْ . قَالَ : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ . قَالَ : قُلْتُ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ ، أَصْاحَبُنَا أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَمْ صَاحِبَكُمْ . قَالَ : إِذْ أَنْشَدْتَنِي بِاللَّهِ فَصَاحِبُكُمْ قُلْتُ : فَصَاحِبُنَا أَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمْ صَاحِبَكُمْ ؟ قَالَ : صَاحِبُكُمْ ، قُلْتُ : فَصَاحِبُنَا أَعْلَمُ بِأَقَاوِيلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمْ صَاحِبِكُمْ . قَالَ : فَقَالَ : صَاحِبُكُمْ ، قَالَ : قُلْتُ : فَبَقِيَ شَيْءٌ غَيْرُ الْقِيَاسِ قَالَ : لَا . قُلْتُ : فَبِحَقٍّ نَدَّعِي الْقِيَاسَ أَكْثَرَ مِمَّا تَدَّعُونَهُ ، وَإِنَّمَا يُقَاسُ عَلَى الْأُصُولِ فَيُعْرِفُ الْقِيَاسُ قَالَ : وَيُرِيدُ بِصَاحِبِهِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ آدَمَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : أَقَمْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ثَلَاثَ سِنِينَ وَكَسْرًا ، وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ ، لَفْظًا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعمِائَةِ حَدِيثٍ قَالَ : وَكَانَ إِذَا حَدَّثَهُمْ عَنْ مَالِكٍ امْتَلَأَ مَنْزِلُهُ وَكَثُرَ النَّاسُ حَتَّى يضَيِّقَ عَلَيْهِمُ الْمَوْضِعُ ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ غَيْرِ مَالِكٍ لَمْ يَجِئْهُ إِلَّا الْيَسِيرُ فَكَانَ يَقُولُ : مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْوَأَ ثَنَاءً عَلَى أَصْحَابِكُمْ مِنْكُمْ ؛ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ مَالِكٍ مَلَأْتُمْ عَلَيَّ الْمَوْضِعَ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ أَصْحَابِكُمْ ، إِنَّمَا تَأْتُونَ مُتَكَارِهِينَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ دَاوُدَ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ ، وَرَّاقَ الْحُمَيْدِيِّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْحُمَيْدِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : كُنْتُ أَطْلُبُ الشَّعْرَ وَأَنَا صَغِيرٌ ، وَأَكْتُبُ ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِمَكَّةَ أَوْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ مَكَّةَ إِذْ سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ بْنَ إِدْرِيسَ ، عَلَيْكَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ ، قَالَ : فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ، فَرَجَعْتُ , فَكُنْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمُ وَأَكْتُبُهُ عَلَى الْخِرَقِ ، وَأَطْرَحُهُ فِي الزِّيرِ ، حَتَّى امْتَلَأَ ، وَكُنْتُ يَتِيمًا ، وَلَمْ يَكُنْ لِأُمِّي شَيْءٌ ، فَوَلِيَ عَمٌّ لِي نَاحِيَةَ الْيَمَنِ عَلَى الْقَضَاءِ ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مِنَ الْيَمَنِ ، أَتَيْتُ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ الزَّنْجِيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ السَّلَامَ ، وَقَالَ أَحَدُهُمْ يَجِيئُنَا حَتَّى إِذَا ظَنَنَّا أَنَّهُ يُصْلِحُ أَفْسَدَ نَفْسَهُ ، قَالَ : فَسِرْتُ إِلَى سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ وَقَالَ : قَدْ بَلَغَنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا كُنْتَ فِيهِ ، وَمَا بَلَغَنِي إِلَّا خَيْرٌ ، فَلَا تَعُدْ . قَالَ : ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَرَأْتُ الْمُوَطَّأَ عَلَى مَالِكٍ . قَالَ : ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الْعِرَاقِ ، فَصِرْتُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَكُنْتُ أُنَاظِرُ أَصْحَابَهُ قَالَ : فَشَكَوْنِي إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَقَالُوا : إِنَّ هَذَا الْحِجَازِيَّ يَعِيبُ عَلَيْنَا قَوْلَنَا ، وَيُخَطِّئُنَا . فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ذَلِكَ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّا كُنَّا لَا نَعْرِفُ إِلَّا التَّقْلِيدَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْكُمْ سَمِعْنَاكُمْ تَقُولُونَ : لَا تُقَلِّدُوا ، وَاطْلُبُوا الْحَقَّ وَالْحِجَاجَ ، فَقَالَ لِي : فَنَاظِرْنِي . فَقُلْتُ : أُنَاظِرُ بَعْضَ أَصْحَابِكَ ، وَأَنْتَ تَسْمَعُ ، فَقَالَ : لَا ، إِلَّا أَنَا . قَالَ : فَقُلْتُ : ذَلِكَ . قَالَ : فَتَسْأَلُ أَوْ أَسْأَلُ ؟ قُلْتُ : مَا شِئْتَ قَالَ : فَمَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ عَمُودًا فَبَنَى عَلَيْهِ قَصْرًا فَجَاءَهُ مُسْتَحِقٌّ فَاسْتَحَقَّهُ ؟ قُلْتُ : يُخَيَّرُ بَيْنَ الْعَمُودِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ ، فَإِنِ اخْتَارَ الْعَمُودَ هَدَمَ الْقَصْرَ وَأَخْرَجَ الْعَمُودَ فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ . قَالَ : فَمَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ خَشَبَةً فَبَنَى عَلَيْهَا سَفِينَةً ، ثُمَّ لَجَجَ بِهَا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا ، فَاسْتَحَقَّهَا ؟ قُلْتُ : تُقْدَمُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَرْسَيَيْنِ ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ الْخَشَبَةِ ، فَإِنْ أَخَذَ قِيمَتَهَا ، وَإِلَّا نَقَضَ السَّفِينَةَ وَرَدَّ الْخَشَبَةَ إِلَى صَاحِبِهَا ، قَالَ : فَمَاذَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ خَيْطَ إِبْرَيْسَمٍ ، فَخَاطَ بِهِ جُرْحَهُ ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ فَاسْتَحَقَّهُ ؟ قُلْتُ : لَهُ قِيمَتُهُ ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ ، وَقَالُوا : تَرَكْتَ قَوْلَكَ يَا حِجَازِيُّ ، فَقُلْتُ لَهُ : عَلَى رِسْلِكَ ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْقَصْرِ أَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ قَصْرَهُ وَيَرُدَّ الْعَمُودَ إِلَى صَاحِبِهِ وَلَا يعْطِيَهُ قِيمَتَهُ ، كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : لَا ، فَقُلْتُ : أَرَأَيْتَ إِنْ صَاحِبُ السَّفِينَةِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ السَّفِينَةَ وَيَرُدَّ الْخَشَبَةَ إِلَى صَاحِبِهَا ، أَكَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَهُ ؟ قَالَ : لَا قُلْتُ : أَرَأَيْتَ إِنْ صَاحِبُ الْجُرْحِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ جُرْحَهُ ، وَيُخْرِجَ الْخَيْطَ الَّذِي خَاطَ بِهِ الْجُرْحَ ، وَيَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ ، أَكَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْتُ : فَكَيْفَ تَقِيسُ مَا هُوَ مَحْظُورٌ بِمَا هُوَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّسَائِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمٍ الْإِسْفَرَايِنِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ إِمْلَاءً قَالَ : سَمِعْتُ الْحُمَيْدِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : كُنْتُ يَتِيمًا مَعَ أُمِّي ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَا تُعْطِي الْمُعَلِّمَ . فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَمُنَاظَرَتَهُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَزَادَ : فَقُلْتُ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَتَقِيسُ عَلَى مُبَاحٍ بِمُحْرِمٍ ؟ هَذَا حَرَامٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا مُبَاحٌ لَهُ . قَالَ : فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِالسَّفِينَةِ ؟ قُلْتُ : آمُرُهُ أَنْ يَقْرَبَ إِلَى أَقْرَبِ الْمَرَاسِي إِلَيْهِ مَرْسًى لَا يَهْلِكُ فِيهِ وَلَا أَصْحَابُهُ ، فَأَنْزِعَ اللَّوْحَ ، وَأَدْفَعُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ ، وَأَقُولُ لَهُ : أَصْلِحْ سَفِينَتَكَ ، وَاذْهَبْ . قَالَ : أَلَيْسَ قَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فَقُلْتُ : مَنْ ضَارَّهُ ، هُوَ ضَارَّ نَفْسَهُ . وَقُلْتُ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَأَوْلَدَهَا عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ ، كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَخَطَبَ عَلَى الْمَنَابِرِ وَقَضَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . ثُمَّ أَثْبَتَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ بِشَاهِدَيْنِ عِدْلَيْنِ أَنَّ هَذَا غَصَبَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَأَوْلَدَهَا هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادَ بِمَ كُنْتَ تَحْكُمُ ؟ قَالَ : أَحْكُمُ بِأَوْلَادِهِ أَرِقَّاءَ لِصَاحِبِ الْجَارِيَةِ وَأَرُدُّ الْجَارِيَةَ عَلَيْهِ قَالَ : فَقُلْتُ : نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَيُّهُمَا أَعْظَمُ ضَرَرًا إِنْ رَدَدْتَ أَوْلَادَهُ رَقِيقًا ، أَوْ إِنْ قَلَعْتَ السَّاجَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا أَبُو بِشْرٍ أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ ، فِي طَرِيقِ مِصْرَ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِدْرِيسَ وَرَّاقُ الْحُمَيْدِيِّ , قَالَ : سَمِعْتُ الْحُمَيْدِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلِيتُ نَجْرَانَ وَبِهَا بَنُو الْحَارِثِ ، وَمَوَالِي ثَقِيفٍ ، فَجَمَعْتُهُمْ فَقُلْتُ : اخْتَارُوا سَبْعَةَ نَفَرٍ مِنْكُمْ فَمَنْ عَدَّلُوهُ كَانَ عَدْلًا ، وَمَنْ جَرَحُوهُ كَانَ مَجْرُوحًا ، فَجَمَعُوا لِي سَبْعَةَ نَفَرٍ مِنْهُمْ ، فَجَلَسْتُ لِلْحُكِمِ ، فَقُلْتُ لِلْخُصُومِ : تَقَدَّمُوا فَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عِنْدِي الْتَفَتُّ إِلَى السَّبْعَةِ فَإِنْ عَدَّلُوهُ كَانَ عَدْلًا ، وَإِنْ جَرَحُوهُ قُلْتُ : زِدْنِي شُهُودًا فَلَمَّا أَثْبَتُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَجَعَلْتُ أُسَجِّلُ وَأَحْكُمُ ، فَنَظَرُوا إِلَى حُكْمِ جَارٍ فَقَالُوا : إِنَّ هَذِهِ الضِّيَاعَ وَالْأمْوَالَ الَّتِي يَحْكُمُ عَلَيْنَا فِيهَا لَيْسَتْ لَنَا إِنَّمَا هِيَ لِلْمَنْصُورِ بْنِ الْمَهْدِيِّ فِي أَيْدِينَا . فَقُلْتُ لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ . وَأَقَرَّ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ حُكْمِي فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ هَذِهِ الضَّيْعَةَ أَوِ الْمَالَ الَّذِي حَكَمْتُ عَلَيْهِ فِيهِ لَيْسَتْ لَهُ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمَنْصُورِ بْنِ الْمَهْدِيِّ فِي يَدِهِ ، وَمَنْصُورُ بْنُ الْمَهْدِيِّ عَلَى حُجَّتِهِ شَيْءٌ قَائِمٌ ، فَخَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَزَالُوا يَعْمَلُونَ فِيَّ حَتَّى دُفِعْتُ إِلَى الْعِرَاقِ فَقِيلَ لِي : انْزِلِ الْبَابَ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَا بُدَّ لِي مِنَ الِاخْتِلَافِ إِلَى بَعْضِ أُولَئِكَ ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ جَيِّدَ الْمَنْزِلَةِ ، فَكَتَبْتُ كُتُبَهُ ، وَعَرَفْتُ قَوْلَهُمْ فَكَانَ إِذَا قَامَ نَاظَرْتُ أَصْحَابَهُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ ، ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ سَوَادٍ ، يَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَفْلَسْتُ مِنْ دَهْرِي ثَلَاثَ إِفْلَاسَاتٍ ، فَكُنْتُ أَبِيعُ قَلِيلِي وَكَثِيرِي ، وَحُلِيَّ ابْنَتِي وَزَوْجَتِي ، ولَمْ أَرْهَنْ قَطُّ قَالَ : وَكَانَ أَسْخَى النَّاسِ عَلَى الطَّعَامِ وَالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دَاوُدَ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَتْحُونَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِي مَالٌ كُنْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي الْحَدَاثَةِ فَكُنْتُ أَذْهِبُ إِلَى الدِّيوَانِ أَسْتَوْهِبُ الظُّهُورَ أَكْتُبُ عَلَيْهَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ ، ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ سَوَادٍ ، يَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَتْ نَهْمَتِي فِي شَيْئَيْنِ فِي الرَّمْيِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ ، فَنِلْتُ مِنَ الرَّمْيِ حَتَّى كُنْتُ أُصِيبُ مِنَ الْعَشَرَةِ عَشْرَةً ، وَسَكَتَ عَنِ الْعِلْمِ ، فَقُلْتُ : أَنْتَ وَاللَّهِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرُ مِنْكَ فِي الرَّمْيِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْمَكِّيُّ ثنا ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : كَانَ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ حَدَثٌ يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ ، وَمَا نَظَرَ فِي شَيْءٍ إِلَّا فَاقَ فِيهِ ، فَجَلَسَ يَوْمًا ، وَامْرَأَةٌ تُطْلَقُ فَحَسَبَ فَقَالَ : تَلِدُ جَارِيَةً عَوْرَاءَ عَلَى فَرْجِهَا خَالٌ أَسْوَدُ تَمُوتُ إِلَى كَذَا وَكَذَا . فَوَلَدَتْ ، وَكَانَ كَمَا قَالَ ، فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ أَبَدًا ، وَدَفَنَ الْكُتُبَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ فِي النُّجُومِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرْجَانِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَخْلَدٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ النُّعْمَانِ ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : حَمَلْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، حِمْلَ بُخْتِيٍّ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا سَمَاعِي
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا أَبِي ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، يَقُولُ : أَنْفَقْتُ عَلَى كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ سِتِّينَ دِينَارًا ، ثُمَّ تَدَبَّرْتُهَا فَوَضَعْتُ إِلَى جَنْبِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ حَدِيثًا ، يَعْنِي رَدًّا عَلَيْهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِدْرِيسَ - وَرَّاقِ الْحُمَيْدِيِّ - قَالَ : سَمِعْتُ الْحُمَيْدِيَّ يَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : خَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ فِي طَلَبِ كُتُبِ الْفِرَاسَةِ حَتَّى كَتَبْتُهَا وَجَمَعْتُهَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثَنَا أَبِي ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْوَاسِطِيِّ ، قَالَ : كَتَبَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمِّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَكَتَبَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حُسَيْنٍ الْأَلْثَغِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ : لِحِرْصِ الشَّافِعِيِّ عَلَى طَلَبِ الصَّحِيحِ مِنَ الْعِلْمِ كَتَبَ عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ الْحَدِيثَ الَّذِي احْتَاجَ إِلَيْهِ ، وَلَمْ يَأْنَفْ بِكِتَابَتِهِ عَمَّنْ هُوَ فِي سِنِّهِ ، وَأَصْغَرُ مِنْهُ وَلَعَلَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ كَانَ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، فَلَمْ يبَالِ بِذَاكَ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ غُنْدَرٌ ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ثنا أَبُو نَصْرٍ الْمَخْزُومِيُّ الْكُوفِيُّ ثنا الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ حَاجِبُ هَارُونَ الرَّشِيدِ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ صِيَارَةُ سُيوفٍ وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْعَذَابِ فَقَالَ لِي : يَا فَضْلُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : عَلَيَّ بِهَذَا الْحِجَازِيِّ - يَعْنِي الشَّافِعِيَّ - فَقُلْتُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، ذَهَبَ هَذَا الرَّجُلُ . قَالَ : فَأَتَيْتُ الشَّافِعِيَّ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ : أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ . فَصَلَّى ثُمَّ رَكِبَ بَغْلَةً كَانَتْ لَهُ ، فَصِرْنَا مَعًا إِلَى دَارِ الرَّشِيدِ ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الدِّهْلِيزَ الْأَوَّلَ حَرَّكَ الشَّافِعِيُّ شَفَتَيْهِ ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الدِّهْلِيزَ الثَّانِي حَرَّكَ شَفَتَيْهِ ، فَلَمَّا وَصَلْنَا بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ قَامَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَالْمُسْتَرِيبِ لَهُ ، فَأَجْلَسَهُ مَوْضِعَهُ وَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ وَخَاصَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا أَعَدَّ لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَتَحَدَّثُوا طَوِيلًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ بِالِانْصِرَافِ . فَقَالَ لِي : يَا فَضْلُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ : احْمِلْ بَيْنَ يَدَيْهِ بَدْرَةً فَحَمَلْتُ ، فَلَمَّا سِرْنَا إِلَى الدِّهْلِيزِ الْأَوَّلِ قُلْتُ : سَأَلْتُكَ بِالَّذِي صَيَّرَ غَضَبَهُ عَلَيْكَ رِضًا إِلَّا مَا عَرَّفْتَنِي مَا قُلْتَ فِي وَجْهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى رَضِيَ ؟ فَقَالَ لِي : يَا فَضْلُ . قُلْتُ : لَبَّيْكَ أَيُّهَا السَّيِّدُ الْفَقِيهُ ، قَالَ : خُذْ مِنِّي وَاحْفَظْ عَنِّي : {{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }} الْآيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِنُورِ قُدْسِكَ ، وَبِبَرَكَةِ طَهَارَتِكَ ، وَبِعَظَمَةِ جَلَالِكَ مِنْ كُلِّ عَاهَةٍ وَآفَةٍ وَطَارِقِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ مِنْكَ يَا رَحْمَنُ . اللَّهُمَّ بِكَ مَلَاذِي قَبْلَ أَنْ أَلُوذَ . وَبِكَ غِيَاثِي قَبْلَ أَنْ أَغُوثَ ، يَا مَنْ ذَلَّتْ لَهُ رِقَابُ الْفَرَاعِنَةِ ، وَخَضَعَتْ لَهُ مَغَالِيظُ الْجَبَابِرَةِ ، ذِكْرُكَ شِعَارِي ، وَثَنَاؤُكَ دِثَارِي ، أَنَا فِي حِرْزِكَ لَيْلِي وَنَهَارِي ، وَنَوْمِي وَقَرَارِي ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، اضْرِبْ عَلَيَّ سُرَادِقَاتِ حِفْظِكَ ، وَقِنِي وَأَغْنِنِي بِخَيْرٍ مِنْكَ يَا رَحْمَنُ . قَالَ الْفَضْلُ : فَكَتَبْتُهَا فِي شَرِكَةِ قِبَائِي . وَكَانَ الرَّشِيدُ كَثِيرَ الْغَضَبِ عَلِيَّ فَكَانَ كُلَّمَا هَمَّ أَنْ يَغْضَبَ أُحَرِّكُهَا فِي وَجْهِهِ فَيَرْضَى . فَهَذَا مَا أَدْرَكْتُ مِنْ بَرَكَةِ الشَّافِعِيِّ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُكْرَمٍ ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ ، قَالَ : قَالَ الرَّشِيدُ يَوْمًا لِلْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسَهُ : يَا فَضْلُ ، أَيْنَ هَذَا الْحِجَازِيُّ , كَالْمُغْضَبِ , فَقُلْتُ : هَاهُنَا فَقَالَ : عَلَيَّ بِهِ ، فَخَرَجْتُ وَبِي مِنَ الْغَمِّ وَالْحَزَنِ لِمَحَبَّتِي لِلشَّافِعِيِّ لِفَصَاحَتِهِ ، وَبَرَاعَتِهِ ، وَعَقْلِهِ ، فَجِئْتُ إِلَى بَابِهِ فَأَمَرْتُ مَنْ دَقَّ عَلَيْهِ وَكَانَ قَائِمًا يُصَلَّى ، فَتَنَحْنَحَ ، فَوَقَفْتُ ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ، وَفَتَحَ الْبَابَ فَقُلْتُ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : سَمْعًا وَطَاعَةً . وَجَدَّدَ الْوضُوءَ وَارْتَدَى ، وَخَرَجَ يَمْشِي حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الدَّارِ فَمِنْ شَفَقَتِي عَلَيْهِ قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، قِفْ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالَتِهِ كَالْمُغْضَبِ وَقَالَ : أَيْنَ الْحِجَازِيُّ ؟ فَقُلْتُ : عِنْدَ السَّيْرِ ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ فَقَامَ يَمْشِي رُوَيْدًا ، وَيحَرِّكُ شَفَتَيْهِ ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَامَ إِلَيْهِ فَاسْتَقْبَلَهُ ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَهَشَّ وَبَشَّ ، وَقَالَ : لِمَ لَا تَزُورُنَا أَوْ تَكُونُ عِنْدَنَا ؟ فَأَجْلَسَهُ ، وَتَحَدَّثَا سَاعَةً ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِبَدْرَةِ دَنَانِيرَ ، فَقَالَ : لَا أَرَبَ لِي فِيهِ ، قَالَ الْفَضْلُ : فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ ، فَسَكَتَ ، وَأَمَرَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ رُدَّهُ إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَخَرَجْتُ وَالْبَدْرَةُ تُحْمَلُ مَعَهُ فَجَعَلَ يُنْفِقُهَا يُمْنَةً وَيُسْرَةً حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَمَا مَعَهُ دِينَارٌ فَلَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَهُ قُلْتُ : قَدْ عَرَفْتَ مَحَبَّتِي لَكَ ، فَبِالَّذِي سَكَّنَ غَضَبَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْكَ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنِي مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي دُخُولِكَ مَعِي عَلَيْهِ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَرَأَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ : {{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }} إِلَى قَوْلِهِ : {{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }} . ثُمَّ قَالَ : وَأَنَا أَشْهَدُ بِمَا شَهِدَ اللَّهُ بِهِ وَأَسْتَوْدِعُ اللَّهَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ اللَّهِ ، يؤَدِّيهَا إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِنُورِ قُدُسِكَ ، وَعَظِيمِ بَرَكَتِكَ ، وَعَظْمَةِ طَهَارَتِكَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعَاهَةٍ ، وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ غِيَاثِي بِكَ أَسْتَغِيثُ ، وَأَنْتَ مَلَاذِي بِكَ أَلُوذُ ، وَأَنْتَ عِيَاذِي ، بِكَ أَعُوذُ ، يَا مِنْ ذَلَّتْ لَهُ رِقَابُ الْجَبَابِرَةِ وَخَضَعَتْ لَهُ أَعْنَاقُ الْفَرَاعِنَةِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ خِزْيِكَ ، وَمِنْ كَشْفِ سِتْرِكَ ، وَنِسْيَانِ ذِكْرِكَ ، وَالِانْصِرَافِ عَنْ شُكْرِكَ ، أَنَا فِي حِرْزِكَ لِيَلِي وَنَهَارِي ، وَنَوْمِي وَقَرَارِي ، وَظَعْنِي وَأَسْفَارِي ، وَحَيَاتِي وَمَمَاتِي ، ذِكْرُكَ شِعَارِي ، وَثَنَاؤُكَ دِثَارِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ تَشْرِيفًا لِعَظَمَتِكَ وَتَكْرِيمًا لِسَبَحَاتِ وَجْهِكَ ، أَجِرْنِي مِنْ خِزْيِكَ وَمِنْ شَرِّ عِبَادِكَ ، وَاضْرِبْ عَلَيَّ سُرَادِقَاتِ حِفْظِكَ ، وَأَدْخِلْني فِي حِفْظِ عِنَايَتِكَ ، وَجُدْ عَلَيَّ مِنْكَ بِخَيْرٍ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى : قَالَ الْفَضْلُ : فَحَفِظْتُهُ ، فَلَمْ يَغْضَبْ عَلَيَّ الرَّشِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ . فَهَذَا أَوَّلُ بَرَكَةِ الشَّافِعِيِّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ ، ثنا زَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَيْضِ بْنِ صَقْرٍ الْحِمْيَرِيُّ الشِّيرَازِيُّ ، بِهَا إمْلَاءً مِنْ أَصْلِهِ , ثنا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الثَّعْلَبِيُّ بِمِصْرَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَبَّالِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَجُلًا شَرِيفًا ، وَكَانَ يَطْلُبُ اللُّغَةَ وَالْعَرَبِيَّةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّعَرَ فِي صِغَرِهِ ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَخْرُجُ إِلَى الْبَدْوِ وَيَحْمِلُ مَا فِيهِ مِنَ الْأَدَبِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِذْ جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ بَدَوِيٌّ ، فَقَالَ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ تَحِيضُ يَوْمًا ، وَتَطْهُرُ يَوْمًا ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي . فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي : الْفَضِيلَةُ أَوْلَى بِكَ مِنَ النَّافِلَةِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّمَا أُرِيدُ هَذَا لِذَاكَ ، وَعَلَيْهِ قَدْ عَزَمْتُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَبِهِ أَسْتَعِينُ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَكَانَ مَالِكُ صَدُوقًا فِي حَدِيثِهِ ، صَادِقًا فِي مَجْلِسِهِ وَحِيدًا فِي جُلُوسِهِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، وَارْتَفَعَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَنَهَرَهُ مَالِكٌ ، فَوَجَدَهُ مُوَقَّرًا فِي الْأَدَبِ ، فَرَفَعَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ ، وَقَدَمَهُ عَلَيْهِمْ ، وَقَرَّبَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَ مَالِكٍ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْيَمَنِ ، وَقَدْ خَرَجَ بِهَا الْخَارِجِيُّ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ ، وَطَعَنَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ ، وَأَعْرِضْ عَمَّنْ سَاعَدَهُ ، وَرَفَعَ مَنْ قَعَدَ عَنْهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْخَارِجِيَّ مَا يَقُولُ فِيهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَأَحْضَرَهُ عِنْدَهُ ، وَهَمَّ بِقَتْلِهِ ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامَهُ ، وَتَبَيَّنَ لَهُ شَرَفَهُ ، وَفَضْلُهُ وَعِفَّتُهُ عَفَا عَنْهُ ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْيَمَنِ ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَشْخَصَ هَارُونُ جَيْشَهُ إِلَى ذَلِكَ الْخَارِجِيِّ ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَحُمِلَ إِلَى بِسَاطِ السُّلْطَانِ ، وَحُمِلَ مَعَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَأُحْضِرَا جَمِيعًا بَيْنَ يَدَيِ الرَّشِيدِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامِي ، وَتَجْعَلُ عُقُوبَتَكَ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِي ، ثُمَّ تَضُمَّنِي بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَا يَلِيقُ لِي مِنَ الشِّدَّةِ أَوِ الرَّخَاءِ ، فَقَالَ لَهُ : هَاتِ . فَبَيَّنَ لَهُ الْقِصَّةَ وَعَرَّفَهُ شَرَفَهُ وَذَكَرَ لَهُ كَلَامًا اسْتَحْسَنَهُ هَارُونُ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيْهِ , فَأَعَادَ تِلْكَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظٍ أَعْذَبَ مِنْهَا . فَقَالَ لَهُ هَارُونُ : كَثَّرَ اللَّهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي مِثْلَكَ ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ حَاضِرًا ، فَلَمْ يَقْصُرْ وَخَلَّى لَهُ السَّبِيلَ ، وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ أَيَّامًا ثُمَّ سَأَلَهُ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ كُتُبِهِ ، وَكُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَدِ اسْتَبْعَدَ الْوَرَّاقِينَ فَكَتَبُوا لَهُ مِنْهَا مَا أَرَادَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً يَنْقُضُ أَقَاوِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَتَّى دَوَّنَ كَلَامَهُ ، ثُمَّ اسْتَخَارَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَالِكٍ فَأُرِيَ ذَلِكَ فِي الْمَنَامِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ مِنَ الْكَلَامِ - أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ وَالدَّارُ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ، يَحْكُمُونَ فِيهِ ، وَيَسْتَسْقُونَ بِمَوْطئِهِ فَلَمَّا عَايَنُوهُ فَرِحُوا بِهِ ، فَلَمَّا خَالَفَهُمْ ، وَثَبُوا عَلَيْهِ ، وَنالُوا مِنْهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ سُلْطَانَهُمْ ، فَجَمَعَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامَهُ ، وَتَبَيَّنَ لَهُ فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِمْ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الْجَامِعِ ، وَأَمَرَ الْحَاجِبَ أَنْ لَا يَحْجُبُهُ أَيَّ وَقْتٍ جَاءَ . فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُ يَعْلُو ، وَأَصْحَابُهُ يَتَزَايَدُونَ إِلَى أَنْ وَرَدَتْ مَسْأَلَةٌ مِنْ هَارُونَ الرَّشِيدِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهَا وَقَدِ اسْتَكْتَمَهَا الْفُقَهَاءَ ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ وَقَبِلُوهَا مِنْهُ طَوْعًا ، وَمِنْهُمْ كَرْهًا فَجِيءَ بِالْمَسْأَلَةِ إِلَى الشَّافِعِيِّ فَلَمَّا نَظَرَ فِيهَا قَالَ : غَفَلَ وَاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْحَقِّ ، وَأَخْطَأَ الْمَسِيرَ ، عَلَيْهِ بِهَذَا وَحَقُّ اللَّهِ عَلَيْنَا أَوْجَبُ وَأَعْظَمُ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَخِلَافُ مَا اعْتَقَدَتْهُ الْأَئِمَّةُ وَالْخَلَفُ . فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى هَارُونَ فَكَتَبَ فِي حَمْلِهِ مُقَيَّدًا فَحُمِلَ حَتَّى أَحْضُرَ فِي دَارِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأُجْلِسَ فِي بَعْضِ الْحُجَرِ ثُمَّ دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ جَمِيعًا ، فَقَالَ لَهُمَا هَارُونُ الرَّشِيدُ : الْقُرَشِيُّ الَّذِي خَالَفَنَا فِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ أُحْضِرَ فِي دَارِنَا مُقَيَّدًا ، فَمَا الَّذِي تَقُولَانِ فِي أَمْرِهِ ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ بَلَغَنِي أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ صَاحِبَهُ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَى صَاحِبِي أَيْضًا ، وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ مَقَالَةً يَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهَا ، وَيتَشَبَّهُ بِالْأَئِمَّةِ ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحْضِرَهُ حَتَّى نَبْلُوَ خَبَرَهُ وَنَقْطَعَ حُجَّتَهُ . ثُمَّ تُضَاعَفُ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ . فَدَعَا بِهِ بِقَيْدِهِ ، فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ، وَبَقِيَ قَائِمًا طَوِيلًا لَا يؤَذَنُ لَهُ بِالْجُلُوسِ ، وَأمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا دُونَهُ ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَيْهِ ، فَجَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : هَاتِ مَسْأَلَةً يَا شَافِعِيُّ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : سَلُونِي عَمَّا أَحْبَبْتُمْ ، فَتَجَرَّدَ بِشْرٌ ، وَقَالَ لَهُ : لَوْلَا أَنَّكَ فِي مَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَطَاعَتُهُ فَرْضٌ ، لَنُنْزِلَنَّ بِكَ مَا تَسْتَحِقُّهُ ، فَلَيْسَ أَنْتَ فِي كَنَفِ الْعُمُرِ وَلَا أَنْتَ فِي ذِمَّةِ الْعِلْمِ فَيَلِيقُ بِكَ هَذَا . فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : عَضَّ مَا أَنْتَ . وَذَا بِلُغَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ : أَهَابُكَ يَا عَمْرُو مَا هِبْتَنِي وَخَافَ بُشْرَاكَ إِذْ هِبْتَنِي وَتَزْعُمُ أُمِّي عَنْ أَبِيهِ مِنَ اوْلَادِ حَامَ بِهَا عِبْتَنِي فَأَجَابَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ يَقُولُ : وَمَنْ هَابَ الرِّجَالَ تَهَيَّبُوهُ وَمَنْ حَقَرَ الرِّجَالَ فَلَنْ يَهَابَا وَمَنْ قَضَتِ الرِّجَالُ لَهُ حُقُوقًا وَلَمْ يَعْصَ الرِّجَالَ فَمَا أَصَابَا فَأَجَابَهُ بِشْرٌ ، وَهُوَ يَقُولُ : هَذَا أَوَانُ الْحَرْبِ فَاشْتَدِّي زِيَمْ فَأَجَابَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ يَقُولُ : سَيعْلَمُ مَا يُرِيدُ إِذَا الْتَقَيْنَا بِشَطِّ الرَّابِ أَيَّ فَتًى أَكُونُ فَقَالَ بِشْرٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَعْنِي وَإِيَّاهُ . فَقَالَ لَهُ هَارُونُ : شَأْنَكَ وَإِيَّاهُ . فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ : أَخْبِرْنِي مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ . فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَا بِشْرُ مَا تُدْرِكُ مِنْ لِسَانِ الْخَوَاصِّ فَأُكَلِّمَكَ عَلَى لِسَانِهِمْ إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِي أَنْ أُجِيبَكَ عَلَى مِقْدَارِكَ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ ؛ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ بِهِ ، وَمِنْهُ ، وَإِلَيْهِ ، وَاخْتِلَافُ الْأَصْوَاتِ فِي الْمُصَوِّتِ إِذَا كَانَ الْمُحَرِّكُ وَاحِدًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ ، وَعَدَمُ الضِّدِّ فِي الْكَمَالِ عَلَى الدَّوَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ ، وَأَرْبَعُ نَيِّرَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مُتَّفِقَاتٌ عَلَى تَرْتِيبِهِ فِي اسْتِفَاضَةِ الْهَيْكَلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ ، وَأَرْبَعُ طَبَائِعَ مُخْتَلِفَاتٍ فِي الْخَافِقَيْنِ أَضْدَادٌ غَيْرُ أَشْكَالٍ مَؤَلَّفَاتٍ عَلَى إِصْلَاحِ الْأَحْوَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ ، وَفِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدُ لَا شَرِيكَ لَهُ . فَقَالَ بِشْرٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْقُرْآنُ الْمَنْزَلُ ، وَإِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَالْآيَاتُ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِأَحَدٍ ، وَتَقْدِيرُ الْمَعْلُومِ فِي كَوْنِ الْإِيمَانِ بِدَلِيلٍ وَاضِحٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَا بَعْدَهُ مُرْسَلٌ يَعْزِلُهُ ، وامْتِحَانُكَ إِيَّايَ بِهَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ وَقَصْدُكَ إِيَّايَ بِهِمَا دُونَ فُنُونِ الْعُلُومِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّكَ حَائِرٌ فِي الدِّينِ ، تَائِهٌ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَوْ وَسِعَنِي السُّكُوتُ عَنْ جَوَابِهِ لَاخْتَرْتُهُ . وَإِنْ قُلْتَ آمِرًا لِي : لَا تُشَمِّرْ مِنْ سُؤَالَيْكَ هَذَيْنِ لَقُلْتُ : بَعِيدٌ مِنْ بَرَكَاتِ الْيَقِينِ ، وَكَيْفَ قَصُرَتْ يَدِي عَنْكَ ، لَقَدْ وَصَلَ لِسَانِي إِلَيْكَ . فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ : ادَّعَيْتَ الْإِجْمَاعَ ، فَهَلْ تَعْرِفُ شَيْئًا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَاضِرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ خَالَفَهُ قُتِلَ . فَضَحِكَ هَارُونُ وَأَمَرَ بِأَخْذِ الْقَيْدِ عَنْ رِجْلَيْهِ . قَالَ : ثُمَّ انْبَسَطَ الشَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ فَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ حَسَنٍ ، فَأُعْجِبَ بِهِ الرَّشِيدُ ، وَقَرَّبَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ ، وَرَفَعَهُ عَلَيْهِمَا . قَالَ : ثُمَّ غَاصَا فِي اللُّغَةِ - وَكَانَ بِشْرٌ مُدِلًّا بِهَا - حَتَّى خَرَجَا إِلَى لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، فَانْقَطَعَ بِشْرٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لِبَشَرٍ : يَا هَذَا إِنَّ هَذَا رَجُلٌ قُرَشِيٌّ ، وَاللُّغَةُ مِنْ نُسُكِهِ ، وَأَنْتَ تَتَكَلَّفُهَا مِنْ غَيْرِ طَبْعٍ ، فَدَعَوْنِي وَمَالِكًا وَدَعُوا مَالِكًا مَعِي . قَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنْ كُنْتَ أَبَا ثَوْرٍ يَعْقِرُ الْحَرْفَ . فَجَرَى بَيْنَهُمَا عَشْرُ مَسَائِلَ انْقَطَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي خَمْسٍ مِنْهَا حَتَّى أَمَرَ هَارُونُ الرَّشِيدُ بَجَزِّ رِجْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُكَافِئَهُ لِمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْيَدِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ يَمَنِيًّا هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، وَجَعَلَ يَمْدَحُهُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيُفَضِّلُهُ ، فَعَلِمَ هَارُونُ الرَّشِيدُ مَا يُرِيدُ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ ، فَخَلَعَ عَلَيْهِمَا ، وَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مُهْرِي قِرْطَاسٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ الشَّافِعِيِّ ، وَخَلَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ خَاصَّةً ، وَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ . فَانْصَرَفَ إِلَى الْبَيْتِ ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ ، قَدْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَوَصَلَ بِهِ النَّاسَ ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ : أَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتَ الْقُدْوَةُ ، فَلَا يَدْخُلْ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ قَبْلَكَ ، فَأَنْشَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَقُولُ : أَخَذْتُ نَارًا بِيَدِي أَشْعَلْتُهَا فِي كَبِدِي فَقُلْتُ : وَيْحِي سَيِّدِي قَتَلْتُ نَفْسِي بِيَدِي
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ ، ثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْدَّقَّاقُ وَالْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّمَّاكِ الْبَغْدَادِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى النَّجَّارُ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأُمَوِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيِّ ، قَالَ : لَمَّا جِيءَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيِّ إِلَى الْعِرَاقِ أُدْخِلَ إِلَيْهَا لَيْلًا عَلَى بَغْلٍ قَتَبٍ ، وَعَلَيْهِ طَيْلُسَانٌ مُطْبَقٌ ، وَفِي رِجْلَيْهِ حَدِيدٌ ، وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ ، وَكَانَ قَدِ اعْتَوَرَ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي ، وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى الْمَظَالِمِ ، فَكَانَ الرَّشِيدُ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِمَا ، وَيَتَفَقَّهُ بِقَوْلِهِمَا فَسَبَقَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الرَّشِيدِ ، فَأَخْبَرَاهُ بِمَكَانِ الشَّافِعِيِّ وَانْبَسَطَا جَمِيعًا فِي الْكَلَامِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَكَّنَ لَكَ فِي الْبِلَادِ ، وَمَلَّكَكَ رِقَابَ الْعِبَادِ مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَمُعَانِدٍ إِلَى يَوْمِ الْمَعَادِ ، لَا زِلْتَ مَسْمُوعًا لَكَ وَمُطَاعًا فَقَدْ عَلَتِ الدَّعْوَةُ ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ ، وَهُمْ كَارِهُونَ ، وَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ اجْتَمَعَتْ ، وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ قَدْ أَتَاكَ مَنْ يَنُوبُ عَنِ الْجَمِيعِ ، وَهُوُ عَلَى الْبَابِ ، يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، يَزْعُمُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ ، وَحَاشَ لِلَّهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ يَدَّعِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ سِنُّهُ ، وَلَا يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ قَدْرُهُ ، وَلَهُ لِسَانٌ وَمَنْطِقٌ وَرَوَاءٌ ، وَسَيُحَلِّيكَ بِلِسَانِهِ ، وَأَنَا خَائِفٌ ، كَفَاكَ اللَّهُ مُهِمَّاتِكَ ، وَأَقَالَكَ عَثَرَاتِكَ . ثُمَّ أَمْسَكَ . فَأَقْبَلَ الرَّشِيدُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ ، فَقَالَ : يَا يَعْقُوبُ . قَالَ : لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : أَنْكَرْتَ مِنْ مَقَالَةِ مُحَمَّدٍ شَيْئًا ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ : مُحَمَّدٌ صَادِقٌ فِيمَا قَالَهُ وَالرَّجُلُ كَمَا خُلِقَ . فَقَالَ الرَّشِيدُ : لَا خَبَرَ بَعْدَ شَاهِدَيْنِ ، وَلَا إِقْرَارَ أَبْلَغُ مِنَ الْمِحْنَةِ ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَشْهَدَ بِشَهَادَةٍ يُخْفِيهَا عَنْ خَصْمِهِ . عَلَى رِسْلِكُمَا ، لَا تَبْرَحَا . ثُمَّ أَمَرَ بِالشَّافِعِيِّ فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحَدِيدُ الَّذِي كَانَ فِي رِجْلَيْهِ ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِهِ الْمَجْلِسُ ، وَرَمَى الْقَوْمُ إِلَيْهِ بِأَبْصَارِهِمْ رَمَى الشَّافِعِيُّ بِطَرْفِهِ نَحْوَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَشَارَ بِكَفَّةِ كِتَابِهِ مُسَلِّمًا ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، بَدَأْتَ بِسُنَّةٍ لَمْ تُؤْمَرْ بِإِقَامَتِهَا ، وَزِدْنَا فَرِيضَةٌ قَامَتْ بِذَاتِهَا ، وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ فِي مَجْلِسِي بِغَيْرِ أَمْرِي . فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيْمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ، وَهُوَ الَّذِي إِذَا وَعَدَ وَفَى ، فَقَدْ مَكَّنَنِي فِي أَرْضِهِ ، وَأَمَّنَنِي بَعْدَ خَوْفِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : أَجَلْ قَدْ أَمَّنَكَ اللَّهُ إِنْ أَمَّنْتُكَ . فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّكَ لَا تُقْتَلُ قَوْمَكَ صَبْرًا ، وَلَا تَزْدَرِيهِمْ بِهِجْرَتِكَ غَدْرًا ، وَلَا تَكْذِبُهُمْ إِذَا أَقَامُوا لَدَيْكَ عُذْرًا . فَقَالَ الرَّشِيدُ : هُوَ كَذَلِكَ ، فَمَا عُذْرُكَ مَعَ مَا أَرَى مِنْ حَالِكِ ، وَتَسْيِيرِكَ مِنْ حِجِازَكَ إِلَى عِرَاقِنَا الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْنَا بَعْدَ أَنْ بَغَى صَاحِبُكَ ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ الْأَرْذَلُونَ وَأَنْتَ رَئِيسُهُمْ ، فَمَا يَنْفَعُ لَكَ الْقَوْلُ مَعَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ ، وَلَنْ تَضُرَّ الشَّهَادَةُ مَعَ إِظْهَارِ التَّوْبَةِ . فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا إِذَا اسْتَطْلَقَنِي الْكَلَامُ فَلَسْنَا نُكَلِّمُ إِلَّا عَلَى الْعَدْلِ وَالنَّصَفَةِ . فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : ذَلِكَ لَكَ . فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اتَّسَعَ لِي الْكَلَامُ عَلَى مَا بِي لَمَا شَكَوْتُ ، لَكِنَّ الْكَلَامَ مَعَ ثِقْلِ الْحَدِيدِ يُعْوِرُ فَإِنْ جُدْتَ عَلِيَّ بِفَكِّهِ تَرَكْتَ كَسْرَهُ إِيَّايَ ، وَفَصَحْتُ عَنْ نَفْسِي ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى فَيَدُكَ الْعُلْيَا ، وَيَدِي السُّفْلَى ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ حُمَيْدٌ . فَقَالَ الرَّشِيدُ لِغُلَامِهِ : يَا سِرَاجُ ، حُلَّ عَنْهُ . فَأَخَذَ مَا فِي قَدَمَيْهِ مِنَ الْحَدِيدِ ، فَجَثَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيسْرَى وَنَصَبَ الْيمْنَى ، وَابْتَدَرَ الْكَلَامَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَأَنْ يَحْشُرَنِي اللَّهُ تَحْتَ رَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَهُوَ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتَ لَا ينْكِرُ عَنْهُ اخْتِلَافُ الْأَهْوَاءِ ، وَتَفَرَّقَ الْآرَاءِ ، أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ أَنْ يَحْشُرَنِي تَحْتَ رَايَةِ قَطَرِيِّ بْنِ الْفُجَاءَةِ الْمَازِنِيِّ . وَكَانَ الرَّشِيدُ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا ، وَقَالَ : صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ ، لَأَنْ تَكُونَ تَحْتَ رَايَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَقَارِبِهِ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَهْوَاءُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَحْشُرَكَ اللَّهُ تَحْتَ رَايَةِ خَارِجِيٍّ يَأْخُذُهُ اللَّهُ بَغْتَةً ، فَأَخْبِرْنِي يَا شَافِعِيُّ ، مَا حُجَّتُكَ عَلَى أَنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا أَئِمَّةٌ وَأَنْتَ ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَدِ افْتَرَيْتُ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ تَطِبْ نَفْسِي لَهَا . وَهَذِهِ كَلِمَةٌ مَا سَبَقْتُ بِهَا ، وَالَّذِينَ حَكَوْهَا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبْطَلُوا مَعَانِيَهُ ؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا كَذَلِكَ . فَنَظَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِمَا ، فَلَمَّا رَآهُمَا لَا يَتَكَلَّمَانِ عَلِمَ مَا فِي ذَلِكَ ، وَأَمْسَكَ عَنْهُمَا ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : قَدْ صَدَقْتَ يَا ابْنَ إِدْرِيسَ فَكَيْفَ بَصَرُكَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : عَنْ أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ تَسْأَلُنِي ؟ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْزَلَ ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ كِتَابًا عَلَى خَمْسَةِ أَنْبِيَاءٍ ، وَأَنْزَلَ كِتَابًا مَوْعِظَةً لِنَبِيٍّ وَحْدَهُ ، وَكَانَ سَادِسًا ، أَوَّلُهُمْ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَلَيْهِ أَنْزَلَ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً كُلُّهَا أَمْثَالٌ ، وَأَنْزَلَ عَلَى أَخْنُوخَ وَهُوَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سِتَّ عَشْرَةَ صَحِيفَةً كُلُّهَا حِكَمُ وَعِلْمُ الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى . وَأَنْزَلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَمَانِيَةَ صُحُفٍ كُلَّهَا حِكَمٌ مُفَصَّلَةٌ فِيهَا فَرَائِضُ وَنُذُرُ . وَأَنْزَلَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ التَّوْرَاةَ كُلُّهَا تَخْوِيفٌ وَمَوْعِظَةٌ . وَأَنْزَلَ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْإِنْجِيلَ لِيبَيِّنَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَأَنْزَلَ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كِتَابًا كُلُّهُ دُعَاءٌ وَمَوْعِظَةٌ لِنَفْسِهِ ، حَتَّى يُخَلِّصُهُ بِهِ مِنْ خَطِيئَتِهِ وَحِكَمٌ فِيهِ لَنَا وَاتِّعَاظٌ لِدَاوُدَ وَأَقَارِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ . وَأَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْفُرْقَانَ وَجَمَعَ فِيهِ سَائِرَ الْكُتُبِ ، فَقَالَ : {{ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ }} , {{ وَهَدًى وَمَوْعِظَةً }} , {{ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَّتْ }} فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : قَدْ أَحْسَنْتَ فِي تَفْصِيلِكَ ، أَفَكُلُّ هَذَا عَلِمْتَهُ ؟ فَقَالَ لَهُ : إِي وَاللَّهِ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : قَصْدِي كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى ابْنِ عَمِّي رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي دَعَانَا إِلَى قَبُولِهِ ، وَأَمَرَنَا بِالْعَمَلِ بِمُحْكَمِهِ ، وَالْإِيمَانِ بِمُتَشَابِهِهِ ، فَقَالَ : عَنْ أَيِّ آيَةٍ تَسْأَلُنِي ؟ عَنْ مُحْكَمِهِ ، أَمْ عَنْ مُتَشَابِهِهِ ؟ أَمْ عَنْ تَقْدِيمِهِ ؟ أَمْ عَنْ تَأْخِيرِهِ ؟ أَمْ عَنْ نَاسِخِهِ ؟ أَمْ مَنْسُوخِهِ ؟ أَمْ عَنْ مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ وَارْتَفَعَتْ تِلَاوَتُهُ ، أَمْ عَنْ مَا ثَبَتَتْ تِلَاوَتُهُ وَارْتَفَعَ حُكْمُهُ ، أَمْ عَنْ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا ؟ أَمْ عَنْ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ اعْتِبَارًا ؟ أَمْ عَنْ مَا أَحْصَى فِيهِ فِعَالَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ؟ أَمْ عَنْ مَا قَصَدَنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ فِعْلِهِ تَحْذِيرًا ؟ قَالَ : بِمَ ذَاكَ ؟ حَتَّى عَدَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ حُكْمًا فِي الْقُرْآنِ . فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : وَيْحَكَ يَا شَافِعِيُّ أَفَكُلَّ هَذَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُكَ . فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمِحْنَةُ عَلَى الْقَائِلِ كَالنَّارِ عَلَى الْفِضَّةِ ، تُخْرِجُ جَوْدَتَهَا مِنْ رَدَاءَتِهَا ، فَهَا أَنَا ذَا , فَامْتَحِنْ . فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : مَا أَحْسَنَ أَعِدْ مَا قُلْتَ ، فَسَأَسْأَلُكَ عَنْهُ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . قَالَ لَهُ : وَكَيْفَ بَصَرُكَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُ : إِنِّي لَأَعْرِفُ مِنْهَا مَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ ، وَمَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ ، وَمَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْخَاصِّ لَا يُشْرَكُ فِيهِ الْعَامُّ ، وَمَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ يَدْخُلُ فِيهِ الْخُصُوصُ ، وَمَا خَرَجَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ اسْتِعْمَالُهُ ، وَمَا خَرَجَ مِنْهُ ابْتِدَاءً لِازْدِحَامِ الْعُلُومِ فِي صَدْرِهِ ، وَمَا فَعَلَهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَاقْتَدَى بِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ ، وَمَا خَصَّ بِهِ نَفْسَهُ دُونَ النَّاسِ كُلِّهِمُ ، مَعَ مَالًا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّاسِ وَسَنَّهُ ذِكْرًا . فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : أَخَذْتَ التَّرْتِيبَ يَا شَافِعِيُّ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَحْسَنْتَ مَوْضِعَهَا لِوَصْفِهَا ، فَمَا حَاجَتُنَا إِلَى التَّكْرَارِ عَلَيْكَ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ وَمَنْ حَضَرْنَا أَنَّكَ حَامِلُ نِصَابِهَا مِقْلَابُهَا . فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ ، وَإِنَّمَا شَرَفُنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيكَ . فَقَالَ : كَيْفَ بَصَرُكَ بِالْعَرَبِيَّةِ ؟ قَالَ : هِيَ مَبْدَأُنَا وَطِبَاعُنَا بِهَا قُوِّمَتْ ، وَأَلْسِنَتُنَا بِهَا جَرَتْ ، فَصَارَتْ كَالْحَيَاةِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالسَّلَامَةِ ، وَكَذَلِكَ الْعَرَبِيَّةُ لَا تَسْلَمُ إِلَّا لِأَهْلِهَا ، وَلَقَدْ وُلِدْتُ وَمَا أَعْرِفُ اللَّحْنَ ، فَكُنْتُ كَمَنْ سَلِمَ مِنَ الدَّاءِ مَا سَلِمَ لَهُ الدَّوَاءُ ، وَعَاشَ بَكَامِلِ الْهَنَاءِ . وَبِذَلِكَ شَهِدَ لِيَ الْقُرْآنُ : {{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ }} يَعْنِي قُرَيْشًا - وَأَنْتَ مِنْهُمْ وَأَنَا مِنْهُمْ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْعُنْصُرُ نَظِيفٌ ، وَالْجُرْثُومَةُ مَنِيعَةٌ شَامِخَةٌ ، أَنْتَ أَصْلٌ وَنَحْنُ فَرَعٌ وَهُوَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُفَسِّرٌ وَمُبَيِّنٌ ، بِهِ اجْتَمَعَتْ أَحْسَابُنَا ، فَنَحْنُ بَنُو الْإِسْلَامِ ، وَبِذَلِكَ نُدْعَى وَنُنْسَبُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : صَدَقْتَ ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : كَيْفَ مَعْرِفَتُكَ بِالشِّعْرِ ؟ فَقَالَ : إِنِّي لَأَعْرِفُ طَوِيلَهُ ، وَكَامِلَهُ وَسَرِيعَهُ ، وَمُجْتَثَّهُ ، وَمُنْسَرِحَهُ ، وَخَفِيفَهُ ، وَهَزَجَهُ ، وَرَجَزَهُ وَحِكَمَهُ ، وَغَزَلَهُ ، وَمَا قِيلَ فِيهِ عَلَى الْأَمْثَالِ تِبْيَانًا لِلْأَخْبَارِ ، وَمَا قَصَدَ بِهِ العُشَّاقُ رَجَاءً لِلتَّلَاقِ ، وَمَا رَثَى بِهِ الْأَوَائِلُ لِيَتَأَدَّبَ بِهِ الْأَوَاخِرُ ، وَمَا امْتَدَحَ بِهِ الْمُكْثِرُونَ بِابْتِلَاءِ أُمَرَائِهِمْ ، وَعَامَّتُهَا كَذِبٌ وَزُورٌ ، وَمَا نَطَقَ بِهِ الشَّاعِرُ لِيُعْرَفَ تَنْبِيهًا ، وَحَالَ لِشَيْخِهِ فَوَجَلَ شَاعِرُهُ وَمَا خَرَجَ عَلَى طَرَبٍ مِنْ قَائِلِهِ ، لَا أَرَبَ لَهُ ، وَمَا تَكَلَّمَ بِهِ الشَّاعِرُ فَصَارَ حِكْمَةً لِمُسْتَمِعِهِ ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : اكْفُفْ يَا شَافِعِيُّ فَقَدْ أَنْفَقْتَ فِي الشَّعْرِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يعْرَفُ هَذَا وَيَزِيدُ عَلَى الْخَلِيلِ حَرْفًا وَلَقَدْ زِدْتَ وَأَفْضَلْتَ . فَكَيْفَ مَعْرِفَتُكَ بِالْعَرَبِ قَالَ : أَمَّا أَنَا فَمِنْ أَضْبَطِ النَّاسِ لِآبَائِهَا وَجَوَامِعِ أَحْسَابِهَا ، وَشَوَابِكِ أَنْسَابِهَا ، وَمَعْرِفَةِ وَقَائِعِهَا ، وَحَمْلِ مَغَازِيهَا فِي أَزْمِنَتِهَا وَكَمِّيَّةِ مُلُوكِهَا وَكَيْفِيَّةِ مُلْكِها ، وَمَاهِيَّةِ مَرَاتِبِهَا ، وَتَكْمِيلِ مَنَازِلِهَا ، وَأَنْدِيَةِ عِرَاضِهَا وَمَنَازِلِهَا ، مِنْهُمْ تُبَّعٌ وَحِمْيَرُ ، وَجَفْنَةُ ، وَالْأَسْطَحُ ، وَعِيصٌ وَعُوَيْصٌ ، وَالْإِسْكَنْدَرُ ، وَأَسْفَادُ ، وَأُسْطَطَاوِيسُ ، وَسُوطُ ، وَبُقْرَاطُ ، وَأَرْسِطُطَالِيسُ ، وَأَمْثَالُهُمْ مِنَ الرُّومِ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَنُوبَةَ ، وَأَحْمَرَ ، وَعَمْرِو بْنِ هِنْدٍ ، وَسَيْفِ بْنِ ذِي يَزِنَ ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَقَطَرِ بْنِ أَسْعَدَ ، وَصَعْدِ بْنِ سَعْفَانَ ، وَهُوَ جَدُّ سَطِيحٍ الْغَسَّانِيِّ لِأَبِيهِ فِي أَمْثَالِهِمْ مِنْ مُلُوكِ قُضَاعَةَ وَهَمْدَانَ وَلِحْيَانَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ . فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : يَا شَافِعِيُّ ، لَوْلَا أَنَّكَ مِنْ قُرَيْشٍ لَقُلْتُ : إِنَّكَ مِمَّنْ لِينَ لَهُ الْحَدِيدُ ، فَهَلْ مِنْ مَوْعِظَةٍ ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنَّكَ تَخْلَعُ رِدَاءَ الْكِبْرِ عَنْ عَاتِقِكَ ، وَتَضَعُ تَاجَ الْهَيْبَةِ عَنْ رَأْسِكَ ، وَتَنْزِعُ قَمِيصَ التَّجَبُّرِ عَنْ جَسَدِكَ ، وَتُفَتِّشُ نَفْسَكَ ، وَتَنْشُرُ سِرَّكَ ، وَتُلْقِي جِلْبَابَ الْحَيَاءِ عَنْ وَجْهِكَ ، مُسْتَكِينًا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ . وَأَكُونُ وَاعِظًا لَكَ عَنِ الْحَقِّ ، وَتَكُونُ مُسْتَمِعًا بِحُسْنِ الْقَبُولِ ؛ فَيَنْفَعَنِي اللَّهُ بِمَا أَقُولُ ، وَيَنْفَعُكَ بِمَا تَسْمَعُ . فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : أَمَا إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ وَسَمِعْتُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ، وَلِلْوَاعِظِينَ بَعْدَهُمَا ، فَعِظْ وَأَوْجِزْ . فَحَلَّ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ إِزَارَهُ ، وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ ، وَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ امْتَحَنَكَ بِالنَّعَمِ ، وَابْتَلَاكَ بِالشُّكْرِ فَفَضْلُ النِّعْمَةِ أَحْسَنُ لِتَسْتَغْرِقَ بِقَلِيلِهَا كَثِيرًا مِنْ شُكْرِكَ ، فَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى شَاكِرًا ، وَلِآلَائِهِ ذَاكِرًا ، تَسْتَحِقَّ مِنْهُ الْمَزِيدَ . وَاتَّقِ اللَّهَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ، تَسْتَكْمِلِ الطَّاعَةَ ، وَاسْمَعْ لِقَائِلِ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ دُونَكَ تَشْرُفْ عِنْدَ اللَّهِ ، وَتَزِدْ فِي عَيْنِ رَعِيَّتِكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْتِشُ سِرَّكَ ، فَإِنْ وَجَدَهُ بِخِلَافِ عَلَانِيَتِكَ شَغَلَكَ بِهَمِّ الدُّنْيَا ، وَفَتَقَ لَكَ مَا يَزْنِقُ عَلَيْكَ ، وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حُمَيْدٌ ، وَإِنْ وَجَدَهُ مُوَافِقًا لِعَلَانِيَتِكَ أَحَبَّكَ ، وَصَرَفَ هَمَّ الدُّنْيَا عَنْ قَلْبِكَ ، وَكَفَاكَ مَئُونَةَ نَظَرِكَ لِغَيْرِكَ ، وَتَرَكَ لَكَ نَظَرَكَ لِنَفْسِكَ ، وَكَانَ الْمُقَوِّيَ لِسَيَاسَتِكَ . وَلَنْ تُطَاعَ إِلَّا بِطَاعَتِكَ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَكُنْ طَائِعًا تَكْتَسِبْ بِذَلِكَ السَّلَامَةَ فِي الْعَاجِلِ وَحُسْنَ الْمُنْقَلَبِ فِي الآجِلِ : {{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ }} وَاحْذَرِ اللَّهَ حَذَرَ عَبْدٍ عَلِمَ مَكَانَ عَدُوِّهِ ، وَغَابَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ، فَتَيَقَّظَ خَوْفَ السُّرَى ، لَا تَأْمَنْ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ لِتَوَاتُرِ نِعَمِهِ عَلَيْكَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ لَكَ ، وَذَهَابٌ لِدِينِكَ ، وَأَسْقِطِ الْمَهَابَةَ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، وَعَلَيْكَ بِكِتَابِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضِلُّ الْمُسْتَرْشِدُ بِهِ ، وَلَنْ تُهْلَكَ مَا تَمَسَّكْتَ بِهِ ، فَاعْتَصَمِ بِاللَّهِ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، وَعَلَيْكَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَكُنْ عَلَى طَرِيقَةِ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ، فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِ وَمَا نَصَبَ الْخُلَفَاءُ الْمَهْدِيُّونَ فِي الْخَرَاجِ وَالْأَرَضِينَ وَالسَّوَادِ وَالْمَسَاكِنِ وَالدِّيَارَاتِ فَكُنْ لَهُمْ تَبَعًا ، وَبِهِ عَامِلًا رَاضِيًا مُسَلِّمًا وَاحْذَرِ التِّلْبِيسَ فِيهِ ، فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِكَ ، وَعَلَيْكَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ : {{ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ }} فَاقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ ، وَآتِهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أَتَاكَ ، وَلَا تُكْرِهْهُمْ عَلَى إِمْسَاكٍ عَنْ حَقٍّ ، وَلَا عَلَى خَوْضٍ فِي بَاطِلٍ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ مَكَّنُوا لَكَ الْبِلَادَ وَاسْتَخْلَصُوا لَكَ الْعِبَادَ وَنَوَّرُوا لَكَ الظُّلْمَةَ وَكَشَفُوا عَنْكَ الْغُمَّةَ ، وَمَكَّنُوا لَكَ فِي الْأَرْضِ ، وَعَرَّفُوكَ السِّيَاسَةَ ، وَقَلَّدُوكَ الرِّيَاسَةَ ، فَنَهَضْتَ بِثِقْلِهَا بَعْدَ ضَعْفٍ ، وَقَوِيتَ عَلَيْهَا بَعْدَ فَشَلٍ ، كُلَّ ذَلِكَ يَرْجُوكَ مَنْ كَانَ مِنْ أَمْثَالِهِمْ لِعِفَّتِهِمْ ، طَمَعَ الزِّيَادَةِ لَهُمْ ؛ فَلَا تُطِعِ الْخَاصَّةَ تَقَرُّبًا إِلَيْهِمْ بِظُلْمِ الْعَامَّةِ ، وَلَا تُطِعِ الْعَامَّةِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِمْ بِظُلْمِ الْخَاصَّةِ ؛ لِتَسْتَدِيمَ السَّلَامَةُ ، وَكُنْ لِلَّهِ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَكَ أَوْلِيَاؤُكَ مِنَ الْعَامَّةِ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ؛ فَإِنَّهُ مَا وُلِّيَ أَحَدٌ عَلَى عَشَرَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمْ يُحِطْهُمْ بِنَصِيحَةٍ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَدُهُ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِهِ لَا يَفُكُّهَا إِلَّا عَدْلُهُ ، وَأَنْتَ أَعْرَفُ بِنَفْسِكَ ، قَالَ : فَبَكَى الرَّشِيدُ - وَقَدْ كَانَ فِي خِلَالِ هَذِهِ الْمَوْعِظَةِ يَبْكِي لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ - فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى هَذَا الْفَصْلِ بَكَى الرَّشِيدُ وَعَلَا نَحِيبُهُ ، وَبَكَى جُلَسَاؤُهُ ، وَبَكَى مُحَمَّدُ وَأَبُو يُوسُفَ . فَقَالَ الْوَالِي : يَا هَذَا الرَّجُلَ ، احْبِسْ لِسَانَكَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَدْ قَطَعْتَ قَلْبَهُ حُزْنًا ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَدَمِهِ : اغْمِدْ لِسَانَكَ يَا شَافِعِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهُ أَمْضَى مِنْ سَيْفِكَ - وَالرَّشِيدُ يَبْكِي لَا يُفِيقُ - فَأَقْبَلَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالَ : اسْكُتُوا أَخْرَسَكُمُ اللَّهُ ، لَا تَذْهَبُوا بِنُورِ الْحِكْمَةِ يَا مَعْشَرَ عُبَيْدِ الرِّعَاعِ ، وَعُبَيْدِ السَّوْطِ وَالْعَصَا ، أَخَذَ اللَّهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ لِتَلْبِيسِكُمُ الْحَقَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ يَرِثُكُمُ الْمَلِكَ لَدَيْهِ ، أَمَا وَاللَّهِ مَا زَالَتِ الْخِلَافَةُ بِخَيْرٍ مَا صُرِفَ عَنْهَا أَمْثَالُكُمْ ، وَلَنْ تَزَالَ بِشَرٍّ مَا اعْتَصَمَتْ بِكُمْ ، فَرَفَعَ الرَّشِيدُ رَأْسَهُ وَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ كُفُّوا ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ بِسَيْفٍ ، فَقَالَ : خُذْ هَذَا الْكَهْلَ إِلَيْكَ ، وَلَا تَحُلَّنِي مِنْهُ . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَقَالَ : قَدْ أَمَرْتُ لَكَ بِصِلَةٍ فَرَأْيُكَ فِي قَبُولِهَا مُوقَفٌ . فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : كَلَّا ، وَاللَّهِ لَا يَرَانِي اللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَوَّدْتُ وَجْهَ مَوْعِظَتِي بِقَبُولِ الْجَزَاءِ عَلَيْهَا ، وَلَقَدْ عَاهَدْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنِّي لَا أُخْلَطُ بِمَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ تَكَبَّرَ فِي نَفْسِهِ وَتَصَغَّرَ عِنْدَ رَبِّهِ إِلَّا ذَكَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى ، لَعَلَّهُ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ ذِكْرًا . ثُمَّ نَهَضَ ، فَلَمَّا خَرَجَ أَقْبَلَ الرَّشِيدُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَيَعْقُوبَ فَقَالَ لَهُمَا : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفَرَأَيْتُمَا كَيَوْمِكُمَا ؟ فَلَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نَقُولَ : لَا . فَقَالَ الرَّشِيدُ لَهُمَا : أَبِهَذَا تُغْرِيَانِي لَقَدْ بُؤْتُمَا الْيَوْمَ بِإِثْمٍ عَظِيمٍ ، لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِالتَّأْيِيدِ فِي أَمْرِهِ ، كَيْفَمَا أَوْقَعْتُمَانِي فِيمَا لَا خَلَاصَ لِي مِنْهُ عِنْدَ رَبِّي ؟ ثُمَّ وَثَبَ الرَّشِيدُ وَانْصَرَفَ النَّاسُ . فَلَقَدْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا وَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ التَّرَدُّدَ إِلَى الشَّافِعِيِّ ، وَرُبَّمَا حُجِبَ ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَى الرَّشِيدِ فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَقَبِلَهَا ، فَضَحِكَ الرَّشِيدُ وَقَالَ : لِلَّهِ دَرُّكَ مَا أَفْطَنَكَ ؟ قَاتَلَ اللَّهُ عَدُوَّكَ فَقَدْ أَصْبَحَ لَكَ وَلِيًّا . وَأَمَرَ الرَّشِيدُ خَادِمَهُ سِرَاجًا بِاتِّبَاعِهِ ، فَمَا زَالَ يُفَرِّقُهَا قَبْضَةً قَبْضَةً حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَارِجِ الدَّارِ وَمَا مَعَهُ إِلَّا قَبْضَةٌ وَاحِدَةٌ فَدَفَعَهَا إِلَى غُلَامهِ وَقَالَ لَهُ : انْتَفِعْ بِهَا . فَأَخْبَرَ سِرَاجٌ الرَّشِيدَ بِذَلِكَ فَقَالَ : لِهَذَا ذَرُعَ هَمُّهُ ، وَقَوِيَ مَتْنُهُ . فَاسْتَمَرَّ الرَّشِيدُ عَلَيْهِمَا