عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في المؤلفة قلوبهم
لي ابنة أخ يتيمة تعيش في دولة أجنبية مع أمها فقد توفي أخي وهي في الثانية من عمرها وذهبت بها أمها إلى بلادها الأجنبية، ولم تكن الأم تسمح لنا بالاتصال بها حتى إلى الآن أصبح عمر الفتاة 19 سنة، وقد تخلت عنها أمها وأمها تعيش الآن مع صديق لها والفتاة الآن وحدها وليس لها من معيل وقد اتصلت بي وأبدت رغبتها في أن تعيش معنا في بلادنا ونحن نقوم بإجراءات مطولة ومكلفة لإحضارها ونأمل أن نؤلف قلبها على الإسلام، حيث إنها مسيحية غير أنها وحيدة الآن وتحتاج إلى المال إلى أن نحضر الأوراق اللازمة لإحضارها، فهل يجوز أن أرسل لها من مال الزكاة على اعتبار أنها من المؤلفة قلوبهم؟ وشكراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجزئك إعطاء الزكاة لبنت أخيك الكافرة بمجرد رغبتها في القدوم إليكم، وتأليفها على الإسلام -كما ذكرت- ليس مبرراً لاعطائها من مال الزكاة لعدم توفر الشرط الذي يشترطه أهل العلم في من يؤلف من الكفار من مال الزكاة وهو حاجة المسلمين إلى ذلك، فينبغي لك البحث لها عن مساعدة من جهة أخرى غير الزكاة، واجتهدي في استقدامها لبلدكم ودعوتها إلى العودة إلى الإسلام بحكمة ورفق فإنها كانت مسلمة بالتبعية لأبيها المسلم، ونسأل الله تعالى لها الهداية إلى دين الإسلام الذي هو الدين الحق لا يقبل الله تعالى سواه.
وإليك تفصيل كلام أهل العلم في المؤلفة قلوبهم، فالشافعية لا يرون إعطاء الكافر من الزكاة مطلقاً، ففي أسنى المطالب ممزوجاً بروض الطالب وهو شافعي متحدثاً عن مصارف الزكاة: (الرابع المؤلفة فإذا كانوا كفاراً) يتألفون لخوف شرهم أو لترغيبهم في الإسلام لميلهم إليه (لم يعطوا) من زكاة ولا غيرها للإجماع، ولأن الله تعالى أعز الإسلام وأهله وأغنى عن التأليف، ولخبر الصحيحين {أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم}. انتهى.
أما الحنابلة والمالكية فإنهم يرون إعطاء الكافر من الزكاة إن كان ممن يؤلف لكنهم لا يعطون أي كافر، ففي الفروع لابن مفلح الحنبلي: وهم رؤساء قومهم ممن يرجى إسلامه أو كف شره، ومسلم يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو نصحه في الجهاد أو ذبه عن الدين أو قوة أخذ الزكاة من مانعها أو كف شره، ويقبل قوله في ضعف إسلامه لا أنه مطاع إلا ببينة. انتهى.
وفي أحكام القرآن لابن العربي المالكي: اختلف في بقاء المؤلفة قلوبهم، فمنهم من قال: هم زائلون، قاله جماعة، وأخذ به مالك. ومنهم من قال: هم باقون، لأن الإمام ربما احتاج أن يستألف على الإسلام، وقد قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين، والذي عندي: أنه إن قوي الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم، كما كان يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الصحيح قد روي فيه: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ. انتهى.
وننبه في آخر هذا الجواب إلى ما أشرنا إليه في المقدمة من أن الولد بين أبوين مختلفين في الدين يتبع أشرف والديه ديناً كما نص على ذلك أهل العلم، فمن كان أبوه مسلماً وأمه نصرانية فإنه يكون مسلماً قبل بلوغه تبعاً لأبيه، فإذا بلغ واختار غير الإسلام كان ذلك ردة عن دينه، فينبغي التنبه لهذه المسألة فلا تعامل هذه الفتاة معاملة المرأة المسيحية.
والله أعلم.