عنوان الفتوى : حكم الانتفاع بلبن ولحم غنم ، اعتادت شرب الماء مع كلب
سؤال سأله أحد كبار السن لإمام مسجد مصري فقال في سؤاله أنا عندي غنم وعددها تقريبا أربعة تشرب من ماء بقدر وعندي كلب (أجلكم الله) يشرب من الإناء نفسه قبل أن تشرب الغنم وبعض الأحيان معهم فما حكم لحم الغنم لأن الماء نجس وما حكم حلبها وشرب حليبها مع أن الاناء صغير؟فلم يجب إمام المسجد وقال: الله أعلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد هنا من بيان عدة أمور وهي :
1- أن الفقهاء قد اختلفوا في نجاسة الكلب، حيث يرى المالكية- في الراجح من مذهبهم- طهارة الكلب وطهارة سؤره، خلافا للشافعية والحنابلة حيث يرون نجاسة ذلك كله، ووافقتهم الحنفية في نجاسة اللحم والريق، وسبب اختلافهم يرجع إلى الخلاف في أحاديث الولوغ، هل هي محمولة على التنجيس ؟ أم أنها محمولة على التعبد، وهو شيء أمرنا الله به ولم يظهر لنا علته.
ومن أحاديث الولوغ مارواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا، وعفروه الثامنة بالتراب " وبناء على ذلك فقد ذهب المالكية -في الراجح من مذهبهم- إلى أنه إذا ولغ الكلب في الإناء فإنه يندب غسله سبع مرات، كما يندب أن يراق ما فيه إن كان ماء ، أما الطعام إذا ولغ فيه فيحرم إراقته عندهم لما فيه من إضاعة المال ، بينما يرى الشافعية والحنابلة وجوب إراقة ما ولغ فيه الكلب من طعام أو شراب، ووجوب غسل الإناء سبعاً، مع اختلاف في اشتراط الترتيب، فالراجح من مذهب الشافعية جواز جعل التراب في أي مرة من المرات مع القول باستحباب كونها الأولى ، قال الإمام ابن قدامة في المغني ( النجاسة تنقسم إلى قسمين : أحدهما نجاسة الكلب والخنزير والمتولد منهما ، فهذا لا يختلف المذهب في أنه يجب غسلها سبعا ، إحداهن بالتراب ، وهو قول الشافعي ) ويرى الحنفية تثليث الغسل هذا هو مذهبهم ، وعندهم قول بتفويض الغسل إلى رأي المبتلى، وهذا ما رجحه العيني ومعناه أنه لا يجب العدد، بل يغسل الإناء حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة .
والراجح في هذا الخلاف ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من وجوب غسل ما ولغ فيه الكلب ( سبعا ) إحداهن بالتراب، مع وجوب إراقة ما ولغ فيه
من طعام أو شراب -كما تقدم- لأن الأصل في الأمر هو الوجوب، ولا يوجد صارف يصرفه إلى الاستحباب في هذه الحالة .
2-هل تعتبر الأغنام جلالة إذا شربت مما ولغ فيه الكلب ؟ لبيان ذلك لا بد من الحديث عن الجلالة، وبيان المقصود بها عند الفقهاء ، وبصفة إجمالية يقصد الفقهاء بالجلالة الدواب التي تأكل الجلة - أي العذرة - وللفقهاء في بيانها أقوال منها:
ا- أنها التي غلب على علفها النجاسة .
ب- أنه لا عبرة بالعلف، بل إذا ظهر أثر النجاسة ونتنها في لحمها فهي جلالة .
وقد اختلف الفقهاء في حكم أكل لحم الجلالة، هل هو محرم أو مكروه؟ : وكذلك لبنها؟ وفيما يلي مذاهب العلماء في المسألة:
-يرى الأحناف أن الجلالة لا تؤكل بشرطين :
أولهما : أن يكون كل أكلها من النجاسة فلا تأكل غيرها .
الثاني : أن يظهر نتن النجاسة في لحمها .
فإن كانت تخلط -أي تأكل الطاهر والنجس- ولا يظهر أثر النجاسة في لحمها، أو حبست فزال أثر النجاسة في لحمها ، فلا بأس عندهم بأكلها ، غير أنهم اختلفوا في تقدير مدة الحبس التي يزول بها النتن ، فقيل : لا تقدير أصلا ، وقيل شهر ، وقيل أربعون يوما في الإبل ، وعشرون يوما في البقر ، وعشرة أيام في الشاة ، وثلاثة أيام في الدجاجة . ( تبين الحقائق 6/10)
-وأما المالكية فقد نقل الحطاب عن ابن رشد أنه لا اختلاف في المذهب أن أكل لحوم الماشية والطير التي تتغذى بالنجاسة حلال جائز، ونقل ابن جزي خلافا في المذهب. انظر: الحطاب على خليل ( 1/92)، القوانين الفقهية 116 .
-وعند الشافعية تفصيل بناء على اختلافهم في الجلالة فمنهم من قال : الجلالة هي التي غالب علفها النجاسة ، ومنهم من قال : لا اعتبار بالعلف ، بل الاعتبار بظهور نتن النجاسة في عرقها ولحمها ، وهذا ما رجحه النووي وغيره، وبناء عليه فالراجح عندهم كراهة لحمها كراهة تنزيهية ، فإن حبست بعد ظهور النتن وعلفت شيئا طاهراً ، فزالت الرائحة زالت الكراهة في اللحم ، واللبن ، والبيض ، والعرق ( المجموع للنووي 9/28)
- أما الحنابلة : فالجلالة عندهم هي التي غالب طعامها النجاسة ، والراجح عندهم حرمة لحمها ، وبيضها ، ولبنها ، واشترطوا لحلها أن تحبس .
قال المرداوي ( وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة ، ولبنها وبيضها حتى تحبس ) هذا المذهب ، وعليه الأصحاب. وهو من مفردات المذهب ( وتحبس ثلاثا ) يعني تطعم الطاهر، وتمنع من النجاسة ، هذا المذهب نص عليه) . انظر : الإنصاف للمرداوي كتاب الأطعمة .
والراجح -والله أعلم- كراهة أكل لحم الجلالة ، وكراهة بيضها ولبنها ، وركوبها بدون حائل ، وهذا ما اختاره الخطابي عند حديث ابن عباس ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة ) رواه أبو داود ، والنسائي حيث قال ( كره أكل لحومها وألبانها تنزها وتنظفا ) معالم السنن 5/306
وبناء على ما تقدم نقول : الأولى أن تمنع الكلب من الشرب مع الغنم ، وإذا شرب من الإناء وجب عليك إراقة الماء، وغسل الإناء سبعا إحداها بالتراب ، أما أكل لحمها أو شرب لبنها فالظاهر أن كل ذلك جائز وإن لم تحبس، لأن الشرب من ماء ولغ فيه كلب لا يرتقي إلى درجة التغذي بالنجاسة، هذا هو الذي ظهر لنا، ولو حبستها بضعة أيام قبل أن تشرب من ألبانها أو تأكل من لحومها تورعا، فلا شك أن ذلك أولى .
والله أعلم .