عنوان الفتوى : المن والأذى في الصدقة وحديث النفس بذلك
سؤالي هو: ما معنى المن والأذى في الصدقة، وهل تدخل الوسوسة ضمن ذلك بمعنى لو تصدق الإنسان وحدثته نفسه أنك فعلت ذلك من أجل كذا وكذا وما شابه ذلك؟ وجزاكم الله كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أثنى الله تعالى في كتابه الكريم على المنفقين المخلصين وذم المنفقين المانين والمرائين، فقال سبحانه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {البقرة:262-263-264}، والمان بصدقته هو من يعطي غيره ثم يمن عليه فيقول له ألا تذكر يوم كذا أعطيتك كذا وأحسنت إليك. هذا هو المشهور في تفسيره، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالمن: المن على الله تعالى، والأذى الأذى للفقير.
والأذى للفقير يكون بالقول، ومنه ما سبق، فإنه يجرح مشاعر الفقير ويكسر نفسه، ويكون بالفعل كضربه واستخدامه ونحو ذلك، ولو تأمل المنفق لعلم أن المحسن الحقيقي هو الله تعالى، كما قال الله تعالى: وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ {النور:33}، وقال تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ {الحديد:7}، فالمال مال الله تعالى، وقد قال بعض السلف: إن من نعم الله على العبد أن يسخر الله له من يقبل منه صدقته ليؤجره ويثيبه عليها. فللفقير فضل على الغني أيضاً.
وقد وردت الأحاديث بالنهي عن المن بالصدقة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب.
وأما مجرد أن يحدث المتصدق نفسه بأنه أحسن إلى فلان، أو إحساسه بعلو في نفسه، أو أنه فعل ذلك ليقال كذا أو نحو ذلك، دون أن يتكلم ، ولا يعمل بمقتضى ما أحس به في نفسه فلا شيء فيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه.
والله أعلم.