عنوان الفتوى : حكم تأجيل التوبة
نعلم أن الحلال بيِّن، والحرام بين، وكثير ممن يرتكبون الذنوب يعرفون أنهم يفعلون ما حرمه الله ـ تعالى ـ ولكنهم ينتظرون أن يتقدم بهم العمر، فيتوبون، ويقولون: إن الله غفور رحيم، فهل هذا المسلك مقبول شرعًا؟
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن هذا المسلك بلا شك غير مقبول شرعا، بل قد حذر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من تأجيل التوبة وتأخيرها، وأمرا بالمسارعة إلى التوبة عقب الوقوع في السيئة وفعل الحسنات بعدها لتمحوها، كما قال تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) وقال: ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) وقال صلى الله عليه وسلم: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:
لقد تكفل الله ـ تعالى ـ بالتوبة على عباده الذين يقعون في السوء بجهالة، ثم يتوبون من قريب، فأولئك يتوب الله عليهم. قال الله تعالى: ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيما).
أما أولئك الذين يعملون السيئات، ويصرون عليها، ويستمرون فيها، ويؤخرون التوبة والرجوع إلى الله إلى آخر العمر، فهؤلاء ليسوا أهلاً لرحمة الله ومغفرته، فإنهم لو عرفوا أن الله غفور رحيم لبادروا إلى طلب هذه المغفرة إن كانوا يرجونها، ومن يدريهم أنهم سيتقدم بهم العمر، وأن الموت لا يفاجئهم قبل أن يتوبوا، فيلقون الله وهم أهل معصية لم يستغفروا الله منها، والتوبة عند حضور الموت غير مقبولة، فقد كان أمامهم فسحة من الوقت أضاعوها في المعاصي، وسيقول الله لهم: ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير).
وفي هؤلاء الذين يقولون نؤخر التوبة إلى آخر العمر، والله غفور رحيم يصدق عليهم ما ورد في الأثر الذي في مسند الفردوس عن أنس : ” ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل، وإن قوما غرتهم الأماني فخرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل” وري عن الحسن، ورفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكن بسند ضعيف ، ويصدق عليهم قول الله تعالى: ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابًا أليما).
ولا شك أنه متى تاب الإنسان توبته الصادقة في أعقاب ارتكاب المعصية كان ذلك أرجى لقبولها عند الله، والله تعالى يقول في وصف المتقين: ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)، هؤلاء الذين يتذكرون ويتوبون من قريب هم الذين وعدهم الله بقبول توبتهم، وتطهير نفوسهم من أرجاس الذنوب والآثام، وليس الذين يستمرون على المعصية، ويؤجلون التوبة إلى زمن لا يدرون هل يدركونه، أو يأتيهم الموت قبله ، فهؤلاء مغرورن غافلون ، وإن لم يبادروا بالتوبة فسيندمون.(انتهى).
وقال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون):
قوله تعالى: “ولم يصروا على ما فعلوا” أي ولم يثبتوا ، والإصرار هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه.
قال سهل بن عبد الله: الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصر هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدا؛ وهذا دعوى النفس، كيف يتوب في غد لا يملكه!؟، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا توبة مع إصرار).
والله أعلم.