عنوان الفتوى : رعاية اللقيط
إذا رأيتُ طفلاً مُلْقًى في مكان مجهول هل أتركه أم آخذه؟
يغلب أن تُلقِيَ المرأة بولدها، إن كان من زنا في شارع أو مكان ليموت بعيدًا عنها أو يأخذه إنسان يَربيه، ومعلوم أن الزِّنا من أكبر الفواحش والمُوبقات التي أجمعت الأديان على تحريمها، والذي يرتكب هذه الفاحشة عامدًا متعمِّدًا يكفر إن اعتقد أنها حلال، لأنّ حرمتها معلومة من الدين بالضرورة، ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع، أما ارتكابها مع اعتقاد حرمتها فهو عصيان لا يخرج من الدين، وعقوبتها الجلد مائة إن كان لم يسبق للزاني زواج أي غير محصن، والرّجم إن سبق له الزواج أي كان محصنًا.
والذي يتحمل تبعة هذه الفاحشة هو من وقع فيها، أما الولد الناتج فلا مسؤولية عليه، لأنّه لا يد له فيها ولم يوجد بعد حتى يكلف، وهو إن أحسنت تربيته ربما نشأ مستقيمًا، وإن أهمل بأي نوع من الإهمال تعرض للموت أو الانحراف، شأن كل اللُّقطاء الذين لا يهتمُّ بتربيتهم.
وإذا تخلَّص من ارتكب هذه الفاحشة من ثمرة جريمته بإلقائه في شارع أو مكان خال وجب التقاطه إن كان حيًّا، ووجب على المسلمين الذين تمثلهم السلطة أن يُرعوا هؤلاء اللقطاءَ، ويحرم عليهم تركهم يتعرّضون للموت أو الانحراف، فقد تكون منهم شخصيات بارزة تُفيد منهم الإنسانيّة.
والدليل على وجوب حماية اللّقيط أو المولود من زنا حادث المرأة الجُهَنِيّة التي حملت من سفاح، وطلبت من النبي ـصلى الله عليه وسلمـ أن يقيمَ عليها الحد وهي حامل، فأرجأه حتى تضع الجنين، بل حتى ترضعه ويفطم ويستغنى عنها، كما رواه مسلم.
وقد قرر الفقهاء وجوب التقاطه بناء على قوله تعالى : (ومَنْ أَحْياهَا فكأنَّما أحْيَا النّاسَ جَمِيعًا) [سورة المائدة : 32] إلى جانب الأمر بعمل الخير في قوله تعالى : (وافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحونَ) [سورة الحج : 77] والأمر بالتعاون على البر في قوله تعالى : (وتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى) [سورة المائدة : 2].
بل احتاط الإسلام في رعاية هذا المنبوذ، فاشترط الفقهاء في لاقطه أو من يرعاه أن يكون صالحًا لرعايته، أمينًا رشيدًا حسن السلوك، وقرّروا له نفقة تكفي لرعايته رعاية حسنة، وحرّموا رَميَه بأنه ابن زنا، فإنّه لا ذنب له في ذلك، وقرّروا بناء على الحديث ضم ولد الملاعنة التي رماها زوجها بالزِّنا، ونفى الولد عنه ـ إلى أمِّه، وذلك مظهر من مظاهر رعايته وعدم إهماله.
وجاء في كتاب ” كشف الغمة ” للشعراني ج 2 ص138 : لمّا تَلاعن هلال وزوجته قضى النبي ـصلّى الله عليه وسلمـ : ألا يُرْمَى ولدُها ـ يعني لا يُقذف بأنّه ابن زنا – ومن رماه فعليه الحدّ. قال عكرمة : فكان الولد بعد ذلك أميرًا على مصر ـ أي على بلد من البلاد ـ وما يُدعى إلا لأمِّه.
يراجع الجزء الرابع من موسوعة : “الأسرة تحت رعاية الإسلام”.