عنوان الفتوى : الرق في زماننا وحكم تمكين المرأة مملوكها من نفسها
أنا أعرف أن الرجل إذا كان لديه مملوكة للأبد يجوز له الاستمتاع بها، لكن ماذا إذا كانت المالكة امرأة والمملوك رجل لأنها تعيش في بيت لوحدها ولديها مملوك امتلكته ملكا كاملا مع أنها استمتعت به وأنجبت منه طفلين توأم هي من جنسية خليجية وهو من جنسية هندية، سؤالي: هل يجوز لها الاستمتاع به، وهل هي آثمة؟ و شكراً، عذراً لا أريد مراجعة فتاوى أخرى أريد الإجابة عن هذه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن نظام الرق كان معروفاً قبل الإسلام، وكانت له طرق كثيرة يحصل بها كالغلبة والدين والسرقة والتلصص، وغير ذلك مما يطول ذكره، فلم يكن عند الناس حينذاك فرق بين أن يؤخذ الرقيق في حرب مشروعة، أو عدوان ظالم،أو احتيال على أخذ الحر غدراً وخيانة وأكل ثمنه، فكان الغالب يسترق المغلوب، وكان المدين إذا لم يجد قضاء لدينه مكن غريمه من بعض أولاده يسترقه، أو مكن من نفسه إن لم يجد غيرها، وكان السارق يسترق كما هو معروف من قصة يوسف عليه السلام مع إخوته أنه سألهم: قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ* قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ {يوسف:74-75}، وكان المرء إذا احتاج باع بعض ولده لينفق بثمنهم، وكان اللصوص وقطاع الطرق يسترقون كل من وجدوه وتغلبوا عليه، فجاء الإسلام متشوفا للحرية فسد كل الأبواب المفضية للاسترقاق غير باب واحد، وفتح أبواباً كثيرة ليتحرر الناس من العبودية، فشرع عتق الرقبة كفارة لليمين، والنذر، وللظهار وفي الصيام وفي القتل، وأوجب تحرير أم الولد بموت السيد وكذا المدبر، وأوجب تنجيز العتق على من أعتق البعض أو مثل برقيقه، وندب إلى الإعتاق ورغب فيه أيما ترغيب.
وقد انتهى الرق في عصرنا هذا أو أوشك على الانتهاء فلم يعد هناك عبيد ولا إماء يتبايع فيهم على الوضع الذي كان سائداً حتى عهد قريب، فقولك: إن المرأة موضوع السؤال لديها مملوك امتلكته ملكاً كاملاً... إلى آخر ذلك، يعتبر في الحقيقة قولا غير مقبول الآن، ومن أين لها أن تملك هذا الرجل ملكاً كاملاً؟ فهل اشترته من نفسه؟ أو من أهله؟ أو أُعطي لها؟ أو ماذا؟ فإذا ثبت وتقرر ما ذكرناه فمن المستبعد أن يُملك رقيق بعدُ، لأن من تقررت حريته لم يصح بيعه.
وعلى أية حال، فإننا لو افترضنا -جدلاً- أن المرأة كانت تملك ذلك الرجل ملكاً كاملاً، كما هو وارد في السؤال، فإنه لا يجوز له أن يطأها، ولا أن يستمتع منها بشيء، وإذا وطئها كان ذلك زنا محضاً، ولم ير أهل العلم ملكها له شبهة تدرأ الحد عنهما، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: الزنا وطء مكلف مسلم فرج آدمي لا ملك له فيه باتفاق... إلى أن قال: كأن يطأها مملوكها... وقال عليش في منح الجليل شارحاً: فيحدان اتفاقا قاله اللخمي إن كان بالغاً ولم يعقدا نكاحاً، إذ لا شبهة لهما، فإن كانا عقداه فلا يحدان لأنها شبهة وإن فسد. انتهى.
ولم نقف على أحد من أهل العلم خالف في هذا، فتبين من هذا أن الواطئ والموطوءة المسؤول عنهما قد أثما إثماً كبيراً فيما ارتكباه من الزنا، وقد استحقا به الحد، ولا يلحق الولدان بالواطئ، وإنما ينسبان إلى أمهما، لأن كل وطء لا يدرأ فيه الحد لا يثبت معه النسب إلا في الحالات التي أشار إليها علي الزقاق بقوله:
ونسب والحد لن يجتمعا * إلا بزوجات ثلاث فاسمعا
مبتوتة خامسة ومحرم * وأمتين حرتين فاعلم
وليست هذه منها قطعاً، وهذا كله على ما افترضناه جدلاً، فمن باب أولى أن يكون هذا زنا صريحاً لما قدمناه من استحالة تملك تلك المرأة لذلك الرجل.
والله أعلم.