عنوان الفتوى : الزواج من أهل البدع ، وشروط الأولياء هل هي مُلزمة ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

خطبت فتاة منذ فترة قريبة ، ولم تكن أسرتي راضية عن الخطوبة في البداية ؛ لأن الأسرتين ليستا من طائفة واحدة ( نظام الطوائف سائد هنا في شبه القارة ) ولكن الأمور الآن عادية ، والمشكلة هي أن والديّ يعيشان في قرية ، وأنا أعيش في مدينة أخرى للعمل والدراسة ، وبعض أقارب زوجتي يعيشون أيضا في نفس القرية ( وهم كذلك ليسوا راضين عن هذه الخطبة ، والسبب الوحيد هو الاختلاف الطائفي ) ، وأم زوجتي تصر على أنها لن تزوِّج ابنتها لي إلا إذا اشتريت بيتاً في المدينة التي أقيم فيها للعمل والدراسة ( وأنا أزور والديّ مرتين كل شهر ) وأن لا يقام حفل الزواج في قريتي ، وأبلغوني بذلك ، وقد أخبرتهم بوضوح قبل الخطبة أنني لا أملك موارد كافية لشراء بيت في المدينة ، ولكني سوف أستأجر بيتاً ، وأنه فيما يتعلق بالزواج فسوف يتم في القرية ، وهم الآن يصرون على إقامة الحفل في المدينة ، وأن أشتري البيت أولاً ، وإلا فسوف يفسخون الخطبة ، وكلا الأمرين مستحيل بالنسبة لي ، كما أني أعلم مقدما أن والديّ لن يوافقا على إقامة حفل الزواج في أي مكان آخر ، علماً بأنهما سيساعداني في الانتقال إلى المدينة بعد الزواج ، والفتاة تعجبني جدّاً ، وقد دعوت الله كثيراً أن تكون من نصيبي ، وأخشى إن رفضت شرطيهما أن يفسخا الخطبة ، ولا أريد أن أخسر الفتاة ، أرجو النصيحة ، وهل أوضح لهم شرطي مرة أخرى ؟ أرجو أخذ ذلك في الاعتبار ، وإرشادي وفقاً للقرآن والسنة ، وجزاكم الله خيراً .

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله
أولاً :
لم نعرف حقيقة قولك إن أسرتك وأسرة خطيبتك من طائفتين مختلفتين ؛ وعلى كل حال إن كان قصدك بالطائفة : القبيلة والعشيرة وأصول النسب فالأمر سهل ولا يحتاج منا لتنبيه ، وتجد في جواب السؤال رقم (13780) فائدة حول الموضوع .
أما إن كان قصدك بالطائفة : أنها تنتمي لعقيدة تخالف اعتقادك – وظننا بك أنك من أهل السنَّة – فهنا يجب تنبيهك إلى أن الطوائف المنتسبة للإسلام منها هو خارج من الإسلام ، ومنها ما هو ضال عن الطريق منحرف عن أهل السنَّة والجماعة ، ومثال الأول : القاديانية والإسماعيلية والحلولية والرافضة والبريلوية ، ومثال الثاني : الأشاعرة والماتريدية والمرجئة .
فإن كانت خطيبتك تعتقد عقيدة إحدى الطوائف الخارجة عن الإسلام : فلا يجوز لك التزوج بها ؛ لأنهن في حكم المشركات بسبب ردتهنَّ عن الدين ، وإن كانت تعتقد عقيدة إحدى الطوائف الضالة : فيجوز لك التزوج منها مع الحذر والتنبه ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالتزوج من ذوات الدين ؛ ليأمن الزوج معها على اعتقاده ، ويأمنها على أهله ، وأولاده .
وقد كان " عمران بن حِطَّان " من أهل السنَّة ، وقد تزوج امرأة من " الخوارج " ليصلح حالها فانقلب إلى أن صار رأساً من رؤوس الخوارج .
انظر " سير أعلام النبلاء " للذهبي ( 4 / 214 ) .
ولذا فقد ورد عن سلفنا الصالح التحذير الشديد من مجالسة وصحبة أهل البدع والأهواء .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :
لا تجالس أهل الأهواء ؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلب .
" تفسير الطبري " ( 4 / 328 ) .
وقال أبو الجوزاء :
لأن أجالس الخنازير أحب إليَّ من أن أجالس أحداً من أهل الأهواء .
" الإبانة " لابن بطة ( 2 / 438 ) .
وقال أبو قلابة :
لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تحادثوهم ؛ فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم ، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون .
" سير أعلام النبلاء " ( 4 / 372 ) .

وبكل حال : فلا شك أن زواجك من امرأة من أهل السنَّة خير لك ولأهلك وأولادك ، إلا أن تكون هذه المرأة كذلك ، وهي تعيش بين أهلٍ مبتدعة ، بل لعلك تؤجر على إخراجها من بيئتها تلك .
وانظر جواب السؤال رقم (85370) .
ثانياً :
ولا يجوز لك أن تقيم احتفال العرس مشتملاً على محرمات كالغناء والرقص والاختلاط ، ولو اشتُرط عليك من قبلهم فهو شرط باطل لا يلزمك الإيفاء به .
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (7577) كيفية معالجة مثل هذا الموقف ، فانظره .
وفي جواب السؤال رقم (9290) تجد ما يباح استعماله وسماعه في الأفراح .
فإن أصروا على عمل حفلة فرح – بشرط خلوها من الآثام – فيمكنك عمل حفلتين مختصرتين – كما يفعله عادة من يكون في مثل وضعك – واحدة عندهم ، وأخرى عند أهلك .

ثالثاً :
أما اشتراطهم عليك شراء بيت : فليس لهم أن يشترطوا ذلك عليك ، إلا أن يكون ذلك البيت لابنتهم ، ويريدونك أن تملكها إياه ، ولا مانع للزوجة أن تشترط على الزوج أن يسكنها في بلدها ، أو في مكان غيره ، والحق لها بعد النكاح إن شاءت أبقته وإن شاءت أسقطته .
وشروط النكاح ليست لأهل الزوجة إلا أن يكون ذلك وكالة عن ابنتهم ، أو تكون الشروط لمصلحتها ، أما أن يشترط الولي شيئاً لا يتعلق بابنته فهو غير جائز ، وإنما الشرط للزوجة أو لوليها وكالة عنها ، والولي في الأصل له الموافقة من عدمها ، وحتى المهر فهو حقُّ المرأة هي تحدده أو توكل وليها في تحديده .
ويمكن للزوجة أو وليها أن يشترطوا عليك " السكنى " في منطقتهم ، ويجب عليك الوفاء بهذا الشرط ، لكن ليس أن يلزموك بكون البيت ملكاً لا إيجاراً .
وإذا أردت منهم إسقاط ذلك الشرط بالكلية ، أو على الأقل أن يكون بيتاً مستأجراً لا متملَّكاً فعليك التلطف في محاورتهم ، وأن تستعين بأهل العلم والحكمة ليكلموا أهل خطيبتك ، وادع الله تعالى أن ييسر لك الأمر .
وانظر جوابي السؤالين رقم (20757) و (10343) .
ونوصيك بالاستخارة ، فقد ترى أن هذه المرأة تصلح لك ولأولادك ، ولا يكون الأمر كذلك ، والعبد جاهل يستعين بربه الذي يعلم الخير لعبده ويقدِّره له ، والعبد عاجز يستعين بربه القادر على تيسير الأسباب أو تعطيلها ، وقادر على صرفه عن الأمر وصرف الأمر عنه ، وانظر تفصيل صلاة الاستخارة في جواب السؤال رقم (2217) .
ونرجو أن نكون قد استوفينا الإجابة على مسائلك ، وننبه إلى ضرورة حسن اختيار الزوجة من حيث دينها وعقيدتها وأخلاقها ، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك زوجة صالحة تعينك على طاعة ربك ، وتصونك عما حرَّم عليك .
والله أعلم