عنوان الفتوى : المريض النفسي القاتل
قتلت شابا بمستشفى الأمراض النفسية كنت أتعالج هناك وحققوا معي وسجلوا لي شهادة أني مجنون ولم أحاكم عليه أريد أن أكفر عنه بعمل صالح يستفيد منه المتوفى برغم من أنة ضعيف ومريض نفسيا ولا يستطيع القيام بعمل صالح قبل أن أقتله، أريد أن أعتمر عنه إن قدر الله ذلك فماذا أقول لتصبح العمرة له، والقتل عمد والمقتول ضعيف البنية ولا يستطيع التحرك الكامل للأعصاب ليدافع عن نفسه خنقته وكسرت عنقه وحقق معي ثلاثه استشاريين بالأمراض النفسية، وسبب إدخالي هناك قضية سياسية ومنها شتم أحد الوزراء الأردنيين، أرجوا إفادتي جزاكم الله خيرا، لقد قمت بخنق المقتول فلم أفلح فخنقته أخرى حتى الثالثة التي تمكنت بها من إنهاء حياتة وكان دافعي للقتل الانتقام من أعداء لي بالحكومة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد دلت الآيات والأحاديث الكثيرة على عظم جرم مثل هذا الفعل، ومنها قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ونحوها مما بيناه في الفتوى رقم: 1940 ، ولعظمة وفظاعة هذا الجرم ذهب بعض أهل العلم كابن عباس وزيد بن ثابت وأبي هريرة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وقتادة والضحاك والحسن إلى أنه لا توبة منه، ولكن الصحيح أن له توبة وهو قول الجمهور لعموم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48}، وقد انعقد الإجماع على أن هذا النوع من حقوق الآدميين لا يسقط بالتوبة فلأولياء المقتول أن يطالبوا بحقهم، وهم مخيرون بين القصاص أو العفو أو أخذ الدية كما هو مقرر في كتب الأحكام ، فإن كنت قد قتلت الرجل عمدا كما ذكرت سواء أكان مريضا أم صحيحا فلا تكفي التوبة ؛ بل لا بد أن تسلم نفسك لأوليائه للقصاص أو العفوأو المطالبة بالدية ، وإن عفوا أو طالبوا بالدية فعليك الكفارة مع ذلك وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين ، وانظرالفتويين : 11470، 68580 .
واعلم أن شهادة الأطباء لك بالجنون لاتنفعك عند الله إن لم تصادف الواقع، ولو قدر أنك كنت مجنونا حقا فعليك دية الرجل تدفعها عنك العاقلةإلى أوليائه ، والعاقلة هم عصبتك، قال ابن قدامة في المغني: عمد الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة . وقال أيضا ابن قدامة في المغني: ولا حدَّ على الصبي والمجنون وإن باشرا القتل وأخذا المال لأنهما ليسا من أهل الحدود، وعليهما ضمان ما أخذا من المال في أموالهما، ودية قتيلهما على عاقلتهما . ولا إثم عليك. لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ . رواه أحمد وأبو داود. ولكن أوجب بعض أهل العلم الكفارة مع ذلك، فعليك أداء الكفارة ولو كنت مجنونا وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو الراجح إن شاء الله. قال في الفواكه الدواني وهو مالكي : قال خليل: وتؤخذ كفارة القتل من مال الصبي والمجنون، لأنها من باب خطاب الوضع كالزكاة. انتهى.
وقال في أسنى المطالب مع روض الطالب: وتجب الكفارة في مال الصبي والمجنون إذا قتلا كما علم مما مر، ويعتق الولي عنهما من مالهما كما يخرج الزكاة عنهما منه. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: وإذا قتل الصبي والمجنون، وجبت الكفارة في أموالهما. انتهى.
فإن لم يكن لك مال تكفر به أو انعدمت الرقبة التي تعتق في الكفارة فعليك صيام شهرين متتابعين، وكل هذا بناء على احتمال اتصافك بالجنون حقا وقت الحادثة، فانظر في حالك يوم الحادثة هل كنت مجنونا حقا أم كان معك عقلك ووعيك ؟ وقد ذكرنا الحكم على كلا الاحتمالين.
وعليك أن تتحلل من هذه المظلمة قبل ألا يكون درهم ولا دينار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه . رواه البخاري
وليس عليك أن تصوم أو تتصدق عنه أونحو ذلك، وإنما الواجب عليك هو ما ذكرنا .
والله أعلم .