عنوان الفتوى : مضادات الوساوس والهموم
عشر سنوات وأنا أشكو من الحزن والهم والوساوس البذيئة وتحقير الذات والله وحده يعلم حالي وأنا أشكو له كل يوم وأدعوه، ولكن لا أجد حتى بشرى لزوال همي ولا أدري ماذا أفعل كي ينظر الله في أمري، أكره نفسي وأكره وجودي وأتمنى الفناء بلا بعث مثلي مثل الدواب والأنعام، أحيانا أشعر أني خلقت عبثا لم أقنط من رحمة الله، ولكن وسط كل هذا الهم توفيت أمي فازددت حزنا وألما، ظلمات فوق ظلمات، وهل كل شيء يحدث هو من قضاء الله حتى أن يؤذي الفاسق مؤمنا أم أن هناك أمور تحدث هكذا ولا يتدخل الله فيها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن جميع الأحداث الحاصلة في الكون حصلت بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11}، وفي الحديث: ... وتؤمن بالقدر خيره وشره. وفي الحديث: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواهما مسلم.
ولكن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء وجعل لها أسباباً، وطالب العبد بالقيام بالأسباب الجالبة للنفع في الدنيا والآخرة، ونهاه عن الأسباب الجالبة للضر في الدنيا والآخرة، وإن من أهم الأسباب المساعدة على تحقيق الطموحات وقضاء الحاجات والسلامة من أذى الناس، الاستقامة على دين الله وترك معصيته، فعلى العبد أن يستعين بالله في تحصيل مطلبه، والاستعاذة مما يخافه، ويحرص على ما ينفعه، ولا يقنط من رحمة الله عملاً بالحديث: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. وقال تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189}، وقال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-11-12}، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97}، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3}، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}.
ومما لا شك فيه أن للذنوب أثراً وشؤماً على العبد حتى في أمور دنياه وفي تعسير أموره، قال جل وعلا: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}، بل إن العبد يحرم الرزق بسبب معاصيه، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وحسنه الألباني.
وبالعكس فإن الطاعة جالبة للرزق والخير للعبد كما تقدم في الآيات السابقة، وهذا في الغالب، وإلا فقد يحدث أن ينعم الله على الظالم والعاصي ويسهل أموره، ويقتر على التقي الطائع ويضيق عليه امتحاناً وابتلاء، وليس لإكرام هذا ولا إهانة ذاك، كما قال الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {الفجر:15-16}، وعليك بصرف الوساوس عنك والإكثار من تذكر نعم الله تعالى والتفكر في عظمة الله وكبريائه، وصحبة أهل الخير، والبعد عن الانفراد والانسياق وراء وساوس الشيطان، وراجع في علاج ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3171، 46295، 59659، 51601، 7950، 12300، 70476، 53241.
والله أعلم.