عنوان الفتوى : التوسل غير المشروع وطلب الدعاء من الأموات
فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أن أعمال الأهل وأقارب المتوفى تعرض على الموتى فإن رأوا خيراً حمدوا الله وأن رأو شراً يستغفروا لأهليهم، وأيضا في الحديث الشريف أن صلاة المسلمين على النبي تعرض على الرسول يوم الجمعة ومن هنا نستنتج أن الميت يقدر على الدعاء والاستغفار لا شك في ذلك، فهل يجوز الذهاب إلى مقابر أولياء الله الصالحين وسؤالهم الدعاء له مع الاعتقاد بأن النافع والضار هو الله، وهل تجوز زيارة من يظن فيهم أنهم من أولياء الله الصالحين، وقد وردت فى صحيح البخاري ومسلم وقول ابن تيمية أحاديث بالتوسل وكذلك سيدنا عمر بعم الرسول العباس وأحاديث الشفاعة عن سيدنا آدم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اشتمل هذا السؤال على عدة أمور، بعضها قد سبق لنا الجواب عليه، ففي بيان التوسل المشروع والتوسل الممنوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4413، 28845، 45838، 16690.
ولمعرفة هل يسمع الميت كلام الأحياء أم لا، راجع في ذلك الفتوى رقم: 4276، والفتوى رقم: 55045.
ولمعرفة الفرق بين الولي والدعي راجع الفتوى رقم: 4445.
ولمعرفة الفرق بين التوسل والاستغاثة راجع الفتوى رقم: 3835.
واعلم أن الذهاب إلى قبور الأموات وطلب الدعاء منهم هو استغاثة بهم، وهو شرك أكبر ولو كان بنية أن يشفعوا له عند الله تعالى، لأن هذا هو حجة المشركين في دعائهم لآلهتهم، فقد قال الله تعالى عنهم: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ {يونس:18}، وقال سبحانه على لسانهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى {الزمر:3}، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 3779.
وزيارة القبور مشروعة مرغب فيها لجميع المسلمين، ويدخل في ذلك من سماهم الناس أولياء الله الصالحين، ما لم يكن في زيارتهم محذور، كأن يكون القبر داخل مسجد، أو يمارس عنده صورة من صور الشرك كدعائه أو الذبح أو النذر له، لما في زيارته حينئذ من الإقرار لهذا الباطل، ولمعرفة الآداب الشرعية لزيارة القبور راجع الفتوى رقم: 7410، والفتوى رقم: 29998.
ومن المحاذير أيضاً السفر لمجرد الزيارة، لأن ذلك يدخل في شد الرحال الذي لا يكون إلا للمساجد الثلاثة، وللتفصيل أكثر راجع الفتوى رقم: 33931، والفتوى رقم: 9943.
وأما ما صدرت به سؤالك من أن الحديث المذكور قد رواه البخاري في صحيحه فهو غير صحيح فلم يروه البخاري ولا غيره من أصحاب الكتب الستة، بل لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ شنيع لأن الواجب هو التثبت قبل تصحيح الحديث فضلاً عن نسبته إلى صحيح البخاري الذي هو في أعلى درجات الصحة.
وقد روي في عرض أعمال الأحياء على الأموات بضعة أحاديث لكنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم فإن كان خيراً فرحوا واستبشروا، وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك فأتمم نعمتك عليه وأمته عليها ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون: اللهم ألهمه عملاً صالحاً ترضى به عنه وتقربه إليك. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه مسلمة بن علي وهو ضعيف. وقال الألباني في الضعيفة: ضعيف جداً.
وروى أحمد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وفيه رجل لم يسم. وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف لإبهام الواسطة بين سفيان وأنس، وهذا الحديث تفرد به الإمام أحمد. وضعفه الألباني أيضا في ضعيف الجامع.
وكما لا يخفى، فإن عرض أعمال الأحياء على الأموات ودعاء الأموات للأحياء من أمور الغيب التي لا يمكن الجزم فيها بشيء، إلا بما ورد في كتاب الله تعالى أو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما لم نقف عليه.
وأما ما صح في هذا المعنى فهو ما رواه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل أوله: إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة..... وفيه: حتى يأتوا به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أهل الغائب بغائبهم فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا، فيقول: قد مات أما أتاكم، فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية. وصححه الألباني، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الأموات لا يعرفون ما يعمل الأحياء بعدهم، وإلا لما سألوا هذا الميت عمن تركهم في الدنيا، بل لأخبروه هم بحالهم لو كانت أعمالهم تعرض عليه.
وننقل لك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الدعاء عند القبور فضلاً عن دعاء القبور، فقد قال في الرد على البكري: وكثير من الناس يرى أن الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل منه في المساجد، ولأهل البدع عبادات كثيرة قد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع وبينا بطلانها، وهذا كله مما قد علم جميع أهل العلم بدين الإسلام أنه مناف لشريعة الإسلام وأنه لم ينقله أحد من علماء الأمة.
وقال في مجموع الفتاوى: وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم وإن قدر أنهم يدعون للأحياء وإن وردت به آثار فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يفضي إلى الشرك، ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني، فلا يؤثر فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته، فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم.
ومن الأدلة على عدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته حديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فراجع في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 52015.
ولمعرفة ضعف ما روي من توسل آدم عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم راجع في ذلك الفتوى رقم: 11669، والفتوى رقم: 9650.
والله أعلم.