عنوان الفتوى : التوسل المشروع لجلب النفع ودفع الضر
ماهي الوسائل المشروعة التي يتقرب بها العبد المؤمن إلى الله راغبا في إرضائه وأملا في قضاء حاجاته من جلب نفع ودفع ضرر وما هي الأدلة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوسائل المشروعة التي يتقرب بها العبد إلى ربه ليقضي حاجاته ويجلب له النفع ويدفع عنه بها الضر هي الوسائل التي دل الدليل من الكتاب والسنة على كونها وسيلة يتوسل بها إلى الله تعالى، ومن ذلك:
أولاً: التوسل إلى الله تعالى بتوحيده؛ كتوسل نبي الله يونس عليه السلام. قال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87].
ومنه: حديث الرجل الذي سأل بقوله: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم. الحديث أخرجه أحمد وصححه شعيب الأرناؤوط من حديث بريدة.
ثانيًا: التوسل بالإيمان بالله تعالى، قال سبحانه: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53]. وقال تعالى: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193].
ومثله التوسل بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: اللهم إني أتوسل إليك بإيماني برسولك أن تغفر لي. وكذا التوسل بالإيمان بما أنزل الله تعالى، فتقول: اللهم إني أتوسل إليك بإيماني بكتابك وسنة نبيك أن ترحمني.
ثالثاً: التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته، قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180] وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110].
رابعاً: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، وذلك لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب إذا قحطوا خرج يستسقي بالعباس فيقول: اللهم إنا كنا إذا قحطنا استسقينا بنبيك فتسقينا، وإنا نستسقيك اليوم بعم نبيك فاسقنا، فيسقون. أخرجه البخاري.
خامساً: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، ودليل ذلك قصة أصحاب الغار الذين أطبقت عليهم الصخرة.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله يقول: انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فناء بي في طلب شيءٍ يوماً فلم أُرِحْ عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الآخر : اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليَّ وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجلٍ واحدٍ ترك الذي له وذهب، فثمَّرتُ أجره حتى كثرتْ منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كلَّه فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.
والله أعلم.