عنوان الفتوى : النية تخصص العام وتقيد المطلق في الأيمان
لي قريبة تدعى رقية، تزوجت من أبي القاسم ، وصارت بينهم مشكلة ، أرادت بعدها رقية الطلاق ، ورفض ذلك ، فقامت واتصلت برجل غريب وحددت موعدا معه ليتصل بها ، وذهبت وأخبرت زوجها أنها على علاقة هاتفية بغيره ، وبالفعل تأكد الزوج من ذلك حينما اتصل بها على الموعد ، وقال لها : ( والله لو كلمت في التلفون أي أحد بعد اليوم فأنت طالق) وأزال التلفون من البيت ، وألغى الرقم ! استخدمت رقية التلفون وكلمت مرة بعد حصول التعليق ، وصار به الطلاق ، واستفتى زوجها ، وأفادوه أنها تطلق ، وراجعها بعد ذلك واعتبرت طلقة واحدة !
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالطلاق المعلق يقع بوقوع المعلق عليه ، فإن قصد به التهديد والمنع ولم ينو الطلاق ففي وقوعه خلاف سبق بيانه في الفتوى رقم : 3795 ، فإذا وقعت المرأة في الأمر المعلق عليه طلاقها وقع الطلاق ، ولا يتكرر الطلاق بتكرر رجوعها للأمر المذكور ، إلا إذا كانت صيغة اليمين تفيد التكرار أو قصد بيمينه تكرر الطلاق بتكرر الفعل ، ومن الألفاظ التي تدل على التكرار ( كلما أو مهما ) فالحاصل أن المسألة لها حالتان :
الأولى : أن يقول كلما اتصلت بالهاتف فأنت طالق مثلاً ، أو يكون قاصداً لمعنى ذلك ، وفي هذه الحالة يقع الطلاق بعدد تكرر الاتصال منها ؛ لأن ذلك هو الذي يقتضيه قوله وقصده .
الحالة الثانية : أن يقول إن اتصلت ، أو يقول لو اتصلت بالهاتف ، كما في السؤال ، ولم يكن قاصداً تكرر الطلاق إذا تكرر الفعل ، ففي هذه الحالة لا يقع الطلاق إلا مرة واحدة ، لأن ذلك هو الذي يقتضيه قوله وقصده .
والملاحظ في صيغة يمين الزوج لفظان عامان هما : قوله ( أي أحد ) وقوله ( بالهاتف ) ، فقوله "أي أحد" لفظ عام يشمل كل أحد ذكراً كان أم أنثى قريباً كان أم بعيداً ، وقوله "الهاتف" يشمل كل أنواع الهواتف المحمول منها وغير المحمول ، والقاعدة في الأيمان أن النية تخصص العام وتقيد المطلق ، فإذا كان ينوي عموم اللفظين ، فيقع الطلاق بكل ما سبق ، وإن كان ينوي الخاص أو المقيد من معناهما فيحمل اليمين عليه ، كأن ينوي بقوله أي أحد : أي الرجال الأجانب ، فيخرج من ذلك النساء ومحارم الزوجة ، فلا يقع الطلاق بكلام هؤلاء ، وفي قوله ( بالهاتف ) إذا كان يقصد الموجود المعروف ، ولم ينو غيره ، فيحمل عليه ، فلا يقع الطلاق بالاتصال بالمحمول ، وإن لم تكن له نية في شيء من ذلك فإن الألفاظ تبقى على عمومها ، قال ابن قدامة في المغني : ( ويرجع في الأيمان إلى النية ) وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف ، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه ، سواء كان ما نواه موافقاً لظاهر اللفظ أو مخالفاً له ، فالموافق للظاهر أن ينوي باللفظ موضوعه الأصلي قبل أن ينوي باللفظ العام العموم ، وبالمطلق الإطلاق ، وبسائر الألفاظ ما يتبادر إلى الأفهام منها ، والمخالف يتنوع أنواعاً : أحدها أن ينوي بالعام الخاص ، ومنها أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقاً وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه ، ومنها أن ينوي بيمينه غير ما يفهمه السامع منه ، كما ذكرنا في المعاريض ، ومنها أن يريد بالخاص العام ... اهـ .
والله أعلم .