عنوان الفتوى : رد شبهة حول: الزواج بنية الطلاق
أنا فتاة مسيحية كنت أطلع على موقعكم هذا .. وقد ساءني ما نشرتم فيه بأن زواج الرجل من كتابية بنية الطلاق لا بأس به .. و كأن الكتابيات أمثالنا بغال تستحلونهم .. بينما في فتوى أخرى قلتم بأن الزواج بنية الطلاق مكروه .. فهل لنا أن نعرف كيف يكون الإسلام بهذه الصورة؟ وكيف ترون بأن شهوة الرجل فوق الخداع وفوق كرامة المرأة والضرر بها؟.. ونحن نحرم الطلاق حتى وقت الضرر بسبب عمق الصلة بين الزوجين ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزواج بنية الطلاق اختلف فيه علماء الإسلام، فمنهم من أجازه، لكون العقد مشتملاً على أركانه وشروطه من وجود الولي، والشاهدين والمهر، وحصول التراضي، ولكون هذه النية أمرا خفياً لا يطلع عليه إلا الله تعالى، وقد تتغير.
ومنهم من منعه لأمر خارج عن العقد، وهو اشتماله على الغش والخداع للزوجة غالباً، لأن أكثر النساء لو علمن بنية الزوج الطلاق لم يقبلن الزواج به.
وهذا ما رجحناه في الفتوى رقم 3458
ومنهم من رآه مكروهاً، ولم يقو على القول بأنه حرام.
وهذا الأمر ليس خاصاً بالكتابية ولا محصوراً فيها، بل هذا ينطبق على المسلمة أيضاً، وإنما جاء ذكر الكتابية في أحد الأجوبة مراعاة لمقتضى حال السائل وسؤاله، واقتصرت الفتوى على ذكر القول بالجواز مراعاة لذلك أيضاً.
فقولك: (وكأن الكتابيات أمثالنا بغال تستحلونهم) لا وجه له، فالأمر ليس خاصاً بالكتابيات ـ كما سبق ـ وأيضا فالمسلم إذا تزوج الكتابية أكرمها وأحسن إليها، وصارت شريكة حياته وأما لأولاده، مما يمنع وصفها أو تشبيهها بما ذكرت.
وأما قولك: (ونحن نحرم الطلاق في وقت الضرر بسبب عمق الصلة بين الزوجين).
فليس الأمر راجعاً إلى عمق الصلة بين الزوجين كما ذكرت، وإنما هو نوع من الحرج والضيق الموجود في دين النصرانية، وقد امتن الله تعالى على المسلمين برفع الإصر والحرج عنهم، فشرع لهم الطلاق عند وجود أسبابه ودواعيه، وأعطى الزوجة حق المخالعة لدفع الضرر عن نفسها عند إباء الزوج إنصافها. فالطلاق من مآثر الإسلام، وهو دليل على ما في هذا الدين العظيم من الحكمة والرحمة:
1- فقد تكون طبيعة الزوج مخالفة لطبيعة الزوجة اختلافاً تعجز الوسائل العادية عن تذويبه وحله، فأي حكمة في أن يبقى كل منهما مبغضاً للآخر نافراً منه، مجبراً مع ذلك على البقاء معه؟ أليس هذا مدعاة لوقوعها في الحرام، وبحثها عن المتعة خارج بيت الزوجية؟
وفي هذا يقول الدكتور يوسف القرضاوي: إنما الطلاق الذي شرعه الإسلام هو أشبه ما يكون بالعملية الجراحية المؤلمة التي يتحمل الإنسان العاقل فيها آلام جرحه، بل بتر عضو منه حفاظاً على بقية الجسد، ورفعاً لضرر أكبر.
فإذا استحكم النفور بين الزوجين، ولم تنجح كل وسائل الإصلاح، ومحاولات المصلحين في التوفيق بينهما، فإن الطلاق في هذه الحالة هو الدواء المر، الذي لا دواء غيره. ولهذا قيل: إن لم يكن وفاق ففراق، وقال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته) [النساء: 130].
وما شرعه الإسلام هنا هو الذي يفرضه العقل والحكمة والمصلحة، فإن من أبعد الأمور عن المنطق والفطرة، أن تفرض بقوة القانون شركة مؤبدة على شريكين لا يرتاح أحدهما للآخر، ولا يثق به.
إن فرض هذه الحياة بسلطان القانون عقوبة قاسية، لا يستحقها الإنسان إلا بجريمة كبيرة، إنها شر من السجن المؤبد، بل هي الجحيم الذي لا يطاق. وقديما قال أحد الحكماء: إن من أعظم البلايا معاشرة من لا يوافقك ولا يفارقك.
وقال المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بدّ
وإذا قيل هذا في الصاحب الذي يلقاه الإنسان أياماً في الأسبوع، أو ساعات في اليوم، فكيف بالزوجة التي هي قعيدة بيته، وصاحبة جنبه، وشريكة عمره؟
إلى أن قال: (ولقد حرمت المسيحية الطلاق تحريماً باتا عند الكاثوليك، وباستثناء على الزنا عند الأرثوذكس، فكانت النتيجة أن خرج الكثيرون من المسيحيين على هذا التحريم، مما اضطر معظم الدول المسيحية إلى سن قوانين وضعية تبيح لهم الطلاق بعيداً عن تعليمات الكنيسة، فلا عجب أن صاروا يطلّقون لأتفه الأسباب، وأن صارت حياتهم الزوجية عرضة للانحلال والانهيار) انتهى من كتاب (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده).
وما كثرة القبائح والرذائل، وانتشار العشيقات والخليلات إلا ثمرة من ثمار استمرار حياة زوجية تعيسة، فرضت بسلطان الدين!!.
وقد أصبح سهلاً على تلك المجتمعات أن تطالع أخبار الماجنات، وقصص الغرام المحرم من مشاهير ومسؤولين، فضلاً عن عموم الناس، بينما يتظاهرون بالإنكار على شريعة الطلاق وتعدد الزوجات. فهل هذا من الإنصاف والصواب؟
2- وربما كان المتزاوجان لا يتعاونان على النسل ، فإذا بدلا بزوجين آخرين تعاونا فيه ، وهذا معلوم مشاهد في حياة الناس.
وبعد فإننا ندعوك بهذه المناسبة إلى تأمل شرائع الإسلام وأحكامه بهدوء وحياد، ونحن نحب لك الخير، ولكل الناس. ويسرنا أن نراك مسلمة في القريب العاجل، ونحن مستعدون للإجابة على أية شبهة تعرض لك بإذن الله. والحمد لله على نعمة الإسلام. والله تعالى أعلم.