عنوان الفتوى : الصبر على البلاء واللجوء إلى الله تعالى
استشارة نفسية: أعتقد أنني أعاني من الاكتئاب ولكن لا أعرف إذا ما كان مؤقتا للأسباب التي سأذكرها لاحقا أم أنه مرض وإذا كان مرضا لا أريد أن أتعاطى أدوية أفضل الاستشارة وعليه سأكتب ما مررت به، وأرجو النصيحة: عمري 24 سنة فلسطينية الجنسية ولكن ولدت في قطر والداي يعملان في مجال التدريس, في بداية حياتي الدراسية من أول ابتدائي وحتى الاعدادي كنت فتاة هادئة الطباع معزولة اجتماعيا لا صديقات أو احتكاك بالعالم الخارجي من المدرسة للبيت وفي البيت كنت مواظبة على الدراسة كنت لا أجد مشكلة ما إن بدأت الثانوية أو قد تكون مسألة البلوغ والهرمونات أو الوحدة أو الصدمة الأولى إذ أبدت زميلة كانت بها مواصفات الصديقة المثالية الاهتمام بي كانت أنيقة ومجتهدة تحاول التقرب مني ولكن كما ذكرت سابقا أني غير اجتماعية لا أعرف أن أتكلم، كما أنني كنت محرجة من ملابسي من بيتي من كل شيء مع أن الوضع المادي لنا بحالة جيدة جدا، إلا أن التوفير كل ما كان يشغل أمي فقط الضروري هو المتوفر، كنت أشعر أنني بعكسها تماما كنت متفوقة دراسيا، لكن ليس بكمالها من هنا بدأت أضغط على أعصابي وعلى نفسي وعلى عقلي كي أظهر نفسي كي أحصل على ما أريد، هي بكل بساطة لم تعد تهتم وانتهت الثانوية ولكنها بقيت في عقلي ثم لأنني قبلت في كلية الهندسة بفلسطين ولأن تكاليفها أقل من قطر اضطررت للعيش في فلسطين وقد كانت أبشع سنوات حياتي وحيدة أكثر غربة مع أقارب لم أجد منهم غير المشاكل ثم الانتفاضة والقصف والخوف من الاجتياح وصعوبة الخروج من الحدود كل سنة لتجديد الإقامة بقطر ومع ذلك في آخر سنة اضطررت أن أسكن مع مجموعة مشروع التخرج فتاتان جعلتا حياتي جحيما في كل لحظة كنت أعيشها كانت استفزازا وقهرا كل شيء رغم إرادتي كنت أجد صعوبة كبيرة في التركيز والحفظ والتفكير انخفض ضغطي وأصبح لدي مشاكل بالقولون كما انقطعت الدورة لمدة 6 شهور الكل كان يقول إن هذا نفسي كما أنها كانت مضطربة قبل ذلك ثم بمجرد عودتي لقطر انتظمت وارتحت قليلا بعد 4 شهور عملت بشركة وكنت أبحث عن أي عمل كي أستطيع أن أوفر مصاريف علاج أسناني إذ أن لدي أسنان أمامية مفقودة وهذا سبب آخر يؤذيني نفسيا وما إن انضممت للعمل حتى يأتي مهندس وسيم 35 سنة كل يوم يأتي للمكتب أبدى لي اهتماما في البداية كنت أركز بالعمل ثم بعد ذلك بدأت أتعلق به وكالعادة لا أعرف أن أتكلم كما أن لدي الوازع الديني الذي يمنعني من أظهر أي مشاعر ثم ارتبط بأخرى واستقال وعشت بحزن شديد حتى جاء آخر وأبديت له اهتمام في كل مرة يأتي بها للشركة وهو كذلك في البداية ثم قال لي أنه خاطب 3 مرات وأنه مريض نفسيا نتيجة لذلك ولا يريد الارتباط فلم أعد أتكلم معه، لكني الآن أشعر بحزن كبير ولا أستطيع التركيز في العمل أو الرغبة في أي شيء لقد كانت المشاكل وراء بعضها لم أستطع أن آخذ نفسا إلا في الفترة بين الجامعة والعمل، الفترة التي كان اختلاطي بالناس قليل فقط مضطرة لأن أتحمل أهلي فقط وبالرغم من كل ما مررت به قبل هذه الفترة ألا أنني كنت أداوم على قراءة ورد من القرآن ومحافظة على السنن، ولكن مع عدم القدرة على التركيز أما الآن لم تعد لدي القابلية لفعل أي شيء أمسك القرآن بصعوبة حتى الصلاة ليس لدي الرغبة بشيء أصبحت هجومية أشعر بوحدة شديدة وفي نفس الوقت أكره كل من حولي وأريد أن أكون في مكان لوحدي لا أعرف فيه أحدا أريد إجازة من البشر لا أريد أن أموت لأني أخاف القبر وأعرف أنه لا راحة بالوجود إلا في الجنة، وبالرغم من أني أجاهد نفسي على ترك المعاصي وأترك الحمد لله الكبائر وأتجنبها إلا أنني أشعر أن قواي انهارت ولا أجرأ على الذهاب إلى دكتور نفسي ، والحل الوحيد هو أن أدخل في غيبوبة، لكن هل إن تركت العمل وسافرت بعيدا عن من أعرف ومن دون أن يعرف أحد يكون هناك حل أم أن المشكلة هي أنني أصبحت مريضة لا أعرف ماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويشرح صدرك ويفرج همك، واعلمي أن علاج ما ابتليت به هو الالتجاء إلى الله تعالى قبل كل شيء والتضرع إليه، فهو الذي يجيب دعوة المضطر ويكشف السوء ويفرج الهم والغم سبحانه وتعالى.
ثم عليك بالإكثار من ذكر الله تعالى، وتلاوة كتابه بتدبر وخشوع، ففي ذلك شفاء محقق لما في الصدور وتفريج لغمومها وهمومها وإذهاب لأحزانها واكتئابها، يقول الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82}.، ويقول الله تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء {فصلت:44}, ويقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}، ويقول الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.
ولا يفوتنا أن نثلج صدرك بالدلالة على حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا، فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
واعلمي أن ما ذكرته عن نفسك من صعوبة إمساك القرآن، وثقل الصلاة، وغير ذلك هو من الشيطان، ولو سافرت وابتعدت عمن تعرفين، تكونين قد سهلت له الطريق ليصطادك، فلا تفكري في ذلك.
واعلمي أن جميع ما في هذه الدنيا لا يساوي شيئاً بالمقارنة مع ما عند الله من المثوبة لمن صبر على نوائب الدهر وحافظ على دينه، فهوني على نفسك، ولا بأس بأن تذهبي إلى من له علم بالأمراض النفسية، وثقي بأن المؤمن لا يصيبه إلا ما هو خير له، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وفي الصحيحين أنه قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها.
والله أعلم.