عنوان الفتوى : هل تحدث الإنسان ببعض ما يتحلى به من صفات يعد رياء؟
يحدث لي أنني أشك كثيراً في تصرفاتي وأجد أن بها رياء , مع أنني أحاول كثيراً أن أصرف عن نفسي هذا الخاطر . وهنا تحديداً أود أن أسأل حضراتكم عن موقف حدث لي . فقد توفيت أمي رحمها الله تعالى منذ 6 أشهر تقريباً . كانت علاقتي بها غير عادية , حيث كانت أمي هي دنيتي وحبي . كنت دائمة المرافقة لها لدرجة أنني ساعات كنت أحس أنها تريد أن تلتقط أنفاسها بعيداً عني ! والله لقد كنت أحبها حباً كثيراً أعجز عن وصفه . و نظراً لأنني لست ماهرة في صنع علاقات اجتماعية أو جعل الناس تحبني , فقد كنت أجد في أمي سلوتي والحب الذي لم أجده في معظم من حولي . وعند وفاتها - رحمها الله تعالى - توفيت أمامي , سبحان الله كان الموقف حينها أسهل علي مما كنت أتصور بكثير سبحان الله والحمد لله الذي ألهمني الصمود والقوة حينها وما كنت لولاه سبحانه أقوى على ذلك والله. المهم أنني حتى لم أبك أمام أحد , ولا حتى أمام إخوتي , ولم ير دموعي أحد إلا الله سبحانه وتعالى .كنت أقصد أن لا يراني أحد لسببين :أحدهما أنني أحس بأن الدموع عورة يعني لا ينبغي لأحد أن يراها لأنها لحظة من لحظات الضعف البشري أو أنني لا ينبغي أن أثقل أحدا بمشاكلي و حزني لأن الناس فيها ما يكفيها . أما السبب الأهم هو أنني كنت أحس أنني لو "فضفضت" أو بحت بمشاعري لأحد فإن ذلك ينقص أجري عند الله تعالى .وبذلك قررت أن لا يرى دموعي أحد بعد أمي . و أنا على هذه الحال منذ وفاتها , ولكنني والله في الحقيقة أغلق علي الغرفة وأنخرط في بكاء مرير حتى أخشى أن يسمع صوتي أو أن يغشى علي من الحزن ! لدرجة أن أختي تتصور أنها أكثرنا حزناً على أمي لمجرد أنها لم تر دموعي أو دموع أخي ! المهم أنني في هذه الأثناء كان ينتابني شعور قوي جداً أن الدنيا غابة بعد الأم لأن أحداً لم يحس بي أو بحزني و ألمي وأن المشاعر "موضة قديمة " لا تناسب هذا العصر بما يلزمه من قسوة و قوة ...و لكنني لم أستطع أن أكون بهذه القوة حتى الآن ...المشكلة الآن أنني صرت على العكس , صرت أحكي لصديقاتي المقربات كيف أن أمي ماتت أمامي و كيف ألهمني الله الصبر , أحكي كل ذلك بغرض أن أجد فيهم من يقدر مشاعري و ألمي و من قد يشفق علي أو يتعاطف معي ! و أفرح إذا اندهش البعض من صعوبة الموقف , وربما أحزن إذا لم يكترث البعض للأمر أو لم يقدروا حجم ما مررت به .... سؤالي الآن : هل هذا رياء ؟ هل ما أحكيه من تجربة صعبة مررت بها ينقص من أجري ؟ مع العلم بأنني أحكيها لكي يشعر الناس بي .. لأجد فيهم قلباً واحداً يحنو و يحس بما ألم بي ... فهل هذا رياء ؟ وإذا كان ذلك رياء ما هي أفضل وسيلة للتخلص من هذه المشاعر ؟جزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى لك الثبات والتوفيق وأن يلهمك الصبر والسلوان ويتغمد أمك برحمته ويلبسها ثوب المغفرة والرضوان. وجزاك خيرا على برك بأمك حال حياتها. ولتعلمي أن ذلك لا ينقطع بموتها لما ثبت في الحديث عند أحمد وغيره أن رجلا من الأنصار سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما؟ فقال خصال أربعة: الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما. وانظر الفتوى رقم: 10602 والفتوى رقم:27617. وأما تحملك وصبرك وعدم بكائك عليها فنسأل الله تعالى أن يكون في ميزان حسانتك فقد أعد سبحانه للصابرين أجرا عظيما. وإن كان جريان الدمع والبكاء الغالب لا حرج فيه فقد فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لموت ابنه ابراهيم وقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا مايرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. متفق عليه واللفظ للبخاري. وقد بينا في الفتوى رقم: 25255، والفتوى رقم: 39646، الممنوع من البكاء والمشروع منه عند الميت وحال الحزن وضيق الصدر. وأما سؤالك عن تحدثك بذلك هل يدخل في باب الرياء، فنقول إن ذلك يتوقف على نيتك فإن كنت قصدت به مراءاة الناس ليمدحوك بصبرك وجلدك ويتحدثوا عنك بذلك فهو رياء. وإن كنت قصدت التحدث بنعمة الله عليك لقوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11}. ولا شك أن الصبر على المصائب من نعم الله وآلائه العظيمة ممن قصد التحدث بتلك النعم فلا يعد ذلك رياء، وقد فصلنا القول في الفرق بين الرياء والتحدث بالنعم في الفتوى رقم: 62883، وننصحك بالحذر من أن يوقعك الشيطان في العنت بسبب ما يوسوس به إليك. وانظري الفتوى رقم: 18265.
والله أعلم.