عنوان الفتوى : نعي أهل الإسلام يخالف صورة نعي الجاهلية
بعض إخواننا -جزاهم الله خيرًا- أنشأوا صفحات ومجموعات في الفيس والتويتر والواتس، وهدفها هو التذكير والإعلان بالصلاة على الجنائز في مدنهم، وآخرون يرسلون رسائل جوال. فهل هذا العمل يدخل في النعي المنهي عنه؟ المرجو التوضيح.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إنشاء صفحات ومجموعات في وسائل التواصل لمجرد التذكير والإعلان بالصلاة على الجنائز لا حرج فيه، بل هو مشروع؛ لأنه وسيلة إلى الصلاة على الميت والقيام بحقوقه، والوسائل لها أحكام المقاصد، وليس ذلك من النهي الوراد عن النعي -على فرض صحته-؛ إذ المراد بالنعي المنهي عنه نوع معين من النعي، وليس المراد به كل إعلام بوفاة ميت.
فقد أخرج البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعًا».
قال النووي في شرح مسلم: وفيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية، بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك، والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا، وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها. اهـ.
وقد بوب البخاري في صحيحه على الحديث: (باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه). قال ابن حجر في الفتح: فائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعًا كله، وإنما نهي عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق، وقال ابن المرابط: مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام. وأما نعي الجاهلية: فقال سعيد بن منصور: أخبرنا ابن علية عن ابن عون قال: قلت لإبراهيم: أكانوا يكرهون النعي؟ قال: نعم. قال ابن عون: كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس: أنعي فلانًا. وبه إلى ابن عون قال: قال ابن سيرين: لا أعلم بأسًا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه.
وحاصله: أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول: لا تؤذنوا به أحدًا، إني أخاف أن يكون نعيًا، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأذني هاتين ينهى عن النعي. أخرجه الترمذي، وابن ماجه، بإسناد حسن. قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة. الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره. الثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم. اهـ.
وأما النهي عن النعي: فقد جاء في حديث بلال بن يحيى العبسي، عن حذيفة بن اليمان قال: «إذا مت فلا تؤذنوا بي، إني أخاف أن يكون نعيًا، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن النعي» أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وحسنه ابن حجر -كما تقدم-، والألباني.
بينما ضعف الأرنؤوط الحديث في تحقيق المسند، وضعف أحاديث الباب كلها، وقال: إسناده ضعيف، فإن بلال بن يحيى العبسي لم يسمع من حذيفة فيما قاله ابن معين، وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/396: وجدته يقول: بلغني عن حذيفة. وقال أبو الحسن القطان: روى عن حذيفة أحاديث معنعنة ليس في شيء منها ذكر سماع. وفي الباب عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا عند الترمذي (984)، وموقوفًا عند ابن أبي شيبة 3/275، والترمذي (985)، والطبراني (9978) ، ورجح الترمذي والدارقطني في "العلل" 5/165 الموقوف على المرفوع.
قلنا: ومدار إسناد المرفوع والموقوف على أبي حمزة ميمون الأعور، وهو ضعيف. وعن ابن عباس عند الطبراني (11111) وإسناده واه. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 23113.
والله أعلم.