عنوان الفتوى : حكم النحيب على الحسين رضي الله عنه
https://youtu.be/yOYXVGKCS_k سؤالي: هل يجوز النحيب على الحسين؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنعتذر عن الاطلاع على الرابط المرسل في السؤال.
وإن كنت تقصد بسؤالك الحسين بن علي -رضي الله عنه-، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته: فهو قد قتل مظلومًا شهيدًا -رضي الله عنه-، والمشروع إذا عرض للمرء تذكر مصيبة المسلمين بقتله -رضي الله عنه- أن يسترجع الله، ويصبر ويحتسب.
وأما إقامة المآتم لقتله، واستجلاب الحزن والنواح عليه، كما يصنع أهل البدع والأهواء: فهذا فعل ممجوج، تنكره العقول والفطر السوية، فكيف بالشرع الحنيف؟!
قال ابن تيمية: ومن حماقتهم إقامة المآتم، والنياحة على من قد قتل من سنين عديدة، ومن المعلوم أن المقتول، وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرمه الله ورسوله؛ فقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية». وثبت في الصحيح عنه «أنه بريء من الحالقة، والصالقة، والشاقة». فالحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة هي: التي ترفع صوتها عند المصيبة بالمصيبة، والشاقة: التي تشق ثيابها. وفي الصحيح عنه أنه قال: «إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها، فإنها تلبس يوم القيامة درعًا من جرب، وسربالًا من قطران». وفي الصحيح عنه أنه قال: «من ينح عليه، فإنه يعذب بما ينح عليه». والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وهؤلاء يأتون من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعوى الجاهلية، وغير ذلك من المنكرات بعد موت الميت بسنين كثيرة ما لو فعلوه عقب موته لكان ذلك من أعظم المنكرات التي حرمها الله ورسوله، فكيف بعد هذه المدة الطويلة؟!
ومن المعلوم أنه قد قتل من الأنبياء وغير الأنبياء ظلمًا وعدوانًا من هو أفضل من الحسين؛ قتل أبوه ظلمًا، وهو أفضل منه، وقتل عثمان بن عفان، وكان قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وترتب عليه من الشر والفساد أضعاف ما ترتب على قتل الحسين. وقتل غير هؤلاء ومات، وما فعل أحد -لا من المسلمين، ولا غيرهم- مأتمًا ولا نياحة على ميت، ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله إلا هؤلاء الحمقى الذين لو كانوا من الطير لكانوا رخمًا، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرًا. اهـ. من منهاج السنة.
وقال ابن تيمية أيضًا: فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية تظهر موالاته -أي الحسين رضي الله عنه- وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية.
والذي أمر الله به ورسوله في المصيبة -إذا كانت جديدة- إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع، كما قال تعالى: {وبشر الصابرين} {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. وفي المسند عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها}.
وهذا من كرامة الله للمؤمنين، فإن مصيبة الحسين وغيره إذا ذكرت بعد طول العهد، فينبغي للمؤمن أن يسترجع فيها كما أمر الله ورسوله ليعطى من الأجر مثل أجر المصاب يوم أصيب بها.
وإذا كان الله تعالى قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة، فكيف مع طول الزمان؟! فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام؛ والتوسل بذلك إلى سبّ السابقين الأولين، وكثرة الكذب والفتن في الدنيا، ولم يعرف طوائف الإسلام أكثر كذبًا وفتنًا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية. اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.
وراجع الفتوى رقم: 146449.
والله أعلم.