عنوان الفتوى : الاختلاط في العمل الممنوع والمشروع

مدة قراءة السؤال : 6 دقائق

أنت قاعدة شاذة في التفكير والمنطق !هذه العبارة هي خلاصة الاستنتاج الذي توصل إليه أخي وأمي بعد نقاش دار بيننا ..أخبروني بكل صراحة أنني إنسانة شاذة التفكير والمنطق سواء على خط سير العرف الاجتماعي أو الإسلامي ولأني أحبك في الله وأحترمك وأشعر أنك أخي ألاكبر الذي لم تلده أمي أرسلت لك هذه الرسالة وأريدك أن تحكم وفق منظور شرعي واجتماعي, لأن الأمر يحتاج لعلم شرعي للرد على المسائل التي التبست علي وهل أنا حقا شاذة التفكير والمنطق وأرجوك أن لاتستخف بسؤالي فبعد نقاشي لهم تشوشت أفكاري ولم أعد أعلم أين الصواب في كلامي أم معتقدهم وخلاصة الخلاف بيننا هو كما يلي:- أولا: أنا لا رغبة لي في العمل خارج البيت وإن وفقني الله وحصلت على الشهادة وتزوجت سأجلس في البيت ولارغبة لي في العمل خارجا فأنا أشعر بسكينة وسلام في البيت ويكفيني أن أعمل على خدمة بيتي وتربية أولادي إن رزقني الله بأولاد وبصراحة فكرة العمل تضايقني جدا لأنه لابد أن يكون مختلطا وقد يكون المشرف على تدريبي رجلا وهذا يزعجني فدراستي الآن مختلطة ورغم محاولاتي للتقيد بالدين إلا أن نفسي لاتكف عن مضايقتي انظري هذا الفتى جميل وذلك ينظر وهذا يكلم تلك الفتاة ....الخ من التفاهات مع العلم أنها تبقى مجرد وساوس ولا أميل لها بل على العكس أعود وأنا كارهة لنفسي مع العلم أني لا أكلم الشبان ولا أخالطهم ولاحتى أقف بقربهم ولكن هذه الوساوس تقهرني ومجرد فكرة جلوسي في البيت وعدم رغبتي في الدراسة والعمل مستهجنة لدى الجميع على الأغلب, وبصراحة أنا لا أحب العمل خارج البيت بصفة عامة حتى وإن كان مع النساء وأكره العمل مع الرجال خصوصا وأكره مخالطتهم وهذا شيئ في منذ الصغر ولا أعلم لماذا ! وهذه الفكرة أغضبت أمي وأخي فكيف بعد هذه السنوات الطويلة من الدراسة تجلسي هكذا في البيت لمجرد أنك ستتزوجين على سبيل المثال! ..إن هذا تفكير شاذ واتكالي وافرضي أن زوجك مات أو أعيق أو مرض فمن سيعول الأسرة بعده وأنت لاتجيدين أي عمل وليس معك شهادة هل ستتسولين في الشوارع أم تصبحين خادمة في البيوت وكيف تطيقين الجلوس بين أربعة جدران لوحدك طوال النهار, ستنكدي عليه وتصابي بالغم...الخ من الكلام الذي أمطروني به، والحجة علي أنه حتى في الإسلام الأول في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانت المرأة تعمل فمثلا هذه الصحابية رفيدة فتح لها الرسول مستشفى في إحدى الخيام وممن عالجتهم كان الصحابي الجليل سعد بن معاذ لقد كان بإمكان الرسول أن يعلم رجلا ويجعله هو يعالج؟! فحجة عدم الاختلاط هذه باطلة والبرهان قد ذكر آنفا! ثم خذ مثلا آخر الصحابية هند بنت عتبة أقرضها الخليفة عمر بن الخطاب مالا لتعمل في التجارة ! فهل كانت ستتاجر مع نساء؟؟! إنه يعلم أنها كانت ستعمل مع رجال ولو كان الأمر حراما لمنعها ثم إن عمر رضي الله عنه وكل أمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق لامرأة اسمها الشفاء! وهذه حجة أخرى وهناك غيرها الكثير مما عرفته ولم أجد عليه ردا وهذه المعلومات كلها علمتها من محاضرة ألقاها داعية إسلامي معروف جدا ومشهور بعنوان مكانة المرأة في الأسلام ومما قاله أيضا أن المرأة كانت تجاهد مع الرجل والدليل خولة بنت الأزور وهند بنت عتبة التي قاتلت في أحد المعارك مع سيدنا خالد بن الوليد فأين حجتكم التي تتحججون بها عن عدم الاختلاظ في العمل مع العلم أنهم يرفضون الابتذال في الاختلاط والمقصود أن كل شخص يحترم نفسه وسلوكه مع الآخر ولكن لايرفضون فكرة العمل الجماعي ..بصراحة هذا مافهمته أنا من الداعية ولو كانت أمي وأخي بقربي ذلك اليوم وسمعوا خطبة الداعية لكان الأمر حجة على كلامي! هذه أول الحجج فهل لديك رد؟؟! ثانيا؛- أنهم يستغربون فكرة عدم طموحي للعمل والحصول على استقلالي الشخصي وتنمية مصادري وإثراء إمكانيتي كتعلم قيادة السيارة مثلا والطموح لإنشاء مركز عمل خاص بي وغيرها من الطموح التي يحلم بها الشباب عادة .بصراحة أنا لا أرغب في تعلم قيادة السيارة وكل هذه الأمور لاتعني لي الكثير فهل هذا منطق شاذ واتكالي وسلبي من المنظور الاجتماعي؟؟ فهل لديك رد!! ثالثا وأخيرا هل حقا أن الله سيحاسبني على العلم الذي تعلمته ولم أعمل به ...أنا أقصد العلم الذي تعلمته في الكلية والسنوات الطويلة في الدراسة ثم الجلوس في البيت!!! ماهذا.. كل هذه السنين ثم الجلوس في البيت!!!...هكذا قالوا.. هل سيحاسبني الله على ذلك ؟؟ ورغبتي ذكرتها مسبقا! فهل لديك رد أرجو الإجابة على كل هذه الالتباسات التي شوشت تفكيري ولم أجد لها ردا ...أرجوك يا أخي أن لاتستخف بسؤالي وأن ترد على كل النقاط الورادة فيه بالتفصيل وبارك الله فيك وجزاك عني ألف خير ...أخي أرجوك وضح لي الأمور وشكرا.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا نرى في رأيك أمرا معيبا يستحق ذلك الوصف الذي وصفك به أخوك بل رأيك هو الصواب ونظرتك هي الأقرب للواقع ولفطرة المرأة وطبيعتها ، وسؤالك كله يدور حول فكرة واحدة وأمر واحد هو عمل المرأة وهل يجوز أم لا يجوز ، وهل عملت الصحابيات في التجارة والتمريض ، وهل عمل المرأة أفضل أم مقامها في بيتها أفضل ؟ والجواب عن ذلك قد سبق في فتاوى كثيرة جدا ، ويمكن الدخول على الفهرسة الموضوعية بعنوان عمل المرأة وستجدين الكثير في ذلك . وخلاصة القول أن عمل المرأة من الأمور المباحة إن لم يكن ثمة اختلاط ، والاختلاط على قسمين : اختلاط ممنوع : وهو الذي تظهر فيه العورات أو يحدث فيه ملامسة أو كان داعية فتنة .واختلاط غير ممنوع : وهو الذي تخلص من المحذورات السابقة . وما ذكر من عمل الصحابيات هو من هذا القسم المسموح ، فقد كان الرجال والنساء يجتمعون تحت سقف واحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع غض البصر والستر والعفاف وحفظ لحدود الله تعالى ، من غير مماسة ولا فتنة ، وراجعي الفتوى رقم 10021، والفتوى رقم19233 ، وأما بشأن مداواة الجرحى فانظري الفتوى رقم  52323 فعجبا كيف يقاس ذلك المجتمع الطاهر على المجتمعات التي غلب فيها الفحش، وقل فيها الحياء، وظهرت فيها المنكرات . لسنا نمنع عمل المرأة ولكننا نمنع الفساد ، لسنا نمنع اجتماع الرجال والنساء في مؤسسة واحدة أو شركة واحدة ولكننا نمنع ما يمنعه كل مسلم يخشى الله تعالى من مواعدة ومصادقة وفتنة وفساد . وإذا كان الشرع قد حث المرأة في زمن الطهر والعفاف على أن تكون في بيتها، وأن لا تخرج إلا لحاجة ففي الحديث المتفق على صحته عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن . بل جعل الإسلام صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي الحديث عند أبي داود والبيهقي والحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن .وفي صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت :  يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، قال قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله جل وعلا . فإذا كان هذا في شأن الصلاة فكيف بغير ذلك ، ولا نشك أن عمل المرأة الكبير ودورها العظيم هو أن تكون مربية لأبنائها تغرس فيهم حب الله والرسول ، وحب الإسلام والقرآن . وأما بشأن السؤال عن العلم الذي تعلمته ؟ فالجواب : أن العلم ليس على درجة سواء فمنه العلم الواجب تعلمه على الأعيان وهو العلم بفرائض الإسلام كالصلاة والصيام والزكاة ونحو ذلك مما يجب على الأعيان ، ومنه ما لا يجب تعلمه على جميع المسلمين، بل إذا قام بهذا الواجب البعض كفى وسقط الإثم عن الباقين، كوجوب وجود عالم في كل بلد يفتي الناس بما يحل وما لا يحل ويعلمهم شريعة رب العالمين ، فهذا الواجب على الأمة كلها أن تنتدب من يقوم بهذا الواجب فإذا فرطوا أثموا جميعا ، ولكن لا يجب عليهم أن يكونوا كلهم علماء ، فإذا قام بهذا الواجب من يكفي ويسد حاجة الأمة سقط الوجوب عن بقية الأمة ، وهكذا في بقية فروض الكفاية كوجود الطبيب ونحوه . وأما تعليم العلم : فلا يجب على كل الناس بل إذا قام بهذا الواجب من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين ، وعليه فإذا كان العلم الذي قمت بتعلمه فرض عين وقام بتعليمه غيرك فلا يجب عليك تعليمه ولا تأثمين بترك ذلك .  قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر : تنبيه : عد هذه – أي كتم العلم - كبيرة هو ما صرح به غير واحد من المتأخرين , وكأنهم نظروا إلى ما ذكرته من هذا الوعيد الشديد فيه , وليس ذلك على إطلاقه فإن الكتم قد يجب والإظهار قد يجب وقد يندب , ففيما لا يحتمله عقل الطالب , ويخشى عليه من إعلامه به فتنة يجب الكتم عنه , وفي غيره إن وقع - وهو فرض عين أو في حكمه - وجب الإعلام , وإلا ندب ما لم يكن وسيلة لمحظور . والحاصل : أن التعليم وسيلة إلى العلم فيجب في الواجب عينا في العين وكفاية فيما هو على الكفاية , ويندب في المندوب كالعروض، ويحرم في الحرام كالسحر والشعبذة .اهـ.

 والله أعلم .