عنوان الفتوى : هل ينسب الأولاد في النكاح الباطل لمن اعتقد صحته
الحادثة الأولى بعد سنة من زواجنا وإثر مشادة كلامية ومناقشات حادة كما هي العادة. ولم أعد أذكر الموضوع الذي كنا نتناقش فيه ، اشتد الغضب بي فقمت بضربها على وجهها فصرخت في وجهي وهي في حالة من الذهول بأنها أصبحت تكرهني وتحتقرني أكثر من أي زمن مضى وأصبحت ترفع صوتها أكثر وأكثر وأنا أقول لها اسكتي اسكتي وإلا . لم تسكت ومرت لحظات لم أعد أستوعب ما ينطلق منها ومني أي كلمة فما كان مني إلا أن قلت لها أنت طالق طالق طالق, عند سماعها تلك الكلمات سكتت على الفور. وأنا أصابتني الدهشة والذهول مما حدث. فما كان مني إلا أن تصفحت كتب السنة والفقه الموجودين عندي. فوجدت الآتي : أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعتبر أن تكرار كلمات الطلاق يعتبر طلقة واحدة وطلاق الغضبان لايقع بدليل الحديث الشريف ( لاطلاق ولاعتاق في إغلاق ) ولكن على سبيل الحيطة قمت وبعد أن تصافت القلوب بوضع يدي على رأسها وقمت بمراجعتها على سنة الله والرسول . ولم نخبر أحدا بتلك الواقعة. الحادثة الثانية بعد ثلاث سنوات تقريبا. عندما كانت تقوم بتنظيف إحدى الخزائن وجدت شيئا خاصا بي كان لي بمثابة الذكرى من أيام الجامعة . فقامت بالصراخ والتوبيخ وأوشكت على تمزيق الأوراق . فقلت لها أعطني إياهم . لم ترد وجن جنونها . فتملكني حالة من الغضب وصرخت اسكتي لم تسكت وقالت بأعلى صوتها سوف أفضحك سوف..؟ سوف..؟ سوف...؟ وبلهجة التهديد اشتد الغضب بي فقلت لها أعطني الأوراق أو سوف ترين ما لا تحمد عقباه فقالت لن أعطيك إياها وكررت طلبي مرة ثانية وتهديدها ولم تعطني إياها. فقلت لها أنت طالق إذاً . دون وجود نية الطلاق لدي وعند سماعها كلمة الطلاق أعطتني ما أريد من الأوراق . خرجت من المنزل على الفور . لأعود بعد هدوئي .. وعلى سبيل الحيطة قمت وبعد أن تصافت القلوب بوضع يدي على رأسها وقمت بمراجعتها على سنة الله والرسول . ولم نخبر أحدا بتلك الواقعة . الحادثة الثالثة زادت الخلافات بعد الطفل الأول . واحتدمت المناقشات . وأصبح البيت كالجحيم بالنسبة إلي . لم أعد أطيقها فقررت أن أتزوج من أخرى ولكن الضائقة المالية أحالت دون أن أقوم بفتح منزلين معا . وزاد الطين بلة ظروفي في العمل . يومها عدت إلى المنزل لا أطيق نفسي لأرى أمامي الكابوس الآخر الذي ينتظرني . فمن كرهي لها ( وقد كنت قد شربت بعض الأدوية المهدئة 3 أقراص من حبوب وجع الرأس ) ومن شدة الانزعاج منها ومن دون سبب رميت عليها يمين الطلاق عليها بقولي أنت طالق. وكانت النية في تلك اللحظة الخلاص منها ولكن بعد دقائق معدودة شعرت بأني أخطأت وتسرعت بعض الشيء.اعتبرت زوجتي أن هذا الطلاق هو الطلاق الثالث فقامت بلبس الحجاب وطلبت أهلها الذين قاموا بدورهم بأخذها. مرت أيام شعرت بتلك المصيبة التي رميت نفسي فيها راجعت أوراقي فوجدت أن من عصبيتي وعدم اتزاني خربت بيتي. قمت بزيارة الشيخ العلامة مفتي حلب محمد بلال. وقلت له وبالحرف الواحد مايلي : ( طلقت زوجتي أول مرة ثلاث طلقات في جلسة واحدة وراجعتها بيني وبينها وفي المرة الثانية طلقة واحدة وراجعتها أيضا بيني وبينها والآن المرة الثالثة طلقة واحدة) . فلم يسألني عن التفاصيل بل طلب مني أن أوكل أحد الشيوخ الحاضرين وكيلا عن زوجتي مع العلم أن زوجتي لم تكن موجودة معي وقام بردها على سنة الله ورسوله على مقدم مبلغ مائة ليرة والمؤخر ماهو مسجل في المحكمة. عادت حياتنا الزوجية إلى نصابها ورزقت في هذه الفترة طفلا آخر. ما عدا المناقشات ولكن خوفنا في تلفظ اليمين كان يدفعني للخروج من المنزل لحظة الغضب . لم تصلح نفسها ولم أصلح نفسي أيضا ولكن كان في نهاية الأمر كنا نعيش حتى نربي أطفالنا. كانت زوجتي في بعض الأحيان تسألني إن كانت تعيش معي بالحلال وأن فتوى الشيخ بلال صحيحة. وأن طفلنا الثاني هل جاء بالحلال أم بالحرام وأنا لا أريد أن أفكر بالأمر. حتى في مثل هذه الأيام من السنة الماضية أصبحت تكرر هذا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أن من طلق زوجته ثلاث مرات متفرقات، فقد بانت منه بينونة كبرى( حرمت عليه)، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ويدخل بها، ويطأها في نكاح صحيح، قال تعالى عن المطلقة عند المرة الثالثة: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ {البقرة: 230}.
وإنما اختلف أهل العلم فيمن أوقع الطلقات الثلاث دفعة واحدة: هل تلزمه الطلقات الثلاث، فلا تحل له زوجته إلا بعد أن تنكح زوجا غيره وتعتد منه، أم أنها تكون مطلقة واحدة له إرجاعها ما دامت في عدتها، وبعد انتهاء العدة يجوز أن يعقد عليها برضاها ولو لم تنكح زوجا غيره؟.
أما عن سؤالك فنقول: أما الطلقتان الثانية والثالثة فلا إشكال في وقوعهما، وأما عن طلاق الثلاث في الحادثة الأولى ففيه أمران، الأمر الأول: هو كونه في حالة الغضب، الثاني: كون الطلقات الثلاث جمعت في لفظ واحد، وقد سبق في الفتوى رقم: 11566، حكم الطلاق حالة الغضب، وحكم الطلاق في لفظ واحد، وبما أن المسألة تحتاج إلى تحقق الحالة التي وقع فيها الطلاق وفيها أيضا خلاف بين أهل العلم فإنا نوصي السائل بمراجعة المحكمة الشرعية في بلده ـ إن وجدت ـ لأن هذه المسائل مما تختص بها المحكمة.
أما الولد فينسب إليك حتى على فرض كون العلاقة كانت غير شرعية ما دمت تعتقد صحة النكاح أو اعتمدت فيه على قول لأهل العلم، قال شيخ الإسلام: فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين. انتهى.
أما مسألة الأخذ بفتوى أحد العلماء أو المذاهب وإن كانت مخالفة لفتاوى علماء أو مذاهب أخرى.. فسبق ما يلزم المقلد فعله حيال الخلاف بين العلماء والمذاهب في الفتوى رقم: 17519، فننصح بالرجوع إليها، وأما عن حكم سنوات العيش مع الزوجة على أساس فتوى الشيخ المذكور وهل تأثم عليها أم لا؟ فذلك يرجع إلى أمور وهي: هل كنت مقصرا في السؤال والبحث عن الحق؟ هل كنت تبحث عن رخصة ومخرج لك دون تحري الحق والصواب؟ هل كنت تعلم أن هذا المفتي من أهل العلم الموثوق بهم ومن أهل السنة أم لا؟ فإذا كنت مقصرا في هذه الأمور فتأثم، وإلا فلا إثم عليك.