عنوان الفتوى : لا ينقص من حق الأب تقصيره في حق أبنائه
لي أب عاق بأولاده (نعم عاق) فلم يشعر أحد في العائلة أنه أب لنا لأنه كان ومازال سيء الطباع والخلق على الرغم من أنه يصلي ويعتمر، وهو بالرغم من عمره المتقدم فهو جشع وطماع ويحب المال حبا جما ويفرض على أولاده خوات ومنهم أنا، مع العلم بأننا كلنا متزوجون وحالتنا المادية ماشي الحال والحمد لله، أي بالكاد نستطيع العيش بفضل الله، وهو شخص لا يهمه أي شيء في الدنيا سوى بطنه وفلوسه تشجعه في ظلمه زوجته التي هي ليست أمي رحمها الله، وهو لا يترك أي فرصة في ابتزازنا ونحن نعيش في بلاد الغربة وهو في سورية فسبب أخلاقه السيئة اضطر خمسة من أولاده ومنهم أنا إلى الهجرة أو بالأحرى الهروب من بلاد الله الواسعة في آسيا وأوروبا وأمريكا ومازال يلاحقنا بالكلام السيء عنا في بلدتنا الصغيرة، وهذا ما يؤذينا أشد الإيذاء على الرغم من أنه معروف بأخلاقه السيئة ومعروفون نحن بأخلاقنا الحسنة وسيرتنا الحميدة، و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أوجب الله تعالى بر الوالدين والإحسان إليهما في أكثر من موضع من القرآن، وكلها يربط الحق سبحانه فيها بين توحيده جل جلاله وبين البر بالوالدين لينبه إلى أهمية هذا الأمر، فقال سبحانه وتعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36}، وقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}، وقال سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}.
وهكذا جاءت الأحاديث الصحيحة تؤكد هذا المعنى، ففي الحديث المتفق عليه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ربط بين رضا الوالد وبين رضا الرب سبحانه بقوله: رضا الرب من رضا الوالد وسخط الرب من سخط الوالد. رواه الترمذي، وفيه كذلك: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه.
ثم إن الخلق الحميد يقتضي أن يكون الإنسان باراً بأبويه، محسنا إليهما لأنه إذا لم يكن لهما فضل إلا أنهما سبب في وجود الولد لكان كافياً، ولا ينقص من حق الأبوين في البر والإحسان كونهما لم يقوما بما أوجب الله عليهما من حقوق النفقة والتربية تجاه أبنائهم، بل الواجب على الأبناء مقابلة ذلك بالصبر والإحسان ومن خالف ذلك كان عاقاً، ولا يخفى ما في العقوق من عظيم الإثم، وانظر الفتوى رقم: 10436.
ومما تقدم يتضح لك أنك أتيت ذنباً عظيماً يجب عليك أن تدرك نفسك منه بالتوبة والاستغفار حتى لا توقع نفسك في سخط الله تعالى وغضبه، إذ كيف لمسلم أن يصف أباه بهذه الألفاظ البذئية التي لا يجوز أن تصدر من مسلم لأخيه المسلم فضلاً عن الوالد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. متفق عليه.
ومن هنا ندعوك وسائر إخوتك إلى محاولة إصلاح ذات البين بينكم وبين أبيكم، فذلك أنفع لكم في الدنيا والآخرة، وعليكم اتخاذ الوسائل للتقريب ومن جملتها زيارته ومخاطبته بأحسن الألفاظ، وبذل المال له حسب الاستطاعة، لأن في المال كسراً لجفاء القلوب وطريقاً عجيباً للتحابب، وفي الحديث: تهادوا تحابوا. رواه البخاري في الأدب المفرد، وإن كان لزوجة أبيكم دور فيما يحصل فلا بأس باسترضائها وتنزيلها منزلة أمكم حتى تضمنوا ود أبيكم، وهذا ما نتمنى حصوله.
أما بخصوص ما ذكرت من عزم والدك على بيع بيتك، فهذا الأمر لا يجوز له، لأنه تصرف في ملك الغير بدون إذنه، لكن ينبغي لك معالجة الأمر بحكمة بحيث تضمن بقاء البيت وبر أبيك، وذلك بمحاولة إقناعه بحاجتك إلى هذا البيت، ولو وسطت أهل الخير والعقلاء من الأقارب، وكل من له رأى مقبول عنده فذلك حسن، فإن لم يفد ذلك نظرت، فإن كان الدافع له على ذلك حاجة ملحة للنفقة، فهذا يجب عليك وإخوتك قضاءها له، لأن نفقة الأبوين المسلمين واجبة على أبناءهم بلا خلاف إذا كانوا موسرين.
والله أعلم.