عنوان الفتوى : الفرق بين وسوسة الشيطان والنفس وبين الفكر السليم
جزاكم الله عنا كل خير، أما بعد: أرجوكم كيف أعرف الفرق بين وسوسة الشيطان والنفس وبين الفكر السليم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المسائل التي ورد فيها النص أو اتفق أهل العلم على حكمها لا يستفتى الإنسان فيها قلبه، وإنما يلزمه الخضوع لحكم الله الثابت بالنص أو الإجماع، وأما ما التبست فيه الأدلة واختلف فيه العلماء، فإن المسلم يتحرى الورع فيه ويستفتي قلبه، فإذا اطمأنت نفسه إلى شيء أخذ به، وأما ما حاك في صدره، فإنه يتركه، ويدل لهذا ما في الحديث: إذا حاك في صدرك شيء فدعه. رواه أحمد وابن حبان، وقال ابن حجر أن إسناده على شرط مسلم، وفي الحديث الآخر: البر ما سكنت إليه النفس وأطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون. رواه أحمد والطبراني وجود إسناده ابن حجر والهيثمي والمنذري، وصححه الأرناؤوط والألباني.
قال ابن القيم في أعلام الموقعين: لا يجوز العمل بالفتوى إذا لم تطمئن نفس المستفتي إليها، لقوله صلى الله عليه وسلم: استفت نفسك وإن افتاك الناس وأفتوك. ولقوله: من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار.
وقد ذكر أهل العلم أن محل هذا في النفس المطمئة التي وهبها الله نوراً تفرق به بين الحق والباطل، فإن الله تعالى قد فطر النفوس السليمة على قبول الدين والحق وركز في الطباع محبته، قال الله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ {الروم:30}.
وبناء عليه، فإن النفس الأمارة بالسوء لا يقبل قولها ولا تتبع شهوتها، ولا يقبل كذلك قول النفس مهما كانت فيما يصادم أمر الشارع، فقد أنكرت نفوس الصحابة التحلل في حجة الوداع، وأنكرت نفوس بعضهم صلح الحديبية، وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك ورد عليهم قولهم.
وقد فصل ابن رجب والمناوي عند شرح حديث استفت قلبك الكلام في هذا، كما فصل ابن حجر الكلام في بطلان قول من قال بجواز اتباع بعض الناس ما يقع في قلوبهم وما تمليه خواطرهم عند شرح حديث قصة موسى والخضر، فراجع فتح الباري وجامع العلوم والحكم، وفيض القدير.
وأما الفرق بين وسوسة النفس والشيطان، وبين الفكر السليم، فإنه يعرف بوزنه بميزان الشرع، فإن ثبت بالشرع بطلان ذلك فهو من وسوسة الشيطان والنفس، لأن الله تعالى وصف الشيطان بأنه يأمر بالفحشاء والمنكر، ووصف النفس بأنها امارة بالسوء، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {النــور:21}، وقال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {يوسف:53}، وإن كان هذا التفكير سائغاً شرعا، فإنه من التفكير السليم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 17826، 30039، 48325، 7950.
والله أعلم.