عنوان الفتوى : سبب اختلاف الصحابة وفقهاء المذاهب في تفسير النصوص الشرعية
اطلعت على فتواكم 50794 بشأن تفصيل القول في عورة المرأة وحكم النظر إلى وجهها وكفيها فجزاكم الله كل الخير على هذا الجهد ومع أنني أرتدي غطاء الوجه والكفين بفضل الله ألا أننى بعد قراءتي للفتوى حصلت معي بعض الحيرة والتساؤلات التى كان بعضها يمر بي من قبل وخطر ببالي سؤال فقررت أن أرسل بسؤالي وتساؤلاتي علي أجد ما يطمئن بالي ويذهب عني حيرتي ويزيد من ثباتي بإذن الله فأما سؤالي فهو عن هيئة حجاب أمهاتنا أمهات المؤمنين رضى الله عنهن جميعا وأرضاهم ؟ ألا يجدر بالمؤمنة الاقتداء بأمهات المؤمنين للفوز بالمراتب العليا بإذن الله؟..أما تساؤلاتي فهي عن: 1) كيف أستطيع أن أفهم الاختلاف الذي ورد عن أقوال الصحابة في تفسير الزينة في آية الحجاب مع علمنا بأن الأحكا م الشرعية كانت تطبق تباعا لنزولها بالوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يحدث الاختلاف بين ما ورد من أقوال الصحابة رضى الله عنهم على أمر هو جلي واضح على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صفة لباس المؤمنات؟ 2) اختلاف المذهب المتأخر عن المتقدم كيف أستطيع أن أفهم ما ورد من وجوب الستر للوجه والكفين في المذهب الحنبلي وهو المذهب المتأخر عن باقي المذاهب أي بعدهم في الزمن مع ملاحظة أن البعض يصفون الإمام أبا حنيفة بالتابعي وأنه تلقى العلم عن أنس ابن مالك رضى الله عنه؟ وأخيرا كلمتكم إلى من ترتدى غطاء الوجه والكفين في زمن شاع فيه خلاف ذلك. وجزاكم الله عنا كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الأولى للمؤمنة والأفضل لها عند الله هو الاقتداء بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، لأنهن خير نساء هذه الأمة، ولأنهن تربين وأخذن أخلاقهن وطباعهن على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خصهن الله تعالى بوجوب ستر الوجه والكفين، فلا يظهر منهن شيء من ذلك إلا لضرورة.
قال ابن حجر في فتح الباري: قال عياض: خص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بستر الوجه والكفين، واختلف في ندبه في حق غيرهن. قال: فلا يجوز لهن (يعني أمهات المؤمنين) كشف ذلك لشهادة ولا غيرها، قال: ولا يجوز إبراز أشخاصهن وإن كن مستترات إلا فيما دعت الضرورة إليه من الخروج إلى البراز، وقد كن إذا حدثن جلسن للناس من وراء الحجاب، وإذا خرجن لحاجة حجبن وسترن...
فهذه الصفة التي كان عليها أمهات المؤمنين هي الأولى لسائر المسلمات إن استطعن ذلك.
واعلمي أنه لا غرابة في أن يختلف الصحابة في بعض أمور الدين، لأن المسائل تتجدد يوماً بعد يوم، وأفهام الناس تختلف طبعاً، فأما ما دعت إليه الحاجة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الأمر فيه محسوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله وهو الحكم في كل الأمور، فلم يكن ثمة احتمال وجود خلاف، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإن الوحي قد انقطع من السماء فصارت الأحكام التي لم تطرح من قبل، وتفسير الآيات التي لم يسأل الصحابة عنها محل خلاف.
وأقرب مثال لذلك ما ورد على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى من خلافته حين سئل عن معنى الأب من قول الله تعالى: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا {عبس: 31}. قال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
وإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم في بعض أحكام الدين لاختلاف اجتهادهم فكذلك اختلف من جاء بعدهم في الأمور التي لم يرد فيها نصوص، أوكانت النصوص فيها تحتمل أكثر من دلالة.
وكون المذهب الحنبلي جاء متأخراً في الزمن عن المذاهب الأخرى، وكون الإمام أبي حنيفة تابعياً لا ينبني عليها شيء، لأن الاختلاف ناتج عن اجتهاد في فقه النصوص.
واعلمي أن الاختلاف ليس كله مذموماً، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 8675.
ونبشر التي ترتدي الحجاب وتغطي الوجه والكفين في الزمن الذي شاع فيه الفساد بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم. قالوا: يا نبي الله، أو منهم؟ قال: بل منكم. الحديث أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
والله أعلم.