عنوان الفتوى : حكمة الله البالغة في خلق النفوس أصنافا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله أتم الصلاة والتسليم أما بعد: فإني والله لكم أستحييت أن أسأل أحدا الكثير من أسئلة العقيدة الخاصة بذات الله وكنت أعتبرها من وساوس الشيطان إلا أن أحدها قد أشكل علي حتى عكر علي جميع عباداتي، وهذا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسُلَّم الحرمان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.
فمن سأل لمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الخوض في القدر، قال أبو هريرة رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه. رواه الترمذي، وقال: حسن غريب وحسنه الألباني.
قال الإمام الطحاوي: العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود، فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك طلب العلم المفقود. اهـ
واعلم أن سبب الخوض في القدر، وفي حكم الله البالغة المؤديان إلى التكذيب هو قياس الرب تبارك وتعالى على خلقه، وقياس حكمته على حكمتهم.
قال ابن القيم في شفاء العليل: ومعلوم أن الرب علم أن عباده يقع منهم الكفر والظلم والفسوق، وكان قادراً أن لا يوجدهم أو أن يوجدهم كلهم أمة واحدة على ما يحب ويرضى، وأن يحول بينهم وبين بغي بعضهم، ولكن حكمته البالغة أبت ذلك واقتضت إيجادهم على الوجه الذي هم عليه، وهو سبحانه وتعالى خلق النفوس أصنافاً، فصنف مريد للخير وحده وهي نفوس الملائكة، وصنف مريد للشر وحده وهي نفوس الشياطين، وصنف فيه إرادة النوعين وهي النفوس البشرية، والرب تبارك وتعالى اقتضت قدرته وعزته وحكمته إيجاد المتقابلات في الذوات والصفات والأفعال، وقد نوع خلقه تنويعاً دالاً على كمال قدرته وربوبيته، فمن أعظم الجهل والضلال أن يقول القائل: هلا كان خلقه كلهم نوعاً واحداً فيكون العالم علواً كله أو نوراً كله، أو الحيوان ملكاً له، وقد يقع في الأوهام الفاسدة أن هذا كان أولى وأكمل ويعرض الوهم الفاسد ما ليس ممكناً كمالاً.... فلو كان الخلق كلهم مطيعين عابدين حامدين لتعطل أثر كثير من الصفات العلى والأسماء الحسنى، وكيف كان يظهر أثر صفة العفو والمغفرة والصفح والتجاوز والانتقام والعز والقهر والعدل والحكمة التي تنزل الأشياء منازلها وتضعها مواضعها، فلو كان الخلق كلهم أمة واحدة لفاتت الحكم والآيات والعبر والغايات المحمودة في خلقهم على هذا الوجه، وفات كمال الملك والتصرف، كما أن من عبوديته العتق والصدقة والإيثار والعفو والصبر واحتمال المكاره ونحو ذلك مما لا يتم إلا بوجود متعلقه وأسبابه، فلولا (الكفر) لم تحصل عبودية العتق، فالرق من أثر الكفر، ولولا الظلم والإساءة لم تحصل عبودية الصبر والمغفرة، ولولا الفقر والحاجة لم تحصل عبودية الصدقة والإيثار، فلو سوَّى بين خلقه جميعهم لتعطلت هذه العبوديات التي هي أحب شيء إليه، ولأجلها خلق الجن والإنس. اهـ بتصرف.
واعلم أن هذه الأسئلة من نزغات الشيطان ووسوسته فاستعذ بالله واستعن به ولا تسترسل مع وسوسة الشيطان، ونوصيك بقراءة القرآن ودراسة العقيدة الإسلامية وسلم تسلم.
والله أعلم.