عنوان الفتوى : مسائل في الإمامة
ما حكم صلاة الفاجر، المبتدع، المسبل إزاره، المبنطل، المدخن، الأجر بالقرآن، وما حكم الصلاة خلفهم، علماً بأن أئمة مساجد قريتي من هذه النوعية، وهل يجوز لي أن أعتزل الناس وأصلي في بيتي لقول الرسول إذا فسد الزمان فاتخذ من بيتك محراباً، واقتداء بالإمام مالك الذي اعتزل الناس وصلى في بيته، وما هي الشروط التي إذا توافرت في إمام تبطل الصلاة خلفه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصلاة العاصي المصر على معصيته أو المبتدع صحيحة، ويكره الاقتداء به ما لم تكن معصيته أو بدعته مكفرة، فلا تصح صلاته، ولا الاقتداء به لمن هو عالم بحاله، إلا أنه لابد من بيان حكم الأمثلة التي ذكرتها في سؤالك وهي:
1- الإسبال: وفيه خلاف بين أهل العلم، وقد ذهب أكثرهم إلى أنه ليس بمحرم؛ إلا إذا كان على سبيل الخيلاء، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 21266.
وعليه، فإن كان الإمام يسبل إزاره لغير خيلاء اجتهاداً إن كان من أهل الاجتهاد، أو تقليداً للجمهور إن لم يكن من أهل الاجتهاد فلا حرج عليه، ولا حرج في الصلاة خلفه، وأما إذا كان يرى تحريمه ولو لغير خيلاء ويفعله فهو متجرئ على الدين ويعتبر بذلك عاصياً، والصلاة خلفه مكروهة كالصلاة خلف سائر العصاة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة وهو قول في مذهب المالكية، إلى عدم جواز الصلاة خلفه.
2- لبس البنطال: وهو جائز إذا كان فضفاضاً ويستر لون البشرة. أما إن كان ضيقاً يحجم الأعضاء ولا يصف البشرة فيكره، قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: قال أصحابنا: يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة، فلا يكفي ثوب رقيق يشاهد من ورائه سواد البشرة أو بياضها، ولا يكفي أيضاً الغليظ المهلهل النسج الذي تظهر العورة من خلاله، فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوهما صحت الصلاة فيه لوجود الستر. انتهى .
وقال الدسوقي المالكي في حاشيته: ومحل كراهة لبس المحدد للعورة ما لم يلبس فوق ذلك المحدد شيئاً كقباء؛ وإلا فلا كراهة. انتهى، وعليه، فلبس البنطال الضيق الذي يحجم الأعضاء، ولا يصف لون البشرة مكروه وليس بمحرم، والقدوة بلابسه جائزة، والأولى الصلاة خلف غيره إن وجد.
3- شرب الدخان: وهو محرم على الراجح من أقوال أهل العلم لاسيما المعاصرين، لأنه قد ظهر في العصر الحديث ضرره، فالصلاة خلف شاربه مكروهة لعصيانه بشربه.
4- وأما أخذ الأجرة على القرآن فهي تأتي على صور مختلفة، وعليه، فإن كنت تقصد أنه يأخذ الأجرة على تعليم القرآن، فالراجح أنه يجوز لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيه لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهو ذلك وقالوا: أخذت على الله أجراً، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله. والحديث وإن كان سببه هو الرقية، إلا أن اللفظ هنا عام، وقد نص العلماء على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وإن كنت تقصد أنه يأخذ أجرة على قراءة القرآن للأموات على النحو المعهود في بعض البلاد من استئجار قارئ ليقرأ القرآن، فلا يجوز ذلك، لأن هذا بدعة وتكره الصلاة خلف من يعمله، وعليه، فلا تضيع الجماعة بسبب ما عند هؤلاء الأئمة من بدع أو معاص ليست كفرية، وأما الحديث الذي أشرت إليه وهو: إذا فسد الزمان فاتخذ من بيتك محراباً. فلم نقف عليه بلفظه، ولكن صح معناه في أحاديث أخرى صحيحة منها ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره. ولكن هذا الحديث لا ينطبق على الحالة التي ذكرتها، ولذلك قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره. فيه: دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط، وفي ذلك خلاف مشهور، فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن، ومذهب طوائف: أن الاعتزال أفضل. وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب، أو هو فيمن لا يسلم الناس منه، ولا يصبر عليهم، أو نحو ذلك من الخصوص، وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين، فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر، وغير ذلك.
وأما ما نقل من تخلف مالك عن المسجد فلعلة ألمت به، وهي السلس، وقد بين ذلك عند موته. قال الحطاب في مواهب الجليل: فلما حضرته الوفاة سئل عن تخلفه عن المسجد؟ وكان تخلف عنه سبع سنين قبل موته، فقال: لولا أني في آخر يوم من الدنيا وأوله من الآخرة ما أخبرتكم، بي سلس بول فكرهت أن آتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهت أن أذكر علتي فأشكو ربي. وقيل: كان اعتراه فتق من الضرب الذي ضربه، فكانت الريح تخرج منه، فقال: إني أوذي المسجد والناس.
والحاصل أن الصلاة خلف العاصي والمبتدع جائزة مع الكراهة ما لم يتلبسا ببدعة أو معصية مكفرتين فلا تصح. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره الصلاة خلفه، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب.
ولذا، فلا يصح أن يفوت الإنسان الصلاة في الجماعة خلفهم بسبب ما عندهم من بدع وعصيان، بل يصلي وراءهم ويناصحهم بالتي هي أحسن.
وأما متى لا يصح الاقتداء بإمام؟ فهو بصورة مجملة من لا تصح صلاته لنفسه في نظر المأموم، أو كان يلحن لحناً مخلاً بالمعنى في الفاتحة كضم التاء من قوله: أنعمت والمأموم لا يلحن أو لحنه أخف من لحن إمامه، ولمزيد الفائدة في هذا الموضوع تراجع الفتوى رقم: 26508، والفتوى رقم: 9642.
والله أعلم.