عنوان الفتوى : تكرر الردة لا يؤثر في قبول التوبة
من المعلوم أن الله غفور رحيم لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك جميعا، وأنا أسأل عن حال إنسان كفر مثلا سب الدين ثم تاب فاغتسل وأعاد التشهد ودخل بالتالي في دائرة الإسلام من جديد وبعد مدة أعاد نفس القول المكفر فسؤالي هل يوجد حد لهذا الشخص في عدد المرات التي ارتد فيها خاصة أن الآية تقول "أمنوا ثم كفرواثم أمنوا ثم كفرواثم إزدادوا كفرا" وجزاكم الله كل خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأعلم أخي السائل أن باب التوبة مفتوح لمن تاب توبة نصوحا بشروطها التي نص عليها العلماء، وأن الله يقبل توبة عبده ولو تكرر منه الذنب مائة مرة كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل: قال أذنب عبدي ذنباً، فقال: اللهم اغفرلي ذنبي، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربي اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث ( وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه)، وقوله اعمل ماشئت فقد غفرت لك معناه: مادمت تذنب ثم تتوب غفرت لك.
وجاء في الحديث الصحيح( إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر) رواه ابن ماجه.
واعلم أخي السائل أيضاً أن باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها كما جاء في الأحاديث الصحيحة، فحينئذ لا ينفع نفساً إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً، وقد دعى الله عباده للتوبة
حيث قال عز وجل: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(الزمر:53)
وأما الآية التي ذكرت وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً}(النساء:137)
فقد قال الشوكاني رحمه الله تعالى في تفسيره:" أخبر سبحانه عن هذه الطائفة التي آمنت ثم كفرت ثم آمنت ثم كفرت ثم ازدادت كفراً بعد ذلك كله أنه لم يكن الله سبحانه ليغفر لهم ذنوبهم ولا ليهديهم سبيلاً يتوصلون به إلى الحق ويسلكونه إلى الخير لأنه يبعد منهم كل البعد أن يخلصوا لله ويؤمنوا إيماناً صحيحاً، فإن هذا الاضطراب منهم تارة يدَّعون أنهم مؤمنون وتارة يمرقون من الإيمان ويرجعون إلى ماهو دأبهم وشأنهم من الكفر المستمر والجحود الدائم يدل أبلغ دلالة على أنهم متلاعبون بالدين ليست لهم نية صحيحة ولا قصد خالص.
قيل المراد بهؤلاء اليهود فإنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بعزير ثم آمنو بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم". فتح القدير. انتهى كلام الشوكاني.
وللعلماء في هذه الآية توجيهات كثيرة منها مافي ابن كثير وغيره من أن المراد بهذا من مات على كفره.
قال ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: ثم ازدادوا كفراً،
قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا.
وفي تفسير الطبري: وقال آخرون بل عنى بذلك أهل النفاق أنهم آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا ثم ارتدوا ثم ازداوا كفراً بموتهم على كفرهم. إلى آخر كلامه، وعلى كل حال فالعلماء متفقون على أن الآية لا تدل على أن الذي يكثر منه الارتداد ـ والعياذ بالله تعالى لا تقبل توبته إذا وفقه الله تعالى للتوبة قبل غلق بابها أو قبل الغرغرة.
والله أعلم.