عنوان الفتوى : حكم استعمال ثياب الكفار وآنيتهم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم الأكل في أواني الكفار والمشركين مع ذكر الأدلة الشرعية وأقوال جمهور العلماء وهل ملابس الكفار المستعملة في معناها؟ وجزاكم الله خيراً.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد فصل ابن قدامة في المغني القول فيما يتعلق باستعمال أواني المشركين وثيابهم حيث قال: والمشركون على ضربين أهل الكتاب وغيرهم، فأهل الكتاب يباح أكل طعامهم وشرابهم والأكل في آنيتهم ما لم يتحقق نجاستها. قال ابن عقيل: لا تختلف الرواية في أنه لا يحرم استعمال أوانيهم، وذلك لقوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ [المائدة: 5].

وروي عن عبد الله بن المغفل قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر قال فالتزمته فقلت: والله لا أعطي أحداً من هذا شيئاً قال فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسماً. ورواه مسلم وأخرجه البخاري بمعناه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم: أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة. رواه الإمام أحمد في المسند وكتاب الزهد وتوضأ عمر من جرة نصرانية، وهل يكره له استعمال أوانيهم على روايتين إحداهما: لا يكره لما ذكرنا.

والثانية: يكره لما روى أبو ثعلبة الخشبي قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في أوانيهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها. متفق عليه.

وأقل أحوال النهي الكراهة ولأنهم لا يتورعون عن النجاسة ولا تسلم آنيتهم من أطعمتهم وأدنى ما يؤثر ذلك الكراهة.

وأما ثيابهم فما لم يستعملوه منها أو علا منها كالعمامة والطيلسان والثوب الفوقاني فهو طاهر لا بأس بلبسه وما لاقى عوراتهم كالسراويل والثوب السفلاني فقال أحمد: أحب إلى أن يعيد. يعني من صلى فيه فيحتمل وجهين أحدهما وجوب الإعادة وهو قول القاضي وكره أبو حنيفة والشافعي الأزر والسراويلات لأنهم لا يتعبدون بترك النجاسة ولا يتحرزون منها، فالظاهر نجاسة ما ولي مخرجها.

والثاني: لا يجب، وهو قول أبي الخطاب لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك.

الضرب الثاني غير أهل الكتاب وهم المجوس وعبدة الأوثان ونحوهم، فحكم ثيابهم حكم ثياب أهل الذمة، وأما أوانيهم فقال القاضي: لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم لأن أوانيهم لا تخلوا من أطعمتهم وذبائحهم فلا تخلوا أوانيهم من وضعها فيها، وقال أبو الخطاب: حكمهم حكم أهل الكتاب وثيابهم وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال ما لم يتيقن نجاستها، وهو مذهب الشافعي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضؤوا من مزادة مشركة. متفق عليه.

ولأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك، فظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى مثل قول القاضي، فإنه قال في المجوس: لا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة، لأن الظاهر نجاسة آنيتهم المستعملة في أطعمتهم فأشبهت السراويلات من ثيابهم. انتهى

وعند المالكية لا تجوز الصلاة في ثوب الكافر كتابياً أو غيره إلا إذا حصل يقين بطهارتها أو غلب ذلك على الظن، قال خليل في مختصره: ولا يصلى بلباس كافر.

قال الدسوقي في حاشيته: لا يجوز حتى لذلك الكافر إذا أسلم أن يصلي في ذلك اللباس حتى يغسله، كما رواه أشهب عن مالك ثم إن محل الحرمة إذا جزم بعدم الطهارة أو ظن عدمها أو شك في الطهارة أما لو تحققت طهارته أو ظنت فإنها تجوز الصلاة فيها. انتهى
وعلى القول بنجاسة ثياب الكفار، سواء كانوا كتابيين أو غيرهم يجوز الانتفاع بها بلبسها والنوم فيها في غير وقت مظنة حصول العرق فيها. قال الخرشي في شرحه لمتخصر خليل: والمعنى أن الشيء المتنجس وهو ما كان ظاهراً في الأصل وأصابته نجاسة كالثوب المتنجس والزيت ونحوه تقع فيه فأرة أو نجاسة يجوز الانتفاع به في غير مسجد وغير أكل آدمي كبير أو صغير عاقل أو مجنون مسلم أو كافر، وإنما قدرنا أكل آدمي إذ لا يصح نفي كل منافع الآدمي لجواز استصباحه بالزيت وعمله صابونا وعلفه الطعام المتنجس للدواب والعسل المتنجس للنحل، وهو من منافعه ولبسه الثوب المتنجس ونومه فيه ما لم يكن وقتاً يعرق فيه قاله في المدونة. انتهى

وحاصل الأمر أن ما يتعلق بالآنية فيفرق فيها بين أهل الكتاب وغيره، فآنية أهل الكتاب طاهرة ما لم تتحقق نجاستها وقيل بكراهتها لعدم تورعهم عن النجاسة.

أما المجوس وعبدة الأوثان فظاهر كلام الإمام أحمد أنها نجسة لا تستعمل لأن ذبائحهم ميتة وقال الشافعي بطهارتها.

وبالنسبة للثياب فيستوي فيها الكتابي وغيره فما كان منها غير مستعمل أو كان بعيداً عن العورة فهو طاهر تباح فيه الصلاة عند غير المالكية إذا لم تتحقق طهارته أو يغلب ذلك على الظن، وما كان ملامساً للعورة فعند أحمد يعيد من صلى فيه وحمل ذلك على وجوب الإعادة وعدمه وبالكراهية قال الشافعي وأبو حنيفة.

والله أعلم.