عنوان الفتوى : ليس من حق المؤجِّر تغيير قدر المنفعة دون قبول المستأجِر
قبل 12 عاما كنت مغتربا في إحدى الدول العربية، وكنت قد أردت الاشتراك في أحد عروض الإنترنت المتنقل، ووجدت عرضا جيدا (كان حزمة شهرية بمقدار 100 جيجابايت باشتراك شهري تقريبا 10 دنانير ، وبالتزام سنة واحد على الأقل) وذهبت إلى أحد فروع الشركة لشراء هذا العرض، وعند توقيع العقد كانت البنود كثيرة جدا ولم أقرأها، لكنني سألت موظف الفرع عن بعض الاستفسارات وأجابني عنها، وكان من بين الاستفسارات التالي:سألت الموظف عن: هل هذا العرض سيكون ثابتا أو قد تقوم الشركة بتغييره خلال مدة الاشتراك؟ وكان جواب الموظف بأن العرض ثابت وغير قابل للتغير وبنفس الحزمة، وبنفس الاشتراك خلال مدة الالتزام. لكن بعد مرور شهرين فقط من اشتراكي بالخدمة قامت الشركة بتخفيض حزمة الإنترنت الشهرية من 100 جيجا شهريا إلى 5 جيجا فقط شهريا (أي تخفيض الحزمة بنسبة 95%)، وهذا مجحف جدا وغير مقبول، وقمت بالاتصال بالشركة وتقديم شكوى ولكن للأسف كان رد موظف الشركة أنه من بين بنود العقد أن الشركة يحق لها التعديل على الخدمة وقت ما تشاء دون الرجوع للعميل، وأخبرتهم أنني سألت موظف الفرع لديهم حول هذا الأمر قبل توقيعي للعقد وأخبرني وقتها بأن الشركة لن تقوم بتغيير الخدمة نهائيا، لكن للأسف كان رد الشركة هو: اذهب وراجع الموظف شخصيا فنحن ليس لدينا حل.لذلك قررت الاستمرار باستخدام الإنترنت (حزمة 5 جيجا) وعدم دفع الاشتراك الشهري حتى نهاية مدة الالتزام، ولكن بعد عدة أشهر قامت الشركة بفصل الخدمة (بسبب تراكم الفواتير)، وقامت بمطالبتي بدفع قيمة الفواتير المتراكمة وقيمتها ما يقارب 75 دينارا، إلا أنني لم أدفع لها واشترطت بأن تعود الخدمة كما هي سابقا (100 جيجا شهريا) حتى أدفع لهم، ولكن لا حياة لمن تنادي.فهل أنا آثم بعدم دفعي لهذه الفواتير (75 دينارا)؟ علما بأن الشركة هي من أخلت بالاتفاق بيني وبينها (بين موظف الفرع)، وخلال المدة التي لم أدفع فيها لم أحصل حتى على ما مجموعه 100 جيجا (والتي يفترض أن تكون حزمة شهرية متجددة شهريا أقوم باستعمالها كل شهر)؟وجزاكم الله خير الجزاء.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ القضاء، وذلك لأنه الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم في مثل هذه القضايا.
وما يمكننا إفادة السائل به على وجه العموم: أن بيع الخدمات يدخل في مسمى عقود الإجارة، وعقد الإجارة لا يصح إلا بمعلومية المنفعة، فإذا جهلت المنفعة فسد العقد.
قال النووي في روضة الطالبين في بيان شروط صحة المنفعة: كون المنفعة معلومة العين والقدر والصفة. اهـ.
وقال ابن قدامة في الكافي: يشترط معرفة قدر المنفعة؛ لأن الإجارة بيع، والبيع لا يصح إلا في معلوم القدر. اهـ.
وإذا فسدت الإجارة واستوفيت المنفعة لزم أجرة المثل، يحكم بها أهل الخبرة في هذا المجال.
قال ابن قدامة في المغني: إن استوفى المنفعة في العقد الفاسد فعليه أجر المثل.
وبه قال مالك والشافعي. اهـ.
وبهذا يتبين أنه ليس من حق المؤجر تغيير قدر المنفعة دون قبول المستأجر، وعليه؛ فلا يصح أن يكون في العقد بند يعطي للشركة الحق في تعديل الخدمة وقت ما تشاء دون الرجوع للعميل؛ لأن هذا يؤدي إلى جهالة المنفعة والمنازعة.
وهذا يؤكد أن المسألة ليست من باب الفتوى، وإنما من باب القضاء.
والله أعلم.