عنوان الفتوى : واجب من أهديت إليه أموال بغير حق جاهلا حرمتها
أعمل في شركة اتصالات، وكنت أقوم بعمل محفظة إلكترونية للعميل دون مقابل، حتى وإن لم يطلبها، وهي لا تضره في شيء، بل بالعكس، فهي مفيدة في الكثير من الخدمات، وعند إنشاء المحفظة ترسل الشركة هدية بقيمة: 25 جنيها على محفظة العميل، وكنت آخذها لنفسي، وقد قمت بعمل الكثير منها بهذه الطريقة، وأخذ الهدية لنفسي لمدة: 7 شهور، وقد استفدت بهذه الهدايا، وانتفعت بها، والله يعلم أنني أوقفت هذا العمل في رمضان السابق، بعد أن تحدثت مع بعض الزملاء فوقع في نفسي الشك بأن هذا العمل فيه شبهة.. ولكنني لم أكن أعلم بأن هذا الأمر حرام، أو فيه شبهة... فقد كنا جميعاً نقوم بهذا الأمر مع العملاء، ظنا منا أنه لا شيء فيه، وأن الهدايا بسيطة، فلما وقع الشك في نفسي، وراجعت نفسي، وتحدثت مع بعض الثقات دخلت في نفسي الريبة والشك، وتركت هذا الأمر، فهل علي شيء في ذمتي لهؤلاء العملاء الذين قمت لهم بعمل هذه المحفظة، وأخذ الهدية لي عن جهل مني بأن هذا الأمر فيه شبهة، أو حرمة، وانتفاعي بهذه الأموال، علما بأن العدد كبير تجاوز: 900 محفظة؟ وهل هذه الأموال التي انتفعت بها حرام...؟ وماذا أفعل الآن؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلو اعتبرنا جهل السائل بحكم أخذ هذا المبلغ المهدَى من الشركة لصاحب المحفظة، فهذا الجهل لا يتعدى أثره رفع الإثم عنه، وأما حقوق أصحاب المحافظ: فهي دين في ذمة السائل يجب عليه رده إليهم، أو استحلالهم منه، كسائر حقوق العباد: لا تسقط بالجهل؛ لعموم الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد، وأبو داود وابن ماجه، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح- وصححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي.
قال الصنعاني في سبل السلام: الحديث دليل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه، أو من يقوم مقامه؛ لقوله: حتى تؤديه- ولا تتحقق التأدية إلا بذلك، وهو عام في الغصب، والوديعة، والعارية. اهـ.
وقال ابن عقيل في كتاب الفنون: حقوق الآدميين المالية، والدموية لا تسقط بالجهل، كما لا تسقط بعدم التكليف؛ فإن المجانين: والأطفال يضمنون الأموال بما يتلفونه بأكل، أو شرب، أو جناية، وكذلك النائم المتقلب على إناء لغيره، إذا أتلفه، كان الكل ضامنين، مع عدم تكليف الله تعالى لهم. اهـ.
فالواجب على السائل أن يرد بدل هذه الأموال لأصحابها، قال ابن قدامة في المغني: الغصب: هو الاستيلاء على مال غيره بغير حق، وهو محرم بالكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب: فقول الله تعالى: ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم... وأما السنة، فروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر: إن دماءكم، وأموالكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا- رواه مسلم وغيره... وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة، وإنما اختلفوا في فروع منه، إذا ثبت هذا، فمن غصب شيئا لزمه رده، ما كان باقيا، بغير خلاف نعلمه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤديه- ولأن حق المغصوب منه متعلق بعين ماله وماليته، ولا يتحقق ذلك إلا برده، فإن تلف في يده، لزمه بدله؛ لقول الله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم- ولأنه لما تعذر رد العين، وجب رد ما يقوم مقامها في المالية. اهـ.
فإن تعذر على السائل رد هذه الأموال لأصحابها؛ للعجز عن الوصول إليهم ونحو ذلك من الأسباب، فإنه يتصدق بها عنهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في مجموع الفتاوى: إذا كان بيد الإنسان غصوب، أو عوار، أو ودائع، أو رهون، قد يئس من معرفة أصحابها، فإنه يتصدق بها عنهم ،أو يصرفها في مصالح المسلمين. اهـ.
وإن كان التعذر بسبب أن السائل لا يملك هذا المال، فإنه يسدد منه ما تيسر، وما عجز عنه استحل من أصحابه إن أمكنه ذلك، وإلا فليتربص القدرة على السداد، وليلجأ إلى الله تعالى ليتحمل عنه تبعاته يوم القيامة، وليكثر من الأعمال الصالحة، والدعاء لأصحاب الحقوق عليه، وانظر الفتوى: 478183.
والله أعلم.