عنوان الفتوى : حرمة الاعتداء على مال المسلم ووجوب رده، والأدعية المعينة على قضاء الدين
أنا خلال سنتين كنت أسرق من محفظة عمي، وقد ندمت كثيرا، وعزمت أن لا أعود إلى ذلك أبدا. والمبلغ كبير -نوعا ما- حوالي 9000 دولار، هذا تقدير قدرته، حيث إنني لا أذكر كم سرقت منه، والآن أنا في سن 21 سنة، وأنا أعزم على جمع المال، ورده حين أستطيع، وأطلب الله أن ييسر لي رد هذا الدين الذي يعيشني بعذاب الضمير، ولكن عمي هو مفوض قضائي، ومن الممكن له أن يتوفر على مال من المعاينات التي يعاينها، كالحجز على المال، وغيره، فالآن تراودني وساوس بأنني من الممكن أن أكون سرقت من ممتلكات الدولة، أو الناس، فهل أرجع المال كله لعمي، أم ماذا أفعل؟ أنا أخاف أن يبقى شيء في ذمتي إلى يوم الدين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب عليك أن تتوبي إلى الله -تعالى- مما حصل، فإن الله حرم الاعتداء على أموال المسلمين؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. متفق عليه.
ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه. رواه مسلم.
ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل مال امرئ مسلم، إلا بطيب نفس منه. أخرجه الدارقطني، وأحمد، والبيهقي، وغيرهم.
ولا تتم التوبة، إلا برد المال لصاحبه، أو التحلل منه؛ لما في حديث: على اليد ما أخذت، حتى تؤديه. رواه أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح. ولما في حديث: من كانت له مظلمة لأحد من عرض، أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم. إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه. رواه البخاري.
وقد أحسنت في الاستعانة بالله في قضاء الدين، وعليك بالإكثار من تكرار الأدعية المأثورة في ذلك: ففي الحديث عن علي -رضي الله عنه- أن مكاتبا جاءه، فقال: إني قد عجزت عن كتابتي، فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو كان عليك مثل جبل ثبير دينا أداه الله عنك، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك. رواه أحمد، والترمذي، والحاكم، وصححه الحاكم.
وفي صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو عند النوم: اللهم رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا، ورب كل شيء، فالق الحب، والنوى، ومنزل التوراة، والإنجيل، والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر، فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر، فليس فوقك شيء، وأنت الباطن، فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر. وعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: ألا أعلمك دعاء تدعو به، لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا، والآخرة، ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد، كما قال المنذري.
واعلمي أنه ينبغي إحسان الظن بالعم، وعدم اتهامه بأخذ ما ليس له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكا له، إن ادعى أنه ملكه، فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده بنيت الأمر على الأصل، ثم إن كان ذلك الدرهم في نفس الأمر قد غصبه هو ولم أعلم أنا كنت جاهلا بذلك، والمجهول كالمعدوم، لكن إن كان ذلك الرجل معروفا بأن في ماله حراما ترك معاملته ورعا، وإن كان أكثر ماله حراما، ففيه نزاع بين العلماء. اهـ. بتصرف يسير من مجموع الفتاوى.
والله أعلم.