تفسير: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
تفسير: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)♦ الآية: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: مريم (72).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي ﴾ من النار ﴿ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ الشِّرك ﴿ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ ﴾ المشركين ﴿ فِيهَا جِثِيًّا ﴾؛ أي: جميعًا.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾؛ أي: اتقوا الشرك، قرأ الكسائي ويعقوب "نُنْجِي" بالتخفيف، والباقون بالتشديد، ﴿ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ جميعًا، وقيل: جاثين على الركب، وفيه دليل على أن الكل دخلوها، ثم أخرج الله منها المتقين، وترك فيها الظالمين، وهم المشركون.
أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا أبو اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي، أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: ((هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب))، فقالوا: لا يا رسول الله، قال: ((فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب))، قالوا: لا، قال: ((فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتَّبعه، فمنهم من يتَّبِع الشمس، ومنهم من يتَّبِع القمر، ومنهم من يتَّبِع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله عز وجل فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيدعوهم، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذٍ إلَّا الرُّسُل، وكلام الرسل يومئذٍ: اللهم سلِّم سلِّم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟))، قالوا: نعم، قال: ((فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، وأمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امْتَحَشُوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل الأرض دخولًا إلى الجنة، مقبل بوجهه قِبَل النار، فيقول: يا رب، اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيقول: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة ورأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى: أليس قد أعطيت العهود والميثاق ألَّا تسأل غير الذي كنت سألت، فيقول: يا رب، لا أكون أشقى خلقك، فيقول: فما عسيت إن أُعطيت ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك، لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها، فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله تعالى: ويلك يا بن آدم، ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق ألَّا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك أذن له في دخول الجنة، فيقول: تمنَّ فيتمنَّى حتى إذا انقطعت أمنيته، قال الله تعالى: تمنَّ كذا وكذا، أقبل يُذكِّره ربه حتى إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالى لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد لأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى لك ذلك وعشرة أمثاله))، قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله لك ذلك: ومثله معه، قال أبو سعيد: إني سمعته يقول: ((ذلك لك وعشرة أمثاله))؛ ورواه محمد بن إسماعيل، عن محمود بن غيلان، أنا عبدالرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي هريرة بمعناه، فقال: ((فيأتيهم الله عز وجل في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا آتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه)).
أخبرنا أحمد بن عبدالله الصالحي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا محمد بن حماد، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يعذب أناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حممًا، ثم تدركهم الرحمة، قال: فيخرجون، فيطرحون على أبواب الجنة، قال: فيرش عليهم أهل الجنة الماء، فينبتون كما تنبت القثاء في حميل السيل، ثم يدخلون الجنة)).
أخبرنا أبو محمد عبدالله بن عبدالصمد الجوزجاني، أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب، أنا أبو عيسى الترمذي، أنا هناد بن السري، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبدالله بن مسعود، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف آخر أهل النار خروجًا من النار، رجل يخرج منها زحفًا، فيُقال له: انطلق، فادخل الجنة، قال: فيذهب ليدخل الجنة، فيجد الناس قد أخذوا المنازل، فيرجع، فيقول: يا رب، قد أخذ الناس المنازل، فيُقال له: أتذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول: نعم، فيُقال له: تمنَّ، فيتمنَّى، فيُقال له: إن لك الذي تمنيته وعشرة أضعاف الدنيا، قال: فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟)) قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه".
أخبرنا أحمد بن عبدالله الصالحي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا محمد بن حماد، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم مبشر، عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدرًا والحديبية))، قالت: قلت يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 71]؟ قال: أفلم تسمعيه يقول: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾.
تفسير القرآن الكريم