عنوان الفتوى : فضل صلة الرحم والصبر على أذاهم، والتحذير من قطيعتهم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

جدتي -أم أمي- توفيت، وأهل أبي -إخوته، وأقاربه- لم يقوموا بتعزيتنا، ولا بتعزية أمي، ولا أهل أمي، وبعد وفاة جدتي بـ: 18 يوما، توفي خالي، وإخوة والدي لم يقوموا بتعزيتنا، ولم يعزوا أمي، وإخوة أبي لم يقفوا بجانبي في أوقات المحن، والآن عندي: 27 سنة، ومنذ أن كنت طفلا إلى حد الآن -وأبي كان يسافر كثيرا- لم يكونوا يسألون عنه، ولا عن أخي، وأنا الآن لا أطيق رؤيتهم، ولا أكلمهم، ولا أسمع أصواتهم، وأحس منهم الشماتة في جدتي، وخالي اللذين ماتا، وأهل أبي على مشاكل مستمرة مع أمي بسبب الغيرة، وأريد أن أعرف حكم الدين في هذا، وقد حاولت أن أصبر نفسي، وأصبر عليهم خشية قطع الرحم دون فائدة، فما حكم الإسلام في هذا؟ وهل علي إثم في ذلك؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه ما كان لأهلك أن يصنعوا ما صنعوا، ولكنا ننصحك بمجاهدة نفسك في الحرص على صلتهم، والحلم عنهم، والإحسان إليهم؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم.

وفي رواية للإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال: لا، إذاً تتركون جميعاً، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك.
وفي مسند الإمام أحمد أيضاً بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعقبة: يا عقبة؛ صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك.

وقد وردت أحاديث كثيرة ترغب في صلة الأرحام، وتبين أجرها وثوابها، فأنت المستفيد أولا من ذلك، فصلة الرحم شعار المؤمنين بالله واليوم الآخر، وفي الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه. رواه البخاري.

وهي من أعظم أسباب زيادة الرزق والبركة في العمر، قال - صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه. رواه البخاري.

وعند الترمذي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر.

وهي من أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله، وفي الحديث: أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلة الرحم... رواه أبو يعلى، وحسنه الألباني.

كما أن صلة الرحم من أسباب دخول الجنة، وفي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام. رواه أحمد، وابن ماجة.

وأما مجرد الكره القلبي: فقد قدمنا في فتاوى سابقة أنه لا مؤاخذة فيه، ما لم تتعاط أسبابه، وتعمل بمقتضاه من قطع للرحم، وهجر للأقارب، وإساءة إليهم، وإذا كنت تسلم عليهم عند الالتقاء بهم، فلا يعد ذلك هجرانا محرما، كما قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: معنى الهجرة هو: ترك الرجل كلام أخيه مع تلاقيهما، واجتماعهما، وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه، مصارمة له، وتركه السلام عليه، وذلك أن من حق المسلم على المسلم إذا تلاقيا، أن يسلم كل واحد منهما على صاحبه، فإذا تركا ذلك بالمصارمة، فقد دخلا فيما حظر الله، واستحقا العقوبة، إن لم يعف الله عنهما. انتهى.

والله أعلم.