عنوان الفتوى : أنكر على أبيك ظلمه لأمك، وصاحبه بالبر والمعروف
أبي دائمًا يعامل أمي بغِلظة منذ زمن طويل، وهي تحاول أن لا ترد عليه الإساءة بالإساءة. وعندما تعب أبي تعبًا شديدًا لم تتهاون أمي أبدا في مد يد العون له ومساندته حتى استعاد عافيته تمامًا، ثم تمادى بعد ذلك في معاملتها. هو منذ 20 عامًا لا يصرف عليها في ملبس، أو أدوية أو أي شيء لها.
وفي الفترة الأخيرة قام أبي بسب أمي بشتائم صعبة للغاية تمس الشرف، وسب أبويها وعائلتها كلها، وهي لم تفعل أي شيء سوى البكاء على أنه ليس لها أحد يدافع عنها أمام ظلمه: لا أب ولا أم ولا أخ.
المنزل الآن مقسم إلى قسمين منذ زمن طويل: أمي في ناحية، وأبي في ناحية كل واحد منهما يصنع لنفسه الطعام، ويغسل لنفسه الملابس ...إلخ.
وفي الفترة الأخيرة حدث أمر هين من أمي، ولكن أبي تمادى فيما يفعله فظل يبصق عليها، ويسب ويلعن. إلخ.
عندي بعض الأسئلة من فضلك:
1- أولا أبي لا يتحدث معي منذ 5 أشهر؛ لأنه قام بضرب أمي وحدث لها شبه كسر في عظمها، فقلت له: "لماذا؟؟ ماذا فعلت لك؟" ومنذ ذلك الوقت لا يكلمني (أنا لم أستطع أن لا أتحدث). أنا لا أعقه فإنه إذا طلب مني أي شيء أقوم بفعل ما يطلبه مني وزيادة، ولكنني لا أستطيع أن أكلمه، أو حتى النظر إليه.
فما حكم الشرع في ذلك الأمر؟ خصوصا أني أفكر أن الله ليس راضيا عني لفعل ذلك.
2- أمي تريد أن تسكن وحدها، وقد طلبت منه الطلاق، ولكنه حدثها وقال: لا، اذهبي لا أطلق، وتمادى أيضا.
فماذا حكم الشرع في أن تسكن في منزل وحدها بعيدا عن أبي مع أنه لم يطلقها؟
أرجو منك أن تُهوِّن عليها، وتخبرنا عن جزائها في الآخرة على صبرها وتحملها، وسوف أريها كلامك.
وشكرًا جزيلًا لك، ولأسرة إسلام ويب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكرت؛ فإنّ أباك ظالم لأمّك، مُعتد على حقها، مخالف لما أمره به ربه.
فقد أمر الله تعالى الأزواج بحسن العشرة، ورغبهم في ذلك، فقال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: واستوصوا بالنساء خيراً. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي.
فإنكارك عليه ظلمها، وحمايتك لها منه؛ لا حرج عليك فيه، لكن لا يجوز لك ترك مكالمته بالكلية؛ فحقّ الوالد على ولده عظيم، وظلمه وإساءته لا تسقط حقّه على ولده في البر، والمصاحبة بالمعروف.
وقد نهى الشرع عن الهجر بين المسلمين فوق ثلاثة أيام، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
فإن كان ذلك بين عموم المسلمين، فكيف بمن يهجر أحد الوالدين اللذين قرن الله حقهما بحقه سبحانه وتعالى، فقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]، وقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان: 14].
وراجع الفتوى: 401791
وإذا كان أبوك لا ينفق على أمّك النفقة الواجبة بالمعروف، ويضربها ضربا مبرحا؛ فلها أن تترك بيته وتنتقل إلى بيت آخر تأمن فيه على نفسها. وراجع الفتوى: 402754
وصبر أّمّك على ظلم زوجها وإيذائه لها، ابتغاء وجه الله؛ عمل صالح من أحب الأعمال إلى الله وأعظمها مثوبة، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: 153]، وقال تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146].
ويجوز لها أن ترفع أمرها للقضاء ليمنعه من ضربها ضربا مبرحا، وسبها وسب أهلها ومن كل ما يؤذيها، ويلزمه بالإنفاق عليها بالمعروف، ولها أن تطلب التطليق للضرر.
وراجع الفتوى: 482437
والله أعلم.