عنوان الفتوى : لا تُدفع الزكاة لمن عنده ما يكفيه حالا، ولو تُوُقِّعَ نفاده مستقبلا
تزوجت أخت زوجي من قريب لها، ونتج عن ذلك بنت، ثم تم الطلاق، وقطع الأب علاقته بالأم والبنت، بشكل مطلق، ولم يتحمل نفقة البنت طول سنوات عمرها، ولم يرها في أي وقت. وورثت الأم مالاً عن والديها، ثم توفيت، وتركت البنت منذ ثلاثة أعوام تقريبًا لأخوالها، مع العلم أن البنت عندها تأخر عقلي يؤثر على فهمها، وإدراكها للأمور من حولها، وقد أوشكت على الثلاثين، وليس لها أي دخل متجدد، إلا ما ورثت من والدتها، ويُتوقع نفاده إذا تم الإنفاق على معيشتها منه.
فهل يجوز للخال الإنفاق عليها -أدوات نظافة، وملابس، وما إلى ذلك، دون الطعام والشراب- من مال الزكاة؟
وإذا تُوفيت البنت فسوف يكون الإرث لأبيها الذي تركها، وإخوتها من أبيها. فما هو التصرف المناسب في هذا الأمر؟ وهل يجوز هذا مع إنفاق خالها على أكلها، واحتياجاتها من ماله الخاص به، وبأبنائه، وكأنه يدخر لمن لم يعلموا بوجودها، وهذا من مال الزكاة الذي ربما يحتاجه من هم أحق به؟
وهل علي إثم إذا قمت بكفالة البنت إرضاءً لله، ثم لزوجي من طعام، وشراب، وغير ذلك، ولكنني في داخلي لا أحبها، ولا أحب وجودها في حياتي، نظرا لأمور متعددة تخص نظافتها، وسلوكياتها التي تؤثر على أبنائي الصغار؟ وهل أحاسب على ذلك؟ مع وجود أخوال آخرين لها لم يشاركوا في حالتها هم وزوجاتهم، وكل الأعباء علي، وعلى أبنائي، وبناتي؟
ولكم مني جزيل الشكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن تعطى البنت من الزكاة، ما دامت عندها من المال ما يمكن أن ينفق عليها منه، ويكفيها؛ لأنها بذلك لم يتحقق فيها وصف الفقر الذي تستحق به أن يدفع لها من مال الزكاة، والزكاة لها أصنافها الثمانية، الذين حددهم رب العالمين في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة: 60}.
وإن تصدق عليها فذلك حسن، وهو من الإحسان، والله يحب المحسنين.
وإن كان والد هذه البنت قد قصَّر في أمر النفقة عليها، ورعايتها، وصلتها، فإن ذلك لا يمنعه حقه في الإرث من مال ابنته، إن قدر لها أن تموت قبله.
وينبغي أن ينصح هذا الوالد، ويُذكَّر بالله عز وجل، ويبين له أن هذه البنت محل وصية رب العالمين في قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء: 11}.
قال السعدي في تفسيره: أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية، والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها، فيستحقوا بذلك الوعيد، والعقاب. انتهى.
وإن قمتِ برعاية هذه البنت، والإحسان إليها إرضاء لله عز وجل، ثم لزوجكِ، فأنت مأجورة على ذلك -بإذن الله- فقد قال سبحانه: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا {المزمل: 20}.
ولا إثم عليكِ إن وجدتِ في نفسكِ شيئا من الضيق، والكراهية لها، بسبب بعض تصرفاتها، فالأمور القلبية لا اختيار للإنسان فيها، فلا يؤاخذ عليها.
والله أعلم.