عنوان الفتوى : تستحق المرأة المهر كاملا بعد الدخول بها

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

تزوجت امرأة من بلد أسافر إليه كثيرا، وأتردد عليه دائما، ولكن الزواج لم يكن موثقا ومكتوبا. ولكن فيه ولي وشهود، وموافقة من الزوجين، والمهر محدد. ولكن شرطي أن تأخذ المهر بيدها على دُفعات، كل مرة تأتيني تأخذ دفعة. وأيضا لو حصل طلاق فإنها تتنازل عن نفقات العدة والمتعة. وقد تعاقدنا على الاتفاق والشروط برضى الجميع، وتزوجنا على تلك الشرط.
والآن بقي من المهر تقريبا النصف، ولكن كلما طلبت منها أن تأتي، لا تحضر، وكثير ما تعِدُني ولكنها تُخْلِف، وقد حظرت هاتفي من الاتصال، ولا أستطيع التواصل مع أخيها، وكلما توصلت معها من خط آخر، تعدني بالمجيء، ولكنها تكذب. وإذا سألتها تتهرب، وقد تعبت منها: تعد، وتكذب.
وأيضا -والمهم- البنت لا تصلي، وأنصحها، ولكنها لا تصلي، وأنا متضايق من ذلك جدا، وإلى الآن أحاول أن تأتيني، ولكنها لا تحضر، وإلى الآن ونحن على هذه الحالة، وقد تعبت.
هل إذا طلقتها يسقط باقي المهر حسب اتفاقنا؛ لحديث: المسلمون على شروطهم، وغيره. خصوصا أني خائف أن أفقد جميع طرق التواصل. وهي ضعيفة في الدين جدا، يعني يمكن أن تتزوج وأنا لم أطلقها.
فماذا أفعل؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دمت دخلت بزوجتك؛ فلها مهرها كله، ولا حقّ لك في منعها بعض المهر إذا طلقتها.

قال المقدسي -رحمه الله- في العدة شرح العمدة: ومتى دخل بها استقر المهر، ولم يسقط بشيء، لقوله سبحانه: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20]. أمر بترك الكل لها. انتهى.

واتفاقك مع الزوجة على أن تقبض المهر على دفعات كلما أتت إليك؛ هو اتفاق غير لازم؛ لأنّه تأجيل لقبض المهر إلى أجل مجهول. والراجح عندنا في هذه الحال؛ بطلان الأجل، واستقرار المهر حالًّا.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ويجوز أن يكون الصداق معجَّلا، ومؤجَّلا، وبعضه معجَّلا، وبعضه مؤجَّلا؛ لأنه عوض في معاوضة، فجاز ذلك فيه كالثمن. ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول، كما لو أطلق ذكر الثمن. وإن شرطه مؤجلا إلى وقت، فهو إلى أجله......
فأما إن جعل للآجل مدة مجهولة، كقدوم زيد، ومجيء المطر، ونحوه، لم يصح؛ لأنه مجهول، وإنما صح المطلق؛ لأن أجله الفرقة بحكم العادة، وها هنا صرفه عن العادة بذكر الأجل، ولم يبينه فبقي مجهولا، فيحتمل أن تبطل التسمية، ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل. انتهى مختصرا.

وقال البهوتي في كشاف القناع: فإن جعل أجله مدة مجهولة؛ كقدوم زيد، لم يصح التأجيل لجهالته، وإنما صح المطلق؛ لأن أجله الفرقة بحكم العادة، وقد صرف هنا من العادة ذكر الأجل ولم يبينه، فبقي مجهولا.

قال في الشرح: فيحتمل أن تبطل التسمية، ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل. انتهى. قلت: الثاني هو قياس ما تقدم في المبيع. انتهى.

وعليه؛ فإن طلقتها فعليك أن تدفع لها ما بقي لها من المهر المسمى المتفق عليه بينكم، ما لم تسقط لك شيئا منه برضاها.

وإذا كانت زوجتك تمتنع من القدوم إليك دون عذر؛ فهي ناشز.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: فإن كانت امرأتاه في بلدين، فعليه العدل بينهما؛ لأنه اختار المباعدة بينهما، فلا يسقط حقهما عنه بذلك، فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها، وإما أن يقدمها إليه، ويجمع بينهما في بلد واحد. فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان، سقط حقها؛ لنشوزها. انتهى.

والناشز يجوز لزوجها أن يضيق عليها حتى تختلع منه، وراجع الفتوى: 8649.

واشتراطك على المرأة إسقاط نفقة العدة، والمتعة عند الطلاق؛ غير لازم؛ لكونه يتضمن إسقاط حق لم ينعقد سبب وجوبه.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يتفق الفقهاء على عدم صحة الإسقاط قبل وجوب الحق، وقبل وجود سبب الوجوب؛ لأن الحق قبل ذلك غير موجود بالفعل، فلا يتصور ورود الإسقاط عليه، فإسقاط ما لم يجب، ولا جرى سبب وجوبه، لا يعتبر إسقاطا. وإنما مجرد وعد لا يلزم منه الإسقاط مستقبلا، كإسقاط الشفعة قبل البيع، وإسقاط الحاضنة حقها في الحضانة قبل وجوبها، فكل هذا لا يعتبر إسقاطا، وإنما هو امتناع عن الحق في المستقبل، ويجوز الرجوع فيه، والعود إلى المطالبة بالحق. انتهى.

ونصيحتنا لك؛ أن تسعى للتواصل مع زوجتك، ولو بالسفر إليها والتفاهم معها، والسعي في استصلاحها، ولا سيما فيما يتعلق بالمحافظة على الصلاة المفروضة.

ولمعرفة بعض الأمور المعينة على المحافظة على الصلاة، راجع الفتوى: 3830.

وإذا لم تستجب، وتحافظ على الصلاة؛ فلا خير لك فيها.

وننبه إلى أنّ توثيق الزواج في المحاكم يشتمل على مصالح كبيرة، والتهاون فيه يؤدي إلى مفاسد عظيمة.

وراجع الفتوى: 396700.

والله أعلم.