عنوان الفتوى : الأولى بالسداد: مهر الزوجة أم دين إخوته وأمه
تزوجت، وقد ساعدني أبي بمبلغ من المال، وقال لي: هذا دين عليك في حالة إذا لم أستطع أن أعطي إخوتك وأخواتك مثل هذا المبلغ.
وقد رضيت بأنه دين في رقبتي.
أبي توفاه الله منذ سنة، وإخوتي وأخواتي وأمي يعلمون بهذا الدين. وفي نفس الوقت أنا لم أكمل مهر زوجتي.
معي الآن مبلغ من المال. من أولى بالسداد أولا: إكمال مهر زوجتي، أو أعطي لإخوتي وأخواتي وأمي الدين الذي في رقبتي ليقسم كميراث؟
مع العلم أنه لم يطالبني أحد بشيء لا زوجتي ولا إخوتي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الواقع ما ذكرت من كون أبيك قد أعطاك هذا المبلغ على أنه دين، مع احتمال أن يكون هبة إذا أعطى إخوتك مثلها.
فالهبة لا تقبل التعليق على شرط، بل تبطل إذا علقت على شرط.
قال ابن قدامة في المغني: ولا يصح تعليق الهبة بشرط؛ لأنها تمليك لمعين في الحياة، فلم يجز تعليقها على شرط، كالبيع. انتهى.
فيبقى الأمر على الأصل في كونه ديناً مستحقاً للورثة بعد وفاة أبيك. وإذا لم يكن إخوتك على علم بهذا الدين، فالواجب عليك إخبارهم.
وإذا لم يتيسر سداده، فالواجب عليك كتابة وصية به؛ فالوصية تكون واجبة في حق من عليه حق شرعي يخشى ضياعه إن لم يوص به، كما ذكر العلماء.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: إن كان على الإنسان دين أو حق أو عنده وديعة ونحوها، لزمه الإيصاء بذلك... انتهى.
وإن كان مهر زوجتك لم يحن أجله، فلا يجب عليك سدداده لها حتى يحين أجله، فيقدم دين الورثة عليه، وإن كان مهرها حالا، ولا يفي المال بحق الجميع، فالجميع مستحق.
ولم نجد كلاما لأهل العلم فيمن هو أولى بسداد دينه في هذه الحالة، ولكن ذكر أهل العلم المحاصصة بين الغرماء كل بمقدار دينه في حال قيام الغرماء على مدينهم المفلس، إن لم يكن ماله يفي بحقهم جميعا.
قال الخرشي عند قول خليل -المالكي- في مختصره: ( حاصت الزوجة بما أنفقت وبصداقها): يعني أن زوجة المفلس تحاصص غرماءه بما أنفقته على نفسها من مالها، أو تسلفته، بشرط أن يكون زوجها موسرا حين إنفاقها المذكور. وسواء كان الدين الذي فلس بسببه قبل الإنفاق، أو بعده، وإلا فلا ترجع منه بشيء، وكذلك تحاصص الغرماء بجميع صداقها على المفلس..... انتهى.
فيمكن العمل بالمحاصصة هنا كذلك، ولعلك إذا استأذنت أحد الطرفين في إعطاء الطرف الآخر أن يأذن لك بذلك، ويزول الإشكال.
والله أعلم.