أرشيف المقالات

خسرت يوم رفعت العلم الأبيض

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
خسرت يوم رفعت العلم الأبيض


عندما تنازل الثورانِ الأسودُ والأحمرُ عن حماية زميلهما الثور الأبيض، على أن ذلك أمرٌ يسير لن ينالهما منه أيُّ أذى، وسمحَا للأسدِ بافتراسه - كانت الحكاية التي سجَّل الثور الأسود آخرُ الضحايا بدايةَ نهايته فيها، لكنه أدرك ذلك بعد فوات الأوان، وصرخ بحكمته المشهورة: (أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض)، قبل أن يقوم الأسد بالتهامه.
 
هذا هو حالنا في كثير من النهايات المؤلِمة، ومصائب الحياة التي قد نتسبب فيها لأنفسنا، وربما لِمَن حولنا وعموم المجتمع.
تبدأ عادةً الخطوة الأولى بتنازلٍ نُسوِّغه لأنفسنا على أنه يسير لا ضير منه، بحجج واهية، نغش فيها ذواتنا، وعندما يشتد الخطب، وتكبُر الأمور لتصل لخواتيمها السيِّئة - كما هو متوقَّع لكل طريق هذا مستهَلُّه - لا نجد أمامنا سوى أن نتذكَّر بلوعةٍ وأسى تلك المقولة، ونندم على ما كان منا من تفريط، وندعو الله - الذي لا ملجأ في الشدائد إلا إليه - أن يُخفِّف عنا ما نحن فيه:
فالتدخين يبدأ بسيجارة مجانية من هنا أو هناك، على سبيل تجربة استكشاف لجديد، وقد ينتهي بسرطان للرئة.
 
وإدمان المخدِّرات يكون من جرعة قليلة نتلقَّاها من رفيق سوء، ثم لينتهي بنا الأمر إلى جرائم قتل، وسرقات، وتمزيق أُسَر، وأضرار في الأبدان والنفوس لا يعلم مداها إلا الله.
 
ورشوة يسيرة محرَّمة نُحلِّلها لأنفسنا على أنها إكرامية مشروعة، لتقودنا إلى منزلق ليس له نهاية، عبر تنازلات متتالية ومتصاعدة، لا حصر لها، تؤذي عباد الله من جمهور الناس، وتنشر الفساد، سلاح الدمار الأقوى للمجتمعات، ومُبدِّد الثروات والمقدَّرات.
 
إن بدأت لتوِّك في مسارٍ فيه انتهاكٌ لحرمات الله، وظلم للناس، فالحقْ بنفسِك، وأمسِكْها عن التمادي قبل أن يستفحل الداء، ويشق عليها التراجع، فكل نفس مهما تغول ما بداخلها من شر، وحادت عن الصواب، فيها بقية من خير، ومهما ترتب على انسحابك من خسائر موجِعة لمكاسب تعوَّدْتَ على أكلها بالحرام، أو لذة آثمة، أو أذى قد يلحق بك، فاعلم أن هذا ثمنٌ قليل، وخسارة مؤقتة، ألمُها هين لا يقارَن بما ينتظرك وقد يحل بك في نهاية الطريق، إلا أن ينجيك الله بمعجزة من عنده، كتبها لك في لوحه المحفوظ.
 
لا ترفع رايةَ الاستسلام البيضاء أبدًا، ما زال باليد حيلة، وفي الوقت متَّسع، مهما تفاقمت الأمور، فتوبتك عن السوء اليوم أسهلُ مِن الغد وأفضل، فلا تخدع نفسك، ولا تماطلها بأنك ستقف عند حد أو زمن معين؛ فلا أنت تضمن نفسك في قادم الأيام، ولا تدري إن كانت ستُشِرق عليك شمس الغد وأنت على قيد الحياة، فسارِع بالعودة عن غيِّك، قبل أن تصل لنقطة لا تستطيع منها أن تعود، ولا يتبقى لك سوى الندم والحسرة، بعد أن تقع الفأس بالرأس في نهاية درب التنازل والاستسلام لشرور النفس وجشعها الذي ليس له قرار.

شارك الخبر

المرئيات-١