عنوان الفتوى : إساءة معاملة الزوجة هل تبيح لها طلب الطلاق؟
أنا سيدة متزوجة منذ تسع سنوات، وقد صبرت كثيرا على سوء أخلاق زوجي؛ في السب والشتم واللعن لي ولأصولي على أتفه الأمور، بالإضافة إلى إكراهي على العمل، ونحن نعمل في مجال الخياطة، وإذا أحس أني أتكاسل لا يتوانى في سبي وشتمي، رغم أني أبذل كل ما بوسعي زيادة على أنه لا يعطيني ولا فرنك، وإذا طالبته يفتح تحقيقا ماذا ستفعلين؟ ولماذا؟ ففي نظره أنا آكل وأشرب هذا يكفي.
أقول له: كل امرأة تحتاج أغراضا خاصة للاعتناء بنفسها، لكنه يقول إنه يريدني كما أنا، ولا يريد تزيينًا، ولا شيئا. فحتى زجاجة العطر، إذا لم أتكلم عنها لأكثر من شهرين، فلا يأتي بها. بخيل عليّ فقط. وأما هو فالمال بيده ينفقه كيفما شاء.
وأنا قد سئمت من هذه التضييقات، ولدي ثلاثة أولاد. فهل يحق لي طلب الطلاق؟ علما أنه لا يعتذر مني أبدا، ولا يحس بالذنب، ولا يرى نفسه مخطئا.
ففي نظره هذه هي الطريقة الصحيحة لمعاملة المرأة، رغم أنه يقول إنه سلفي، ويحاول تقفي أثر السنة، وإذا نصحته يقول إنه هكذا، ولن يتغير، ويقول لي: لا تحاولي أبدا، فأنا لن أتغير، مع أنه في بداية زواجنا لم يكن هكذا، وإنما كان ليِّنًا بعض الشيء، وإذا أخطأ اعتذر. أما الآن فحياتي معه صارت مُرَّة. فماذا أفعل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان زوجك على هذه الحال التي ذكرت من القسوة والجفاء والغلظة في التعامل مع بذاءة اللسان؛ فلا شك في أنه مسيء إساءة عظيمة، ومخالف لما حث عليه الشرع الحكيم من حسن معاشرة الزوجات، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.
قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ .
وقال السعدي: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.
ومن أهم ما نوصيك به الدعاء لزوجك، والتضرع إلى الله سبحانه أن يصلح حاله، ويحسن خلقه، ولا تيأسي في هذا السبيل، فالله على كل شيء قدير، وقلوب العباد بين يديه يقلبها كيف يشاء، وقد قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجعي لمزيد الفائدة راجعي الفتوى 119608.
واستمري في نصحه بالرفق واللين، واستعيني عليه ببعض المقربين إليه، ومن ترجين أن يقبل قوله من الأقارب أو الأصدقاء؛ ليعظوه، ويذكروه بالله تعالى، وبأن لك عليه حقوقًا، كما أن له عليك واجبات، كما قال الله عز وجل: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
والمرجو أن يكون لهذا النصح تأثير عليه، وينتفع به، ويرجع لرشده وصوابه.
ولو قُدِّر أن استمر على حاله؛ فلك الحق في طلب الطلاق، فقد نص الفقهاء على أن الضرر البيِّن من مسوغات طلب الطلاق، ونقلنا كلامهم في ذلك في الفتوى: 37112.
وطلب الطلاق أمره هيِّن، ولكن الغالب أن تكون ثمرة الطلاق مُرَّة، وعواقبه سيئة، وخاصة على الأولاد، فقد يكونون ضحية فراق الوالدين، وتشتت الأسرة؛ ولذلك لا ينبغي المصير إليه إلا إذا ترجحت مصلحته.
وننبه إلى أن عرف الناس وعادتهم معتبرة في عمل المرأة مع زوجها، وما إن كان محمولا على أنه مجرد تبرع، أم تستحق عليه الثواب. وسبق لنا بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى: 130876.
وعلى كل: فليس للزوج الحق في الضغط على زوجته، وإجبارها على العمل معه.
ونرجو في الختام مراجعة الفتوى: 111376. وهي عن حكم تكاليف زينة المرأة مع بيان بعض التوجيهات للزوجين بهذا الخصوص.
والله أعلم.