عنوان الفتوى : حكم من طلق امرأته مرارا وبقي معها معتقدا بقاء الزوجية وأنجب منها
أنا ولدت في عائلة كثيرة المشاكل، وأبي وأمي كانا يتجادلان كثيرا، وقد حدث الطلاق لفظيا أكثر من 100 مرة، وأنا لا أبالغ، ولكن الطلاق المثبت في المحكمة هو اثنان، أو ثلاثة، لا أعلم بالضبط.
وما زال كل منهما يعيش مع الآخر، والحياة مستمرة. في آخر طلاق مثبت في المحكمة قبل رجوعهما إلى بعض؛ ذهبا إلى شيخ؛ لأن الشك دخل إلى قلبيهما أن علاقتهما حلال بعد كل هذا الطلاق، وكانت هناك شكوك قوية بوجود من سحَرَهما؛ لكي يتطلقا، فذهبا إلى شيخ ليسألاه إذا كان حلالا أن يرجعا إلى بعضهما، وقال أبي للشيخ: إن الطلاق حدث في لحظات غضب، وعيونه لم تكن ترى أمامه من غضبه، وهذا من أثر السحر؛ ولذلك كان يطلق أمي. فالشيخ أفتى برجوعهما إلى بعضهما في المرة الأخيرة.
لكن أنا أفكر ماذا إن لم يكن بقاؤهما معا حلالا؟ هل يجعل هذا مني ابنة غير شرعية؟ ابنة حرام، والعياذ بالله؟ لأني أنا الابنة الثالثة لهذه العائلة، وحين حملت أمي بي كانت قد تطلقت لفظيا مرات عديدة لا أتذكر.
أرجوكم أريد جوابا وافيا؛ لأن قلبي يؤلمني، كل ما أتخيل احتمالية أن أكون ابنة غير شرعية، ليس أمام القانون والمحاكم، ولكن أمام الله، وهو الأهم. وهل إن كنت ذلك هذا يؤثر عليّ سلبا في حياتي. وبطبيعة الحال لم يكن ذنبي أن أنجباني إلى هذه الدنيا؛ رغم عدم شرعية علاقتهما أمام الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على ثقتك بنا، وكتابتك إلينا، ونسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا عند حسن ظنك. ونشكرك على حرصك على السؤال عما تحتاجين إلى معرفة حكمه الشرعي.
ونحسب أن الأمر أهون من أن تتركي لعقلك أن يسلك هذا المسلك في التفكير، وأن تدعي المجال للشيطان ليصور لك أنك ابنة زنا ليدخل الأحزان إلى قلبك، وربما قادك إلى وسوسة لا تُؤمَن عواقبها. فكوني على حذر، واستعيذي بالله من الشيطان وشره. قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت:36}.
ومن المقرر عند الفقهاء أن الأصل بقاء العصمة الزوجية حتى يثبت زوالها، وهذا بناء على القاعدة الفقهية الكلية:(اليقين لا يزول بالشك)، فتكون أمك زوجة لأبيك حتى يثبت العكس.
وإذا كان أبوك قد استفتى بعض العلماء، وأفتاه بعدم وقوع الطلاق لمانع من وقوعه من غضب، أو سحر؛ فيسع أباك العمل بفتواه.
قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته، فيما لا يعلمه من أمر دِينه، ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه؛ حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.
وعلى وجه العموم فإن الزوج إذا عاشر زوجته يعتقد صحة وبقاء الزواج؛ فهذا تترتب عليه آثاره من ثبوت النسب ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: إن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ، إذا وطئ فيه، فإنه يلحقه فيه ولده، ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلًا في نفس الأمر باتفاق المسلمين... إلى أن قال: فثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر، بل الولد للفراش، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الولد للفراش، وللعاهر الحجر . اهـ.
وعليه؛ فنسبتك إلى أبيك صحيحة، فلا داعي للقلق أو الشكوك، ولا تلتفتي إليها، بل أعرضي عنها تماما.
وينبغي أن ينصح أبوك برفق فيما يتعلق بالتلفظ بالطلاق، وكذلك الحال بالنسبة للغضب، فقد جاءت السنة بالتحذير منه وبيان أنه من الشيطان وكيفية علاجه إذا طرأ، ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى: 8038.
والأولى أن يكون النصح من بعض المقربين إليه.
وإن غلب على الظن أن يكون هنالك نوع من السحر؛ فالرقية الشرعية هي العلاج، وانظري الفتوى: 4310.
والله أعلم.