أرشيف المقالات

تفسير قوله تعالى: {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
تفسير قوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25]
 
تفسير ابن كثير:
وقوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ [النور: 25]، قال ابن عباس: (دينهم)؛ أي: حسابهم، وكل ما في القرآن (دينهم)؛ أي: حسابهم، وكذا قال غير واحد.
 
ثم إن قراءة الجمهور بنصب (الحق) على أنه صفة لدينهم، وقرأ مجاهد بالرفع، على أنه نعت الجلالة، وقرأها بعض السلف في مصحف أبي بن كعب: (يومئذٍ يوفيهم اللهُ الحقُّ دينَهم).
 
وقوله: ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25]؛ أي: وعده ووعيده وحسابه هو العدل، الذي لا جَور فيه.
 
تفسير الطبري:
قوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ [النور: 25]، والدين في هذا الموضع: الحساب والجزاء، كما حدثني علي، قال: ثنا عبدالله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ [النور: 25] يقول: حسابهم.
 
واختلفت القرَّاء في قراءة قوله: (الحق)، فقرأته عامة قراء الأمصار: (دينَهم الحقَّ)؛ نصبًا على النعت للدين، كأنه قال: يوفيهم الله ثواب أعمالهم حقًّا، ثم أدخل في الحق الألف واللام، فنصب بما نصب به الدين، وذكر عن مجاهد أنه قرأ ذلك: (يوفيهم الله دينهم الحقُّ) برفع الحق؛ على أنه من نعت الله.
 
حدثنا بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن حميد، عن مجاهد، أنه قرأها الحق بالرفع، قال جرير: وقرأتها في مصحف أبي بن كعب: (يوفيهم الله الحق دينهم).
 
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرَّاء الأمصار، وهو نصب الحق على إتباعه إعرابَ الدين؛ لإجماع الحُجَّة عليه.
 
وقوله: ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25] يقول: ويعلمون يومئذٍ أن الله هو الحق الذي يبين لهم حقائق ما كان يعِدهم في الدنيا من العذاب، ويزول حينئذٍ الشكُّ فيه عن أهل النفاق، الذين كانوا فيما كان يعِدهم في الدنيا يمترون.
 
تفسير البغوي:
﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ [النور: 25] جزاءهم الواجب، وقيل: حسابهم العدل، ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25] يبين لهم حقيقة ما كان يعِدهم في الدنيا؛ قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: وذلك أن عبدالله بن أُبيٍّ كان يشكُّ في الدين، فيعلم يوم القيامة أن الله هو الحق المبين.
 
تفسير القرطبي:
قوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25]؛ أي حسابهم وجزاءهم، وقرأ مجاهد: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحقُّ) برفع الحق على أنه نعت لله عز وجل، قال أبو عبيد: ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع؛ ليكون نعتًا لله عز وجل، وتكون موافقة لقراءة أُبيٍّ؛ وذلك أن جرير بن حازم قال: رأيت في مصحف أبي: (يوفيهم الله الحق دينهم)، قال النحاس: وهذا الكلام من أبي عبيد غير مَرضيٍّ؛ لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم، ولا حُجَّة أيضًا فيه؛ لأنه لو صح هذا أنه في مصحف أُبيٍّ كذا، جاز أن تكون القراءة: (يومئذٍ يوفيهم الله الحق دينُهم)، يكون (دينهم) بدلًا من الحق، وعلى قراءة (دينهم الحقَّ) يكون (الحق) نعتًا لـ(دينهم)، والمعنى حسن؛ لأن الله عز وجل ذكر المسيئين، وأعلم أنه يجازيهم بالحق؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 17]؛ لأن مجازاة الله عز وجل للكافر والمسيء بالحق والعدل، ومجازاته للمحسن بالإحسان والفضل، ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25]؛ اسمان من أسمائه سبحانه.
 
تفسير السعدي:
﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ [النور: 25]؛ أي: جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفورًا، لم يفقدوا منها شيئًا، ﴿ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم أن الله هو الحق المبين، فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى.
 
فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعده ووعيده، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثَمَّ حقٌّ، إلا في الله، وما من الله.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ):
وقوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ ﴾ [النور: 25] استئناف بياني؛ لأن ذِكْرَ شهادة الأعضاء يثير سؤالًا عن آثار تلك الشهادة، فيُجاب بأن أثرها أن يجازيهم الله على ما شهدت به أعضاؤهم عليهم، فدينهم جزاؤهم كما في قوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، و﴿ الْحَقَّ ﴾ نعت للدين؛ أي الجزاء العادل الذي لا ظلم فيه، فوُصِف بالمصدر للمبالغة.
 
وقوله: ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25]؛ أي: ينكشف للناس أن الله الحق، ووصف الله بأنه (الحق) وصف بالمصدر؛ لإفادة تحقق اتصافه بالحق؛ كقول الخنساء:

ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكَرت
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ

وصفة الله بأنه (الحق) بمعنيين:
أولهما: بمعنى الثابت الحاقِّ؛ وذلك لأن وجوده واجب، فذاته حق متحققة، لم يسبق عليها عدم ولا انتفاء، فلا يقبل إمكان العدم، وعلى هذا المعنى في اسمه تعالى (الحق)، اقتصر الغزالي في شرح الأسماء الحسنى.
 
وثانيهما: معنى أنه ذو الحق؛ أي العدل، وهو الذي يناسب وقوع الوصف بعد قوله: ﴿ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ [النور: 25]، وبه فسر صاحب الكشاف، فيحتمل أنه أراد تفسير معنى الحق هنا؛ أي وصف الله بالمصدر، وليس مراده تفسير الاسم، وهذا الذي درج عليه ابن برجان الإشبيلي في كتابه شرح الأسماء الحسنى، والقرطبي في التفسير؛ [انتهى باختصار].

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢