عنوان الفتوى : هل يثبت نسب ولد الزنا بالبصمة الوراثية؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

جاء في بعض مواقع الفتوى هذا الكلام، -وهو يتكلم عن ابن الزنا وإلحاقه-: "أن لا تكون المرأة ذات فراش، ولا يستلحقه الزاني به، ولا ادَّعى أنه ابنه من الزنا. ففي هذه الحال لا يُلحق به أيضاً، قولاً واحداً. فلم يقل أحد من أهل العلم بإلحاق ولد الزنا بالزاني من غير أن يدعيه الزاني. وقد أشار الماوردي في "الحاوي الكبير" (8/455) إلى " إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالزِّنَا". أي إذا لم يدعه.
الإشكال: أريد أن أتكلم بصراحة حول هذه النقطة، فهي الحالة التي أعيشها: فأنا ولد غير شرعي، وأعرف حق المعرفة أبي البيولوجي، ومتأكد أنه هو، وهو غير معترف بي ولا يريد ذلك.
ولكيلا أطيل، وأدخل في التفاصيل أقول: لماذا هذا الإجماع من العلماء الذي يحرمنا نحن من نسبنا. ونعيش من دونه إلى الأبد مجهولين، رغم أنه في العصر الحاضر عندنا التحاليل الجينية: DNA "تحليل الحمض النووي" التي نستطيع من خلالها إثبات النسب سواء اعترف الزاني أو لم يعترف. فهو في غالب الأحيان سوف ينكر خاصة في مجتمعاتنا العربية.
وكما هو الحال معي، يجب علينا أن نعاصر تطورات العصر الحاضر، وخاصة في مثل هذه المسألة المهمة.
فما هو رأيكم؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نقف -فيما اطلعنا عليه- على قول لأحد من أهل العلم المعتبرين بإلحاق ولد الزنا بالزاني، إذا لم يستلحقه الزاني، سواء بالبصمة الوراثية، أو غيرها.

وأما إذا استلحقه الزاني، ولم تكن أمه فراشا لأحد. فهذا فيه شيء من الخلاف، والجمهور على عدم لحقوقه به أيضا.

ومما استدلوا به على ذلك: الإجماع على عدم اللحوق إذا لم يستلحقه الزاني، قالوا: فكذلك الحال إذا استلحقه. وبأن الزاني لو اعترف بالزنا دون أن يستلحق الولد، لم يلحقه.

وهذا معنى كلام الماوردي في «الحاوي الكبير» وتبعه الروياني في «بحر المذهب» حيث قال: ولأن ولد الزنى لو لحق بادعاء الزاني إياه، للحق به إذا أقر بالزنا وإن ‌لم ‌يدعيه، كولد الموطوءة.

يشبه في إجماعهم على نفيه عنه، مع اعترافه بالزنى، دليل على نفيه عنه مع ادعائه له؛ ولأنه لو لحق بالاعتراف لوجب عليه الاعتراف. وقد أجمعوا على أن الاعتراف به لا يلزمه، فدل على أنه إذا اعترف به لم ‌يلحقه. اهـ.

وقريب من ذلك قول ابن قدامة في المغني: لأنه لا يلحق به إذا لم يستلحقه، فلم يلحق به بحال. اهـ.
بل إن من أهل العلم من حكى الإجماع على قول الجمهور من عدم اللحوق حتى لو ادعاه الزاني.

قال ابن عبد البر في التمهيد: وهذا إجماع أيضا من علماء المسلمين، أن ‌الزاني لا يلحقه ولد من زنى: ادعاه أو نفاه. اهـ.
ومبنى هذا الحكم على أن النسب ليس حقا للولد وحده حتى يثبت بدعواه، وإنما هو قبل ذلك حق للوالد، ولذلك يمكنه نفيه باللعان!

وفيه كذلك حق لله تعالى، ولذلك اقتصر إثباته على السبيل الذي شرعه الله -وهو الزواج الصحيح، وما في حكمه من النكاح الفاسد، أو الوطء بشبهة- دون ما حرمه وهو الزنا.

قال ابن القيم في «الطرق الحكمية»: إثبات النسب فيه حق لله، وحق للولد، وحق للأب. ويترتب عليه من أحكام الوصل بين العباد ما به قوام مصالحهم وتمامها. اهـ.
وقال السرخسي في المبسوط: رجل أقر أنه زنى بامرأة حرة، وأن هذا الولد ابنه من الزنا، وصدقته المرأة، فإن النسب لا يثبت من واحد منهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، ولا فراش للزاني، وقد جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حظ الزاني الحجر فقط ...

والمراد هنا أنه لا حظ للعاهر من النسب، ونفي النسب من الزاني حق الشرع إما بطريق العقوبة؛ ليكون له زجرا عن الزنا إذا علم أن ماءه يضيع به، أو لأن الزانية نائبها غير واحد، فربما يحصل فيه نسب الولد إلى غير أبيه، وذلك حرام شرعا، ولا يرتفع هذا المعنى بتصديق المرأة، وكان نفي النسب عن الزاني لحق الولد، فإنه يلحقه العار بالنسبة إلى الزاني، وفيه إشاعة الفاحشة. وهذا المعنى قائم بعد تصديق المرأة. اهـ.

والله أعلم.