عنوان الفتوى : اكتسب ماله من حرام ولا يجد مايتقوت منه فهل ينتفع به؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كنت أعمل في مصنع دخان، وكونت نفسي من أموال هذا العمل الذي كنت أعمله، وهو محاسب على الكمبيوتر، فماذا أعمل بعد أن تركت العمل، فلا يوجد معي مال كي أشتري شقة، فهل أبيت في الشارع أنا وزوجتي أم هذا حلال عادي؟ أرجو السرعه جزاك الله خير.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالواجب عليك التخلص من هذا المال لأنه مال خبيث، وطريقة التخلص منه أن تصرفه في مصالح المسلمين وعلى فقرائهم، فإن كنت فقيرا فلك أن تأخذ منه بالقدر الذي يسد حاجاتك الضرورية -أنت ومن تعول- من مسكن ومطعم ومركب إن لحقك بترك المركب (وسيلة مواصلات ) مشقة شديدة، ونورد مقتطفات من كلام الإمام الغرالي تبين الأمر وتوضحه:

قال الإمام النووي في المجموع:(فرع) قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه - فإن كان له مالك معين - وجب صرفه إليه أو إلى وكيله, فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه, وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة, كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة, ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه, وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء, وينبغي أن يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفا فإن لم يكن عفيفا لم يجز التسليم إليه, فإن سلمه إليه صار المسلم ضامنا, بل ينبغي أن يحكم رجلا من أهل البلد دينا عالما فإن التحكيم أولى من الانفراد, فإن عجز عن ذلك تولاه بنفسه, فإن المقصود هو الصرف إلى هذه الجهة, وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير, بل يكون حلالا طيبا, وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا, لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم, بل هم أولى من يتصدق عليه, وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير، وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب, وهو كما قالوه, نقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف, عن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع, لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر, فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين, والله سبحانه وتعالى أعلم.

(فرع) قال الغزالي: إذا كان في يده مال بعضه حلال وبعضه فيه شبهة, وله عيال, ولا يفضل عن حاجته, فليخص نفسه بالحلال, ثم بمن يعول, وإذا ترددت حاجة نفسه بين القوت واللباس وبين غيرهما, كأجرة الحجام والصباغ والقصار والحمال, ودهن السراج وعمارة المنزل, وتعهد الدابة وثمن الحطب, ونحو ذلك فليخص بالحلال قوته ولباسه, فإن  تعارضا فيحتمل أن يخص القوت بالحلال, لأنه يمتزج بلحمه ودمه, ولأكل الحرام والشبهة أثر في قساوة القلب،(وأما) الكسوة ففائدتها دفع الحر والبرد, والستر عن الأعين, وذلك يحصل, وقال المحاسبي, يخص الكسوة بالحلال لأنها تبقى مدة, وهذا يحتمل أيضا, ولكن الأول أظهر.

 (فرع) قال الغزالي: الحرام الذي في يده حيث قلنا: يتصدق به كما سبق فيتصدق به على الفقراء أو يوسع عليهم, وإذا أنفق على نفسه حيث جوزناه فليضيق ما أمكنه, وما أنفق على عياله فليقتصد, ولكن بين التوسعة والتضييق، فإن ضافه إنسان -فإن كان فقيرا- وسع عليه, وإن كان غنيا لم يطعمه شيئا أصلا منه, إلا أن يكون في برية أو نحوها, بحيث لا يجد شيئا فيطعمه, فإنه حينئذ في معنى الفقير, فإن عرف من حال الفقير أنه لو علم ذلك المال لتورع عنه, أحضر الطعام وأخبره بالحال ليكون قد جمع بين حق الضيافة وترك الخداع, ولا يكتفي بأن ذلك الفقير لا يدري لأن الحرام إذا حصل في المعدة أثر في قساوة القلب وإن لم يعرف آكله.

 (فرع) قال الغزالي: إذا كان الحرام أو الشبهة في يد أبيه أو أمه, فليمتنع من مؤاكلتهما, فإن كرها امتناعه لم يوافقهما على الحرام, فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, بل ينهاهما, وإن كان ذلك شبهة يريد تركه للورع فقد عارضه طلب رضاهما وهو واجب, فليتلطف في الامتناع, فإن عجز فليأكل وليقلل من ذلك, وليصغر اللقمة ويطل المضغة, ولا يتوسع منه, قال: والأخت والأخ قريب من الأب والأم, فإن حقهما مؤكد, قال: وكذلك إذا ألبسته أمه ثوبا من شبهة, وكانت تسخط لو رده, فليقبله وليلبسه بين يديها, وينزعه إذا غاب عنها ويجتهد أن لا يصلي فيه إلا بحضرتها.

 (فرع ) قال الغزالي: إذا لم يكن في يده إلا مال حرام محض فلا حج عليه ولا زكاة ولا تلزمه كفارة مالية, فإن كان مال شبهة فليس بحرام محض, لزمه الحج إن أبقاه في يده, لأنه محكوم بأنه ملكه, وكذا الباقي.

 ( فرع ) قال الغزالي: إذا كان في يده مال حرام لا يعرف له صاحب, وجوزنا إنفاقه على نفسه للحاجة كما سبق تفصيله, فأراد أن يتطوع بالحج, فإن كان ماشيا جاز, وإن كان يحتاج إلى مركوب لم يجز, لأنا جوزنا له الأكل للحاجة, ولا نجوز ما لا ضرورة إليه كما لا يجوز له شراء المركوب في البلد من هذا المال. انتهى من المجموع. 

والله أعلم.